بعد أن أنهَكت السوفيات بأفغانستان.. هل تحارب أميركا روسيا بأوكرانيا؟

فورنيكوف: تسعى واشنطن لإعادة تطبيق نهج إسقاط الاتحاد السوفياتي مع روسيا، من خلال جرها إلى حرب قد لا تريدها موسكو، ثم استنزافها، بدعم أوكرانيا عسكريا، وتقليب الداخل ودول الجوار عليها، كما رأينا بكازاخستان كمؤشر، واستهداف قطاع الطاقة عصب السياسة والاقتصاد الروسي.

صورة نشرتها اليوم السفارة الأمريكية لدى أوكرانيا على صفحتها في فيسبوك لما قالته إنها من تدريبات أوكرانية أمريكية مشتركة سابقة فوق سماء كييف
صورة نشرتها السفارة الأميركية بكييف لما قالت إنها تدريبات مشتركة فوق سماء أوكرانيا مؤخرا (مواقع التواصل)

كييف- بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الصيف الماضي، سارع كثير من الساسة والمحللين إلى توقع تكرار هذا السيناريو، بتخلي الولايات المتحدة عن "الحليفة" أوكرانيا في يوم من الأيام، كما فعلت مع حلفائها في كابل.

وتقوم هذه التوقعات على حقيقة انتقال الاهتمام الأميركي من أفغانستان صوب أزمة أوكرانيا حاليا، والسعي لدعمها وتسليحها في مواجهة روسيا، في ظل واقع يقول إن واشنطن تعتبر الأكثر تشددا مع موسكو في خضم الأزمة الراهنة.

ويدفع هذا الموقف دعم واشنطن بسخاء في مجال الدفاع والأمن، من خلال تخصيص 750 مليون دولار لأوكرانيا عام 2022، ومنحها مساعدات طارئة مؤخرا بنحو 200 مليون، إضافة إلى التلويح بعقوبات اقتصادية "مدمرة" على موسكو.

ولكن، قبل استشراف المستقبل، هل يشهد الحاضر سعيا أميركيا لمجابهة روسيا؟ وهل تتحول أوكرانيا فعلا إلى ساحة حرب لإضعافها، تماما كما أنهكت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي بحرب أفغانستان من قبل؟

أهمّ وأخطر على روسيا

يستند مؤيدو هذه الفكرة إلى "قواسم مشتركة" تجمع حرب أفغانستان ثمانينيات القرن الماضي، وأزمة أوكرانيا الراهنة، وتشمل المساحة والموقع الجغرافي الإستراتيجي، إضافة إلى الثروات والإمكانيات الاقتصادية والبشرية وغيرها.

لكن الأخطر على روسيا، من وجهة نظر محللين، عوامل التاريخ والثقافة والجوار المشتركة مع أوكرانيا، والتي تجعل انتقال الأخيرة إلى معسكر الغرب "خطوطا حمراء روسية" كثر الحديث عنها مؤخرا.

ويدور الحديث هنا عن مساعي كييف لعضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإمكانية أن ينشر الحلف، أو الولايات المتحدة وحدها، قوات أو أسلحة قادرة على استهداف العمق الروسي.

صورة نشرتها اليوم السفارة الأمريكية لدى أوكرانيا على صفحتها في فيسبوك لما قالته إنها شحنة ذخائر سابقة حصلت عليها كييف من واشنطن
صورة نشرتها سفارة واشنطن بأوكرانيا لما قالت إنها شحنة ذخائر أميركية حصلت عليها كييف (مواقع التواصل)

مواجهة أقرب بنفقات أقل

ولهذا، بعيدا عن سياسة "دعم الوحدة والسيادة والتطلعات" يرى كثيرون أن أوكرانيا بالفعل أفضل ساحة لمواجهة أميركية جديدة مع روسيا، تضعفها وتحد من تنامي نفوذها، وصولا إلى تكرار سيناريو تدمير الاتحاد السوفياتي.

وبهذا الصدد يمكن تفسير مطلب أوكراني كشفت عنه مجلة "فورين بوليسي" مؤخرا، بتحويل المساعدات المخصصة لأفغانستان إلى أوكرانيا، من أموال وأسلحة، تشمل مروحيات من طراز "إم آي-17" (Mi-17) إضافة الى وسائل دفاع جوي وبحري وإلكتروني، مع حديث وسائل إعلام أوكرانية عن أن مشرعين أميركيين يدرسون الفكرة.

يقول المحلل السياسي دميترو فورنيكوف "أعتقد أن واشنطن تسعى بالفعل إلى إعادة تطبيق نهج إسقاط الاتحاد السوفياتي مع روسيا، من خلال جرها إلى حرب قد لا تريدها موسكو، حتى وإن لوحت بها من باب استعراض القوة. ثم استنزاف روسيا، بدعم أوكرانيا عسكريا، وتقليب الداخل ودول الجوار عليها، كما رأينا في كازاخستان كمؤشر، واستهداف قطاع الطاقة عصب الاقتصاد والسياسة الروسي".

وعندها، بحسب فورنيكوف "قد تستطيع الولايات المتحدة الوصول إلى النتيجة ذاتها، ولكن في مكان أقرب وأخطر على روسيا، وبتكلفة أقل بكثير، دون حاجة إلى إرسال قوات وبناء قواعد وتشكيل ودعم حكومات موالية".

من يدعم واشنطن ضد موسكو؟

لكن آخرين يرون أن كل ما سبق من سيناريوهات مستبعد، وأن حال الولايات المتحدة الراهن أضعف من أن يكرر "النصر السابق" لا سيما في ظل انقسام الحلفاء الأوروبيين والأطلسيين حول أزمة أوكرانيا.

يقول إيهور هوجفا رئيس تحرير موقع "سترانا" (البلد) المعارض "من الواضح أن واشنطن تسارع الخطى لدخول المشهد بقوة، ولكن دعونا لا ننسى أن موسكو أعدت المسرح مسبقا وفق ما يناسبها".

وأضاف للجزيرة نت أن الغرب تأخر، وكذلك الولايات المتحدة، حتى أصبحت روسيا في وضع متقدم سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بشكل يمكنها من فرض سياساتها وتحقيق ما تريد.

وكمثال شارح، قال هوجفا "تهدد روسيا أوروبا بالغاز، وحشودها حول وداخل أوكرانيا (في القرم وإقليم دونباس) ولا تهدف إلى اجتياح واسع برأيي، لأن هذه الحشود غير كافية، لكنها تكفي لضرب أي حضور أميركي أو أطلسي، سواء بالقوات أو بالسلاح النوعي".

ويعتبر كذلك أن بريطانيا ودولا مجاورة محدودة ستغامر بدعم الولايات المتحدة، وإن كانت مضطرة، بسبب مخاوفها الإقليمية من أطماع بوتين وتعاظم النفوذ الروسي.

ورغم ذلك، حسب المحلل، قد تقف الولايات المتحدة شبه وحيدة بمواجهة طويلة الأمد مع روسيا، وهذا غير مرحب به دوليا وداخليا في أميركا، في ظل عدم رغبة ألمانيا وفرنسا وتركيا، ودول رئيسية أخرى بحلف الناتو، خوض أي حرب أو تصعيد كبيرين مع موسكو.

 

المصدر : الجزيرة