هل يصبح "حياد أوكرانيا" الحل المقبول لنزع فتيل الأزمة الحالية؟

US, Russia begin security talks amid Ukraine tension
المباحثات الأميركية الروسية انعقدت على مستوى نائبي وزراء خارجية الدولتين (الأناضول)

واشنطن- اختتمت المباحثات الأميركية الروسية في جنيف حول الأزمة الأوكرانية وسط استمرار تشاؤم الطرفين من عدم إحراز أي تقدم.

وركزت المحادثات والتي انعقدت على مستوى نائبي وزراء خارجية الدولتين على المخاوف الغربية من غزو روسي محتمل لأوكرانيا من جانب، والمخاوف الروسية من التوسع العسكري لحلف شمال الأطلسي على طول حدودها الغربية من جانب آخر.

وشهدت الأسابيع الماضية حشد روسيا لنحو 100 ألف جندي بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، الأمر الذي أثار احتمال وقوع غزو آخر مثل ما قامت به روسيا عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

وينتظر أن تتجدد الجهود الدبلوماسية خلال ساعات؛ حيث يجتمع مسؤولون أميركيون وأوربيون مع نظرائهم الروس غدا الأربعاء في مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) ببروكسل، كما تشارك الأطراف في مباحثات بعد غد تحت إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في مدينة فيينا.

مخاطر وتوقعات

وعلى الرغم من النفي الروسي الرسمي والمتكرر لنيتها غزو أوكرانيا، أكد رئيس الجانب الروسي في المفاوضات سيرغي ريابكوف أنه توجد "محادثات جوهرية ومثيرة بين الطرفين".

وفي حديث مع الجزيرة نت، أكد البروفيسور وليام وولفورث الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية عدم "ظهور أي دليل على التوصل إلى حلول وسط من شأنها نزع فتيل الأزمة المتعلقة بأوكرانيا على الرغم من اعترافهما أن المباحثات جادة للغاية".

وأشار وولفورث إلى أن الجانب الروسي يشرح ويؤكد بعبارات واضحة أن "الروس لن يقبلوا أقل من ضمانات رسمية مؤكدة ضد أي توسع آخر لحلف شمال الأطلسي يمتد إلى أوكرانيا أو جورجيا، ولا يوجد دليل على أن الولايات المتحدة أو دول حلف شمال الأطلسي على استعداد حتى الآن للموافقة على القيام بذلك".

ودفع ذلك بالخبير الأميركي للجزم بعدم وجود أي أسباب للتفاؤل حيال التقدم في المفاوضات بين روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

وأشار البروفيسور وولفورث إلى أنه "بصرف النظر عن جدية المحادثات، وخبرة ممثلي الطرفين ومهنتيها، من الصعب بالنسبة لي أن أجد دليلا يدعو للتفاؤل".

US, Russia begin security talks amid Ukraine tension
المباحثات ناقشت عددا من القضايا الخلافية (الأناضول)

موقف وجمود

من جانبه، اعتبر ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد "بروكينغز" (Brookings) -في حديث مع الجزيرة نت- أن "السؤال الكبير هو ما إذا كان الروس مستعدين للدخول في مفاوضات جادة ينظرون فيها إلى المخاوف المتبادلة ومستعدون للتخلي عن المطالب الغريبة (مثل أن يتخلى حلف شمال الأطلسي عن المزيد من التوسع)، أو ما إذا كانوا يسعون إلى رفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمطالبهم كذريعة للعمل العسكري ضد أوكرانيا".

وأشار بايفر إلى أنه وعقب انتهاء جولة المباحثات الأخيرة في جنيف، "ترك ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي الباب مفتوحا أمام مزيد من الحوار، ولكنه أكد أيضا على مطلب روسيا بأن يوافق الناتو على عدم توسيع آخر، وعلى وجه التحديد ألا تنضم أوكرانيا وجورجيا أبدا للحلف".

صورة نشرتها صفحة القيادة العامة لهيئة الأركان الأوكرانية على فيسبوك لعمليات تدريب على إطلاق صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع (2)
عمليات تدريب تجريها القوات الأوكرانية على إطلاق صواريخ "جافلين" (Javelin) الأميركية المضادة للدروع (مواقع التواصل)

بديل وخيارات

ووسط تمسك الطرفين بمواقفهما المتشددة -حيث تصمم موسكو على ضرورة تلقي ضمانات تحظر أي انضمام مستقبلي لأوكرانيا إلى حلف الناتو- ورفض واشنطن والعواصم الغربية تقديم مثل هذه الضمانات؛ يختلف الخبراء في عرض حلول وسط قد تلقى قبول الطرفين.

ورجح البروفيسور وليام وولفورث بديل "الحياد الأوكراني" كحل وسط واقعي، وإن كان صعب المنال.

وقال وولفورث للجزيرة نت إن "أغلب الواقعيين يفضلون نوعا من الاتفاق الذي تبادر به أوكرانيا من تلقاء نفسها مع إدراكها أن باب حلف شمال الأطلسي مغلق أمامها، وأن تلجأ لخيار الحياد الرسمي".

وتتبع عدة دول في القارة الأوروبية -مثل النمسا وسويسرا وفنلندا- بديل الحياد تجنبا لأي مواجهات مع الدول الكبرى، وللنأي بنفسها عن نفوذ وسيطرة دول مجاورة. وأشار وولفورث إلى أنه "يمكن أن يصاحب ذلك سلسلة من التدابير التي تتفق بموجبها روسيا وحلف شمال الأطلسي بموجبها على احترام حياد أوكرانيا بما يمنع دخولها الأحلاف العسكرية، ويفرض قيودا على نشر القوات الروسية في المناطق الحدودية في الوقت ذاته".

في حين اعتبر ستيف سيستانوفيش المسؤول السابق بوزارة الخارجية والبروفيسور حاليا بجامعة كولومبيا أن "النتيجة الأكثر ترجيحا هي الاتفاق على مواصلة الحديث، لكن مع تكرار الخطاب الروسي المتشدد، وربما حتى بعض الجهود الجديدة لزيادة الضغط على أوكرانيا ومؤيديها الغربيين".

صورة نشرتها صفحة القيادة العامة لهيئة الأركان الأوكرانية على فيسبوك لعمليات تدريب على إطلاق صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع (1)
صورة نشرتها صفحة القيادة العامة لهيئة الأركان الأوكرانية لعمليات تدريب عسكرية (مواقع التواصل)

تفاؤل وتبرير

وفي حديث مع الجزيرة نت أشار سيستانوفيش إلى أنه "ليس من السهل تبرير التفاؤل في الوقت الراهن. ولكن السيناريوهات الأكثر تشاؤما مثل الغزو والحرب كبيرة للغاية، لكن يمكن لروسيا أن تسلك طرقا أخرى للتصعيد.  فقد تضم روسيا، على سبيل المثال الأراضي الأوكرانية الشرقية الخاضعة بالفعل لسيطرة انفصاليين أوكرانيين يخضعون لولاء موسكو، وهي الأراضي التي لم تدمج بعد في روسيا. وهذا يعني جلب قوات عسكرية كبيرة إلى داخل الأراضي الأوكرانية".

واعتبر سيستانوفيش أن ما يأمله المسؤولون الأميركيون من حمل روسيا على قبول حل وسط ينطوي على إحياء الكثير من اتفاقيات الحد من الأسلحة القديمة -التي تحد من حجم القوات العسكرية وموقعها وقدرتها في أوروبا الشرقية لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار- يُعد أقل كثيرا مما يُطالب به الرئيس بوتين، لذا لا أحد يعرف ما إذا كان سيقبل ذلك.

من جانبه، يأمل ستيف بايفر أن تؤدي "الاجتماعات -التي تعقد بين حلف شمال الأطلسي وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في وقت لاحق من هذا الأسبوع- إلى تكوين فكرة أفضل عن الكيفية التي سيمضي بها الروس وما إذا كانوا سيتخلصون من الأزمة التي خلقوها من خلال حشدهم العسكري بالقرب من أوكرانيا".

المصدر : الجزيرة