قضايا الساعة

تأجيل الانتخابات الفلسطينية

أفق الإصلاحات الفلسطينية بين إلحاح الواقع الوطني والضغوط الخارجية، الأساس القانوني للانتخابات الفلسطينية المقبلة.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:


د. مصطفى البرغوثي: سكرتير المبادرة الوطنية الفلسطينية
حسن خريشة: عضو المجلس التشريعي الفلسطيني

تاريخ الحلقة:

29/12/2002

– أفق الإصلاحات الفلسطينية بين إلحاح الواقع الوطني والضغوط الخارجية
– الأساس القانوني للانتخابات الفلسطينية المقبلة


undefinedمحمد كريشان: الانتخابات الفلسطينية مرجأة إلى أجل غير مسمى انتظاراً لرفع الحصار، تساؤلات حول أفق الإصلاحات الفلسطينية بين إلحاح الواقع الوطني والضغوط الخارجية.

السلام عليكم. العشرون من يناير المقبل كان يُفترض أن يكون موعد الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية لكن هذا الموعد أجل إلى تاريخ غير معلوم، ومنذ أن أصدر الرئيس ياسر عرفات في سبتمبر الماضي مرسوماً للدعوة إلى هذه الانتخابات وهي التي كانت ستكون الثانية منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 94 ما فتئ سؤال واحد يتردد بإلحاح: كيف يمكن التصويت بين الدبابات الإسرائيلية المنتشرة في كل أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ورغم الارتياح الذي تركه قرار السلطة الوطنية بتأجيل الانتخابات، إلا أنه أعاد مع ذلك إلى السطح نقاشاً حول جدوى الانتخابات كإحدى آليات الفعل والتعبير الديمقراطي وحسم الخلافات، الانتخابات بين كونها مطلباً فلسطينياً وطنياً حيوياً من جهة وإلحاحاً أميركياً وإسرائيلياً من جهة أخرى، بصورة تتداخل معها الأوراق على نحو يُربك الساحة الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة تستطلع الأمر من رام الله في سياق هذا التقرير.

أفق الإصلاحات الفلسطينية بين إلحاح الواقع الوطني والضغوط الخارجية

تقرير/ شيرين أبو عاقلة: لم يكن من خيار أمام لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية سوى التوصية بتأجيل الانتخابات الفلسطينية كما لم يكن من مناص أمام القيادة الفلسطينية سوى قبول التوصية، فمن النواحي الفنية وبعيداً عن أي حسابات داخلية لم تكن الظروف مهيأة لإجراء الانتخابات أو حتى الاستعداد لها في ظل الاحتلال الذي يبسط سيطرته على مختلف مدن الضفة الغربية ويقطعها إلى نحو 64 منطقة يصعب التنقل بينها، في السابع والعشرين من شهر تشرين أول أعلن الرئيس الفلسطيني عن تشكيل لجنة الانتخابات الجديدة من مجموعة من المستقلين الفلسطينيين، لكن اللجنة نفسها لم تتمكن من الاجتماع لأكثر من مرة واحدة بسبب ظروف الحصار.

علي الجرباوي (أمين عام لجنة الانتخابات): هناك نصف مليون ناخب جديد يجب تسجيلهم في سجل الناخبين لكي يتمكنوا من الانتخاب ويجب أن يعرف كل ناخب أين يجب أن ينتخب في أي مركز اقتراع، هذه تتطلب حركة.. حرية حركة وتنقل الفلسطينيين، العملية الانتخابية تتطلب ضمان أمن الفلسطينيين، كل يوم هناك اغتيال لفلسطينيين في.. في الأرض المحتلة.

شيرين أبو عاقلة: ولا يختلف الكثيرون في الشارع الفلسطيني مع القرار الذي اتخذته اللجنة بتأجيل الانتخابات، وسواء أكانت عملية الإصلاح ضرورة مُلحة برأي البعض أو لم تكن فإن الإجماع هو أن العملية لا يمكن أن تتم قبل أن تنسحب إسرائيل من أراضي السلطة.

مواطن فلسطيني 1: بالنسبة للانتخابات يعني مطلب الجميع إنه تكون انتخابات، مطلب الشارع، مطلب الناس، مطلب كل الناس إنها تصير انتخابات، لأنه فترة طويلة على الانتخابات الأولى، ولكن ضمن الاحتلال ما فيش.. يعني ما أعتقدش إنها راح تكون سليمة.

مواطن فلسطيني 2: مع الأحداث اللي بتصير يعني الأحداث السياسية والاغتيالات والإشي، الناس جُل اهتمامها على الأحداث إنه حل المشاكل السياسية وحل المشاكل الاقتصادية اللي إحنا فيها، فما أخذتش حيز كتير في النقاشات بين الناس.

شيرين أبو عاقلة: اللجنة التي أوصت بتأجيل الانتخابات حددت أنها تحتاج إلى فترة مائة يوم بعد الانسحاب الإسرائيلي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهو ما لقي تحفظات من قبل بعض الجهات الفلسطينية التي رأت أنه كان يجدر تحديد موعد آخر لئلا تفقد السلطة ورقة هامة أمام المجتمع الدولي بضرورة ممارسة ضغوطه على إسرائيل.

وما من شك أن عوامل قوية محيطة بالجانب الفلسطيني جعلت لا مناص من الإعلان من تأجيل الانتخابات الفلسطينية، لكن المسألة لا تتعلق بالمعادلة الداخلية وحسب، فمطلب الإصلاح ترافق مع ضغوط خارجية وأطراف مختلفة لكل منها حساباتها الداخلية.

رغم المطالبة الملحة من قِبَل المجتمع الدولي للسلطة الفلسطينية بالبدء بعملية إصلاح شاملة، لكن أي جهد لم يبذل لدفع الإصلاح وظلت جميع قرارات مجلس الأمن التي طالبت إسرائيل بسحب قواتها حبراً على ورق ومن ثم جاءت خارطة الطريق التي اقترحتها الولايات المتحدة والتي أشارت إلى ضرورة إجراء انتخابات تشريعية دون رئاسية وجعلت الخارطة مسألة الأمن أولوية تسبق موضوع الإصلاح.

علي الجرباوي: كان هناك مواقف مختلفة من أطراف مختلفة، وهناك أطراف دولية غيرت من موقفها تجاه الانتخابات، كانت تريد انتخابات ومن ثم تراجعت في موقفها المطلب الدولي كان.. أو من أطراف دولية في تغيير القيادة الفلسطينية وكان هناك اعتقاد بأن إجراء الانتخابات سيكون الآلية لذلك.

عزمي الشعيبي (عضو المجلس التشريعي): كلمة السر وراء موضوع الانتخابات باعتبارها أحد القضايا التي دخلت الصراع بين الأميركان وبين الرئيس ياسر عرفات هو موضوع رئيس الوزراء، في اللحظة التي يشعر الأميركان أن الرئيس ياسر عرفات قد قبل للتفاوض بمبدأ الدفع باتجاه تشكيل رئيس.. يعني تشكيل حكومي يقوم على أساس وجود شخصية تنفيذية غير الرئيس ياسر عرفات، أنا أعتقد في هذه اللحظة لن يطالب الأميركان بالانتخابات ولن يطالب الإسرائيليين بالانتخابات.

شيرين أبو عاقلة: في كل الأحوال فلم تعد المسألة تتعلق بتحديد موعد، بل أن العشرين من شهر يناير أو الموعد الذي كان محدداً سابقاً من قِبَل الرئيس الفلسطيني اعتبره كثير من الفلسطينيين في حينه موعداً سياسياً وليس انتخابياً، الهدف منه المناورة لتمرير الحكومة الفلسطينية السابقة بعد أن هدد المجلس التشريعي بإسقاطها، المهم اليوم بالنسبة للشارع الفلسطيني الوصول إلى حياة ديمقراطية تراعي المصلحة الداخلية وخصوصية الوضع الفلسطيني وليس ما يتوافق مع أي تدخلات من الخارج.

