رائدات - الشاعرة د. سعاد الصباح - رائدة في الثقافة العربية
رائدات

سعاد الصباح.. جوائز إبداع الشباب

تستضيف الحلقة الشاعرة والباحثة في الاقتصاد والتاريخ سعاد الصباح. منعت من الكتابة لكنها لم تستسلم، فكانت أول امرأة عربية تقدم جوائز لإبداع الشباب وتكرم المبدعين.

– ذكريات من الطفولة
– فارس الأحلام لم يخذل

– في مصر، العودة إلى الجامعة وأول أمسية

– الأولى في المواجهة والمبادرة

– مع القومية العربية حتى النهاية

– زوجة، أم، جدة.. ودائما شاعرة

 

 روان الضامن
 روان الضامن
 سعاد الصباح
 سعاد الصباح

سعاد الصباح:

"ليس للشعر لدينا سادة أو أمراء

إن للشعر أميرا واحد يدعى الحجر"

"يا الذي روعت آلاف المها

إن قتل الكحل في العينين لا يدعى انتصارا

إن ما سميته ملحمة كبرى أسميه انتحارا"

"إن في لبنان أطفال يموتون وعرضا يغتصب

إغضبي أيتها الأرض فإن الأرض لا يفلحها إلا الغضب"

روان الضامن:

"أيها العالقون في ذيل أميركا وبالدون يعلق الأدنياء

كم بتدبيرها تهاوت حقوق وسرت فتنة وعم البلاء

كم على نارها تلظت شعوب استبيحت أطفالها والنساء

غير أن الرحى تدور على الباغي وبعد الصباح يأتي المساء"

صاحبة هذه الكلمات ضيفتنا في رائدات…

سعاد الصباح:

إنني بنت الكويت بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل كالظبي الجميل

في عيوني تتلاقى أنجم الليل وأشجار النخيل

من هنا أبحر أجدادي جميعا ثم جاؤوا يحملون المستحيل

ذكريات من الطفولة

روان الضامن:  أنت الابنة البكر للوالد الشيخ محمد الصباح الذي حمل اسم جده الشيخ محمد الصباح الذي حكم الكويت في نهاية القرن التاسع عشر، حدثينا عن ذكرياتك في هذه الطفولة؟

سعاد الصباح: ولدت في الجبير وهو قضاء من أقضية البصرة اللي هو يبعد عن الكويت تقريبا ساعة وشوية.

روان الضامن:  الوالد كان ولد هناك أيضا؟

سعاد الصباح: والدي ولد هناك بعد أن هاجرت العائلة بعد مقتل الشيخ محمد الصباح حاكم الكويت..

روان الضامن: هل صحيح أن أول دينار أخذته من الوالد لأنك كنت تقرأين الصحف بطلاقة؟

سعاد الصباح: إيه حقيقة كان بين أمي وأبوي رهان فأمي قالت لأبي أنت اللي علمتها القراءة قبل أن تدخل إلى الصف الأول الأبتدائي، فكان هذا الرهان إذا قرأت كلمتين هذه الكلمتين من الجريدة فسأعطيك دينارا، فكان أغلى دينار…. هذه أنا في جبير، أبوي كان يدلعني جدا ويحبني، فهذه اللعبة أتى بها لي من الخارج، يعني أعظم ثروة للإنسان هي صداقة الطفولة، فأنا صداقاتي من أيام المدرسة، سواء كنت في الابتدائية في العراق مع، الله يعطيها طول العمر، الأخت خولة السامرائي، ونلتقي..

روان الضامن(مقاطعة): أين السيدة خولة حاليا؟

سعاد الصباح: في بغداد.

روان الضامن(مقاطعة): هي كانت في الجبير نفس المدرسة ولا في البصرة؟

سعاد الصباح: بالبصرة لما انتقلت للبصرة، لأن حليمة السعدية وهذه كانت بالبصرة ما كانت في الجبير، الجبير كنت لحد عمر ست سنين وبعدين ما..

روان الضامن (مقاطعة): ما قبل المدرس.

سعاد الصباح: ما قبل المدرسة.

روان الضامن:  دائما تذكرين دور الوالد في توجيهك ثقافيا وتقولين أنه كان يحضر لك دواوين الشعر والكتب ويخبئها تحت عباءته بينما هذه الدواوين ممنوع أن تصل للفتيات في ذلك الوقت.

سعاد الصباح: أبي كان فكره مستقبلي وكان دائما يقول لي أنا أحضرك للمستقبل، أنا أحضر أولادي للمستقبل.

روان الضامن:  ماذا عن الوالدة، يعني الشيخة أحمد الثاقب رحمها الله؟

سعاد الصباح: علمتني أن أكون سيدة نفسي فكانت تخليني أعمل كل شيء رغم أني أبنة وحيدة وأبنة مدللة وكانت دائما تهديني الكتب، أهم مجلة كانت اللي هي شراكة بين أمي وأبي اللي هي مجلة الرسالة، الأوقات الوحيدة اللي أشوف أمي وأبوي في عندهم، بيناتهم معارك على هذه الرسالة من يقرأ قبل ومن يقرأ الكاتب الفلاني قبل أو من يقرأ المقالة الفلانية.

روان الضامن:  هناك يعني دور يبدو للجدة في طفولتك، ما هو؟

سعاد الصباح: كنت أسافر معها دائما في الإجازات المدرسية وقبل الإجازات المدرسية قبل ما أدخل المدرسة دائما كنت معاها، حقيقة البساتين التي هي أملاكنا في منطقة الفاو لما كانت جدتي تأخذني إلى هناك هذه البساتين الخضراء هي التي أعطت شعري هذه المائية واللون الأخضر….

روان الضامن:  عادت سعاد الصباح مع عائلتها أواسط الخمسينات إلى وطنها الكويت وأكملت دراستها في مدرسة الخنساء الإعدادية.

سعاد الصباح: كان نظام المدرسة في ذلك الوقت في الخمسينات، خلف المدرسة في مبنى حق سكن المدرسات، كانوا يسكنون في نفس المدرسة.

