السلطة الفلسطينية.. إدارة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة

السلطة الوطنية الفلسطينية كيان إداري وسياسي فلسطيني، أنشئ لتنفيذ اتفاق فلسطيني إسرائيلي أبرم سنة 1993 لإقامة حكم ذاتي مؤقت ومحدود في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، ورعاية مصالح الفلسطينيين القاطنين في الحدود الجغرافية لهذه السلطة.
وأدى الانقسام الفلسطيني عام 2007 إلى انتقال سلطة قطاع غزة إلى حركة حماس، في حين بقيت الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية.
النشأة والتأسيس
تأسست السلطة الفلسطينية عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو الذي وقّعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، وبناء على قرار المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة من 10-12 أكتوبر/تشرين الأول 1993 في تونس.
وكان الهدف من إنشاء السلطة الوطنية أن تكون أداة مؤقتة لإدارة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة مدة 5 سنوات، ورعاية مصالح الفلسطينيين في الحدود الجغرافية لهذه السلطة، إلى حين مفاوضات الوضع النهائي التي كان من المفترض أن تُجرى بعد 3 سنوات.
مناطق النفوذ
بموجب اتفاق طابا الذي وقّعته السلطة الفلسطينية وإسرائيل يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995، قُسمت الضفة الغربية إلى 3 مناطق لتحديد العلاقة الأمنية التي تحكم تحرك القوات الفلسطينية:
- مناطق (أ): تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسلطة الفلسطينية، وتشمل المدن الفلسطينية وتقدر مساحتها بنحو 21% من مساحة الضفة الغربية.
- مناطق (ب): وتخضع إداريا للسلطة الفلسطينية وأمنيا لإسرائيل، وتشمل القرى والريف الفلسطيني، وتقدر مساحتها بنحو 18% من مساحة الضفة الغربية.
- مناطق (ج): وتخضع أمنيا وإداريا للسيطرة الإسرائيلية فقط وتشمل المناطق العسكرية والمستوطنات والمناطق المفتوحة، وتقدر مساحتها بنحو 61% من مساحة الضفة الغربية.
وقد احتفظت إسرائيل بسيطرتها على الحدود والأمن الخارجي والقدس والمستوطنات.
وفي عام 2021 بلغ مجموع مساحة الأراضي المصادرة لصالح المستوطنات الإسرائيلية نحو 40% من مساحة الضفة الغربية، وتجاوز عدد البؤر الاستيطانية 300 بؤرة.
كما أنشأت إسرائيل طرقا التفافية بلغ طولها نحو 980 كيلومترا، وأسهمت في اختراق المناطق الفلسطينية، وتقطيع أوصال التجمعات الريفية في الضفة الغربية.
وتتحكم إسرائيل فعليا في كثير من جوانب الحياة في المناطق الفلسطينية، بما في ذلك عائدات الضرائب والوصول إلى الأراضي الفلسطينية المتقلصة.
وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية تدير الوزارات والخدمات المدنية في المناطق التابعة لها، فإن إسرائيل تفرض سيطرتها العملية على تلك المناطق، وتنتهج الاقتحامات المتكررة للمناطق الخاضعة قانونيا لسيطرة السلطة، منها مخيم جنين وغيره.
المقر
تتوزع مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية على منطقتيْ الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن المقرات الرئيسية لها (ممثلة في الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي) تقع في مدينة رام الله بالضفة الغربية.
الهيكلة التنظيمية
تتألف هيكلة السلطة الوطنية الفلسطينية من المؤسسات التالية:
أولا: المجلس التشريعي الفلسطيني:
تأسس مطلع عام 1996، ويتألف من 132 عضوا يتم اختيارهم بالانتخاب الحر من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
ويشابه دور المجلس دور البرلمان في الدول الأخرى، من ناحية المسؤولية عن سن القوانين وتعديلها وإلغائها، والرقابة على سلوك السلطة التنفيذية ومدى التزامها بالقواعد الدستورية، ويُعنى أيضا بسَن القوانين وانتخاب أعضاء السلطة الفلسطينية ورئيسها.
ومنذ انتخاب محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية عام 2005، تعثّرت العملية الديمقراطية ولم تُجرَ أي انتخابات رئاسية.
وتصاعدت التوترات السياسية بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2006 بسبب الخلافات الداخلية بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وحركة حماس.
ورفض الرئيس الفلسطيني عباس قبول تحكم حماس الكامل في السلطة، مما أدى إلى الانقسام الفلسطيني في عام 2007، وتوقف جلسات المجلس التشريعي.
ومنذ ذلك الوقت أصبح عباس يدير السلطة عبر إصدار مراسيم رئاسية، على الرغم من انتهاء فترة ولايته القانونية عام 2009.
وفي عام 2018، حُل المجلس التشريعي بالكامل بقرار من المحكمة الدستورية التي أُنشئت بمرسوم رئاسي عام 2016.
ثانيا: السلطة القضائية:
وتشمل جهاز النيابة العامة والمحاكم التي يتكون منها القضاء، وتنقسم إلى: المحاكم النظامية والمحاكم غير النظامية، والمحاكم العسكرية، ومحكمة جرائم الفساد، ومحاكم الجمارك.
ثالثا: السلطة التنفيذية:
الجهة المسؤولة عن تنفيذ القرارات وتطبيق الاتفاقات، وتختص بتسيير أمور الحكم الذاتي في مناطق السلطة.
