الشهيد جمال سليم.. اعتقلته إسرائيل ثماني مرات واغتالته عام 2001

الشهيد جمال سليم القيادي السابق في حركة حماس والذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام ٢٠٠١
الشهيد جمال سليم كان من الأعضاء المؤسسين للجنة "التنسيق الفصائلي" في محافظة نابلس (مواقع التواصل الاجتماعي)

مقاوم وسياسي فلسطيني اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 2001 وهو في الـ42 من عمره. ولد في أسرة لاجئة، عمل أستاذا في مدارس نابلس، ومحاضرا في بعض جامعاتها، وكان إماما وخطيبا في العديد من مساجدها، كما كان قياديا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

بدأ جمال سليم حياته السياسية عندما كان طالبا في ثمانينيات القرن الماضي، واعتقل ثماني مرات في السجون الإسرائيلية (بين 1975 و1995)، وثلاث سنوات في سجون السلطة الفلسطينية عام 1997، وأبعده الاحتلال إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992.

المولد والنشأة

ولد جمال سليم الداموني عام 1958، في مخيم عين بيت الماء غربي مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، لأسرة فلسطينية شردها الاحتلال -بعد نكبة حرب 1948- من قرية الدامون الساحلية، على بعد 11 كيلومترا من عكا المحتلة، وترجع أصولها إلى قبيلة الزيدانية التي نزحت من الحجاز.

كان والده تاجرا قبل أن تتعقد ظروفه المالية بعد التهجير، فاحتضن المخيم سليم طفلا وشابا، وفي حاراته الصابرة وأزقته المتلاحمة عاش ذكريات النكبة وقصص اللجوء والتهجير، وعرف الاحتلال وبطشه وجبروته.

تميز عن أقرانه بالشجاعة والجرأة، وعرف الطريق إلى المساجد منذ الصغر، في شبابه زار الشتات الفلسطيني في الأردن، بعد ذلك استقر به المقام في مدينة نابلس، واعتلى منابر مساجدها إماما وخطيبا، وكان يمارس بعض الهوايات، خاصة تنس الطاولة وكرة القدم.

وبابتسامة لم تكن تفارق وجهه، وقدرة على الخطابة وحسن الحديث، تحول "أبو مجاهد" -وهي كنية جمال سليم- إلى رمز من رموز مدينته، مبشرا بسماحة الدين، وحمل القضية الفلسطينية إلى آفاق المقاومة والانتصار.

الموسوعة - جمال سليم/ فلسطين/ Jamal Salim
الشهيد جمال سليم اغتاله الاحتلال عام 2001 بقصف من طائرة أباتشي (الصحافة الفلسطينية)

الدراسة والتكوين العلمي

درس جمال المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مخيم عين بيت الماء بنابلس، وتميز بذكائه وتفوقه منذ صغره فنال محبة واحترام معلميه.

أنهى تعليمه الثانوي في المدرسة الصلاحية الثانوية بنابلس عام 1977، وكان الأول بالضفة الغربية في مادة اللغة العربية، حيث تفوق في تطويع لغة الضاد إنشاء وتعبيرا وامتلاكا لناصية قواعدها، كما عشق الشعر وبرع في التأليف والكتابة.

بعد ذلك التحق بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وحصل على شهادة البكالوريوس عام 1982م، وقرر عام 1994 إكمال دراسته العليا في مسار الشريعة الإسلامية، فالتحق بكلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية.

وخلال فترة اعتقاله، استكمل كتابة رسالته "أحكام الشهيد في الإسلام"، وبعد خروجه من السجن تمكن من الحصول على درجة الماجستير عام 1996.

الحياة المهنية

تلقى جمال سليم بعد تخرجه عرض عمل في الأردن وآخر في السعودية، لكنه فضل العودة إلى مسقط رأسه في الضفة الغربية، حيث اشتغل في الإمامة والخطابة في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في نابلس والقرى المجاورة.

وكان إماما وخطيبا بمسجد "مادما"، وبعد ذلك في مسجد "الباذان" بقرية مردة جنوب نابلس، واشتهر بخطاباته ومحاضراته في مسجد "معزوز".

