قضايا الساعة

المساعدات الأميركية واستقرار القرار الاقتصادي والسياسي المصري

الرؤية الأميركية لجدوى المساعدات الأميركية وأثرها التنموي على الاقتصاد المصري، الموقف المصري من المساعدات واحتمالات توقفها.

مقدم الحلقة:

مالك التريكي

ضيوف الحلقة:

بروفيسور مايكل هدسون: جامعة جورج تاون- واشنطن
أحمد السيد النجار: باحث اقتصادي- مركز الأهرام

تاريخ الحلقة:

05/09/2002

– الرؤية الأميركية لجدوى المساعدات الأميركية وأثرها التنموي على الاقتصاد المصري
– الموقف المصري من المساعدات واحتمالات توقفها


undefinedمالك التريكي: في أعقاب رفض الولايات المتحدة منح مصر مساعدات إضافية، تساؤلات حول دور المساعدات الأميركية في الاقتصاد المصري وحول أثرها في استقلالية القرار الوطني.

أهلاً بكم، ما أن خيم شبح الإفلاس على إمارة (جراند فانويك) الأوروبية الصغيرة حتى أعلنت الحرب على أميركا، وبما أن الإمارة الصغيرة لم تكن تأمل في انتصار بل في انهزام خاطف تعقبه مساعدات مالية أميركية فإن الجانبين اتفقا بعد الحرب على كل شيء إلا على حجم المساعدات، الإمارة تطالب بمبلغ مليون دولار فقط لأنه يفي بالحاجة، والولايات المتحدة تشترط -ويا للعجب- أن تكون مساعداتها أكبر من ذلك بكثير، هذه المساعدات غير الواقعية التي يصورها فيلم أميركي من الخمسينيات بعنوان "الفأر الذي زأر زئير الأسد"، تحتمل أحد مغزيين إما المغزى المقصود أي ما ذهب إليه المخرج من أن أميركا هي من طيبة القلب بحيث تغدق العطايا على الجميع، حتى لو كانوا من أعدائها السابقين، أو المغزى غير المقصود أي أن المساعدات هي أداة سياسية لتثبيت الأوضاع أو توجيه السياسات في الدولة المتلقية وذلك بما يخدم مصالح الدولة المانحة، وإلا ففيما الإصرار الأميركي على منح مساعدات أكبر بكثير مما يحتاجه البلد.

وليس يخفي هذه الأيام أي المغزيين هو الأكثر انطباقاً على حالة المساعدات الأميركية لمصر، خاصة منذ أن أعلنت واشنطن أو عللت واشنطن قرارها رفض منح القاهرة مساعدات إضافية بقيمة 130 مليون دولار باستياءها من قرار القضاء المصري تثبيت حكم السجن الصادر ضد الأكاديمي والناشط سعد الدين إبراهيم.

وبما أن هذه هي المرة الأولى منذ ربع قرن.. منذ ربع قرن التي تربط فيها واشنطن بين منح المساعدات أو منعها، وبين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فإن الرأي العام المصري قد هب في شبه إجماع على استنكار هذه السابقة التي عدت تدخلاً في شؤون السيادة يكاد يبلغ حد النيل من الكرامة.

وفي خضم هذه الهبة تجدد في مصر جدل قديم نسبياً حول المساعدات الأميركية ودورها في الاقتصاد المصري، هل تساهم التنمية أم تعوقها؟ وهل تخدم الأولويات المصرية أم الأولويات الأميركية؟ وهل يمكن لمصر أن تستمر في الحصول على المساعدات مع الاستمرار في الحفاظ على هامش من استقلالية القرار السياسي؟ وهل يمكن لمصر الاستغناء عن هذه المساعدات استغناءً نهائياً، لا سيما أن من الأكيد أن سيأتي اليوم الذي تقرر فيه واشنطن وقفها بالمرة؟

لاميس الحديدي تعرض في تقرير من القاهرة عناصر هذا الجدل حول قضية المساعدات الأميركية.