وتنقسم إلى مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والأجهزة الأمنية التي تتكون من 3 أجهزة وهي:
- قوات الأمن الوطني: وتتولى حفظ الأمن العام في داخل الوطن، والسيطرة على حدود المدن.
- المخابرات العامة: وهي الجهة المخولة رسميا بممارسة الأنشطة والمهام الأمنية خارج الحدود الجغرافية لفلسطين، أو داخلها لاستكمال الإجراءات والنشاطات التي بدأت فيها خارج الحدود.
- الأمن الداخلي: وأجهزته المتمثلة بالشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني.
التمويل
تعتمد السلطة الفلسطينية في تغطية نفقاتها ورواتب موظفيها على مصدرين رئيسيين هما عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجمعها نيابة عنها إسرائيل وفقا لبروتوكول باريس الموقع عام 1994، ومساعدات الدول المانحة.
عهد ياسر عرفات
انتخب ياسر عرفات عام 1996 أول رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية التي لعب دورا محوريا في تأسيسها وترسيخها هيئة للحكم الذاتي الفلسطيني.
تميز عهده بتعزيز العلاقات الدبلوماسية وحشد الدعم السياسي والمالي الدولي لصالح السلطة، مع التركيز على التمسك بالمشروع الوطني الفلسطيني رغم الضغوط الدولية والإسرائيلية.
واجه عرفات في فترة قيادته تحديات كبيرة، أبرزها الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين حركة فتح التي كان يقودها، وحركة حماس.
في عام 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية إثر فشل مفاوضات كامب ديفيد، مما أدى إلى تصعيد عسكري كبير وإعادة اجتياح إسرائيل للمناطق المصنفة (أ) التي انسحبت منها سابقا بموجب اتفاقية أوسلو، وتسبب ذلك في تدهور استقرار السلطة الفلسطينية وأضعف بنيتها السياسية والإدارية.
في هذه الفترة تعرض عرفات لضغوط شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة، بلغت ذروتها بحصاره في مقر الرئاسة بمدينة رام الله منذ عام 2001 وحتى وفاته عام 2004.
عهد عباس
تولى عباس رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات، واتسم عهده بتحولات في نهج السلطة التي تبنت سياسة رفض المقاومة المسلحة والمواجهة العسكرية ضد إسرائيل، وتفضيل المفاوضات التي اعتبرتها وسيلة للتوصل إلى حل دائم للقضية الفلسطينية.
وعلى الصعيد الداخلي، واجهت السلطة تحديات كبيرة، أبرزها انقسام الأراضي الفلسطينية بين حكم السلطة في الضفة الغربية وحكم حماس في غزة منذ عام 2007. وعلى الرغم من محاولات المصالحة بين الفصائل، باءت المساعي بالفشل، مما حال دون تحقيق وحدة وطنية حقيقية.
واقتصاديا، عانت السلطة الفلسطينية من أزمات مالية متكررة نتيجة تقليص الدعم الخارجي، خاصة من الدول الغربية، وسياسة العقوبات الإسرائيلية، مما أثّر في قدرة السلطة على تقديم الخدمات الأساسية، وزاد من صعوبة إدارة الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية.
ومن الناحية السياسية عزز عباس مركزية الحكم، وأصبح اتخاذ القرارات محصورا به، وألغى صلاحيات المجلس التشريعي تدريجيا ومنح نفسه سلطة حل المجلس لإصدار القوانين عبر مراسيم رئاسية، إضافة للمهام الرقابية.
وفيما يتعلق بالوضع الأمني، عملت السلطة على إنهاء مظاهر الانتفاضة المسلحة، وأعادت تأهيل الأجهزة الأمنية بدعم دولي، وزادت من وتيرة التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتبنت رؤية عباس القائمة على منع العمل المسلح ضد إسرائيل، رغم الانتقادات الداخلية لهذه السياسة.
واستمرت إسرائيل في انتهاك السيادة الفلسطينية في المناطق (أ) عبر اقتحامها بشكل متكرر وإحكامها السيطرة عليها ورفضها إعادتها إلى السلطة، رغم الجهود الدولية والإقليمية في هذا الشأن.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، شنّت السلطة الفلسطينية عملية أمنية في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية أطلقت عليها اسم "حماية الوطن"، مستهدفة مسلحين ينتمون لكتيبة جنين تقول إنهم "خارجون على القانون". وتضمنت العملية فرض حصار واسع على المخيم، وأسفرت عن انتهاكات عدة أثارت جدلا واسعا.
واندلعت في المخيم اشتباكات متقطعة أسفرت عن مقتل القيادي في الكتيبة يزيد جعايصة المطارد من الاحتلال الإسرائيلي، ومقتل مدنيين برصاص رجال أمن السلطة.
وبدأت أحداث مخيم جنين باعتقال أجهزة السلطة المقاومَين إبراهيم طوباسي وعماد أبو الهيجا، مما أثار غضب "كتيبة جنين" التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة رهينة للمطالبة بالإفراج عنهما.
وبسبب تغطية قناة الجزيرة للأحداث في مخيم جنين، قررت السلطة الفلسطينية في الأول من يناير/كانون الثاني 2025، وقف بث القناة وتجميد أعمال مكتبها وموظفيها في فلسطين بزعم مخالفة القناة للقوانين الفلسطينية. وأوضحت وكالة الأنباء الفلسطينية أن القرار جاء نتيجة ما وصفته بـ"عبث الجزيرة وتدخلها في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وبث مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة".