جنوب لبنان.. جبهة مقاومة ساخنة ضد إسرائيل

جنوب لبنان منطقة جغرافية تتميز بموقع إستراتيجي بحدودها التي تشكل مثلثا مع الحدود السورية والفلسطينية. وتعد بؤرة صراع بين إسرائيل ولبنان منذ عقود، تعيش حالات من عدم الاستقرار الأمني، جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

بعد مرور ما يقرب من 17 عاما دون مواجهات بين أطراف الصراع منذ عام 2006، أصبح جنوب لبنان ساحة حرب جديدة تزامنا مع عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد مستوطنات غلاف غزة، وردت عليها إسرائيل بحرب "السيوف الحديدية".

الموقع

يقع في الجهة الجنوبية من لبنان، تحده من الشرق سوريا ومن الجنوب إسرائيل. ويمتد من نهر الأولي شمالا (مدخل مدينة صيدا من جهة الساحل الشمالي) حتى الناقورة، عند الحدود مع إسرائيل جنوبا، ومن البحر الأبيض المتوسط غربا حتى مشارف البقاع عند مشغرة.

تتوزع على الحدود الجنوبية اللبنانية ثلاثة قطاعات تعرف بـ "الخط الأزرق" هي: القطاع الغربي ويضم منطقة الناقورة، والقطاع الأوسط وتعد أبرز مناطقه عيتا الشعب، مارون الراس، بنت جبيل، والقطاع الشرقي الذي يعتبر الأهم إستراتيجيا، إذ يضم قرى منطقة العرقوب في سلسلة جبال تطل على فلسطين.

ويشمل جنوب لبنان إداريا محافظتي الجنوب التي تقع على ساحل المتوسط، والنبطية التي تقع في القطاع الأوسط والشرقي.

المساحة والسكـان

يغطي جنوب لبنان مساحة تقدر بـ1045 كيلومترا مربعا، وتقدر ساكنته بحوالي 800 ألف نسمة. وقد دل الإحصاء السكاني الرسمي لعام 1921 وعام 1933 في عهد الانتداب الفرنسي، وإحصاء 1961 وعام 1964 في عهد دولة الاستقلال، على أن عدد سكان الجنوب يمثل نسبة 20% من إجمالي سكان لبنان، وهو ما يمثل المرتبة الثالثة بعد محافظة جبل لبنان ولبنان الشمالي.

يحتل جنوب لبنان المرتبة الأولى قبل العاصمة والمحافظات اللبنانية الأخرى بمعدل سنوي في الولادات نسبته 26.07%، وفق الإحصاء المركزي للمديرية التابعة لوزارة التصميم العام.

وصنفت الدراسات الجنوب اللبناني في سنوات 1960 و1970 بأنه أقل المناطق نموا في البلاد، وسجلت مناطق الجنوب والنبطية تراجعا نسبيا في جذب السكان بين عامي 1997 و2004، إذ كان لعدم الاستقرار جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة أثر كبير في النمو الديمغرافي وتوزيع السكان.

التنوع العرقي واللغة

ينتمي غالبية سكان الجنوب إلى أصول عربية وقلة منهم تنحدر من أصول تركية وفارسية وأوربية، وكثير من عائلات السواحل من أصل مغربي. ويظهر التطور الديمغرافي للجنوب اللبناني تنوعا في الطوائف والمذاهب، ويشكل الشيعة فيه المكون الأكثر عددا، يليهم الموارنة فالسنة، ثم بقية الطوائف.

ينتمي معظم المسلمين في الجنوب إلى الطائفة الشيعية على المذهب الجعفري، وبقيتهم من الطائفة السنية، ويقيم معظمهم في المدن الساحلية (صيدا)، وهناك فئة قليلة جدا من الدروز. أما المسيحيون فهم قلة ويقيم معظمهم في الداخل، وهم أقلية في الجنوب عموما، ولكنهم أكثرية في بعض مناطقه، خاصة الجبلية والداخلية.

يتميز جنوب لبنان -إضافة إلى اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد- بتنوع لغوي رسخته الغزوات الاستعمارية والتبشيرية، بدءا بالفرنسية وانتهاء بالبعثات البريطانية والأميركية.

جبل عامل وبلاد البشارة

عُرف الجنوب قرونا عديدة باسم (جبل عامل أو بلاد البشارة)، ثم اختفى هذا الاسم مع إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920. وكان تاريخيا منطقة صراعات وتجاذبات إقليمية ودولية، وشهد مجموعة من الأحداث، شكلت تغييرات في الجغرافيا والبنية السياسية.