محمد كريشان: في وقت كان فيه موضوع إصلاح البيت الفلسطيني هو الطاغي في المنابر الدولية كما داخل الساحة الفلسطينية كان يمكن للانتخابات أن تشكل البوابة المناسبة للمراجعات المختلفة السياسية والأمنية والمالية بعيداً عن صورة الخضوع للإملاءات الأجنبية، معنا من رام الله الدكتور مصطفى البرغوثي (سكرتير المبادرة الوطنية) دكتور، هل هي فرصة ضاعت، أم أن قرار التأجيل لم يكن منه مفر؟

د. مصطفى البرغوثي: أولاً لنكن موضوعيين، لم يكن من الممكن إجراء الانتخابات طبعاً بوجود الدبابات الإسرائيلية في المدن الفلسطينية ووجود الاحتلال هو الذي أعاق عمل لجنة الانتخابات من أجل التحضير لها، ولكن -برأيي- أن قرار التأجيل لم يكن موفقاً بالطريقة التي أخرج بها، باعتبار أن المطلوب أن تستعمل الانتخابات كأداة كفاحية مقاومة للشعب الفلسطيني، يجب أن نطرح الانتخابات كمطلب شرعي حقيقي للشعب الفلسطيني، وكان من الواجب ربما تحديد موعد آخر أو الإعلان عن سلسلة من الإجراءات التي ستتواصل تدريجياً في اتجاه الانتخابات ووضع إسرائيل في موقع واضح أمام العالم بأنها هي التي تعيق الانتخابات وهي التي تمنع إجراءها .. الوضع الذي تحاول إسرائيل أن تستغله الآن أنها أعاقت إجراء الانتخابات وفي نفس الوقت تقول للعالم الفلسطينيون غير ديمقراطيين، هذا ما قاله (نتنياهو) في أوروبا مؤخراً، وبالتالي لا يريدوا أن يمارسوا الانتخابات، إذن أنا أعتقد أن الانتخابات يجب أن تستعمل كوسيلة كفاح ومقاومة وكوسيلة لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة ولو اقتضى الأمر إجراءها من حي إلى حي ومن قرية إلى قرية.

محمد كريشان: إذن في هذه الحالة موضوع المطالبة برفع الحصار عوض المطالبة بإنهاء الاحتلال لإجراء الانتخابات، ألا يشكل أيضاً إشكال من هذه الناحية؟

د. مصطفى البرغوثي: هو طبعاً، لكن أنا من ناحية أخرى أقول أننا في صراع مع إسرائيل، والصراع يدور ليس فقط على إخراج القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، الصراع يدور حول إخراج إسرائيل من كل الأراضي المحتلة، وأنا لا أقبل الحقيقة بالطرح الذي يقول إنه إذا عادت القوات الإسرائيلية إلى المواقع التي كانت فيها في 28/9 معناته الأمور كويسة، لا، إسرائيل لم تكن خارج سوى 18% من أراضي الضفة الغربية وهي مقطعة الأوصال، المطلوب خروج إسرائيل من سائر الأراضي المحتلة، والمطلوب أن نستند إلى الجماهير الشعبية وإشراكها عملية الانتخابات يمكن أن تكون أيضاً وسيلة من وسائل بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي أيضاً سلاح يجب استخدامه من أجل فرض وجود دولي على الأرض، إصرار على إجراء الانتخابات، إصرار على وجود دولي، إصرار على أن يحضر المراقبون فوراً، هذا يضع أيضاً المجتمع الدولي الذي يضغط على السلطة الفلسطينية في موقع الدفاع بدل أن يتحول موضوع الإصلاح إلى موضوع خارجي وموضوع استجابة إلى ضغوط خارجية يجب أن يعود إلى أصله إلى المكان الطبيعي الذي نشأ منه من الشعب الفلسطيني الذي يريد أن يرى فعلاً إصلاح ولكن إصلاح بأجندة فلسطينية وليس أميركية، إصلاح بأجندة فلسطينية تعالج كل أسباب سوء الإدراة وكل أسباب الفساد، وكل أسباب عدم القيام بالواجب هذا ما يجب أن يحدث.

محمد كريشان: نعم، كيف يمكن أن تكون الانتخابات أداة كفاحية مثلما تطالب، في حين أن مرجعيتها السياسية والأفق حتى القانوني الذي يحكم العملية برمتها كان هو اتفاق أوسلو أصلاً؟