تقرير/لاميس الحديدي: ربع قرن من المعونات الأميركية لمصر وقرابة 25 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية قدمتها واشنطن، ولا يزال الجدل قائماً حول حقيقة تلك المعونات وأهميتها للاقتصاد المصري، فمنذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 79 ومصر تحصل سنوياً على 850 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية ومليار و200 مليون أخرى من المساعدات العسكرية، يمول معظمها مشروعات للبنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليم، إضافة إلى برنامج لاستيراد السلع التي استخدمته مصر في الماضي لاستيراد القمح.

غير أن تلك الأرقام قد بدأت في التراجع عام 99، مع تطبيق برنامج خفض المعونات الأميركي، والذي يخفض 5% من المعونة الاقتصادية سنوياً لتصل إلى نحو 400 مليون دولار عام 2001، فماذا قدمت المعونة الأميركية للاقتصاد المصري؟

عبد الفتاح الجبالي (رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام): الحقيقة جزء من المعونة توجه للبنية الأساسية ودا ساعد كثير في إصلاح البنية الأساسية في المجتمع المصري بالذات في مجالات الصرف الصحي، في مجالات بعض الإنشاءات المتعلقة بهذا المجال، العديد من القطاعات الأخرى استفادت بشكل أو بآخر من تدفق مثل هذه الأموال على الاقتصاد المصري.

لاميس الحديدي: الجهاز المركزي المصري للمحاسبات أكد في تقرير أخير أن مصر لم تستفد سوى من 66% من أموال المعونة المتاحة، أي قرابة 15 ملياراً فقط، ويرجع ذلك -كما يقول التقرير- إلى شروط أميركية في تنفيذ البرامج.

سعيد هجرس (مدير تحرير جريدة "العالم اليوم" الاقتصادية): مثلاً كان فيه حاجات خاصة بمرفق المياه والصرف الصحي، حاجات مرتبطة بأن مصر ترفع التعريفة بتاع استهلاك المياه، فيه أيضاً اتفاقات أخرى متعلقة لم تنفذ لأن الأميركان اشترطوا تسريح عمالة، والجانب المصري رفض، فيه أيضاً هتلاقي فيه أمثلة حتى بتبقى بالغة الفجاجة في بعض الأحيان زي مثلاً إنه جاء في إطار أحد هذه الاتفاقات قطيع من الأبقار جات من الولايات المتحدة الأميركية وثبت إنه مصاب باللوتينيا، وفضلت وزارة الزراعة تشتكي وتعلن بلا جدوى.

لاميس الحديدي: ويرفض الجانب الأميركي ذلك التقرير مؤكداً أن الولايات المتحدة كانت شريكاً أساسياً للتنمية في مصر ساهمت بموجبه المعونة بقوة في تحديث الاقتصاد المصري.

ويلارد بيرسون (مدير هيئة المعونة- مصر): هذا خطأ تماماً، فمن بين 25 مليار دولار قدمناها على مدار السنوات الماضية هناك 4% فقط أو أقل لم يتم إنفاقها وهي أموال تم رصدها لمشروعات ضخمة في البنية الأساسية، ولازالت تحت الإنشاء ولم تكتمل بعد، وبالتالي فإن قرابة الـ100% من المبالغ التي تم منحها أنفقت في مشروعات داخل مصر.

لاميس الحديدي: ذلك الجدل المحترم حول ما قدمته المعونة الأميركية لمصر على مر السنوات لا يتوقف عند حافة الدوائر السياسية والاقتصادية فحسب، بل يمتد عمقاً إلى رجل الشارع، فهل يشعر المواطن المصري البسيط بمليارات المعونة الأميركية؟

مواطن مصري1: لأ، مش حاسس، مش حاسس بالمعونة ولا عارف هي بتتوزع إزاي، ولا يتروح فين، ولا.. مش حاسس بيها بصراحة، أنا كمواطن مش حاسس بيها.