يعني الجنوب في التاريخ القديم (صيدا وصور) بالدرجة الأولى، ويرجع تاريخهما بحسب ما يتوافر من معطيات أثرية إلى ما لا يقل عن 5 آلاف إلى 6 آلاف سنة. وقد استمر نشاط المدينتين وما يجاورهما من مناطق الجنوب، في الملاحة والتجارة ومختلف الصناعات والفنون الحرفية.

في أزمنة تاريخية غابرة عرفت أرض الجنوب باسم "جبل عامل"، وتختلف روايات تسميتها بذلك باختلاف مصدرها، وإن رُجحت نسبته إلى قبيلة بني عامل التي نزحت إليه من اليمن، فسميت المنطقة باسمها وأطلق على سكانها العامليين.

وأطلق على المنطقة أيضا اسم "بلاد البشارة"، ويقال أيضا البشارتان: القبلية والشمالية ويفصل بينهما نهر الليطاني، وقد اختلف المؤرخون حول نسبة الاسم إلى بشارة بن معن والأمير حسام الدين بن بشارة.

وشهدت منطقة "جبل عامل" حركة نزوح سكانية ساهمت في توسيع الحركة الاستيطانية فيها، وأصبحت ملاذا لبعض الطوائف الدينية المسيحية كالموارنة، والمسلمة كالشيعة والدروز. وكانت بها نهضة علمية شاملة، إذ ضمت القرى والمدن مكتبات ومدارس ومعاهد، تخرج فيها علماء ومثقفون.

وتتحدث كتب التاريخ عن حقب سياسية توالت على المنطقة لا تزال صروحها المعمارية والعمرانية بادية لحد الآن، بدءا بالأمويين، ثم الصليبيين في القرنين الـ11 والـ12م، ثم المماليك في القرن الـ13م، ثم العثمانيين ابتداء من القرن الـ16م.

ظل "جبل عامل" يتبع إداريا عدة مراكز تغيرت مع العهود المتوالية، ففي العهد العربي ألحق بجند فلسطين، وبقي كذلك في العهد الصليبي، وخلال العهد المملوكي تبع أحيانا لولاية صفد، وأحيانا أخرى لولايتي الشام وعكا على فترات، ومن عام 1888م إلى 1918م كان تابعا لولاية بيروت.

بقي اسم (جبل عامل وبلاد البشارة) هو الاسم المعتمد حتى فترة الاحتلال الفرنسي 1918، ولكن مع إعلان المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في أغسطس/آب 1920، أصبح اللقب المتواتر للمنطقة هو جنوب لبنان (أو الجنوب حسب التعبير الشائع على ألسنة العامة).

الجغرافيا

يوجد في جنوب لبنان ثلاث مناطق جغرافية: سهلية وهضبية وجبلية، وشاطئ بحري يمتد من الناقورة جنوبا حتى صيدا شمالا، إضافة إلى ثروة مائية تمثل ثلث مياه لبنان.

يمتاز الجنوب بوعورة تضاريسه وكثرة الخوانق النهرية والمرتفعات الجبلية، ويعد أعلى قممها جبل الباروك عند بيت الدين، وجبل نيحا وجبل الريحان عند جزين.

تتخلل الجبال ممرات طبيعية منها ممر مرجعيون، الذي يفصل بين جبل لبنان في وسط جنوب شرق بيروت، وجبل عامل في الجنوب بالقرب من الحدود الفلسطينية.

Arch of Hadrian at the Al-Bass Tyre necropolis. UNESCO world heritage in Lebanon
قوس النصر يقع في مدينة صور وتعود أصوله للعصور الرومانية ويرمز للنصر في المعارك والحروب (غيتي)

كما تشكل عدد من الخوانق النهرية في الجنوب، جزءا من تضاريس السطح الجغرافي، ومن أهمها خانق عين زحلتا، وخانق بشري عند منابع نهر الأولي.

وينبع نهر الزهراني من سفوح جبل نيحا ويتجه نحو الجنوب والجنوب الغربي إلى أن يصب في البحر المتوسط جنوبي صيدا، بينما نهر الليطاني يسير في واد يبدأ من شمال سهل البقاع ويخترق جبال لبنان الغربية عند مشغرة شرقي صيدا، كما يخترق سهل القاسمية على الساحل، وتنتشر على ضفتيه مدن بنت جبيل ومرجعيون جنوباً، والنبطية وجزين وبعض قرى صيدا شمالا.

المناخ

يتميز الجنوب بالمناخ نفسه السائد في لبنان، وهو المناخ المتوسطي المعتدل، ذو الشتاء المطير والصيف الحار والجاف، مع بعض التفاوت الناجم عن امتداد التضاريس واختلافها في الجنوب.

أهم مدن جنوب لبنان

صيدا: تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي بوابة الجنوب وثالثة أكبر المدن اللبنانية، تبعد عن العاصمة بيروت نحو 45 كيلومترا. اسمها باللاتينية واليونانية "صيدون" وبالسامية "صيدو"، فتحها العرب عام 667م وأطلقوا عليها اسم صيدا.

وهي في الأصل مدينة فينيقية يعود تاريخها إلى أكثر من 6 آلاف سنة، ومن أبرز معالمها القلعة البحرية، والقلعة البرية، وقلعة سان لويس، والمسجد العمري الكبير، ومتحف الصابون الذي يروي حكاية تصنيع الصابون في المنطقة الممتدة من حلب إلى نابلس.

وبرز من صيدا رؤساء ووزراء، منهم رياض الصلح ورفيق الحريري وفؤاد السنيورة وتقي الدين الصلح ورشيد الصلح الأبيض.

صور: تمتد على أكبر شاطئ رملي في لبنان، وتبعد 80 كيلومترا عن العاصمة بيروت. مع بداية القرن الـ18 أعيد بناء هذه البلدة التي يعود تاريخها إلى الألف الثالثة ق. م.

تعرف قديما بأنها "ملكة البحار"، إذ عرفت بالملاحة وصناعة السفن، ومراكب الصيد منذ ثمانينيات القرن العشرين، ومن آثارها المشهورة، بقايا مدينة رومانية، قوس النصر، خان الإفرنج ويعرف بخان الأشقر، والمرفأ الفينيقي.

في عام 1979 صنفتها اليونسكو موقعا أثريا عالميا، وقد برز بها الكثير من السياسيين والعلماء، وعدة رؤساء مجالس نيابية، منهم: نبيه بري، وأحمد الأسعد، وعادل عسيران، وكامل الأسعد.

النبطية: تقع في منطقة تتوسط مدن وقرى سلسلة جبال لبنان الجنوبي، وهي حلقة وصل بين الساحل والجبل والداخل، وتبعد نحو 70 كيلومترا عن بيروت.

يعود تاريخها إلى عهود ومراحل زمنية قديمة، تشتهر بالآثار الرومانية والفينيقية، وقد استطاعت أن تستقطب المستثمرين، ولا سيما في مجال الخدمات المصرفية.

تعتبر تاريخيا مدينة العلم والثقافة، وهي موطن الأديب والفقيه الشيخ عارف الزين، ومسقط رأس المخترع اللبناني حسن كامل الصباح، الذي نُصب تمثال له على مدخل المدينة.

جزين: تقع عند السفوح الغربية لجبل نيحا بين جبال تحيط بها من كل الجهات، وهي مركز قضاء جزين، وتبعد عن بيروت 73 كيلومترا. تعتبر من أهم المدن السياحية الاصطيافية، حيث تسمى عروس المصايف الجنوبية بشلالاتها. وهي مدينة قديمة عثر فيها على آثار صليبية وإسلامية، وتتميز بأماكن أثرية أبرزها مغارة فخر الدين. تشتهر بعدد محدود من الزراعات أبرزها التفاح، وتعرف عالميا بحرفة السكاكين الجزينية منذ عام 1724.

الناقورة: بلدة ساحلية تقع في الزاوية الجنوبية الغربية على الحدود مع فلسطين، وهي المعبر الساحلي والبوابة الشمالية للأراضي المحتلة، وتبعد عن بيروت 103 كيلومترات. كانت مركزا للتجارة وتبادل البضائع بين حضارات بلاد الشام ومصر، ومركزا لعبور القوافل التجارية.

خضعت للاحتلال الإسرائيلي قبل تحريرها عام 2000م، ويتمركز على شاطئها المقر العام لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) منذ 1978، وبها أجريت جولات التفاوض السابقة حول ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهي واحدة من أكبر الوجهات السياحية التي يزورها الملايين سنويا.

جويّا: المدينة الثانية في قضاء صور من حيث عدد السكان والخدمات والمراكز الرسمية والإدارية والتعليمية، تبعد عن العاصمة بيروت 95 كيلومترا. وتمتاز بكثرة عيون الماء، وبمركزها العلمي والعمراني القديم الذي تصدّرت به القرى المحيطة بها نسبيا على مدى عقود.

وهناك روايات تشير إلى أنّ اسم جويّا أصله سرياني، ويعني "الداخلي". مصادر مياهها مشروع الليطاني وإنتاجها الزراعي حبوب وزيتون، وكان فيها من الأسر العلمية العريقة آل خاتون وآل نور الدين ومنهم العالم مصطفى نور الدين.