روان الضامن: ماذا تذكرين عن هذه الساحة؟

سعاد الصباح: هذه حقيقة أن الصف اللي هو آخر شيء هو السنة الرابعة الإعدادي كان هذا الفصل، كنا نخاف جدا من أي حركة لأن المديرة هناك عملت لنا حالة رعب، يعني أي حركة بالخارج نخاف تكون المديرة علينا..

روان الضامن: كنت شقية أم هادئة تلك الأيام؟

سعاد الصباح: بين بين، يعني في الصف لا، بس يمكن بره، بس في أوقات في مجموعة من الأخوات هم بيعرفوا نفسهم كانوا يجرونا للشقاوة فكنا إيه.

روان الضامن:  هل صحيح يعني أن بداية كتابة الشعر، الأبيات الشعرية كان في أعمار تقريبا 13، 14 في هذه المرحلة، حدثينا عن ذلك ؟

سعاد الصباح: حقيقة أنا كتبت وأنا في السنة الثالثة عشرة، وبدأت الكتابة على.. كان عندنا امتحان الهندسة، كتاب الهندسة، كنت أدرس أنا وإحدى صديقاتي وخالتي، فبدأت هم يدرسون وأنا أدندن، وبالآخر قالوا إيش فيك أنت حصل لك شيء؟ قمت قرأت لهم ما كتبت. ومدرسة اللغة العربية كان لها دور كبير، حتى مدرسة التدبير المنزلي تقول لي سعاد ملينا أقرأي لنا شوي، هذا كثير كان كمراهقة، كثير كان يشجعني.

روان الضامن:  شهدت نهاية الخمسينات نهضة عمرانية واجتماعية متسارعة ف الكويت، عام 1958 هدمت أسوار الكويت القديمة لتوسيعها وصدر العدد الأول من مجلة العربي الشهرية، التي بالمناسبة في 2008 تحتفل بعيدها الخمسين، والتي كان لهذه المجلة أثر هام في نشر الثقافة على مستوى الوطن العربي، فبمن تأثرت ثقافيا في تلك الفترة؟

"
أعتز بمجلة العربي لدورها الثقافي والتنويري في الوطن العربي، ذاكرتي عبارة عن بازار فيها جميع أنواع القراءات وأنواع الكتب والفضل يرجع لأبي
"

سعاد الصباح: أنا كبرت مع العربي وأعتز فيها، لدورها الثقافي ودورها التنويري في الوطن العربي، يعني أستطيع أن أقول إن ذاكرتي عبارة عن بازار فيها جميع أنواع القراءات وأنواع الكتب، إذا كان في فضل فهو فضل أبي….

روان الضامن: في أول سنة لك بالمدرسة الثانوية، يعني مدرسة المرقاب الثانوية توفيت الوالدة رحمها الله وهي في أوائل الثلاثينات، ماذا تذكرين عن ذلك؟

سعاد الصباح: حقيقة الموت لا أعرف هل يحبني أو يكرهني؟ وأكيد أكيد أنه يكرهني اللي أخذ مني أعز ما أملك، أنه في سنة وحدة أخذ أمي وأخذ أبي في أقل من سنة، يعني بين أمي وأبي بالضبط 11شهرا، يعني توفيت أمي وهي في أوائل الثلاثينات وتوفى أبي وهو له من العمر أوائل الأربعينات، وثم في السنة الأخرى خالي وجدتي لأبي التي كانت محور طفولتي، فالموت حقيقة زارني عدة مرات وطحن عظامي..

روان الضامن: رحمهم الله جميعا.

سعاد الصباح: فرحمهم الله يا رب.

 فارس الأحلام لم يخذل

روان الضامن: الشيخ عبد الله مبارك الصباح الذي كان يشغل منصب نائب حاكم الكويت والقائد العام للقوات المسلحة، كيف تمكنت يعني بزواجك من الشيخ في تلك السن الصغيرة من التكيف مع وضع يتطلب التزامات اجتماعية كبيرة، علما بأنك كنت في السنة الثانية من المدرسة الثانوية؟

سعاد الصباح: حقيقة لما خطبني عبد الله مبارك علشان أتكلم، علشان يكون  واضح، كنت صبية بمريول المدرسة سنة 1959، كان هو الرجل الثاني في الدولة، ونائب الحاكم في المجلس الأعلى للعائلة وهو ما يساوي تقريبا، بين مزدوجين، هو كان مثل مجلس الوزراء، يعني مثل أحلام كل المراهقات أنه حصان أبيض وفتى الأحلام، لم  يكسر عبد الله مبارك هذا التصور، عاملني وأنا صغيرة معاملة حضارية وإنسانية، قدمني لأصدقائه، شاركني في قضاياه.

محمد عبد الله مبارك الصباح/ ابن سعاد الصباح: الوالدة كانت تحضر الديوانية أو المجلس العام للوالد وهذا كان أمرا غريبا، يعني حتى في أيامنا هذه مستغرب، وقد نقول أنه من الأمور الغير محبذة أن تحضر المرأة، يعني مع تعديل العفو، أن تحضر إلى مجلس أو ديوان الرجال، لكن من إيمان الوالد بعقلية زوجته، بفكرها ، برزانتها، بمعرفتها التعامل مع الأشخاص، كانت تجلس على يمينه في هذا المكتب اللي نحن نتحاور فيه الآن.

د.حسن الإبراهيم/ رئيس الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية: سعاد تزوجت إنسان مثالي، أنا أعتقد أنه خلف كل امرأة عظيمة رجل، وهذا  ينطبق على العلاقة المتميزة التي تربط هؤلاء الأحبة الاثنين مع بعضهم البعض.

سعاد الصباح: يعني أجمل ما في علاقتي مع عبد الله مبارك هي علاقة الصداقة.

روان الضامن:  واشتهرت قصيدتك التي غنتها السيدة ماجدة الرومي، كن صديقي.

سعاد الصباح:

كن صديقي، كن صديقي، كن صديقي

كم جميل لو بقينا أصدقاء

وأنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام

تكلم حين تلقاني..

لماذا الرجل الشرقي ينسى حين يلقى امرأة نصف الكلام….

روان الضامن: تذكر ضيفتنا كيف انتقلت للعيش في لبنان بعد أن استقال الشيخ عبد الله مبارك الصباح عام 1961 وقبل استقلال الكويت بشهرين، وقد وثّقت في كتاب تأريخي أن الشيخ استقال من منصبه كرجل ثان في الحكم حفاظا على تماسك الأسرة الحاكمة ومنعا للفتن التي أثارها الإنجليز حوله.

سعاد الصباح: تحفظ كثير على عبد الله المبارك بالنسبة للبريطانيين فانفتاح عبد الله المبارك وحداثته وانفتاحه على العرب، إلغاء الفيز من العرب بدا أنه..

روان الضامن(مقاطعة): أي ألغى تأشيرة دخول العرب إلى الكويت؟

سعاد الصباح: تأشيرات الدخول إلى الكويت. فلما الواحد يقرأ التقارير البريطانية، يعني عدة مرات تلقين أنهم ينبهون أن عبد الله مبارك سيأتي للحكم وهذا مضر، يعني في تفصيل كبير في الكتاب..

روان الضامن(مقاطعة): نعم أنت جمعت وثائق بريطانية، وبعض الوثائق ذكرت أنها ما زالت حتى اليوم سرية رغم مرور أكثر من 45 عاما على..

سعاد الصباح: هذه السرية هي وقت، لأنه عبد الله المبارك 27 أبريل غادر وبقيت استقالته، يعني استقال وغادر ولم تقبل استقالته إلا قبل الاستقلال بيومين، ففترة الأسبوعين هذه أوالثلاث أسابيع اللي قبل الاستقالة، اللي قبلت الاستقالة هذه لا زالت سرية..

روان الضامن(مقاطعة): هل كان قربه من الناصرية في ذلك الوقت؟

سعاد الصباح: عبد الله المبارك كان قريب جدا لجمال عبد الناصر ولرجال الثورة من الخمسينات ومرور عام على الوحدة العربية، ألقى خطابا في..

روان الضامن(مقاطعة): تقصدين وحدة مصر وسوريا، يعني في 1959 تقريبا.

سعاد الصباح: مصر وسوريا. فألقى خطاب أن يكون غدا يوم عطلة للجميع بمناسة الوحدة، فإحدى التقارير تقول إن عبد الله المبارك وضع مسمار في نعشه لقربه لعبد الناصر، فيعني..

روان الضامن(مقاطعة): هل بقي رحمه الله يعني مرتاحا لقرار الاستقالة الذي اتخذه بعد ذلك؟

سعاد الصباح: جدا ، جدا، جدا، هو كان مرتاح وخدم ويريد يعني خلص خير وبركة الشباب الموجودون، يعني الشيوخ الموجودون فيهم كل الخير والبركة أن يتحملوا المسؤولية والحمد لله تحملوا المسؤولية.

روان الضامن:  كنت أول سيدة كويتية تصدر ديوان شعر؟

سعاد الصباح: أول ما تزوجت هم كتاباتي الطفولية أصدرتهم، فلما طلبت من أبو مبارك قال لي أبدا انشري، فنشرت يعني كتابي بالمعنى المفهوم هو من عمري..

روان الضامن (مقاطعة): الديوان الثالث ولكنه الأول نضوجا في 1964.

سعاد الصباح: في 1964 ولو أنه لم يكن ناضجا بالمعنى، بالمعنى اللي أنا فيه الآن، لأنه ما كنت، 18 سنة وكانت كمان هي.. ولكن كنت يعني متفاعلة، غير التفاعل الوجداني، متفاعلة سياسيا وقوميا، في كتابات في الديوان قومية..

روان الضامن(مقاطعة): هناك في الديوان قصيدة عن لبنان، قصيدة عن فلسطين وعن جميلة بوحريد المناضلة الجزائرية.

سعاد الصباح(متابعة): عن جميلة وعن فلسطين حتى..

روان الضامن(متابعة): ورسم غلاف الكتاب..

سعاد الصباح: رسم الكتاب شموط، الأستاذ شموط الرائع..

روان الضامن(مقاطعة): اسماعيل شموط، كان فنان فلسطيني مقيم في بيروت آنذاك.

سعاد الصباح: في بيروت، وقام في ..

روان الضامن (مقاطعة): وبيروت كانت شعلة ثقافية.

سعاد الصباح: ثقافية بالضبط، بالضبط، حقيقة استفدت جدا من بيروت.

في مصر، العودة إلى الجامعة وأول أمسية

روان الضامن: عام 1965 قرر الزوجان الانتقال من بيروت إلى القاهرة مع طفلهما البكر مبارك، تلبية لدعوة الرئيس جمال عبد الناصر.

سعاد الصباح: هذه الصورة في فرح العزيزة منى عبد الناصر في منشية البكري، كنا دائما ندعى من قبل الرئيس في الدعوات سواء الرسمية أو الدعوات العائلية.

روان الضامن: هل صحيح أن السيدة أم كلثوم أطلقت صرخة المجهود الحربي عام 1967 من بيتكم بالقاهرة؟

سعاد الصباح: نعم، نعم أطلقت هذا، طلب مني أبو مبارك أن نبعث معدات للهلال الأحمر وسيارات إسعاف وأدوية وتبرع بمليون للمجهود الحربي، مليون دولار.

روان الضامن: كنت في تلك الفترة يعني قد انقطعت عن الدراسة الثانوية لفترة عدة سنوات فقررت استكمال تعليمك الثانوي بدراسة خاصة في المنزل وقررت عام 1969 وأنت زوجة وأم استكمال تعليمك الجامعي. مالذي دفعك إلى ذلك؟

سعاد الصباح: يعني أنا دائما عندي طموح علمي، واعترف لو لا عبد الله مبارك ما أعطاني الضوء الأخضر لإكمال تعليمي لبقيت في البيت مثل كثير من جيلي.

يحيى الجمل/ أستاذ القانون الدستوري: في تلك الفترة دخلت سعاد الصباح كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومنذ الأيام الأولى لدخولها الكلية وهي طالبة بسيطة جدا، بساطة الخامة الكبيرة.

سعاد الصباح: وكانت كلية حديثة وكلية على مستوى حقيقة، كثير أثرت فيني وأثرت في مجرى حياتي الكلية.

روان الضامن: وكنت في فريق كرة السلة أيضا، في الكلية؟

سعاد الصباح: لما يكون أبو مبارك مشغول أو الأولاد عندهم مدرسين، فكنت ألعب مع فريق الكلية.

روان الضامن: يعني في أيلول سبتمبر عام 1970 توفي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعيد ذلك كانت لك أول أمسية شعرية مع الجمهور، حدثينا عن ذلك؟

سعاد الصباح: في سبتمبر عندما توفي الراحل العظيم أقامت الكلية أمسية، كانت أول أمسية لي، رغم كل الحزن لكنني قرأت قصيدة عن عبد الناصر….

لمن الصرخة في الليل دوت في كل واد                   

لمن الدنيا ادلهمت وكسا الشمس السواد

وارتدى الصبح على مشهده ثوب الحداد

لا تقولي، لا تقولي أسلم الناصر للموت القياد.

زينت القاضي/ صديقة سعاد الصباح:  لأن دي عبرت عننا وعبرت عن فكرة الوحدة العربية اللي عبد الناصر طول عمره ينادي بيها، فقعدت أقول إذا ما كانتش هي دي التجسيد بقى الحي للوحدة العربية أمال يكون إيه؟

روان الضامن: يعني رغم التزاماتك بالحياة الزوجية وبالدراسة الجامعية أيضا، أصدرت ديوانك الرابع "أمنية" عام 1971 يعني؟

"
ديوان أمنية الذي صدر عام 1971 أعتبره من أجمل الدواوين الشعرية لأنه يشبهني في الرومانسية
"

سعاد الصباح: وهذا الديوان أعتبره من أجمل الدواوين ولو أنه كان ديوان رومانسي جدا، يشبه فتاة رومانسية، يشبهني يعني في الرومانسية في ذلك الوقت.

زينب القاضي: في قصائد كثيرة قوي، سعاد كانت بتبقى سايقة العربية وبدندن معها كالعادة، يعني مع قصائد أم كلثوم أو أغاني أم كلثوم، دائما الكاسيت شغال، أبص لها تقول، موقفة الكاسيت، تقول لي إيه، تقدري تكتبي دلوقت، أطلع قلم وورقة وإيدي  بتتهز من رجرجة العربية وتمليني، تمليني حاجة علشان الخيط ما يروحش منها والخاطرة اللي جاءت دي ما تروحش منها واكتبها ونازل كذا قصيدة جميلة رائعة أنا حضرتها، حضرت لهذه الولادة. شائعة أن الأستاذ نزار قباني كان بيكتب لسعاد أشعار، دي شائعة فعلا لا أساس لها من الصحة وأنا شاهدة، شاهدة عيان.

روان الضامن: عام ثلاث وسبعين حصلت على بكالوريوس الاقتصاد بمرتبة الشرف من جامعة القاهرة ولكنك في نفس العام تعرضت لامتحان قاسي بفجيعة فقدان ولدك البكر مبارك رحمه الله وهو في الثانية عشرة من العمر؟

سعاد الصباح: هذه الحقيقة، ولا موت أكثر من موت الابن، يعني تشعرين أن شيء فيك مات، شيء فيك مات، يعني مر على مبارك أكثر من ثلاثين سنة الآن ولكن لا يزال لما أتذكره أو أشوف صورته اللي هي موجودة جنبي على طول، الحرائق تأكلني، هذه هي الحياة، الموت هو النقطة في آخر السطر، ولا عندنا اعتراض على ما يقدره الله لنا.

زينب القاضي: حاجة موجعة للقلب يعني، طبعا هي كانت صدمة فظيعة لها خصوصا أنه توفى بين يديها داخل الطائرة، هو كان جاءت له أزمة في التنفس كده وكان الماسك بتاع الأوكسجين مسدود، يعني حاجة فظيعة، الوصف اللي وصفته في قصيدة من قصائدها في "إليك يا ولدي" عملت ديوان اسمه "إليك يا ولدي".

سعاد الصباح:

آه من طائرة الموت التي هزت يقيني

قلت للقبطان عد للأرض دعها تحتويني

علني أظفر فيها بطبيب أو معين

ومن الموت يقيه، ومن الموت يقيه ومن الهول يقيني.

[فاصل إعلاني]

الأولى في المواجهة والمبادرة

روان الضامن: كان على سعاد الصباح بعد فجيعتها بولدها أن تستجمع قوتها لرعاية ولديها الصغيرين وقتها محمد وأمنية وقررت بعد ذلك أن تكمل دراستها العليا في بريطانيا وحصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1982.

سعاد الصباح: عندما استلمت الشهادة وكان موجود عبد الله المبارك وأولادي بكى عبد الله لما رآني أستلم الشهادة، قال إنك تحققين حلمك وحلمي.

محمد عبد الله مبارك الصباح: أذكر تماما نظرة الفخر، كنت جالسا أنا جانب الوالد، وأذكر تماما نظرة فخر المرحوم الوالد عندما ذكر اسمها واعتلت المنصة لاستقبال الشهادة، أذكر كذلك، نسميها بالكويتي اللمة، الحضنة، يعني التي كانت تعبر عن عقود من المحبة والمودة والاحترام ما بين الوالد والوالدة.

سعاد الصباح: يمكن أنا كنت أول سيدة كويتية تتم تعليمها من الثانوي، الجامعة، الماجستير، الدكتوراه وهي أم وزوجة.

روان الضامن: وكان موضوع الأطروحة "التخطيط والتنمية في الاقتصاد الكويتي ودور المرأة" ركزت فيها على أهمية التخطيط لاقتصاد مستقر لا يعتمد على ثروة النفط فقط، لماذا هذا الموضوع تحديدا؟

سعاد الصباح: كلنا يعلم أن المستقبل لا يؤسس على مادة قابلة للنفاد ولا يؤسس على قنديل نفط معرض للانطفاء، فعندما ينطفئ هذا القنديل يصيبنا الإحباط والخيبة.

روان الضامن: الآن وبعد مرور أكثر من سبعين عاما على اكتشاف أول بئر نفط في الكويت،  اكتشف عام 1937، هل اتجه الاقتصاد الكويتي باتجاه تحقيق التنمية المتوازنة كما وضعت في رسالة الدكتوراه؟

سعاد الصباح: لم يزل الاقتصاد يواجه نفس المشكلتين، اللي مو بس الاقتصاد الكويتي يواجهها، هذه المشكلتين الخطيرتين واجهتها أكثر الدول الخليجية اللي هي الاعتماد على تصدير النفط والاعتماد عليه في الدخل والثروة وميزان المدفوعات، واستيراد العمالة ok والاعتماد عليها. وهذا خطر جدا على الاقتصاد إذ لم تكن هناك نظرة شمولية للاقتصاد…

إن عصر النفط ما لوثني

لا ولا زعزع بالله اقتناعي

أنت لو فتشت في أعماق روحي

لوجدت اللؤلؤ الأسود مزروعا بقاعي

أنا كم كان معي البحر حنونا وكريما

ثم جاء النفط شيطانا رجيما

فانبطحنا عند رجليه، رجالا ونساء

وعبدناه صباحا ومساء

روان الضامن: ومع الأبحاث الاقتصادية ولغة الأرقام ومع ذلك بقي الشعر وفيا لك أو بقيت وفية للشعر ومنذ ذلك الوقت، يعني منذ بداية أول ديوان حتى اليوم أصدرت خمسة عشر ديوانا تنوعت في الشكل والمضمون ولكنها جميعا، حسب رأي معظم النقاد، جاءت صريحة وغير مهادنة وأحيانا جارحة، هل ترين على أن الأديب أو المثقف عليه أن يتمرد على واقعه حتى يحدث تغيرا في مجتمعه للأفضل؟

"
أنا كامرأة ملتزمة بحقوق الإنسان وبحقوق المرأة وبالحقوق السياسية والاقتصادية، الحرية عندي ضد التسيب وضد الانفلات وضد النموذج الأجنبي أو الغربي، الحرية هي أن تقرر المرأة لا أن يُقرر لها
"

سعاد الصباح: أنا كامرأة وملتزمة بحقوق الإنسان، بحقوق المرأة، بالحقوق السياسية، بالحقوق الاقتصادية، كل الحقوق التي أستطيع أن أدافع عنها. هي التزام معنوي ولا بد أن أتكلم، الكلمة لا بد أن نقولها بكل زخمها أو نسكت، الحرية عندي هي ضد التسيب وضد الفلتان وضد النموذج الأجنبي أو الغربي، الحرية بالنسبة لي هي أن تقرر المرأة لا أن يقرر لها.

روان الضامن: ركزت على هذه القضية في كثير من قصائدك، قضية تحرير المرأة وانتقدت المجتمع الذي يريد من المرأة أن تكون كائنا جميلا وصامتا. يعني في مقطع في قصيدة مشهورة لك هي "مواجهة الكلمات" تقولين

"قد كان بوسعي أن لا أفعل شيئا

أن لا أقرأ شيئا

أن أتفرغ للأضواء وللأزياء وللرحلات

قد كان بوسعي أن لا أرفض، أن لا أغضب

أن لا أصرخ في وجه المأساة

قد كان بوسعي

أن ابتلع الدمع وأن ابتلع القمع

وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات

لكني خنت قوانين الأنثى

واخترت مواجهة الكلمات"

هل لا زال مجتمعنا مليئا بالمسجونات؟

سعاد الصباح: لا زال، لا زال المجتمع العربي يئن من السجينات لأن كل أنثى في هذا الوطن من الخليج  إلى المحيط واقعة تحت سيف الخوف، تحت سيف التاريخ وتحت سيف المجتمع.

أنا من الخليج، أنا من الخليج

حيث الكتابات على أنواعها صناعة الرجال

وكل ما تكتبه الأنثى هو استثناء

هل كل ما يبدعه رجالنا مقدس،

وكل ما تبدعه نساؤنا يجانب الحياء؟

د.حسن الإبراهيم: المجتمع الكويتي تاريخيا هو مجتمع محافظ في نهاية الأمر، وأعتقد أن فترة الثمانينات فترة شوي إلى حد ما صعبة بالنسبة لأشعار الدكتورة سعاد.

روان الضامن: ربما أشد هذه الحملات كانت أواخر الثمانينات عندما منعت وزارة الإعلام الكويتية من أن تنشري أي شيء، شعرا، نثرا، كتابة، وحتى تم مصادرة أي مجلة أو صحيفة عربية يرد فيها ذكر لك. كيف واجهة هذه الحملات؟

سعاد الصباح: ومنعت كتبي، ومنعت كتبي.

روان الضامن: يعني ديوان "فتافيت امرأة" منع في الكويت وفي الخليج العربي، نعم.

سعاد الصباح: "فتافيت امرأة". وأشكرهم شكر جدا من القلب، لأن الديوان في السنة الأولى طبع 120 ألف نسخة، فهذا أشكرهم، أتمنى أن يمنعوا كتبي دائما حتى تطلبها الناس.

أتحداهم.. أتحداهم

بشعري وبنثري وصراخي وانفجارات دمائي

أتحدى أي فرعون على الأرض

وأنضم لحزب الفقراء.

يعني المنع أتى من جهات متعددة، يعني كان في مايسترو واحد وكان في كورس، فالمايسترو هذا كان لا يريد لسعاد الصباح أن تكون رائدة في مجتمع قبَلي وتكون من رأس القبيلة.

كلما حدثني الحاكم عن عشق الجماهير له

وعن الشورى وعن حرية الرأي بكيت.

كلما استجوبني بوليس قطر عربي عن تفاصيل جوازي

عدت من حيث أتيت…

روان الضامن: ترجم شعر الدكتورة سعاد الصباح إلى أكثر من عشرة لغات، وعام 1988 أسست دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع. أصدرت الدار مئات العناوين من التراث العربي والفكر الحديث، وكانت دار النشر العربية الأولى التي تقدم جوائز سنوية لإبداع الشباب العربي وتنشر أعمالهم.