مواطن2: بالنسبة للتحكمات اللي هم عايزين يفرضوها علينا، وإحنا ما بنقبلهاش، فإذا ربطوها بتحكمات بتاعتهم دي، لأ نفرضها، ومش هتؤثر علينا، لأن حجم ميزانيتنا ما يتأثرش بـ2 مليار دولار.

مواطن3: لازم يبقى فيه تنازلات، لازم يبقى فيه ضغط عليها عشانها، لازم بيبقى فيه كلام خاص بقضايا خاصة بالمسلمين وبالعرب زي العراق وزي السودان وزي الصومال وزي أفغانستان، دوائر كثير جداً للمسلمين في مقابل إن إحنا بنسكت في.. زي دول ثانية زي مثلاً اللي بيحصل في الشيشان، زي اللي بيحصل.. كان بيحصل في البوسنة والهرسك، كل دا إحنا ساكتين.. ساكتين.. ساكتين، عشان أيه؟ لأ كل دا مش عايزينه.

لاميس الحديدي: ولم يبتعد المواطن المصري في ذلك كثيراً عن الحقيقة، فقد جاء رفض واشنطن مؤخراً لأية معونات إضافية اعتراضاً على الحكم في قضية دكتور سعد الدين إبراهيم إعلاناً صريحاً باستخدام المعونة كورقة ضغط سياسية في أوقات الخلاف.

سعيد هجرس: هذه المعونة مرتبطة بشيء رئيسي ألا وهو إنه تبقى المصالح المصرية والمصالح الأميركية هناك التقاء بينهم، طيب ماذا يحدث عندما يكون هذا.. عندما تكون هذه المصالح متناقضة مثلما هو الآن، ومثلما هي مرشحة لأن تكون، وهذا خطر المعونة الأميركية، إنها بتعمق الاعتماد في الغذاء على القمح الأميركي وفي السلاح على السلاح الأميركي.

لاميس الحديدي: وفبما لا تمثل المعونة الأميركية الآن سوى 2% فقط من الناتج القومي الإجمالي، فإن الأصوات تتعالى لمحاولة التخلص من عبئها الاقتصادي.

عبد الفتاح الجبالي: جوهر القضية هنا هو كيف يمكن تعظيم الطاقة الادخارية للمجتمع المصري، وهنا مجالات عديدة لأني أعتقد أن الاقتصاد المصري لديه طاقات كامنة.. طاقات ادخارية كامنة كبيرة تستطيع أن تساعد كثيراً في إحداث طفرة ما فيما يتعلق بالادخار المحلي في المجتمع بشكل عام.

لاميس الحديدي: ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية المصرية، وانخفاض موارد مصر من النقد الأجنبي إلا أن التدرج في التخلص من إدمان الاعتماد على المعونة الأميركية وغيرها من المعونات قد أضحت ضرورة قومية لا مفر منها، لتحقيق استقلال القرار الاقتصادي والسياسي المصري.

الرؤية الأميركية لجدوى المساعدات الأميركية
وأثرها التنموي على الاقتصاد المصري

مالك التريكي: هنالك اختلاف في الرأي إذن بين مصر والولايات المتحدة حول تقييم جدوى المساعدات الأميركية وأثرها التنموي في الاقتصاد المصري، حيث تبين أحدث دراسة مصرية أن مصر لم تستفد إلا من حوالي ثلثي أموال المعونة الأميركية وذلك بسبب كثرة الشروط الأميركية المتعلقة بتنفيذ المشاريع التي رصدت لها.. لها هذه المساعدات لبحث قضية المساعدات الأميركية لمصر من وجهة النظر الأميركية معنا من واشنطن الدكتور مايكل هدسون (أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون).

