المشهد السوداني - مفاوضات نيفاشا وأثرها على الأوضاع في دارفور
المشهد السوداني

مفاوضات نيفاشا وأثرها على الأوضاع في دارفور

تناقش الحلقة مفاوضات نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان والتي أغلقت دون التوصل إلى حلول حاسمة.
مقدم الحلقة: حسن جمول
ضيوف الحلقة: خليل إبراهيم: رئيس حركة العدالة والمساواة
عبد الرحمن إبراهيم: عضو وفد الحكومة المفاوض في نيفاشا
تاريخ الحلقة: 28/01/2004


– مفاوضات نيفاشا وأثرها على الحرب في دارفور
– توقعات حركة العدالة والمساواة لنتائج اتفاق نيفاشا
– تطور الحركة الإسلامية في السودان
– موقف حكومة الخرطوم من حركة العدالة والمساواة
– احتمالات انفصال جنوب السودان

undefined

حسن جمول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج المشهد السوداني، رُفِعت مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بعد انعقاد دام خمسين يوما دون الوصول إلى حلول حاسمة.

حول مختلف القضايا المطروحة وعلى رأسها موضوع اقتسام السلطة المعقد للغاية، وقد استقبل الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الخرطوم نائبه الأول علي عثمان محمد طه الذي يترأس وفد الحكومة في نيفاشا، وطلب منه بذل قصارى الجهود من أجل الوصول إلى الحل النهائي الشامل والعادل عند استئناف المفاوضات في السابع عشر من فبراير، ولكن الجولة القادمة تحمل ذات التساؤلات المقلقة المتعلقة بكنه وتفاصيل الحل الشامل والمنشود لمشكلة الحرب في السودان، خاصة وأن طرفي التفاوض استثنيا خلال مباحثاتهما الماراثونية مختلف الكيانات السودانية المسالمة وتلك التي تحمل السلاح في الشرق ودارفور وعلى الرغم من أن هؤلاء يشكلون بصورة أو بأخرى نسيج المرحلة القادمة.

مفاوضات نيفاشا وأثرها على الحرب في دارفور

[تقرير مسجل]

محمد الكبير الكتبي: تمضي مسيرة البحث عن السلام في السودان على قدم وساق في مختلف الصُعد، على الرغم من أن وفدي الحكومة والحركة الشعبية يحيطان تفاصيل التفاصيل بسياج من التكتم خاصة بما يتعلق بما تبقى من موضوعات خلافية وعلى رأسها موضوع اقتسام السلطة.

ومع مضي الأيام يزداد القلق المصاحب في ترقب لما تحمله تلك التفاصيل المحجوبة حتى الآن عن الجميع داخل السودان وخارجه، خاصة وأن مستقبل الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان لا تهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان وحدهما، فمع بشريات السلام القادم تزداد المطالبة في مختلف الاتجاهات بإيجاد صيغة شاملة تجمع كل أهل السودان من أجل خروج اتفاق السلام كاملا ومن أجل قيادة سفينة السلام إلى بر الأمان بجهد واشتراك الجميع.

وفي هذا الصدد يرى كثير من المراقبين للشأن السوداني في انفتاح حكومة الفريق عمر البشير على مختلف ألوان الطيف السياسي السوداني مؤشرا إيجابيا وإن لم يؤد ذلك لجمع الصف المطلوب حتى الآن.

لقد أفسدت سنوات الحرب الأهلية في السودان بنيات أساسية لا سبيل لإصلاحها إلا بجهد الجميع وإسهام المجتمع الدولي بوسائل مختلفة، ولكن كثيرا من الجهات المانحة وإن استبشرت خيرا بالسلام القادم فهي تتحفظ بطريقة أو بأخرى على كون الاتفاق إنما يتم بين طرفين وليس بين جميع الأطياف السودانية، ولا يختلف اثنان في أن الأرضية الآن مناسبة لتحقيق سلام شامل في السودان أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأن جميع السودانيين على اختلاف مشاربهم السياسية متفقون على ضرورة إنهاء الاقتتال في كل مناطق السودان باعتبار أن ذلك هو المخرج الذي يعين على ارتياد آفاق المستقبل وفق رؤى جديدة متفائلة.

ومادام الجميع يلتقون في هذا الإطار فإن تفاصيل المرحلة القادمة تبقى مهمة للغاية ولابد من التأني في وضعها وضمان شموليتها حتى تؤدي المحصلة النهائية للعملية إلى تحقيق السلام الحقيقي ليس في جنوب السودان فحسب بل في كل أرجاء البلاد، بحيث يهيئ ذلك السلام السبل والظروف المواتية لكي يحكم السودانيون أنفسهم بأنفسهم بعيدا عن أي هيمنة أو أي إملاء، وفي هذا الصدد يذكر كثيرون باتفاقية أديس أبابا التي وقعها رئيس السودان الأسبق جعفر نميري مع حركة الأنانيا عام 1972 وكيف أنها نجحت في تحقيق عقد كامل من السلام في جنوب السودان ولكنها فشلت وانهارت لأنها لم تقرأ الواقع القراءة الصحيحة وكرست أمر الجنوب بل وكل السودان في أيدي فريقين فقط دون سائر أبناء البلاد، كذلك فإنه من المهم جدا الاستماع بمصداقية متئدة لمختلف الأحاديث التي تدور حول التسوية المرتقبة، فلا يزال هناك كثيرون من أبناء السودان يحملون وجوهات نظر قد تختلف مع جملة ما رشح من نيفاشا.

فهناك من يعتقد مثلا أن ما يدور من تفاوض حول منطقة أبيي يهدر عمرا كاملا من التعايش السلمي السائد في تلك المنطقة، ولا يشك هؤلاء أن منطقة أبيي هي الوحيدة في السودان التي كفلت التداخل والتعايش وحتى تبادل المنافع بين الفرقاء أثناء فترة الحرب، ومن جديد تطل قضية النزاع في دارفور برأسها على الرغم من عدم صلتها بالنزاع في جنوب السودان ولكن الوضع في دارفور يبقى معقدا للغاية خاصة وأن الحركة الشعبية وهي الشريك الأساسي في اتفاق السلام القادم تفتخر بأن ما يتم التوصل إليه يمكن أن يكون نموذجا يُحتذى لكل أبناء السودان وأن الحركات المتمردة في دارفور ترفع أجندة لا تختلف كثيرا عن مطالب الحركة الشعبية، وكذا الحال في شرق السودان فالتحالف الوطني المعارض لحكومة الفريق عمر البشير أعلن دون مواربة بأنه لا يزال يقاتل الحكومة ولا شأن له حتى إشعار آخر بالحركة الشعبية وما تبرمه من اتفاقات مع الحكومة، وهذه الجوانب سواء المتعلقة بدارفور أو التحالف الوطني تعني بقاء شرق السودان وغربه تحت تهديد الحرب مادام الجزءان بعيدين عن أي تسوية حتى الآن.

حسن جمول: ومعنا مباشرة من استوديوهاتنا في العاصمة الفرنسية باريس المعارض دكتور خليل إبراهيم، وعلى الرغم من أن الدكتور خليل كان من القادة الإسلاميين الشباب في السودان وكان وزيرا في حكومات الإنقاذ الموالية إلا أنه يعارض حكومة البشير الآن ويترأس حركة العدالة والمساواة التي تقاتل الحكومة في ولاية دارفور، دكتور خليل لو أُبرِم الاتفاق النهائي بين الحركة الشعبية والحكومة بعد انتهاء المفاوضات في نيفاشا، هل أنتم توقفون القتال في دارفور أم ترون أنفسكم غير معنيين أبدا بالاتفاق المرتقب؟

خليل إبراهيم: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى سائر أنبياء الله أجمعين وبعد، شكرا جزيلا لتليفزيون الجزيرة وشكرا على هذه الاستضافة وأرجو أن أدخل في الموضوع مباشرة، أخي الكريم تعلم أن هذه الاتفاقية الآن تتم في غياب تام وكامل للإرادة الشعبية في السودان، الحكومة السودانية والحركة الشعبية أو الجيش الشعبي لتحرير السودان الاثنين يفتقران تماما إلى أي تفويض أو انتخاب شعبي من أي طرف من الأطراف، هذه واحدة وهذه الاتفاق.. هذه واحدة.. الحكومة.. هذه الاتفاقية تتم الآن كذلك في غياب تام لكل القوى السياسية الموجودة في السودان ولكل القوى.. قوى المجتمع المدني في السودان، الآن الإرادة الخارجية هي المحدد وهي في الحقيقة اللي.. التي تشكل الإطار والبنود العامة بالنسبة للاتفاقية، الحكومة الآن تدخل.. دخلت الاتفاقية وهي في أضعف حالاتها وظهرها مكشوف تماما الحركة الشعبية الآن..

حسن جمول [مقاطعاً]: طب دكتور السؤال محدد.. السؤال محدد.. هل ستوقفون القتال في دارفور في حال حصل اتفاق بحيث تأخذون نصيبكم من هذا الاتفاق من الحركة الشعبية أم لا؟ السؤال محدد ودقيق جدا.

خليل إبراهيم [متابعاً]: سأعطيك إجابة محددة ودقيقة، أخي الكريم نحن لسنا معنيين بما يتم الآن في نيفاشا بين حكومة السودان وبين الحركة الشعبية، نحن لسنا معنيين ولسنا.. ونحن خارج هذه الاتفاقية وكل الشعب السوداني وكل الأغلبية التي نسميها الأغلبية المهمشة وهي أكبر من 80% من سكان السودان الآن خارج إطار.. الاتفاقية إطار ضيق ولا يشتمل إطلاقا على أغلبية الشعب، الآن التفاوض يتم بين 4%.. من يمثلون أقل من 4% من سكان السودان من جهة الشمال ويمثلون أقل من 17% من السكان من جهة الجنوب الآن يتقاسمون في السلطة..

توقعات حركة العدالة والمساواة لنتائج اتفاق نيفاشا

حسن جمول: نعم، هل تتوقعون.. هل يعني ذلك أنكم تتوقعون خوض معارك كما خاضت الحركة الشعبية ولسنوات طويلة حتى تصلوا إلى اتفاق مع الحكومة أم لا؟

خليل إبراهيم: أخي الكريم الآن.. الآن هذه اللحظة التي فيها نتحدث المعارك تدور الآن في دارفور بكثافة وتُستخدم فيها كل آليات الحرب الآن في دارفور، وأنا أعتقد أن إحنا سنصل إلى الحكم في وقت وجيز، وتجربة الجنوب لا تنطبق على دارفور ولا بقية الأقاليم لذلك نحن نعتقد لأننا القوة الكبيرة في السودان ولأن القوات المسلحة نفسها قوامها من إقليم دارفور وكردفان وسائر الأقاليم الأخرى والتي هي.. التي أخرت الانتصار على الإقليم الجنوبي، الآن نحن نستطيع أن نحقق نصر قريب في وقت قريب ونحن.. هناك يا أخي الكريم هناك حقيقتان الآن في السودان الحقيقة الأولى أن جنوب السودان سينفصل عن السودان هذه حقيقة، الحقيقة الثانية أن الأغلبية المهمشة هي قادمة لحكم السودان، الآن موازين القوة في السودان ستتغير في وقت وجيز جدا جدا وأننا سنحكم السودان في وقت قريب ليس عشرين سنة وربما أقل من عشرين شهر يا أخي الكريم..

حسن جمول: طيب هل.. نعم.