سعاد الصباح: هي أول جوائز، البادرة، أول جوائز قدمت على امتداد الوطن العربي..

روان الضامن(مقاطعة): في الإبداع العلمي والأدبي وجائزة للإبداع الفلسطيني أيضا.

سعاد الصباح: وجائزة لإبداع الشباب المسرحي والسينمائي.

روان الضامن: كيف كانت مشاركة الشباب، هل كانت كما توقعت؟

سعاد الصباح: الحقيقة أكثر مما توقعت، يعني الأرض مثل ما يقولون عطشانة والمواهب كثيرة، نشرت الدار أكثر من أربعمائة كتاب للشباب فقط.

جمال الغيطاني/ روائي ورئيس تحرير: هي معنية بالشباب، معنية بزرع شتلات جديدة في عالم الشتلات وفي عالم الفكر ومن هنا كرست مسابقة سنوية مهمة جدا وسخية في فروع مختلفة. سعاد الصباح كانت رائدة في دعم الثقافة من خلال الثروة التي أتيحت لها وهذا نموذج تكرر فيما بعد في منطقة الخليج فقد كانت رائدة في هذا المجال.

روان الضامن: عام 1995 أطلقت مبادرة الوفاء وهي مبادرة كانت الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، ما الذي دفعك لهذه المبادرة الطيبة؟

سعاد الصباح: دائما روادنا بعد ما يموتون نقيم لهم الاحتفالات ونتكلم عن عملهم وما قدموا للثقافة والفكر، فأنا وجدت أنه أجدى والرائد موجود، روادنا موجودين أن نكرمهم.

روان الضامن: فكان تكريم سبعة من كبار المبدعين العرب الأحياء من دول عربية مختلفة، والتكريم لا يقتصر على احتفال وإنما هناك مجلد ضخم..

سعاد الصباح (مقاطعة): دراسات لعشرة دارسين فيها دراسات عنهم فيها شهادات عنهم فيها سيرتهم، حتى الباحث يجد ما يريد عن هذا الرائد.

عبد الكريم غلاب/ أديب سياسي: أعجبت كثير الإعجاب بمبادرة سيدة من الكويت لتكريمي مبدع من المغرب، حفلة التكريم لي بمثابة تقدير للعمل أكثر من أنه تقدير للشخص، حفلة التأبين تبقى عكس ذلك تقدير للشخص أكثر من أنها تقدير لإنتاجه، ولذلك أنا أعجبت بالفكرة إعجابا كبيرا جدا، وأعجبت بالفكرة أولا أن تأتي من سيدة فاضلة مثقفة تخترق عالم الرجال، عالم الرجال يقفون من مثل هذه المبادرات موقفا خجولا.

روان الضامن: اسمحي لي أن أسأل سؤالا مشروعا، لماذا جميع من تم تكريمهم من الرجال؟

سعاد الصباح: لم يأتنا اسم نسائي علشان نكرمه، يعني نحن في لجنة وتغربل الأسماء التي تأتي، وقد تكون مستقبلا المرأة، يعني بالعكس أنا بالنسبة لي المرأة هي التي دائما أفتش عنها ودائما أريد أن أكرمها.

روان الضامن: كنت أيضا أحد مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام 1983، تحملين بطاقة العضوية رقم واحد في هذه المؤسسة، وقمت بعد ذلك يعني بتأليف أيضا ثلاثة كتب للتوعية بحقوق الإنسان. هل صحيح أن الدول العربية جميعها رفضت أن تستضيف المؤتمر التأسيسي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان؟

سعاد الصباح: بالضبط رفضتنا السموات العربية والأرض العربية، وكانت ليماسول أحن صدرا من كل الدول..

روان الضامن(مقاطعة): يعني في قبرص كان.. اجتمعتوا؟

سعاد الصباح: اجتمعنا نعم، لإيجاد إطار تنظيمي لحقوق الإنسان، لمؤسسي وأنصار حقوق الإنسان وقد تقرر أن تكون القاهرة في ذلك الوقت مركز لها.

د.يحيى الجمل/ أستاذ القانون الدستوري: لما أقمنا المنظمة في القاهرة، سعاد الصباح اشترت شقة للمنظمة من مالها الخاص ثم مركز دراسات الوحدة العربية، سعاد الصباح عملت له وقفية، يعني أودعت مبلغا كبيرا لحساب المركز، ولو لا هذا المبلغ الكبير ما كانش هذا المركز استمر في نشاطه.

رولا دشتي/ رئيسة الجمعية الاقتصادية الكويتية: الدكتورة سعاد تعمل بصمت ، تعطي بصمت، تدعم بصمت.

حسن الإبراهيم: سعاد تتميز بشيء أنها لا تكتفي فقط بالدعم المادي وإنما تشارك، فهي تدعم ماليا وماديا ومعنويا.

سعاد الصباح:

كل دبوس إذا أدمى بلادي

هو في قلبي أنا…

مع القومية العربية حتى النهاية

روان الضامن: شهد عام 1990 مأساة احتلال النظام العراقي للكويت، هل توقعت حدوث تلك المأساة أثناء فترة التوتر السابقة؟

سعاد الصباح: أبدا ما حدا مننا في الكويت توقع أن يغزو الصديق بيت أخيه، أبداً، شيء خطير، أنا لا أستطيع حقيقة.. في الثاني من آب/ أغسطس عام 1990 كان كابوس بالنسبة لكلنا ككويتيين، يعني لما استفقنا الصبح  وجدنا أن سجادة الوطن قد سحبت من تحت أقدامنا، شيء فظيع.

محمد عبد الله مبارك الصباح: أثرت فيها أولا على الصعيد الشخصي لأنها كانت على علاقة مميزة مع .. ما أستطيع أن أقول غير الزمرة الفاضلة..

روان الضامن: المسؤولين.