دكتور هدسون، أحدث دراسة أميركية في مجال المساعدات الأميركية تقول إن مصر لم تستفد طيلة ربع القرن الماضي إلا من حوالي ثلثي المعونة، لماذا تستأثر أميركا بحوالي ثلث المعونة التي تقدمها لمصر، علماً أنها تخدم مصالحها السياسية بتقديم هذه المعونة كيف تجمع بين الاستفادتين، الاستفادة السياسية والاقتصادية؟

د.مايكل هدسون: طبعاً المصلحة الأميركية بالنسبة لمساعدات خارجية نحو مصر وأي من بلدان في عالم.. عالم نامية، إنه مصالح أمنية أميركية، وطبعاً في مصر المساعدات كبيرة، كان يعني نتيجة من المعاهدة مصر وإسرائيل، وسبب منحها لمساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر كان فعلاً يعني الأمن إسرائيل وبعدين أمن مصر، وبعدين على مستوى فعلاً يمكن التنمية الاقتصادية ومن هذا إنه شو.. يعني من ناحية من وجهة نظر أميركا إنه شو سياسات مصرية خارجية وداخلية والآن طبعاً بعد المحكمة ومشكلة دكتور سعد الدين إبراهيم كان فيه أصوات في الرأي العام في أميركا، وخاصة عند العناصر يعني شو بنقول المتطرفة العناصر اللي يسيطروا…

مالك التريكي [مقاطعاً]: دكتور.. دكتور هدسون أسف.. أسف على المقاطعة دكتور هدسون دكتور هدسون أسف على المقاطعة، دكتور هدسون قبل.. قبل الدخول في هذه المسألة ذكرت أن السبب الأساسي لتقديم المعونة الأميركية إلى.. إلى مصر هو توقيع معاهدة السلام مع.. مع إسرائيل، ولذلك فالمعونة تنقسم إلى قسمين، قسم عسكري وقسم اقتصادي، المبدأ الذي قامت عليه المعونة لا يزال قائماً، أي أنه معاهدة ال0سلام لا تزال سارية المفعول بين إسرائيل ومصر، ولذلك فالمساعدات العسكرية قائمة، بالنسبة للمساعدات الاقتصادية أميركا نفسها أرادت أن تساعد على تحرير الاقتصاد المصري وتعويض مصر عن فقدان المساعدات العربية، هي التزمت بذلك، لكنها تفرض أولويات ليست في مصلحة الاقتصاد المصري هنا، هنالك ضرر للاقتصاد المصري عندما تفرض أولوياتها.

د.مايكل هدسون: مضبوط، هذا صحيح، لأنه يعني بصراحة السياسة الأميركية يعني متناقضة بين على الجانب الواحد التنمية في مصر، وخاصة أن وأنه فاكرين هلا في علاقة بين الاستقرار الاجتماعية والاقتصادية والوجود عناصر متطرفية والإرهابية إلى آخره، ولكن مصر في.. في وجهة نظر في الدوائر إدارة (بوش) بيقولوا إنه مصر يعني ما ساعدنا يعني كافية، السلام بين إسرائيل ومصر سلام بارد، وبعد الحوادث 11 أيلول كنا يعني نلاحظ على النقد يعني قوي جداً في صحافة مصرية ضد أميركا، وبعدين المواطن العادي في أميركا بيسأل لماذا يعني نعطي مساعدات اقتصادية لمصر؟ وبعدين عندهم فكرة يمكن مضبوط ويمكن مش مضبوط إنه عندهم في مصر نظام يعني فساد وغير يعني.. inefficient

مالك التريكي: غير ناجع

د.مايكل هدسون: وبيقولوا لماذا نعطي الفلوس لنظام سلطوي وفسادي.