د. مصطفى البرغوثي: تمام، هذا السؤال ممتاز، لذلك لا يجب أن تجري الانتخابات القادمة بأفق أوسلو، إسرائيل دمرت اتفاق أوسلو ودمرت ليس فقط اتفاق أوسلو بل الكثير من المؤسسات الوطنية التي بناها الشعب الفلسطيني بعرقه ودمائه، إسرائيل دمرتها ودمرت معها اتفاق أوسلو، لذلك يجب أن لا نقبل بأن يبقى اتفاق أوسلو سقف لما نريد أن ننتخبه، وأنا باعتقادي أننا يجب أن نطرح شعار بانتخاب برلمان تأسيسي لدولة فلسطين المستقلة، برلمان تأسيسي يستطيع أن يضع دستور، يستطيع أن يضع نظام دستوري، برلمان تأسيسي يكون مرجعيته الشعب الفلسطيني وحده، وليس من حق إسرائيل أن تفرض إملاءات، وهذا بالضبط ما سيعطي الفرصة لجميع القوى السياسية بما فيها التي عارضت المشاركة في الانتخابات في المرة الماضية أن تشارك هذه المرة في الانتخابات باعتبار أن الذي نتحث عنه هو برلمان تأسيسي لدولة فلسطين المستقلة، وهذا أيضاً موضوع كفاحي، يجب أن نصر على ذلك وأن نطالب المجتمع الدولي إن كان يؤيد قيام دولة فلسطينية أن يؤيدنا في كفاحنا لانتخاب برلمان تأسيسي وليس مجرد مجلس تشريعي محكوم بإملاءات أوسلو أو محكوم بسقف أوسلو، أو يجب أن تعود قراراته إلى أي شكل من أشكال الإقرار مع أطراف أخرى.

محمد كريشان: نعم، هل كان في قرار التأجيل أي بُعد له علاقة بالخوف من ظهور زعامات شابة جديدة، موازين قوى اختلفت عن التوازنات الفلسطينية التقليدية السابقة؟

د. مصطفى البرغوثي: أولاً: أنا لست ميالاً للاعتقاد بأن الخوف من نشوء.. من اندفاع عناصر شابة جديدة قيادية يجب أن يخيف أحد، بالعكس، هذا يعزز النضال الوطني الفلسطيني، وأنا أريد أن أؤكد أننا جميعاً موحدون في خندق النضال الوطني ضد الاحتلال، وموحدون في الإصرار على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي يتعرض لأذى كبير في هذا الأيام ضغوطات من كل نوع ومن كل جانب، نحن نستطيع أن نتوحد حول الهدف الفلسطيني وحول استقلالية القرار الفلسطيني وأن ننشئ قيادة وطنية موحدة تقود النضال الفلسطيني، وهذا لا يمنع على الإطلاق بل يعزز تجديد الطاقات الفلسطينية والاستفادة من الطاقات الشابة، الشعب الفلسطيني شعب فتي، نحن أفتى شعب في العالم، أكثر من 50% من أبناء الشعب الفلسطيني عمرهم تحت 17 سنة، فهذا الشعب الفتي يجب أن يُعطى طبعاً الفتيين فيه يعطى.. يُعطَوا الفرصة، وهذا لا يتعارض مع دور أي قائد أو أي قيادة موجودة، بالعكس هذا يعزز النضال الوطني الفلسطيني.

محمد كريشان: نعم، إسرائيل رحبت بتأجيل الانتخابات وأوروبا أعربت عن تفهمها، أيضاً هذا هو المنحى الأميركي بشكل عام، كيف يمكن قراءة ردود الفعل الدولية فيما يتعلق بهذا التأجيل؟

د. مصطفى البرغوثي: أنا أعتقد أنه هناك الكثير من النفاق في الموقف الدولي، لأنه عندما كانت السلطة الفلسطينية توقع اتفاقيات هم راضين عنها، لم يكن هناك قلق بالحياة الديمقراطية الداخلية الفلسطينية، وهذا بالمناسبة ما قاله بعض المسؤولين الأوروبيين مؤخراً، عندما كان.. كان هناك حتى قبول بمبدأ وجود محكمة أمن الدولة، ولكن عندما رفضت السلطة الفلسطينية أن توقع اتفاق كامب ديفيد بدأت كل أشكال الضغوط، وأنا باعتقادي أن ما يجري من قبل ليس جميع القوى ولكن من قِبَل جزء هام منها وخاصة من إسرائيل هو محاولة استغلال نقاط الضعف الداخلية الفلسطينية لابتزاز تنازلات سياسية فلسطينية عن المشروع الوطني الفلسطيني، ما هو الرد الصحيح على ذلك؟ الرد الصحيح على ذلك أن نبادر نحن بأنفسنا إلى إصلاح بيتنا الداخلي، بأجندة فلسطينية، أن نقوي بنياننا الوطني، أن نعزز الديمقراطية في داخل صفوفنا، أن نعزز البناء المؤسساتي، أن نقر القوانين والأنظمة وأن نقر نظام قضائي مستقل يكون مرجعية لكل مواطن فلسطيني، يشعر الفلسطيني حتى في إطار البيت الفلسطيني أن هناك عدل وهناك مساواة أمام القانون، وأنه إذا ظلم هناك من يستطيع أن يرجع له هذا كله يجب أن نعمله حتى نخفف الضغوط…