ثم انتقل للتدريس في قرية سالم شرق نابلس لشهور قليلة، وبعدها عمل مدرسا لمادة التربية الإسلامية في المدرسة الثانوية الإسلامية بنابلس، وكان محاضرا في الكثير من الندوات الفكرية والسياسية والدينية.

الحياة السياسية

كان للتخصص الأكاديمي أثر واضح على بناء شخصية جمال سليم وتشكيل معالمها، وبدأت ولادة النضال في الوسط الطلابي، الذي يشكل ركيزة أساسية في التوجه والعطاء والتعامل السياسي.

حيث نشط وهو طالب في الجامعة الأردنية وجامعة النجاح، والتقى كثيرا من أعلام الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، وتتلمذ على عدد من شيوخها، ومنهم عبد الله عزام وفضل عباس ومحمد المبارك، وحسن أبو عيد، ومصطفى الزرقا، وأحمد نوفل.

وهكذا التحق في بداية حياته السياسية والدعوية بجماعة "الإخوان المسلمين" وهو طالب في الأردن، ثم رجع إلى فلسطين يحمل فكرهم ويدعو له، وكان من أوائل الذين التحقوا بحركة حماس منذ تأسيسها عام 1987، وأسس مع مجموعة من القيادات الطلابية اتحادا طلابيا على مستوى فلسطين عرف باسم (الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين) وكان مقرها في القدس.

وكان إصدار مجلة (المنطلق) في تلك المرحلة، أول منبر ينطق باسم الطلبة، في مواجهة محاولات طمس وإخفاء للصوت الإسلامي الصاعد من قبل الاحتلال.

نشط في لجان التوعية والإصلاح، وكان أمين سر لجنة التوعية الإسلامية، وعضوا في لجنة المؤسسات الإسلامية والوطنية، كما نشط في اللجنة العليا للاحتفالات الوطنية والدينية في محافظة نابلس.

في عام 1992، شارك إلى جانب كوكبة من علماء فلسطين في تأسيس رابطة جامعة لعلماء فلسطين، وكان نائبا لرئيسها آنذاك الشيخ حامد البيتاوي (توفي عام 2012)، وكانت رسالتها العمل على توجيه جهود العلماء المحلية والعالمية نصرة للأقصى والقدس وفلسطين باعتبارها قضية دينية جامعة.

لمع نجمه في وسائل الإعلام بعد إبعاده إلى منطقة مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992، ورُشِّح مندوبا عن لجنة الحوار في الحركة الإسلامية بين الفصائل الفلسطينية في مصر عام 1994. وشغل موقع الناطق الإعلامي لوفد حماس في حوار القاهرة مع السلطة الفلسطينية عام 1996. وعام 1998، شارك في تأسيس "لجنة التوعية الإسلامية في نابلس" وكان أمين سرها.

ترأس العديد من اللجان والفعاليات الوطنية، خاصة مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وكان من الأعضاء المؤسسين للجنة "التنسيق الفصائلي" في محافظة نابلس، والتي كان من أهم أهدافها تنسيق المواقف بين المقاومة الفلسطينية بمختلف تياراتها في الميدان.

الاعتقالات

بدأ مقاومة الاحتلال منذ كان عمره 17 عاما، وعلى إثر عمليات رشق بالحجارة لدورياته، اعتقل أول مرة وحكم عليه بالسجن تسعة شهور في سجن نابلس المركزي عام 1975، ومنع من السفر للخارج منذ عام 1982، ثم اعتقل في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1989، وأمضى ستة شهور في معتقل النقب.

في العام 1990 اعتقل وأمضى حكما بتسعة شهور في سجن الجنيد المركزي، ثم أعيد اعتقاله اعتقالا إداريا في العام 1991، وعلى خلفية انتمائه لحركة حماس أبعدته قوات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992، إلى جانب قيادات حماس والجهاد الاسلامي في الضفة وقطاع غزة، وذلك على خلفية أسر المقاومة الجندي الإسرائيلي "نسيم توليدانو".

انتخب ضمن فريق المتحدثين باسم المبعدين أكثر من أربع مرات، وبعد عودته من الإبعاد، وفي العام 1994 تعرض للاعتقال الإداري في سجن النقب، حيث حكم عليه بالسجن خمسة شهور، قبل أن يطلق سراحه، واعتقلته السلطة الفلسطينية مرتين، الأولى عام 1996، والثانية عام 1997.

المفكر الشهيد

تنوّعت الاهتمامات الفكرية للشهيد جمال سليم، بين ما هو ديني وسياسي وأدبي، وبرز توجهه في كتاباته ومحاضراته، وقد كان له في الفقه "أحكام الشهيد في الإسلام"، وفي الرقائق مذكّرة في التربية الروحية تناولت المنهج التربوي في بناء الفرد المسلم، كما أشرف على إصدار نشرتين بعنوان "هدى الإسلام"، و"من توجيهات الإسلام".

وفي الأدب كانت له مذكرة من عدة صفحات حول الأدب الإسلامي ومفهوم الجمال عند الإسلاميين، أما كلامه ومواقفه وفعله السياسي فيرسم معالم الفكر السياسي في تجربته الحركية.

وكان من أبرز ما اشتهر به قدرته على تحريك الشارع الفلسطيني بخطبه الحماسية، خاصة في ما يتعلق بقضية القدس، وقضية اللاجئين، التي كانت من أهم القضايا التي شغلته قبل اغتياله، إذ قال إنها "لب الصراع العربي الصهيوني، وتجسيدا لمأساة شعب، دُمّر من قراه أكثر من 530 قرية"، واعتبرها "أطول جريمة ضد الإنسان الفلسطيني، وقضية متوارثة لا تموت طالما بقي فلسطينيون يتوالدون ويتناسلون".

وكان في بحثه يفرق بين حق العودة وحق التعويض، فيقول "حق التعويض ليس بديلا عن حق العودة، وإنما هو حق ملازم لعودة اللاجئين". فالتعويض -بحسبه- "يهدف إلى إصلاح الضرر ودرء المعاناة المادية والمعنوية التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين خلال قرن من الزمن، ولكنه لا يعتبر بحال تعويضا عن الأرض أو بدلا عن حق العودة"، ويتابع بالقول "فالتعويض بدلا عن حق العودة بيع للوطن وتفريط في الأرض، وشعبنا لا يبيع أرضه ووطنه أبدا".

وعبر عن رفض فكرة العودة الجزئية لبعض الفلسطينيين إلى مناطق السلطة الفلسطينية أو العودة الفردية للجيل الأول إلى فلسطين 48 كحل إنساني ضمن إطار جمع شمل العائلة. وقال بشأن هذه الدعوات إنها تشكل "التفافا على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وأوطانهم".

كما اهتم في لقاءاته بفكرة قبول الإسلاميين للآخر، ومعارضتهم الحكم الديكتاتوري والاستبداد، ويقول في هذا الأمر "إن الحركة الإسلامية تقف بكل ما أوتيت من قوة ضد الحكم الفردي الديكتاتوري والاستبداد السياسي وظلم الشعوب، وترفض أن تسير في ركاب أي ديكتاتور مستبد، وإن أظهر الود لها".

وقال عن تجربة الإبعاد إنه "يمثل ملحمة صمود بطولية لأولئك الذين مثلوا الشعب الفلسطيني وأعطوا صورة للثبات والصبر والإيمان بحتمية العودة، رغم صور العقلية الهمجية للصهيونية البشعة التي استهدفت تفريغ الأرض عبر سياساتها البائسة، التي فشلت في إطفاء جذوة الانتفاضة".

الاغتيال

استشهد جمال سليم ظهر يوم الثلاثاء 31 يوليو/تموز عام 2001 عن عمر 42 عاما، بعد قصف من طائرة أباتشي إسرائيلية (أميركية الصنع) استهدف مكتبا إعلاميا تابعا لحركة حماس في نابلس.

دفن الشهيد جمال سليم في المقبرة الشرقية بمدينة نابلس، وقالت حركة حماس في الذكرى العشرين لاستشهاده مع رفيقه جمال منصور "إن الجمالين ترجّلا بعد سنين من العطاء بمسيرة الحق والقوة والحرية، فهما رسما جمال النهايات بالشهادة، وجمال البدايات بالبذل والتضحية".

ووصفته الحركة بأنه "شعلة جبل النار، والرائد المؤسس، والمفكر والخطيب المفوه، والقائد الذي أظهر إبعاد مرج الزهور معدنه الأصيل".

المصدر : الجزيرة