مالك التريكي: هذه المسألة حديثة نسبياً -دكتور هدسون- لأنه منذ ثلاثة أعوام.. منذ عام 99 بدأت خطة أميركية لخفض المساعدات إلى مصر وإلى إسرائيل بنسبة 5% كل عام، على مدى عشرة أعوام، بحيث تبلغ المساعدة الاقتصادية في عام 2008 مجرد أربعمائة وخمسة عشرة مليون دولار بالنسبة.. بالنسبة لمصر، لكن المساعدات العسكرية بالنسبة لإسرائيل سترتفع، بحيث تكون عام 2008 تقريباً ضعف ما تحصل عليه.. عليه مصر، ألا يثير ذلك أي.. موجة في الرأي العام الأميركي؟

د.مايكل هدسون: طبعاً.. طبعاً، يعني في.. في علاقة خاصة بين إسرائيل وأميركا، هذا مفهوم، وفي دوائر المجلس النواب خاصة، وفي دوائر الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وعند المجموعات الضغط الصهيوني طبعاً الأولوية الأهم أمن إسرائيل، ومن هذا طبعاً يعني نعطي مساعدات عسكرية لإسرائيل، وطبعاً يعني يزيد، بس بالنسبة للعرب، و منهم يعني مصر والسعودية والأردن فيه تغيرات في الرأي العام في أميركا، وخاصة بعد 11 أيلول إنه العالم العربي والعالم الإسلامي يعني ما يحبونا، وهم يعني مصدر مشاكلنا الإرهابية، إلى آخره.. ومن هذا يعني كان ينزل المساعدات لمصر، وطبعاً شوية يعني لإسرائيل فعلاً، بس مش في المجال.. المجال العسكري…

مالك التريكي [مقاطعاً]: لكن.. لكن المساعدات.. لكن المساعدات لمصر دكتور هدسون أصبحت مرتبطة ولأول مرة منذ ربع قرن بضغط علني من أجل.. من أجل قضية في هذه الحالة تتعلق بوضع من أوضاع حقوق الإنسان، الأمر لا.. لا يجري ما يوازيه مع.. مع إسرائيل، والسؤال في مصر الآن هو إذا كانت هذه المساعدات لا تساعد فعلياً على التنمية في.. في مصر، رقم بسيط هو أن الفائض التجاري الأميركي مع مصر الآن.. الفائض التراكمي يتجاوز أربعين مليار، وما حصلت عليه مصر منذ ربع قرن لا يتجاوز 52 مليار، فواضح من هو المستفيد حتى اقتصادياً، لماذا تحاول أميركا استعمال هذا.. هذا.. هذه الأداة، أي المساعدات كأداة ضغط سياسي؟ هي لا تقدم مساعدات في آخر الأمر.

د.مايكل هدسون: يعني النقطة الأساسية إنه أسباب ومصادر سياسات.. مساعدات أميركية نحو العالم الثالث، ومصر ما بأعرف شو، هنا المصالح استراتيجية أمنية أميركية، ومع الأسف ما نشوف يعني تمسك يعني في السياسة الأميركية، بالعكس يعني عدم تمسك، ما في يعني (….)، ومضبوط إنه.. نعم.. نعم.

مالك التريكي: دكتور مايكل هدسون (أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون بواشنطن)، لك جزيل الشكر.

منذ أن بدأت الولايات المتحدة قبل ثلاثة أعوام في الخفض التدريجي للمعونة الاقتصادية لمصر، والخطاب الرسمي في القاهرة يشير إلى وجود قناعة بضرورة توقف المساعدات ذات يوم، وبوجوب الاعتماد على المارد الذاتية في تحقيق التنمية الوطنية.

بعد الفاصل: نظرة في الاحتمالات في حال توقف المساعدات.

[فاصل إعلاني]

الموقف المصري من المساعدات واحتمالات توقفها

مالك التريكي: رغم أن المساعدات الاقتصادية تؤدي بوجه عام إلى وقوع الدولة المتلقية للمعونة في القبضة السياسية والاقتصادية للدولة المانحة، فإن كثيراً من المراقبين يرون أن مصر نجحت نسبياً في الاحتفاظ بهامش من الاستقلالية تجاه السياسات الأميركية في المنطقة، وقد اتسع هذا الهامش في بعض.. في بعض الحالات إلى حد الاعتراض الواضح على توجهات واشنطن، مثلما هو حاصل على ما يبدو في قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أو في الموقف من العراق، أو في الموقف من عملية السلام في السودان، معنا من القاهرة لبحث قضية عملية المساعدات الأميركية من وجهة النظر المصرية الأستاذ أحمد السيد النجار (الباحث الاقتصادي، والمشرف على إصدار وتحرير التقرير السنوي للاتجاهات الاقتصادية والاستراتيجية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية).

أستاذ النجار، هنالك شبه اتفاق بين كثير من المراقبين على أن مصر نجحت نسبياً خلال فترة السنوات والخمس والعشرين الماضية في الحفاظ على هامش من الاستقلالية السياسية تجاه سياسات واشنطن، رغم ربع قرن من المساعدات الاقتصادية و.. والعسكرية، إذا كان الأمر كذلك، أليس من قبيل التسرع العاطفي نوعاً ما الآن في أعقاب قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم الدعوة إلى الاستغناء عن المساعدات على الفور؟ أليس هذا نوع من التسرع؟

أحمد السيد النجار: في الحقيقة مسألة التسرع من عدمه دي مرتبطة بمسألة هل هناك قرار أو موقف حكومي في هذا الصدد أم لا، أما أن تدعو الجماعة البحثية أو النخبة السياسية الثقافية بصفة عامة إلى تقليص أو الاستغناء عن المساعدات الأميركية، فهذا أمر له علاقة بمسألة مكانة مصر كدولة إقليمية قائدة، وأيضاً فكرة الاستمرار في الاعتماد على مساعدات أجنبية لم تعد حتى لها أهمية كبيرة في الوقت الحالي، بالقياس لحجم الناتج المحلي الإجمالي لمصر، يعني الناتج المحلي الإجمالي لمصر 98.3 مليار دولار سنة 2000 وفقاً لأحدث تقرير للبنك الدولي، المساعدات إجمالاً أقل من حوالي 0.8% من.. بالنسبة للمساعدات الاقتصادية من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

لن تكون في الحقيقة لها تأثير جدي على.. جدي على الاقتصاد المصري، بالعكس هي في الحقيقة أثَّرت بشكل أو بآخر من ناحية.. بشكل سلبي على الاقتصاد والمصري، بمعنى تكريس فكرة أن هناك طرف أجنبي أو هناك طرف خارجي يمكن أن نتلقى منه بعض المساعدة، هذا قلل من حوافز الدعوة للاعتماد على الذات، حفز الادخار المحلي لبناء أو تمويل التنمية في مصر، وهذا أمر ضروري للغاية كدولة قائدة في المنطقة، لا يليق بها أن تستمر بالفعل في..

مالك التريكي [مقاطعاً]: هل..، أستاذ النجار، هل.. عفواً على المقاطعة، لأن أنت ذكرت نقطة تستدعي توضيحاً، هل ثبت حسب الدراسات أن هنالك مثلما يقال علاقة تناسب عكسي بين المعونة الأجنبية وبين الادخار الوطني؟

أحمد السيد النجار: في الحقيقة الادخار المحلي في مصر هو واحد من أدنى مستويات الادخار في العالم، يعني بتراوح بين 14% من الناتج المحلي الإجمالي و16%، المعدل العالمي 23%، المعدل بيصل في بعض البلدان زي الصين لأكثر من 40%، سنغافورة 52%، بلدان عموماً شرق أسيا، اللي هي الاقتصادات سريعة النمو كلها فوق الـ 30 أو 35%، فمصر بالفعل إذا أرادت أن تتحرك باتجاه درب النمو السريع عليها أن تكثف بالفعل حملة حكومية، وحملة لتغيير الثقافة العامة في مصر باتجاه رفع أو تعزيز قيمة الادخار، رفع.. بحيث يؤدي ذلك إلى رفع الادخار المحلي لمصر بشكل قوي.. الادخار المحلي الإجمالي لمصر كان في وقت من.. من الأوقات أعلى من هذا المعدل في الستينات، في الخمسينات، لكنه عامة في الحقيقة يجب التنويه إنه لم يكن مرتفعاً بشكل كبير، يعني عادة كانب الفعل حتى لو كان أعلى من 16% لكنه في الحقيقة منخفض بالمناسبة.. بالنسبة للمعدل العالمي، لأن مصر دائماً كان هناك طرف أجنبي، سواءً كان الاتحاد السوفيتي في وقت.. في وقت من الأوقات، أو الولايات المتحدة الأميركية حالياً، أو الاتحاد الأوروبي بيقدم مساعدة خارجية، أو حتى بعض البلدان العربية في بعض السنوات.

مالك التريكي: لكن في خضم الاستنكار الحالي لمحاولة واشنطن استخدام المساعدات كأداة ضغط وتدخل في شؤون سيادية تخص مصر، هنالك نسيان أو تجاهل نوعاً ما لإيجابيات هذه المساعدات، إذ ليس من المعقول أن تكون هذه المساعدات كلها سلبية، هنالك إنجازات تحققت في أرض الواقع وبنى تحتية تم تطويرها وبناء للمدارس وبعثات دراسية، ألا يجدر التذكير بأن هذه المساعدات كان لها دور إيجابي أيضاً؟

أحمد السيد النجار: في الحقيقة علينا أن.. إن حتى نحدد مدى إيجابية هذا الدور أن نرى بشكل موجز وسريع المساعدات الاقتصادية حوالي 24.7 مليار دولار من وقت أن بدأت حتى الآن، هذه المساعدات الاقتصادية رُدَّ منها حوالي 10.6 مليار دولار فوراً للولايات المتحدة في صورة للجزء الخاص ببرنامج الاستيراد السلعي، و برنامج المعونات الغذائية بالمناسبة برنامج المعونات الغذائية كان دائماً هناك شكوى من المصريين بالنسبة لمسألة المواصفات الخاصة بالسلع الأميركية، يعني أحياناً القمح الأميركي بيبقى مصاب.. مصاب بالصدأ الأحمر، في مرة من المرات ورد لمصر حيوانات مصابة بأمراض خطيرة، في حين أن التقارير الأميركية كانت تشير إنها خالية من الأمراض، على أي الأحوال يعني هذه أموال ردت مباشرة للولايات المتحدة الأميركية.

هناك برنامج خاص بتمويل بعض المشروعات في مصر شريطة أن تقوم بتنفيذها شركات أميركية، أن تستخدم خبراء أميركيين، أيضاً أن يتم استيراد كل المعدات اللازمة لها من خلال.. من الولايات المتحدة الأميركية، فالجانب الأعظم في الحقيقة من الأموال عادت مرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية.. حضرت ذكرت في..

مالك التريكي [مقاطعاً]: أستاذ.. أستاذ نجار، آسف.. آسف على المقاطعة.. على المقاطعة هذه مسألة طبعاً معروفة، وقد سألنا فيها الأميركي في نوع.. في نوع من الاستفسار، لكن معروف المساعدات تأتي مرتبطة بشروط و.. وبضغوط، ومن يقبل المساعدات يقبل نوعاً ما الخضوع لهذه الشروط أو الضغوط في بعض.. في بعض الأحيان، وهذا لا يقتصر على أميركا فقط كدولة مانحة.. هنالك مشكلة هيكلية في.. في الاقتصاد المصري، في مؤتمر شرم الشيخ الأخير للدول المانحة، الجهات المانحة نفسها أشارت إلى أن السلطات المصري غير قادرة على إدارة ما لديها الآن من منح وقروض، وقالت إذا كان ما.. ما هو موجد لديكم منذ عشر سنوات لم تستطيعوا إداراته، فلماذا تطلبوا أموالاً إضافية؟