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم يعني عفواً.. يعني عفواً دكتور على.. على.. على ذكر.. على ذكر هذه النقطة تحديداً كنهاية للقائنا، هل تعتقد بأن حوار القاهرة الجاري حالياً هو أحد إفرازات تأجيل الانتخابات لأنه في هذه الحالة الحوار الوطني والتوافق هو البديل للانتخابات؟

د. مصطفى البرغوثي: أنا لست ضد الحوار وبالعكس أنا أعتقد أن الحوار أمر إيجابي ولكن نحن نريد أكثر من ذلك، نريد أن يجري حوار فلسطيني أيضاً هنا في فلسطين، وأن يستند إلى المشاركة الفعالة من قِبَل الجميع هنا في فلسطين وأن لا يُفرض الحظر على أي كان، ونريد أيضاً أن يفرز هذا الحوار قيادة موحدة واستراتيجية وطنية موحدة، لا يجب أن يقتصر الحوار على موضوع واحد هو الأمن ولا يجب أن يُطرح موضوع الأمن كما لو كان فقط أمن إسرائيل. يا أخي الكريم الآن في فلسطين كل يوم.. مع صباح كل يوم نفقد في المعدل ثلاثة شهداء، كل يوم صباحاً كل فلسطيني لا يعرف إن كان سيبقى حياً أم سيستشهد، الجميع متضرر، ولذلك الأمن الفلسطيني مبدَّى على أي أمن آخر، والحوار يجب أن يتمركز حول تشكيل استراتيجية وطنية مشتركة وقيادة وطنية موحدة في مواجهة مخاطر كبيرة تعصف بالمنطقة وتعصف بنا.

محمد كريشان: نعم، دكتور مصطفى البرغوثي (سكرتير المبادرة الوطنية من رام الله) شكراً جزيلاً لك.

د. مصطفى البرغوثي: شكراً.

محمد كريشان: قرار تأجيل الانتخابات صادف ارتياحاً محلياً وفلسطينياً مرده بقاء نقاط جوهرية تتعلق بالانتخابات بلا حسم، أهمها المرجعية والإطار القانوني.

بعد الفاصل: نظرة في الأساس القانوني للانتخابات الفلسطينية المقبلة.

[فاصل إعلاني]

الأساس القانوني للانتخابات الفلسطينية المقبلة

محمد كريشان: على أي أساس ستجري الانتخابات الفلسطينية المقبلة؟ على أساس القانون السابق الذي أُعدَّ لإجراء انتخابات عام 1996 بما أفرزته من أغلبية سياسية ذات لون واحد، أم وفق قانون انتخابي جديد ينادي به البعض لكي يتلافى ثغرات عدة رأتها قوىً سياسية فلسطينية في القانون الحالي. البعض اعتبر عدم حسم مثل هذا السؤال سواءً داخل فتح أو بعض الفصائل الأخرى من الأسباب المسكوت عنها لتأجيل الانتخابات، وبالتالي يتعين أن يأخذ هذا النقاش مجراه إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة لتوجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، زياد بركات يستعرض أبرز محاور ذلك الجدل.

تقرير/ زياد بركات: ليس الاحتلال الجاثم على صدر المدن الفلسطينية العائق الوحيد لتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة الشهر المقبل، بل إن أسباباً أخرى تحول بدورها دون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الانتخابي على النحو الأمثل، ومن هذه قانون الانتخابات الذي جرت بموجبه أول انتخابات فلسطينية عام 1996 فالقانون كان إحدى ثمار اتفاقية أوسلو الانتقالية ما يعني بحسب البعض أنه لم يعد صالحاً كمرجعية لأي انتخابات من المفترض أن تجري بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في مايو عام 1999، ويرى هؤلاء أن اعتماد القانون الحالي كمرجعية للانتخابات المقبلة يعني تكريساً للمرحلة الانتقالية ولأمدٍ غير منظور، والاستجابة -وإن بشكل غير مقصود- لمخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي (أرئيل شارون) القائم على حلول انتقالية طويلة المدى تقوم في جوهرها على تجاوز الحقوق الفلسطينية المشروعة، غير أن للبعض رأياً آخر.