محمد عبد الله مبارك الصباح: المسؤولين العراقيين. كانت صدمة  لها كذلك أن يقوم وطن عربي بالاعتداء على وطن عربي شقيق. أتوقع أن هذه كانت الصدمة الأكبر بالنسبة للوالدة أن تتهم بعدم الوطنية بسبب يعني الأشعار التي سطرتها في ذلك الوقت، لكن خلينا نستذكر الحقيقة والواقع في ذلك الوقت، إحدى الجرائد المحلية الكويتية في آواخر شهر سبعة أو 18/7 من سنة 1990 ذكرت بأن %95 أو 93% من الكويتيين ينظرون للرئيس صدام حسين كرئيس العرب أو الرئيس العربي أو المناضل العربي، فإذاً كانت الوالدة أحد الـ 93% من الكويتيين في ذلك الوقت.

سعاد الصباح: يعني أنا بالنسبة لي وقفت مع الشعب العراقي لأن الشعب العراقي لنا معه جذور، وكانت كل أشعاري، وعندي الديوان اللي هو "حوار الورد والبنادق" كل الديوان مسجل من عند سنة 1986 مسجل هو للشعب العراقي وللمرأة العربية.

جمال الغيطاني/ روائي ورئيس تحرير: كانت يعني إيمانها بالقومية العربية ليس إيمانا نظريا ولكنه إيمانا بالفعل على كل المستويات، أنا أتصور مدى المعاناة الشديدة والألم الذي مرت به، عندما غزيت الكويت انطلقت كالحمامة الجريحة في كل أنحاء العالم تبكي وطنها.

سعاد الصباح: كنا في لندن فاستقرينا الكويتيين في السفارة فكان عملنا من السفارة، فطبعا قمنا بالمظاهرات من اليوم الأول، وبعدين شكلنا اللجنة الكويتية العليا وكان رئيسها الشيخ خالد الأحمد الصباح، فبدأت أكتب فكنت أول كويتية تكتب..

روان الضامن(مقاطعة): يعني نشرت مقالات يومية لنصرة الكويت، وكان هناك أيضا برامج إذاعية ليس فقط عبر الكلمة المكتوبة، قدمت برامج إذاعية من السعودية وبريطانيا.

سعاد الصباح: كان في برنامج يومي صباحي "صباح الخير يا كويت" وبرنامج مسائي أبحث فيه، ألم فيه كل ما كتب عن الكويت، وبرنامج أسبوعي، هذه بالنسبة للإعلام. في 2/9 اللي هي بعد شهر بالضبط سافرت إلى واشنطن وذلك لشرح القضية، في 2/10 سافرت إلى القاهرة وأقمت أمسيات شعرية في اتحاد المحامين العرب في جامعة القاهرة وفي جمعية الصحفيين وكذلك كان عندي كتابين طلعتهم في هذه الفترة، "برقيات عاجلة إلى وطني"، وكتاب آخر "هل تسمحون لي أن أحب وطني"، بعد ذلك سافرت إلى دمشق..

أيها الجار الذي كان مع الأيام جارا

أيها الجار الذي كان مع الأيام جارا

يا الذي روعت آلاف المها

إن قتل الكحل في العينين

لا يدعى انتصارا

إن ما سميته ملحمة كبرى

أسميه انتحارا

روان الضامن: ما أثر ما حدث وما يحدث الآن في العراق على سعاد الصباح؟

سعاد الصباح: العراق بالنسبة لنا أخوة، بالنسبة لنا تاريخ، بالنسبة لنا جغرافيا، ولا ممكن أن يتحول الدم إلى ماء.

روان الضامن: في كتابك "أوراق في السياسة النفطية" كتبت عام 1985 أن الدول العظمى قد نجحت في زيادة التصدع والنزاعات الطائفية العنصرية والإقليمية بين الدول العربية بدرجة لم يسبق لها مثيل، وقلت لا بد أن نفهم أن هدف الأعداء لن يقتصر على تعميق حدة الخلاف بين الدول العربية بل سيتعداه إلى تهديد السيادة لعدد من الكيانات العربية، فالدول الغربية مستعدة للتضحية بأي كان في سبيل تحقيق مصالحها. كيف اكتسبت هذه القدرة على التحليل السياسي الاستباقي لما فعلا حدث بعد عشرين سنة من هذه الكتابات؟

سعاد الصباح: أنا وغيري يعني الكاتب لازم يكون cosmopolitan  يكون مطلع، أنا عندي علاقات مع مراكز البحث سواء في الدول العربية أو في الدول الغربية ومع الجامعات، وهذه الأبحاث وهذه الدراسات دائما تصلني وأستطيع أن أقرأ ما بين السطور، ما هو المطلوب من عالمنا العربي وما هو المخطط له.

روان الضامن: هل مشكلتنا أننا شعب لا يقرأ بين السطور؟

سعاد الصباح: لا يقرأ أبد، مو بين السطور، لا يقرأ يا ريت يقرأ، يعني كنا من عشرين عام نقرأ أكثر من اليوم، خذي على مستوى الأجيال الجديدة ما تقرأه؟ تقرأ في الإنترنت في المواضيع التافهة، يعني ما في قراءات عميقة.

روان الضامن: تنتقلين من مبادرة لأخرى وكله على المستوى العربي، هل ما زلت مؤمنة بالفكر القومي العربي؟

سعاد الصباح: جدا ولم يتزحزح، أنا مثل ما قلت لك أنا بنت العزة القومية، وقد يعاتبني الناس على هذا، ولكن الخطأ ليس في المبادئ القومية ولكن هم من طبق هذه المبادئ.

روان الضامن: هل تجدين الجيل الجديد مؤمنا كما الجيل الماضي؟

سعاد الصباح: أبدا، أبدا، هناك انقطاع تام، انقطاع تام، أولادي أو غير أولادي، حتى في مستوى صديقاتي عندما نتكلم بيقولوا أنتم تحلمون هذا الحلم، فأقول لهم دعونا نحلم هذا حلم جميل دعونا، فبعضهم يقولون لنا كل مآسينا منكم أنتم القوميين.

زوجة، أم، جدة.. ودائما شاعرة

روان الضامن: يعني بمناسبة الحديث عن الشباب، أبناؤك حفظهم الله الشابان محمد ومبارك وكذلك الصغرى شيماء اتجهوا للدراسة في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية مثل مجال تخصصك الأكاديمي بينما اختارت أمنية الآداب مثل يعني مجال إبداعك، هل صحيح أنك كنت تهتمين بشكل خاص بموضوع دراسة الأبناء؟

سعاد الصباح: جدا، جدا، كان بالنسبة لي مثل الصلاة أحافظ على أوقات أولادي، يعني في أيام الدراسة، أوقات الدراسة بتاعتهم كانت عندي مقدسة والامتحانات كمان نرفع الرايات الحمراء.

مبارك عبد الله مبارك الصباح/ ابن سعاد الصباح: والدتي ما كانت أبدا تحاول أن تحبط معنوياتي بعدم الرد علي بأي استفسار إن كان سخيف وإن كان مهم، وهذا أعتقد أنه نمّى عندي قدرة، الحمد لله، أن أتساءل وأبحث الأمور وأناقش الأشياء.

روان الضامن: ماذا عن علاقتكم بالأحفاد حاليا؟

سعاد الصباح: ما أجملهم! هذه شو أقول لك يعني، الفرح المتجدد، نلعب مع بعض، نتحدث مع بعض، بتطلعين في منتهى الفرح حتى لو كنت زعلانه….

روان الضامن: رحل الزوج الشيخ عبد الله مبارك الصباح عام 1991 ووثقت الدكتورة الصباح سيرة حياته تاريخا وشعرا.

سعاد الصباح:

وحميت أحلامي بنخوة فارس

لم تلغ رأيا أو قمعت شعورا

قدر الكبير بأن يظل كبيرا

إن الشجون كثيرة فاذهب لربك راضيا مبرورا

أبا مبارك.. أبا مبارك كنت..

جمال الغيطاني: أرصد في شخصها حزنا ووحدة ربما كان الشعر هو المنجي لها من هذه الوحدة وهذا الحزن.

روان الضامن: ما أكثر ما يغضب سعاد الصباح هذه الأيام؟

سعاد الصباح: يغضبني! قل من يفرحني لأنه ما في فرح. يغضبني كل شيء أشوفه في هذا الوطن على امتداده، بالنسبة للمرأة بالنسبة للطفل بالنسبة للشباب بالنسبة للسياسة، كل هذه عناصر تغضبني، يعني غضب مو تغضبني، تبكيني.

روان الضامن: "والورود تعرف الغضب" هو عنوان الديوان الأخير لسعاد الصباح، وقد ضمنت الديوان بعض إبداع ريشتها بتوقيعها…. صدر عن تجربتها الشعرية أكثر من عشرين دراسة أدبية ونقدية، والدكتورة الصباح إلى جانب كونها شاعرة وباحثة اقتصادية فإنها تعمل حاليا على إصدار كتاب تاريخي حول والد زوجها حاكم الكويت أوائل القرن العشرين الشيخ مبارك بن صباح الصباح. كما أنها ناضلت لسنوات طويلة مع نساء الكويت لتحصل المرأة الكويتية على حقوقها السياسية.

سعاد الصباح: فلما ظهرت النتائج في الحقيقة كان الفرح أكبر من أن يسعني وأكبر من أن أعبر عنه.

روان الضامن: لكن حتى قبل حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية كانوا يسمونك العضو رقم 51 في المجلس لأنك كنت تواظبين على حضور جلسات مجلس الأمة الذي يعني بالمناسبة مر عليه أكثر من أربعين عاما، أول جلسة لمجلس الأمة كانت في عام 1963.

سعاد الصباح: أنا حقيقة سمكة سياسية لا تستطيع أن تعيش خارج البحر السياسي.

روان الضامن: حصلت على عدة جوائز تقديرية وتكريم عربي وأجنبي، منها جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون بالكويت، وسام الثقافة التونسي، وسام الاستحقاق المذهّب من لبنان، كرمتك جامعة الدول العربية والمنتدى الثقافي المصري بنشر مجلدين عن حياتك وأعمالك بعنوان "منارة على الخليج"، كما كنت أول امرأة عربية تحصل على درجة الزمالة من كلية سانت كاترين التابعة لجامعة أوكسفورد، وأول امرأة عربية تحصل على وسام تميز من ملكة بريطانيا، ويعني القائمة طويلة. أي تكريم هو الأحب إلى نفسك؟

سعاد الصباح: هو رضا الله علي، هذا أهم تكريم بالنسبة لي، فعندما أنام وأشعر أن الله راض عني أشعر أنني قد ملكت العالم.

روان الضامن: عندما ينتمي الإنسان إلى عائلة الحكم يكون لذلك مزايا وتترتب عليه قيود، في مسيرتك الباحثة عن الحرية من تغلب على من، المزايا على القيود أو العكس؟

سعاد الصباح: أنا أحترم عائلتي جدا وهي وسام على صدري ولكن أحترم عقلي، فكان عقلي دائما هو الرابح.

روان الضامن: في إحدى قصائد الشاعر الفلسطيني الشهيد كمال ناصر الذي اغتاله الصهاينة في بيروت عام 1973 يتساءل قائلا

"ماذا أردت أن تكون؟

أردت أن أكون.. أردت أن أكون..

وعدت أسمع الصدى في داخلي يصيح في جنون

هل أنت ما تريد؟ هل كنت ما تريد؟"

بماذا تجيب  الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح على مثل هذا التساؤل؟ هل أنت ما تريد، هل كنت ما تريد؟

سعاد الصباح: أنا مواطنة كويتية عربية اجتهدت وعملت وسافرت في بحار العلم والمعرفة لإيمانها بعقل المرأة، فإن المرأة التي لا عقل لها هي كالنباتات الطفيلية تعرقل مسيرة المجتمع وتعرقل مسيرة الحياة.

سيظلون ورائي، سيظلون ورائي

بالإشاعات ورائي

والأكاذيب ورائي

غير أني ما تعودت بأن أنظر يوما للوارء

فلقد علمني الشعر بأن أمشي ورأسي في السماء.