أحمد السيد النجار: أحياناً هذه المشكلة ربما يكون في جانب منها من مسؤولية الجانب المصري، لكن أيضاً في جانب بالنسبة للمساعدات الأميركية مسؤولية الجانب الأميركي، على اعتبار أنه يتحكم في الكثير من الأشياء التي تحدد هي بالفعل يمكن استخدام أو توظيف المنح أن لا، بمعنى أنه حتى الآن في الحقيقة ثلثين المساعدات هي التي.. هو ما تم استخدامه بالفعل، يعني هناك ثلث معطل.. معطل بالفعل من المساعدات خلال.. منذ بدء المساعدات حتى الآن، جانب منها بالفعل مسؤولية مصرية، لكن الجانب الأكبر مسؤولية أميركية في ظل التحكم الأميركي في مسألة الكثير من الاختيارات والمواصفات الخاصة بالسلع والمشروعات التي ستتم من خلال المساعدات.

هي في الحقيقة مساعدة مربوطة، ما نسميها مساعدات مربوطة، بمعنى لا تعطى لمصر كأموال تتحكم فيها في استخدامها أو توظيفها لتحقيق التنمية في مصر وفق أولويات المخطط المصري، هي مساعدات مربوطة، إما مشروعات.. إما لاستيراد سلعي أو تدريب أو غيره، وبيتم استخدام الأميركيين فيه، وبالتالي جزء منها عندما يتم تعطيله بالفعل أو لا يتم توظيفه يعود إلى الجهة المانحة، رغم الإقرار بأن الجانب المصري أيضاً مسؤول عن جانب من تعطيل جزء من الاستخدامات بالنسبة للمنح الأميركية.

مالك التريكي: إذا تم الأخذ بمبدأ معاملة الند للند كبديل ومبدأ.. مبدأ أو شعار التجارة لا.. لا المعونة، أي “Trade not Aid”حسب العبارة الإنجليزية، المناخ الاستثماري في.. في.. في مصر لا يشجع المستثمرين الأجانب، والاستثمارات الأميركية محدودة جداً في.. في.. في مصر، هنالك مشاكل في قوانين المناقصات، في قوانين الشركات، في مستوى توفير المعلومات، هل هذه إصلاحات يمكن التباطؤ فيها؟

أحمد السيد النجار: بداية أنا يعني لا.. يعني غير متفق مع مسألة إن المناخ مش ملائم، المناخ.. هناك في الحقيقة نوع من المبالغة في الكرم تجاه كل الاستثمارات، سواءً كانت عربية أو أجنبية في مصر، سواءً فيما يتعلق بالإعفاءات، وأيضاً الكثير من التفضيلات بالنسبة للمستثمرين الأجانب.. إذا كانت هناك بعض المشاكل خاصة بالاقتصاد المصري في الوقت الحالي هي ربما تمس أمور أخرى، ولكن لا تمس مصالح المستثمرين الأجانب، ربما يكون هناك موقف أكثر منه اقتصادي هو موقف سياسي فيما يتعلق بمسألة ضخ استثمارات كبيرة إلى مصر يعني بالفعل مصر سوق كبير، مصر تتوافر فيها العمالة. بمختلف مستوياتها المهارية، لديها إعفاءات هائلة، تقريباً تكاد تكون الأفضل فيا لعالم بالنسبة لمسألة المناطق الجديدة 20 سنة إعفاء ضريبي، المدن الصناعية اللي هي قائمة من فترة طويلة حوالي 10 سنوات، الوادي والدلتا فيه 5 سنوات.. إعفاءات لأي مشروعات في بداية تكوينها، فالمسألة فيها جانب سياسي في الحقيقة فيما يتعلق بمسألة الاستثمارات.. التدفق للاستثمارات الأجنبية إلى مصر. أما الجوانب الأخرى.. نعم..

مالك التريكي [مقاطعاً]: الأستاذ.. الأستاذ أحمد السيد النجار.. الأستاذ أحمد السيد النجار، لقد أدركنا، الوقت، آسف على المقاطعة الأستاذ أحمد السيد النجار (الباحث الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية من القاهرة) لك جزيل الشكر.

وبهذا سيداتي سادتي تبلغ حلقة اليوم من (قضايا الساعة) تمامها. دمتم في أمان الله.