راوية الشوا (عضو المجلس التشريعي الفلسطيني): نحن الآن من ناحية قانونية لا نستطيع أن نضع أي فتوى طالما أن الأطراف المتعاقدة.. السلطة الوطنية أو منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل لازالت غير يعني لم تنفض يدها من اتفاقات أوسلو تماماً فإذن لازلنا نحن نعيش قانونياً في مرحلة أوسلو، أوسلو أفرزت مجمل ما أفرزته يجب أن يظل ملزماً للطرفين.

زياد بركات: وبعيداً عن الجدل حول مرجعية أوسلو من عدمها فإن قطاعاً كبيراً من الشعب الفلسطيني يرى أنه قبل إجراء أي انتخابات جديدة يجب تغيير قانون الانتخابات نفسه، ويرى هؤلاء أن على القانون الجديد أن يتضمن تغيير نظام الدوائر الانتخابية القديمة ورفع عدد أعضاء المجلس التشريعي من 88 عضواً -كما هو عليه الحال الآن- إلى 120 عضواً، وكذلك تبني نظام النسبية بدلاً من نظام الأغلبية لضمان مشاركة مختلف القوى السياسية وتمثيلها بصورة عادلة حسب وزنها الفعلي في الشارع، كما يرى هؤلاء أن وجود دائرة للقدس في القانون الحالي لا يحول دون النظر إلى سلبياته الكثيرة.

محمد أشتيه (مدير عام المجلس الاقتصادي للتنمية): لا يوجد نظام انتخابي كامل الأوصاف القانون الانتخابي الحالي هو لا يمنع أي تنظيم سياسي من أن يشارك في هذه الانتخابات أو في الانتخابات القادمة، لقد شارك حوالي 36 تنظيم سياسي في انتخابات 96 وبالتالي هناك يمكن للفرد أن يكون جزء من العملية الانتخابية كمرشح ويمكن للحزب أو التنظيم، المشكلة الحالية في الأراضي الفلسطينية هو أن هناك غياب للحياة الحزبية أصلاً.

زياد بركات: في المقابل ترى بعض النخب الفلسطينية أن المجتمع الفلسطيني في حاجة ماسة إلى عملية إصلاح جذرية غير أن هذا لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، وبشروط الجانب الفلسطيني كاملة، بل بخطوات متدرجة ومحسوبة وهو ما يستدعي الاستفادة من القانون الحالي ما أمكن وصولاً إلى تغييره في مراحل لاحقة، كما ترى هذه النخب أن الانتخابات مظهر سيادي من شأنه وضع الفلسطينيين على طريق الدولة المستقلة شاء شارون أم أبى.

محمد كريشان: تأجيل الانتخابات إذن لا يعود فقط على الأرجح إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته اليومية وإنما كذلك ولو في بُعد ثانوي إلى بعض العوامل القانونية الخاصة أساساً بالقانون الانتخابي ومدى انسجامه مع المرحلة الفلسطينية الحالية، معنا من رام الله حسن خريشة (رئيس لجنة الرقابة وحقوق الإنسان بالمجلس التشريعي الفلسطيني) سيد خريشة، هذا التأجيل هل أعطى فسحة لمراجعة القانون الانتخابي الفلسطيني؟

حسن خريشة: حقيقة مازال هناك يعني جدل داخلي في الساحة الفلسطينية يدور حول قانون الانتخابات، هل هو يصلح للمرحلة الحالية التي نعيش أو نريد قانون جديد عصري يتلاءم مع واقع التضحية والمشاركة الجماعية من الشعب الفلسطيني في الصمود وفي المقاومة، حقيقة حتى هذه يعني أعتقد إنه إعلان التأجيل بالأساس يعني وإن كان له أسبابه مختلفة أولها الاحتلال، ثانياً: عدم قدرة المجتمع الدولي على الضغط على الإسرائيليين للانسحاب، وثالثاً: وأهم قضية عدم جدية القيادة الفلسطينية بالأساس في موضوعة الانتخابات على اعتبار إنه أي انتخابات جديدة ستجري في الساحة الفلسطينية ستفرز قيادات جديدة للمجتمع وبالتالي هاي القيادات حقيقة يعني ستشارك في صناعة القرار، وأعتقد إنه لا أحد في القيادة الفلسطينية يريد أن يشارك أحد في هذه السُلطة أو على الأقل في صناعة القرار أو في تعميم المعلومة على الشارع الفلسطيني، بالتالي الجدل مازال داخلي يدور في الشارع، لكن لم ينتقل إلى أروقة الساسة ولا في المجلس التشريعي ولا في أي مكان آخر حتى هذه اللحظة وإن كان هناك مؤسسات إنسانية تسعى.. نعم.

محمد كريشان[مقاطعاً]: إذن يعني.. يعني عفواً.. يعني عفواً إذن.. إذن الجدل هو جدل سياسي بالأساس يعني موضوع الأغلبية والنسبية والدوائر الانتخابية وغيرها من ذلك لم يُطرح خاصة وأن المرجعية القانونية للانتخابات هي مرجعية أوسلو؟

حسن خريشة: حقيقة يعني أنا بنقول إنه تقدمت منظمات المجتمع الأهلي في فلسطين في مذكرة إلى المجلس التشريعي، حتى هذه المذكرة لم تُدرس بالشكل الصحيح والجدي لا من قِبَل أعضاء المجلس التشريعي ولا من غيرهم، لكن المطولب حقيقة في هاي المرحلة على اعتبار إنه شارون أعلن مراراً وتكراراً عن انتهاء أوسلو، وبالتالي مطلوب من السلطة الفلسطينية بالأساس أن تُعلن انتهاء أوسلو حتى نضع قانون جديد ننتخب على أساسه، لكن هذا حقيقة لم يحصل.

لكن السؤال الذي نود أن نطرحه هنا، من الذي سيقوم بتغيير هذا القانون؟ هل هو المجلس الحالي، أم مَنْ؟ إذا كان هذا المجلس الحالي مشكل في غالبيته من مليون واحد مع بعض المستقلين بالضرورة إنه هؤلاء سينطلقوا وقطعاً سينحازوا لرؤاهم الخاصة، وبالتالي سيصبح القانون الجديد معبر عن مصالح من يقروه، وبالضبط على مقاس من يقرر هذا.. من يقر هذا القانون، أنا أعتقد إنه مطلوب أن يتم هذا القانون.. عرض قانون جديد.. عرضه على استفتاء حتى نختار الحقيقة في الشارع الفلسطيني أي نظام انتخابي نريد، النظام المناطقي المعمول فيه حالياً الأغلبية أم النظام النسبي المطروح من قِبَل إخواننا في المنظمات الأهلية، أو التزاوج ما بين النظامين..

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن.. ولكن سيد خريشة يعني عفواً.. عفواً ألا يُعقِّد هذا من بعض المسائل، يعني إذا كان الشارع الفلسطيني مهموماً أصلاً بقضاياه اليومية والأمنية، استفتاء ثم انتخابات ألا يدخل ذلك في دوامة قانونية ربما لا يستطيع الشارع الفلسطيني أن يجاريها؟

حسن خريشة: بالعكس يعني أكثر ما يحرص عليه الشارع الفلسطيني هذه الأيام هو أن يصبح شريكاً بالقرار، لأن شركاء الدم يجب أن يكونوا شركاء بالقرار، بمعنى إنه بالنهاية يعني من يختار قيادته لمرحلة قادمة هو الشعب الفلسطيني، وبالتالي هو معني في أن يؤخذ وجهة نظره حول موضوعة الانتخابات وإما أن تكون قانون القديم أو القانون بالأغلبية.. بالقانون النسبية أو التزاوج فيما بينهم، أعتقد هذا لا يُرهقه، الذي يرهقه هو حالة الضياع التي يعيشها وبالتالي الانفصال اللي حاصل الآن، يعني عدم ثقته بهذا المجلس التشريعي الموجود الآن لأنه حقيقة لم يلب الطموح الذي يريده الناس من هذا المجلس التشريعي، لم يستطع أن يحرر لا أراضيه، ولم يستطع أن يدافع عن الأراضي التي يقيمها.. التي يحتلها المستوطنين تحت باب الجدار.. جدار الفصل العنصري وغيرها من الأمور، وبالتالي يطمح إلى قيادات جديدة تأخذ على عاتقها إنهاء هذه المرحلة والدخول في مرحلة جديدة أخرى يستطيع أن يصمد أكثر ويقاوم أكثر.

محمد كريشان: نعم، يعني إذا.. إذا افترضنا مثلنا أن نظام النسبية هو الذي أصبح معتمداً هل هذا سيغير من الخارطة أم ستظل فتح بالأساس هي المسيطرة على المجلس المقبل متى انعقد يعني؟

حسن خريشة: الحقيقة كما قلت بالسابق إنه هناك يعني صراع يدور ما بين نظام سياسي قديم المبني على ائتلاف قوى داخل إطار منظمة التحرير والنظام الجديد المبني على المشاركة الشعبية ومشاركة الفئات المهمشة سواءً كان من المثقفين أو الفلاحين أو المزارع.. أو العمال اللي عاشوا طوال الفترة الماضية على هامش الحياة السياسية وهؤلاء يشكلوا الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني على اعتبار إنه أكثر من 58% من الشعب الفلسطيني هم بالأساس من المستقلين، أعتقد إنه القانون الجديد، أي قانون يريد.. ماذا نريد منه؟ نريد حقيقة أن.. أن.. أن على الأقل يضمن أوسع مشاركة ممكنة من الشارع الفلسطيني ومن قواه ومن أحزابه وأيضاً أن لا.. أن لا يقوم أحد باحتكار السلطة في.. تحت أي مبرر أو تحت أي ظرف وبالتالي مراعاة حيوية المجتمع الفلسطيني الناشط من أجل…

محمد كريشان[مقاطعاً]: ولكن سيد.. يعني سيد خريشة يعني سيد خريشة، محمد أشتيه في التقرير قال في أن الانتخابات عام 96 شارك 36 تنظيم، إذن حتى الانتخابات في سقف أوسلو بترتيباتها لم تمنع المشاركة الواسعة ومن كل فئات ألوان الطيف السياسي يعني.

حسن خريشة: لأ، حقيقة ما تحدث فيه الأخ محمد أشتيه أنه شارك 36 تنظيم أعتقد إنه فلسطين يعني القوى الأساسية في الشارع الفلسطيني لم تشارك مشاركة فعلية باستثناء قوة أو قوتين في.. داخل المجتمع الفلسطيني، أما القوى الأخرى التي تحدث عنها فأعتقد إنها قوة هامشية صُنعت هكذا وفبركت حتى تدخل في عملية الانتخابات، حقيقة النظام الانتخابي القديم الذي تحدث عنه محمد أشتيه بكل ما فيه من عيوب تعزيز العشائرية، المناطقية، أيضاً بروز قيادات الصدفة، لكنه أيضاً حمل بعض الإيجابيات وأهمها مشاركة أهلنا بالقدس بالعملية الانتخابية رغم المشروطية اللي كانت موجودة في القانون السابق وأيضاً..

محمد كريشان[مقاطعاً]: نعم، يعني.. يعني.. يعني عفواً.. عفواً على ذكر هذه.. هذه النقطة تحديداً ونريد أن.. أن ننهي بها، موضوع بقاء القدس كدائرة انتخابية البعض ربطه بضرورة بقاء هذا القانون، هل هذا طرح مناسب؟

حسن خريشة: لأ عملياً دائرة القدس موجود بالقانون ضمن اشتراطات معينة أن يكون.. يعيش يعني يحمل هوية القدس ويعيش في رام الله هذا قانون مجحف بحق القدس على اعتبار إنه إحنا نتطلع دائماً إنه القدس جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة وهي عاصمة الدولة الفلسطينية، وبالتالي مطلوب ألا يكون هناك اشتراطات على أهلنا في القدس للمشاركة في العملية الانتخابية ترشيحاً أو انتخاباً.

محمد كريشان: سيد حسن خريشة (عضو المجلس التشريعي الفلسطيني من رام الله) شكراً جزيلاً.

وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة التي خصصناها لتأجيل الانتخابات الفلسطينية وارتباط ذلك بالاستحقاقات الفلسطينية داخلياً وخارجياً، إلى أن نلتقي في حلقة مقبلة، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.