المشهد السوداني - مستقبل المشروع الإسلامي في السودان
المشهد السوداني

مستقبل المشروع الإسلامي في السودان

مستقبل المشروع الإسلامي في السودان، مشروع يطرح نفسه بشدة على مختلف الصعد، متى كانت بداية ظهور الإسلام السياسي؟

مقدم الحلقة:

حسن جمول

ضيوف الحلقة:

حسن الترابي: الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان
عبد الوهاب الأفندي: محلل سياسي متخصص في الشؤون السودانية

تاريخ الحلقة:

21/01/2004

– بداية ظهور الإسلام السياسي في السودان
– غياب التعددية السياسية عن المشروع الإسلامي

– المشروع الحضاري في ظل الاتفاق مع الجنوب

– طروحات الحركة الشعبية وعلاقتها بأميركا وأوروبا


undefinedحسن جمول: سيداتي وسادتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج المشهد السوداني، تشير الأخبار الواردة من منتجع نيفاشا إلى أن الطرفين يتقدمان في بعض النقاط المتعلقة بالنزاع حول جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وبرز اقتراح بأن تتبع منطقة آبيي مباشرة لرئاسة الجمهورية وبينما تقترب المفاوضات من مراحلها الحاسمة يطرح موضوع مستقبل المشروع الإسلامي في السودان، هذا المشروع يطرح نفسه بشدة على مختلف الصعد في البلاد، فقد تبنت حكومة الإنقاذ الوطني المشروع الإسلامي وأطلقت عليه اسم المشروع الحضاري ورأى كثيرون من الإنقاذيين في وقت من الأوقات أن المشروع قابل للتنفيذ بل وللتصدير أيضا، بينما رأى آخرون أنه طموح يتجاوز القدرات المتاحة والمعروف أن المبادئ التي قام عليها ذلك المشروع الحضاري كانت سببا في تأجيج حدة الصراع بين الشمال والجنوب.

بداية ظهور الإسلام السياسي في السودان

تقرير يوسف نور عوض – قراءة رائد البدوي: هذه المشاهد من بلاد النوبة في أقصى شمالي السودان وهذه المشاهد على بعد أكثر من ألفي كيلومتر من حدود الشمال حيث قبائل الدينكا والشلك والنوير والباريا، أما هذه المشاهد فمن شرقي السودان حيث قبائل الهدنداوه والبيجا والبني عامر والأمرأر وهذه المشاهد من غربي السودان حيث الكبابيش والبديرية والمساليت والفور وغيرهم. نسيج متميز من الأعراق والثقافات البعض يرى فيه تكاملا وتجانسا والبعض يرى فيه بؤرة صراعات تهدد وحدة المكان خاصة مع تزايد معدلات الفقر والبطالة. نصف قرن مضى منذ نال السودان استقلاله تعاقبت على حكمة أنظمة طائفية تحت واجهة ديمقراطية وأنظمة عسكرية لا يحمل بعضها هوية سياسية وينحاز بعضها إلى اليسار تارة وإلى اليمين تارة أخرى وآخرها مشروع حضاري يدعو من الناحية النظرية إلى المبادئ الإسلامية. السودان الذي تأسست فيه أول مملكة إسلامية في بداية القرن الرابع عشر في دنقلا شمالي السودان والذي قامت فيه سلطنة ثانية عاصمتها سوبا تحت اسم سلطنة الفونج، لم يعرف حركات في أول أمره يدعوا إلى الإسلام السياسي فقد وضعت سلطنة الفونج أساسا للثقافة الصوفية التي هي السمة الغالبة للإسلام في السودان.