خليل إبراهيم: يعني النموذج الذي حدث في جنوب السودان يا أخي الكريم.

حسن جمول: قلت إن ما يحصل.. دكتور قلت إن ما يحصل في الجنوب لا ينطبق على بقية المناطق، هل هذا يعني أن ما يجري التوصل إليه بين الحركة الشعبية والحكومة ليس نموذجا لما يمكن مثلا أن تتوصل إليه حركتكم مع الحكومة -في حال فرضا- تفاوضتم مع الحكومة على مطالبكم المرفوعة وهي نفسها المرفوعة في الجنوب من قبل الحركة الشعبية؟

خليل إبراهيم: يا أخي الكريم ليس بالضرورة أن تكون هذه الاتفاقية نموذج لبقية أقاليم السودان إلا في بعض الأجزاء، نحن مثلا لدينا طرح خاص بنا كحركة العدل والمساواة السودانية نرى حل مشكلة السودان ليس بهذه الطريقة ليس بتقرير المصير، نحن ندعو إلى وحدة السودان يا أخي الكريم هذه واحدة، وليس بقسمة السلطة بالأنساب وبالأرقام ولكن قسمة الثروة هكذا ولكن قسمة الثروة من خلال الخدمات، تُقدَّم خدمات للمواطنين وطريقة حياة المواطن في البلد هذا الأهم مش إقليم دارفور يأخذ كام في الميه ولا كردفان يأخذ كام في الميه هذه ليست مشكلتنا، المشكلة الثانية نحن نريد أن نتبادل الحكم حكم السودان اتخاذ القرار في السودان بين الأقاليم.

نحن نطرح أن تكون رئاسة الجمهورية رئاسة دورية نريد أن نرى رئيس للجمهورية من دارفور ونريد أن نرى من شرق السودان وكردفان شرق.. أي منطقة أخرى، نحن منذ استقلال السودان حتى هذه اللحظة كل رؤساء جمهورية السودان الـ12 كلهم من منطقة واحدة، نحن نريد قسمة حقيقية للسلطة والأخوة الذين الآن يتربعون على قيادة البلاد إذا هما ما رضخوا لهذه المطالب الموضوعية جدا جدا ونحن نرفع الميزان شعارنا في حركة العدل والمساواة السودانية شعارنا الميزان نحن نريد قسمة عادلة حتى الذين ظلمونا نحن لا نريد ظلمهم لذلك نحن نرفع شعار الميزان، نريد قسمة عادلة في سلطة وثروة لكل الأقاليم، نريد أن يحكم كل إقليم نفسه بنفسه.. لا.. نرفض تماما تصدير الحكام وتعيين الحكام من قبل أقليات إلى أقاليمنا، نحن ندعو إلى قسمة عادلة في ثروة ليست بمعنى فلوس ونسب لكن بمعنى وظايف نخلق وظايف للناس وكذلك (Access) للخدمة العامة لأن الخدمة العامة أخي الكريم الآن الخدمة العامة في السودان مُحتكَّرة أضرب لك مثال، السودان اليوم فيه 36 بنك بفروع مختلفة كل بنوك وكل مجالس إدارات هذه البنوك الآن من منطقة واحدة، كلمك نفس الحكاية كل الوزارات السيادية 25 وزير..

حسن جمول: دكتور..

خليل إبراهيم: من قرية واحدة ومن منطقة واحدة..

حسن جمول: دكتور يعني الوقت يداهمنا..

خليل إبراهيم: وهذا منذ تاريخ استقلالنا حتى هذه اللحظة.

حسن جمول: دكتور يعني الوقت يداهمنا، سؤال أيضا محدد وبسيط هل سيؤثر وباختصار.. سيؤثر الاتفاق المرتقب على وضع حركتكم ووضعها العسكري تحديدا؟

خليل إبراهيم: يا أخي الكريم أولا أنا لا أتوقع تأثيرا كبيرا لهذا الاتفاق على حركتنا ولكن أتوقع تأثيرات سلبية لهذه الاتفاقية على سائر أنحاء السودان، أولا هذه الاتفاقية سيؤدي تماما إلى فصل جنوب السودان واحد، هذه الاتفاقية ستؤدي إلى انهيار الجيش السوداني، الجيش السوداني سيُقلَّص من مائة ألف جندي إلى 39 ألف جندي ويكون جيش غير قادر على حماية البلاد، هذه الاتفاقية ستؤدي إلى تفتيت ليس إلى قسمة البلاد.. تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب بل إنما إلى تفتيت السودان إلى دويلات متعددة وتنتهي حقيقة خارطة السودان عن الوجود، هذه الاتفاقية ستكرس ظلم واستعمار داخلي، الاستعمار الذي نعيش فيه الآن، هذه الاتفاقية ستفرض علينا استعمار.. مزيدا من الاستعمار، هذه الاتفاقية ستبعد تماما كل القوى السياسية وتشطب الأحزاب السياسية في السودان، وهذه الاتفاقية تفرض علينا استعمار الحقيقة داخلي، الحركة الشعبية ستستعمر الجنوب السودان والقوى الحاكمة في السودان الآن سيستعمرون شمال السودان وفي النهاية سنصل إلى تقسيم جنوب السودان وفي النهاية سنصل إلى صراع.

حسن جمول: دكتور خليل إبراهيم شكرا جزيلا لك، فاصل قصير مشاهدينا نعود بعده لمواصلة حلقتنا هذه من المشهد السوداني.

[فاصل إعلاني]

حسن جمول: أهلا بكم، يتبنى حزب المؤتمر الحاكم في السودان أطروحات الحركة الإسلامية في البلاد التي نادت بها قبل انشقاقها، ويعتقد قادة الحزب أن المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا، ترتكز على أطروحات حكومة الإنقاذ الوطني المتمثلة في الفدرالية والشورى والديمقراطية والشريعة الإسلامية والعرف وغيرها، وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي صاحب هذه الأطروحات إلى الدرجة التي يعتقد معها كثيرون أن الإنقاذ الوطني وحزب المؤتمر الوطني الحاكم يعود الآن إلى نقطة الصفر بعد خمسة عشر عاما من الثورة أو الانقلاب على الديمقراطية، وبينما تستمر مفاوضات نيفاشا إلى أجل غير مسمى ومع غياب مختلف الأطياف السياسية السودانية يتساءل كثيرون هل يمثل حزب المؤتمر الوطني بقية الأحزاب السياسية السودانية؟ وما هي أطروحات الحزب؟ وكيف تكون؟ وهل المؤتمر الوطني حقا وعاء جامع يمكن أن يعين على تكريس السلام العادل والشامل والدائم في السودان؟

[تقرير مسجل]

تطور الحركة الإسلامية في السودان

حسن أبو الحسن: المؤتمر الوطني في السودان هو الحزب الحاكم للبلاد ويعود تأسيسه إلى منتصف التسعينيات، وقد أُنشِئ المؤتمر بهدف خلق وعاء سياسي شامل لملأ الفراغ السياسي الذي أحدثه حل التنظيمات والأحزاب السياسية السودانية على يد نظام الإنقاذ لدى تسلمه سلطته عام 1989، وكان المؤتمر في بداية تكوينه يضم كل أعضاء الحركة الإسلامية السياسية في السودان قبل أن تنقسم إلى شقين، أحدهما يقوده الدكتور حسن الترابي والآخر يقوده الرئيس السوداني عمر البشير، والمؤتمر الوطني يعتبر مرحلة من مراحل التطور السياسي للحركة الإسلامية في السودان بدأ من جبهة الميثاق الإسلامي في النصف الثاني من الستينيات مرورا بتنظيم الجبهة الإسلامية القومية عام 1985 الذي خاضت به الحركة الانتخابات التعددية عام 1986، غير أن ما يصفه البعض بانقلاب الرابع من رمضان الموافق للثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول من عام 1999 أحدث انقساما كبيرا وخطيرا في جسم الحركة الإسلامية السودانية.

وترتب عليه انقسام في جسم المؤتمر الوطني، فقد أدى ذلك الانقسام إلى احتفاظ الجناح الحاكم الموالي للرئيس عمر البشير باسم الحزب وهو المؤتمر الوطني ودفع الجناح المنشق بقيادة الترابي إلى البحث عن اسم آخر لكنهم لم يذهبوا بعيدا فاختاروا نفس الاسم مع إضافة كلمة الشعبي ليصبح حزبهم المؤتمر الوطني الشعبي.

جذور الخلاف بين طرفي الحركة الإسلامية السودانية يُرجِعها البعض إلى بداية التسعينات ومبعثها الاختلاف على إدارة دفة الحكم في البلاد بين الرئيس عمر البشير ورئيس البرلمان والأمين العام للمؤتمر الوطني في ذلك الوقت الدكتور حسن الترابي، وهو اختلاف عبر عنه الرئيس عمر البشير بتشبيهه السودان بسفينة تبحر وسط عاصفة هوجاء تحت قيادة قبطانين متنازعين، تفاقم الخلافات بين البشير والترابي ترتبت عليه قرارات البشير في الثاني عشر من ديسيمبر/كانون الأول عام 1999 التي أعلن بموجبها حالة الطوارئ وتعليق بعض المواد الدستورية وحل البرلمان ثم أتبعها في وقت لاحق بقرارات أخرى جمد بموجبها نشاط الترابي كأمين عام للمؤتمر الوطني ونشاط جميع نوابه، وهي قرارات يمكن اعتبارها بداية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بتوجهاته الجديدة التي تجلت حتى الآن في دعمها لجهود تحقيق السلام في السودان عبر إدارة مفاوضات مباشرة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والاتجاه نحو تعزيز الوحدة الوطنية في ضوء المهددات الأمنية الراهنة.

وقد عبر الرئيس السوداني عمر البشير عن هذا الاتجاه في المؤتمر التنشيطي لحزب المؤتمر الوطني الذي عقد العام الماضي، فقد دعا البشير إلى بناء سودان جديد يقوم على الحرية والعدل والمواطنة الكاملة واحترام الأديان والمعتقدات ورعاية الأعراف والخصوصيات وتعزيز الحريات العامة ورفع حالة الطوارئ وفور توقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، دعوة من شأنها الاستجابة لبعض مطالب المعارضة السودانية إذا ما وجدت طريقها إلى التنفيذ والتطبيق من قبل الحكومة السودانية.

موقف حكومة الخرطوم من حركة العدالة والمساواة

حسن جمول: ومعنا من الخرطوم الدكتور عبد الرحمن إبراهيم الباحث القانوني السوداني المعروف وهو عضو وفد الحكومة المفاوض في نيفاشا، دكتور عبد الرحمن كيف تُلزِمون باقي الأطياف السياسية لا سيما من يحارب الحكومة مثلا في دارفور باتفاق تبرمونه أنتم مع الحركة الشعبية وسمعنا رئيس حركة العدالة والمساواة يتحدث عن أن ليس لديكم أي تفويض بالتفاوض باسم كل السودانيين وكذلك الحركة الشعبية؟

عبد الرحمن إبراهيم: أنا لا أدري أخي من الذي فوض هذا الأخ أن يتحدث عن أننا لا نملك تفويضا، ده حكومة وهذه هي السلطة اللي موجودة في البلد وهي مفوضة وقد دخلت سلسلة انتخابات واكتسبت شرعية وانتقلت من مراحل إلى مراحل والإدعاء الآن وفي هذه اللحظة من الزمان بأنها لم تكتسب شرعية أمر محير لأن نفس هذا الشخص حتى قبل أن تكون هناك أدنى انتخابات كان يظنها غاية الشرعية، هذه يا أخي أجندة خاصة غير موضوعية.

حسن جمول: نعم، ولكن كما يؤكد بأن حركته ستستمر بقتالها وستنتصر ولن تأخذ وقتا طويلا كما أخذت الحركة الشعبية، أنتم في المقابل هل أنتم على استعداد للتفاوض مع تلك الحركة.. حركة العدالة والمساواة على نفس الأسس التي تفاوضتم بها أو تتفاوضون مع الحركة الشعبية؟

عبد الرحمن إبراهيم: نحن على استعداد للتفاوض مع أي شخص ولكن ليست هناك أسس ثابتة يتم التحاور حولها مع كل الناس، كل مجموعة يتم التحاور معها وفق الظروف الموضوعية لقضاياها والقضية التي تثيرها هذه المجموعة تختلف بالكلية عن القضية المطروحة وهي قضية جنوب السودان، فليس بالضرورة أخي أن نطرح نفس الأطروحات أو أن نصل إلى ذات النتائج.

احتمالات انفصال جنوب السودان

حسن جمول: نعم، هو يتنبأ بأن الجنوب سينفصل وفقا للاتفاقات التي تعقدونها وربما هذا لكل مراقب يتراءى له هذا الأمر، فهل أنتم لديكم احتراز أو إجراءات احترازية لمنع الانفصال؟

عبد الرحمن إبراهيم: أولا أخي كذب المنجمون ولو صدقوا يعني هذا الشخص هذه هذا حدسه وهذه أمانيه لكن أنا أعتقد أن كل الظروف الموضوعية ستقود إلى وحدة ولن تقود إلى انفصال، على كل نحن ندرك تماما عندما وافقنا على حق تقريرهم أو على تقرير المصير للجنوب أن الأمر قد يكون إما وحدة وإما انفصالا، ونحن نرجح الوحدة أما إن حصل الانفصال أخي فهو أمر متوقع يعني ينبغي أن يكون في الحسبان، لكن أنا على يقين تام أن الراجح سيكون خيار الوحدة الطوعية.

حسن جمول: طب إذا كنتم تبحثون عن سلام عادل وشامل لماذا استبعدتم باقي الأطياف السياسية إن كان ممن كانوا موالين في السابق للحكومة أو من يقاتلونكم الآن في مناطق أخرى في السودان غير الجنوب؟

عبد الرحمن إبراهيم: لم يُستبعَّد أخي أحد لكن أصلا لا يستقيم أن يكون هناك تفاوض تشترك فيه أطياف.. ألوان طيف سياسي متشاكسة حتى تجتمع على صعيد واحد فتفاوض طرف آخر، هناك فصيل رئيسي مقاتل هو فصيل الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وهناك حكومة في السودان حكومة شرعية معترف بها دوليا يتعامل معها كل العالم والأوراق (…….) بيد هذين الطرفين ولكن هذه الأطراف تسعى جاهدة.. تسعى الحكومة جاهدة أن تمثل سائر أهل السودان وتسعى الحركة الشعبية جاهدة أن تمثل سائر أهل الجنوب، لكن لا يستقيم وليس من المعقول مطلقا أن نقول بأن يجتمع كل الناس لأن هذا لم يتح لأحد في تاريخ السودان الطويل حتى في الفترات التي أجمع فيها الناس على أمر واحد عقب أكتوبر أو عقب الانتفاضة لم تستطع هذه القوة السياسية مجتمعة أن تشكل رأيا واحدا تقف خلفه إزاء قضية الجنوب.

حسن جمول: الدكتور عبد الرحمن إبراهيم عضو وفد الحكومة المفاوض في نيفاشا شكرا جزيلا لك، وبهذا نأتي إلى نهاية هذه الحلقة أشكر متابعتكم، وإلى اللقاء في حلقة مقبلة بإذن الله.