الثورة المهدية التي قادها الإمام المهدي في أواخر القرن التاسع عشر رأت في الفرق الصوفية إضعافا لوحدة الوطن أمام الاحتلال التركي ولكن الإنجليز الذين قضوا على هذه الثورة لم يتركوا لها مجالا لتأسيس نظامها السياسي. الإسلام السياسي في سياق الحركة الوطنية في السودان بدأ كحركة متواضعة في مطلع الخمسينيات متأثرا بحركة الإخوان المسلمين في مصر وعلى الرغم من الانشقاقات والانقسامات في داخل الحركة فقد حققت إنجازا كبيرا خلال ثورة أكتوبر التي أطاحت حكم الرئيس عبود وهي المرحلة التي اكتشفت فيها الحركة زعيمها الجديد حسن الترابي بعد أن تسمّت باسم جبهة الميثاق الإسلامي. جبهة الميثاق واجهت صعوبات بالغة خلال انقلاب مايو عام 1969 الذي قاده جعفر نميري ولكنها أصبحت في نهاية الأمر المستفيدة الوحيدة من المُصالحة الوطنية التي أعلنها نميري في منتصف سنوات حكمه فكان أن حولت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي نظام نميري إلى نظام إسلامي ودفعته إلى إعلان قوانين سبتمبر عام 1983 وكانت هذه القوانين من الأسباب التي غذت حركة التمرد الوليدة في ذلك الوقت بقيادة جون قرنق وعلى إثر سقوط نظام جعفر نميري توقع الجميع أن تتأثر الحركة الإسلامية سلبا ولكنها على العكس من ذلك كسبت أكثر من خمسين نائبا برلمانيا وشاركت في الحكم ثم أُبعِدت منه بعد مذكرة الجيش التي هدد فيها بالانقلاب عام 1989.

الانقلاب الذي حدث في عام 1989 تحت اسم ثورة الإنقاذ استطاع إخفاء حقيقته ثلاث سنوات ولكن في عام 1990 أصبح حسن الترابي علنا عرّابَ النظام وأعلنت الإنقاذ الوطنية علنا مشروعها الحضاري، الأحزاب التقليدية التي كانت ترقب عمليات التظهير الجارية وهجرة العقول وبالطبع سيطرة أعضاء الجبهة القومية الإسلامية على كل مفاتيح السلطة رأت في ثورة الإنقاذ حركة حزبية محدودة ورأى فيها آخرون تجاوزا للإمكانات المتاحة بإطلاق مشروع طموح. وفي غياب المنطلقات الفكرية للمشروع الحضاري رأى المراقبون أن ثورة الإنقاذ الإسلامية التوجه وقعت في أخطاء إستراتيجية بالانحياز إلى صدام حسين في غزوه للكويت ووقوفها مع دول الضد في حرب الخليج الأولى.

الولايات المتحدة من جانبها وضعت السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب بعد اكتشاف خلية عناصرها من السودانيين تخطط لانفجارات في نيويورك. العلاقات مع مصر أيضا تأزمت بعد أن اعترفت بعض العناصر التي قامت بعمليات إرهابية في مصر بأنها تدربت في معسكرات يشرف عليها بن لادن والأفغان العرب الذين هاجروا إلى السودان وكذلك بعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا الحكومة السودانية استجابت للضغوط الخارجية بطرد بن لادن من السودان وتسليم كارلوس الذي يطلق عليه الغربيون لقب ابن آوى إلى فرنسا.

قمة التوتر بين السودان والولايات المتحدة جاءت عندما قصف الأميركيون مصنع الشفاء في الخرطوم ولكن بعد ذلك حدثت القطيعة بين حسن الترابي ونظام الإنقاذ الوطني وانتهى الأمر بإقصاء الترابي وإيداعه لاحقا المعتقل لسنوات. تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك أقنع الحكومة السودانية أن لا عودة لعلاقتها مع الولايات المتحدة إلا بتضحيات كبيرة انعكست أولا في اتجاهات عدة ثم انعكست فيما بعد بشكل واضح في اتفاقات نيفاشا المختلفة. ومع إقصاء الترابي وإنهاء الحملة الجهادية في جنوب السودان والتنازل عن الطموحات الكبيرة يتساءل الكثيرون ماذا تبقى من المشروع الحضاري؟

غياب التعددية السياسية عن المشروع الإسلامي

حسن جمول: ولمناقشة هذا الموضوع معي في الأستوديو المفكر الإسلامي الدكتور حسن الترابي وهو الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان وعلى الرغم من أن الدكتور الترابي على خلاف مع حكومة الفريق عمر البشير إلا أنه يظل العقل الذي دبر مجيء الإنقاذ الوطني للسلطة وصاحب طرح المشروع الإسلامي في السودان بلا منازع. دكتور حسن بصفتك واضع فكرة النظام الإسلامي في السودان، لماذا غابت التعددية السياسية عن برنامج النظام الإسلامي مما يعني دفع إلى تعزيز طروحات التمرد لا سيما في الجنوب؟

حسن الترابي: إنما غاب ذلك لأنها كانت ثورة كان كل ما اقتربت الحركة الإسلامية من السلطة جاء الغرب بضغوطه السافرة ليبعدها بالقوة وأحيانا ليزِجَّ بها في السجن، فالديمقراطيات كلها في العالم نشأت بثورات يا أخي الكريم يعني فهي قامت ثائرة هكذا لتسترد حقها وبعد ذلك حاولت أن تُنزل القيم لا أن تبقى في السلطة أبدا ولكن أن تُنزل قيم الحرية وتبسط حكم الشعب..

حسن جمول [مقاطعاً]: ولكنها حاولت أن تبسط حكم الإسلام على باقي الأطياف الدينية الموجودة في السودان

حسن الترابي: كلا أولا بِنْيَة الحكم كلها قائمة على حرية الدين مطلقا وعلى حرية التشكيلات وعلى بسط الحريات هذا ثبتت في الدستور وقائمة على انبساط المركزة التقليدية السودانية إلى توزيع السلطة والثروة بين الأقاليم وإلى أن كل ولاة الأمر في السودان لابد من أن يُنتخبوا ويُحاسبوا إلى أجلهم ليُجدد لهم الثقة أو لتنتزع، هذه مبادئ كنا نخرج فيها من أصول الإسلام حكم الشعب، بعض الناس يدخلون إلى ذات المقاصد طبعا من تجارب الإنسان الغربي.

حسن جمول [مقاطعاً]: كنت أريد أن أقول لذلك لماذا إذا كانت هناك هذه الأفكار وتلك الأفكار مطروحة والمفاهيم مطروحة في السياق السياسي العام في كل البلدان لماذا لا تجرد هذه الأفكار لماذا تقولب بقالب إسلامي مما يجعل الآخرين يعني مستفزين أو يشعرون بالاستفزاز من هذه الأفكار التي تحمل هذا الاسم؟

حسن الترابي: ما اتفقنا على ملتقى.. الآخر يأتينا بلغة غربية يونانية ديمقراطية وبتجربة غربية لا دينية استعمارية كانت علينا سابقا ونحن نأتي من مندفع ومن أصول إسلامية ما دمنا قد التقينا بدوافعنا وبدوافعهم لنتعاقد على هذا الوضع المشترك ونتعايش علي.

حسن جمول: الآن ما موقع هذه الفكرة المشروع الحضاري كما تسمونه ما موقعه فيما يجري التفاوض بشأنه في نيفاشا؟

حسن الترابي: نحن بالطبع ينشرح صدورنا لأن الخلاف بيننا وبين النظام أنه تأبَّى أن يُنزل هذه القيم إلى واقع السودان الحريات المنبسطة واللامركزية المنفرجة تماما والعدالة بين الناس والاحترام للمواثيق الدستورية وللوفاقات السياسية مع الجنوب والأمانة في أدائها وأن المواطنة كلها طوع بتقرير المصير لا بالقهر أبدا لكنه الآن..

حسن جمول [مقاطعاً]: هل هذا كان مقصدكم في الأساس؟

حسن الترابي: هذا هو الخلاف الذي عليه يعني افترقنا وعليه سجنا.

حسن جمول: هل على أساس، هل هذا الخلاف هو ما دفعك إلى توقيع اتفاق مع جون قرنق في لندن؟

حسن الترابي: بالطبع لأننا أصلا من أول الأيام كنا نبسط فكرة إسلامية أن ذوي الملة أو ذوي القومية الخاصة لهم ذاتية وأن حكم المدينة نفسه كان فدراليا باللغة الحديثة اتحاديا يعني يترك ذاتية الحكم لمدن ويوحد الحكم في الشأن المشترك والآن حمدنا الله إن هذه القوة، لذلك القوة الآن هي ليست ضدنا هي منعطفة إلينا لأننا في سبيلها سجنا وفي وفاء للعقود مع بعضها سجنا والآن هي الحمد لله بضغوطها جاءتنا بذات القيم التي كنا نجاهد من أجلها.

المشروع الحضاري في ظل الاتفاق مع الجنوب

حسن جمول: نعم الآن هل تعتقد أنه من الممكن إبقاء هذا المشروع الحضاري قائم في ظل الاتفاق مع الجنوب وأنتم تعطون الجنوب حق تقرير المصير ثم أيضا يُعطى الجنوب إمكانية عدم تطبيق الشريعة الإسلامية حتى فيما يتعلق بالنظام المصرفي، يعني كيف يمكن الموازنة بين هذين الطرحين في بلد واحد؟

حسن الترابي: نعم، أنت تشير الآن لا إلى الأحكام التي تَنزل على بنية الحكم ولكن على الرعية ونحن حتى في تطبيقنا الشريعة اختلفنا مع نميري سابقا أن الشريعة لا تُنزل على الناس بمختلف دياناتهم كل خصوصيات الحياة ملبسهم ومطعمهم وزواجهم هذه خصوصيات بغالبها لا يترك خارج القانون حتى خارج الأحكام للأخلاق وللأعراف، ما سوى ذلك قد يطبق بأحكام القانون لكن حسب الملة طبعا، إما توجبه حسب الإقليم شمالا كما اتفق عليه الآن شمالا وجنوبا أو حسب الملة أينما كان المسلم ولو في الجنوب والجنوب كله مليء بالمسلمين والشمال كذلك مليء كله لا العاصمة وحدها بالجنوبيين وبغير الجنوبيين من النصارى كذلك أقباطا وغير ذلك، فنحن نريد أن تقوم معادلة لتطبيق القوانين على الشعب على جمهور الناس يتيح للمسلمين أن يبسطوا أحكامهم ولغير المسلمين أن يبسطوا أحكامهم كذلك وأن يتعايشوا.

حسن جمول: هذا ما يجري الآن في السودان، في المفاوضات؟

حسن الترابي: المفاوضات كأنها جنحت لأن تأقلم الأمر الشمال الولايات الشمالية تصبح إسلامية على الرعية والجنوبية تصبح لا دينية ولكن حتى وراء القوانين على البنية العليا أو على الرعية هنالك طبعا سياسات ودوافع السياسات قد تأتي من دينك ومن دوافعك أو تأتي من غير ذلك.

حسن جمول: دكتور حسن الترابي شكرا جزيلا لك

حسن الترابي: العفو

حسن جمول: فاصل مشاهدينا نعود بعده لمواصلة هذه الحلقة من المشهد السوداني.

[فاصل إعلاني]

حسن جمول: أهلا بكم من جديد، المعروف أن طرح الحركة الشعبية لتحرير السودان في مختلف مراحلها يقوم على العلمانية وفصل الدين عن الدولة على الرغم من أن جهات عديدة ظلت تُصور الصراع بين شمال السودان وجنوبه على أنه صراع بين الإسلام والمسيحية وللحقيقة فإن الحركة الشعبية كانت منذ نشأتها تجعل من قضية فصل الدين عن الدولة أمرا أساسيا لا تقبل حتى النقاش فيه وسعت الحركة لتأكيد ذلك منذ نشأتها وعبر تطورها في الحقب السياسية المختلفة في السودان.

طروحات الحركة الشعبية وعلاقتها بأميركا وأوروبا

تقرير عمار عجول: الحركة الشعبية لتحرير السودان حركة قاتلت الحكومات السودانية المتعاقبة لمدة عشرين عاما وقد تأسست عام 1983 إثر تمرد وحدات عسكرية تابعة للكتيبة 105 التي تتوزع على ثلاث مدن في جنوب السودان هي بور والجبور وفشلا وتتشكل تلك الوحدات في معظمها من أبناء جنوب السودان الذين تم استيعابهم في الجيش بموجب اتفاقية أديس أبابا التي أنهت التمرد الأول الذي دام سبعة عشر عاما بعد اندلاعه قبل مدة قصيرة من استقلال السودان.

السبب المباشر للتمرد الجديد هو رفض تلك الكتائب لتنفيذ أوامر بترحيلها إلى الشمال وإحلال كتائب شمالية محلها وقد رفض المتمردون إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري إلغاء اتفاقية أديس أبابا التي ضمنت حكما ذاتيا للجنوب، أبرز قادة هذا التمرد هو المقدم كاربينو كوانين الذي كان أحد رموز قوات الأنانيا في التمرد الأول وبعد مصادمات مع الجيش لجأ جنود وضباط تلك الكتيبة إلى الأحراش ليلحق بهم العقيد جون قرنق ويقود حركتهم وينظم صفوفهم في خريف عام 1983.

بدأت الحركة الشعبية بطرح أقرب إلى اليسار حيث طالبت بإعادة صياغة العلاقات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع السوداني، لكن سرعان ما أتضح أن لها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وأوروبا الغربية. أعلنت الحركة في بيان تأسيسها أنها لا تسعى إلى فصل الجنوب السوداني إطلاقا وإنما تسعى لسودان فدرالي وديمقراطي وتفكيك قبضة المركز على الأقاليم.

هذا الطرح ضمن لها انضمام العديد من الشماليين أمثال الدكتور منصور خالد الذي يعتبر أحد مفكريها ومستشارا شخصيا لزعيمها الدكتور جون قرنق ولترسيخ هذا المفهوم اتخذت الحركة من ياسر عرمان أحد أبناء الشمال ناطقا رسميا باسمها. طرح الحركة الوحدوي جابهته العديد من المشكلات على رأسها الإنشقاقات في صفوفها التي قادها بعض من اقتنعوا بفكرة الانفصال أمثال ريك مشار ووليام نون ولام أكول وكاربينو كوانين غير أن هذه الإنشقاقات لا تعكس فقط الاختلافات السياسية فالعديد من القادة المنشقين لهم دوافعهم القبلية المتمثلة في رفض سيطرة قبيلة الدينكا على الحركة وهي القبيلة التي ينتمي لها جون قرنق.

بعد سقوط نظام جعفر نميري وبعكس التوقعات رفضت الحركة الشعبية الانضمام الحكومة السودانية في الخرطوم لتشكيل حكومة وحدة وطنية واستمرت في القتال وواصلت الحركة حمل السلاح أثناء الفترة الديمقراطية ما بين عام 1986 و1989 لكنها اقتربت من التوصل إلى صياغة ثنائية مع الحزبين الكبيرين في السودان الأمة والاتحاد الديمقراطي.

بعد تسلم حكومة الرئيس عمر البشير مقاليد السلطة تصاعدت المواجهات العسكرية بشكل كبير في جنوب السودان، لكن هذا الوضع لم يمنع من عقد جولات متكررة من المفاوضات في العديد من العواصم الأفريقية والأوروبية. في اجتماع قيادة الحركة الشهير في مدينة توريت عام 1991 أعلنت الحركة ولأول مرة مطالبتها بحق تقرير المصير لما أسمته بالمناطق المهمشة وصار هذا البند أساسيا إلى جانب علاقة الدين بالدولة في جميع المفاوضات التي جرت مع الحكومة بعد ذلك التاريخ.

تحالفت الحركة الشعبية مع الأحزاب الشمالية المعارضة لحكومة الرئيس عمر البشير وتوحدوا جميعا عام 1995 تحت مظلة ما عُرف بالتجمع الوطني الديمقراطي. توصلت الحركة الشعبية مع الحكومة السودانية إلى اتفاق في مدينة ماشاكوس الكينية في يوليو من العام الماضي يضمن تقرير المصير لجنوب السودان بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات، ثم توصلت لاتفاق آخر معها في مدينة نيفاشا في سبتمبر 2003 يفصل الترتيبات العسكرية في هذه الفترة وهو ما اعتبر مؤشرا حاسما بقرب توقيع اتفاق سلام نهائي.

في الخامس من هذا الشهر وفد ضم عددا من قادة الحركة يزور الخرطوم في حدث اعتبر تاريخيا وبداية فعلية لتحول الحركة نحو الانخراط في الحياة المدنية بعد عشرين عاما من العمل المسلح.

حسن جمول: ومعي من لندن عبر الأقمار الصناعية المحلل السياسي المتخصص في الشؤون السودانية عبد الوهاب الأفندي، سيد عبد الوهاب سمعت معنا حديث الدكتور حسن الترابي يتحدث عن فكرة المشروع الحضاري وعدم فرضه على ملل أخرى غير إسلامية هل ترى في المقابل أن هناك مبرر لمحاربة هذا الطرح قبل حركة التمرد في جنوب السودان؟

عبد الوهاب الأفندي: طبعا المشروعين المطروحين هما مشروعين على طرفي النقيض، مشروع الحركة الشعبية لتحرير السودان هو مشروع لعلمنة السودان وتغليب الهوية الأفريقية على البلاد مقابل الهوية العربية الإسلامية والطرح الإسلامي أو ما أسمه المشروع الحضاري الإسلامي كان يريد أن يحول السودان إلى بلد إسلامي مع استيعاب الجنوب كجزء يعني له حكمه ذاتي وخصوصيته الذاتية ولكن حركة الجيش الشعبي رفضت هذا الطرح باعتبار أنها ستكون يعني مثل دولة ثنائية القومية التي يتحدث عنها الفلسطينيون والإسرائيليون وأنهم سيكونوا مواطنين من الدرجة الثانية فأصروا كان إلى وقت طويل إلى إما إلغاء الشريعة الإسلامية وإلغاء حتى بعض يعني الميزات التي كان يتميز، تمتاز بها الشماليون أو الانفصال، كان جون قرنق شخصيا كان طموح إلى أنه يستطيع كما حدث في دول مجاورة مثل أثيوبيا أنه يستولي على السلطة عسكريا ويفرض مشروعه..

حسن جمول [مقاطعاً]: هل تعتقد أن ما جرى التوصل إليه حتى الآن فيما يتعلق بحق تقرير المصير فيما يتعقل بالأحكام الواجب أن تُتبع في الجنوب والمختلفة عما هو في مناطق الشمال من أحكام إسلامية وغيرها يمكن أن ترضي الحركة الشعبية وبالتالي تسير في اتفاق من دون طرح العلمانية بشكل كامل على السودان؟

عبد الوهاب الأفندي: هو طبعا يرضيهم في المدى القصير لأنه هو يترك الأمور مفتوحة يعني الصحيح إنه تم الاتفاق على أن يكون الشريعة في الشمال وعلى أن يكون في الجنوب وضع خاص ولم يتم الاتفاق طبعا بعد على أشياء مهمة تتعلق بتقاسم السلطة وبنيتها ولكن الذي يعني يطمح له الطرفان أن ينقل الصراع من الصراع العسكري إلى الصراع السياسي أنه يأمل مثلا الجيش الشعبي إنه إذا مثلا جمع حوله تحالف عريض من القوة الأفريقية ما يسمى بالقوة الأفريقية سواء في دارفور أو في بعض إمارات شمال السودان الأخرى أنه يخلق تحالف ديمقراطي عريض يُمكنه من فرض مشروعه والإسلاميون أيضا يأملون أن يصبح لهم القدرة أيضا ديمقراطيا على أن يفرضوا مشروعهم أو على الأقل يجعل جزء منه مقبول إذا القصة أصلا تكون مفتوحة لم تحسم بعد، المفاوضات..

حسن جمول: طيب مما نراه الآن يعني مما نراه الآن أو يمكن أن نلمسه بشكل أو بآخر، هل ترى أن المشروع الحضاري يتراجع شيئا فشيئا في السودان لصالح العلمانية أو العلمانية المجتزئة إذا صح التعبير؟

عبد الوهاب الأفندي: صحيح يعني المشروع السوداني الإسلامي السوداني واجه ضربة قوية جدا من الممارسة التي تمت في عهد حكم الإنقاذ لأنه أولا طبعا قبل الانشقاق ولكن الانشقاق كان علامة بارزة لأنه بعد الانشقاق أصبح هناك تبادل اتهامات من قبل قادة المشروع أنفسهم وإدانة للمشروع ولكن قبل ذلك المشروع لم يستطع أن يجمع حوله ما يكفي من الدعم الشعبي بسبب الصراع مع القوة الشمالية الأخرى وأيضا الصراع مع القوة الجنوبية مما يعني وأعطى الحقيقة يمكن أن نقول سمعة سيئة لفكرة المشروع الإسلامي حتى الآن، هناك محاولات لإصلاح الأمر ولكن يبدو أن الوقت تأخر عليها.

حسن جمول: نعم السيد عبد الوهاب الأفندي المتخصص بالشؤون السودانية من لندن، شكرا جزيلا لك. وبهذا مشاهدينا نصل إلى نهاية هذه الحلقة من المشهد السوداني إلى أن نلتقي في الحلقة المقبلة هذه تحية وإلى اللقاء.