النشاط الاقتصادي

كان جنوب لبنان منذ عام 1920 حتى عام 1948 يعتمد اقتصاديا على العمل في الزراعة في حقول الجليل وسهل الحولة في فلسطين، وكان على حدود الدولتين أكثر من 10 أسواق، أشهرها مرجعيون وبنت جبيل وعديسه. لكن الاقتصاد تأثر مع إغلاق الحدود بين الدولتين إثر الاحتلال الإسرائيلي.

أثرت الحرب في الزراعة التي تشكل -بحسب التقديرات- نحو 75% من إجمالي دخل الأسر في جنوب لبنان. إذ تتركز المناطق المزروعة في الجنوب بنسبة 12.6% من مجموع الأراضي المزروعة في لبنان.

وتعتبر محافظة النبطية ثالث أكبر قطاع مضيف للعمالة بنسبة 14% في المنطقة، وفق إحصاءات المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار. وتشكل نسبة أشجار الزيتون حوالي 85% من الأراضي المزروعة، إذ تنتج المحافظة أكثر من 21% من مجموع زيت الزيتون في لبنان، وبشكل رئيسي في منطقتي حاصبيا ومرجعيون.

وبحسب توقعات أساسية لمستقبل الاقتصاد اللبناني للفترة الممتدة بين 2010 و2030 بسبب التغيرات المناخية، فسيكون القطاع الزراعي في الجنوب أكثر تضررا مع تراجع بنسبة 9.66%، و9.98% على التوالي.

كانت زراعة التبغ حتى السبعينيات من القرن الماضي تشكّل الدخل الرئيسي لغالبية عائلات الجنوب، لكنها تراجعت بشكل كبير في ظل نزوح عدد كبير إلى ضواحي بيروت، ثم لجأ الفلاحون إلى مهن بديلة أكثر مردودا، إذ شهدت زراعة نبات الزعتر الذي يسمى هناك "الذهب الأخضر" إقبالا في معظم المناطق بجنوب لبنان، وصنفت وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية عام 2007، زعتر الجنوب منتجا نموذجيا، إذ يشتهر بجودة نوعيته على الصعيدين المحلي والإقليمي.

وتشير إحصاءات الوزارة إلى أن زراعة نبات السماق لاقت انتشارا واسعا في معظم المناطق الجرداء بالجنوب، ويبلغ إنتاجه السنوي حدود 145 ألف طن.

light:CB2; view from above:CB2; pillar:CB2; museum:CB2; ancient:CB2; illumination:CB2; indoors:CB2; history:CB2; luxury:CB2; nobody:CB2; Sidon:CB2; structure:CB2; arch:CB1; archway:CB1; display:CB1
متحف الصابون في مدينة صيدا بني من الحجر الصخري القديم والحجر الرملي الأصفر في القرن السابع عشر (غيتي)

وحسب إحصاءات بعثة الحسابات الاقتصادية اللبنانية فإن الجنوب يظل من المناطق الأقل حظوة في استقطاب المصانع اللبنانية، بنسبة تقدر بـ8%، إذ أنشئ به 331 مصنعا، منها مصانع ذات صلة بالصناعات الغذائية، وأنشطة المفروشات، والآلات والمعدات الكهربائية، ولوجود الاحتلال الإسرائيلي على حدود جنوب لبنان وإمكانية تجدد الحرب في أي وقت، فإن الاستثمار الأجنبي هناك يظل محدودا جدا.

وتعتبر المنطقة من المحميات الطبيعية التي توفر فرصا للسياحة البيئية، وتستقطب شواطئها وآثارها التاريخية خاصة في مدينتي صور وصيدا أكثر من 50 ألف زائر سنويا، وفق تقديرات محلية.

التنظيم الإداري

كان جنوب لبنان يتبع ولاية حيفا بعد اعتماد نظام المتصرفية رسميا عام 1861، وهي مؤسسة إدارية جغرافية جديدة تفسح مجالا واسعا لممثلي الطوائف الدينية، ثم خضع لعدة أشكال إدارية بين سنتي 1920 و1975. ففي نهاية الحقبة العثمانية كان مقسما بين ولاية بيروت وولاية دمشق، وفي أوائل سنوات الانتداب الفرنسي أصبح متصرفية باسم لبنان الجنوبي، تشمل جبل لبنان وسهلي البقاع وعكار ومنطقة جبل عامل.

وفي عام 1925، تحولت متصرفية لبنان الجنوبي إلى ثلاث محافظات تتبعها ست مديريات، وبعد أقل من خمس سنوات تم إدماج تلك المتصرفيات في محافظة واحدة حملت اسم محافظة لبنان الجنوبي مركزها صيدا وتتبعها أربعة أقضية.

بعد الاستقلال وتحديدا عام 1954م، أصدرت السلطات اللبنانية قرارا أبقت بموجبه جنوب لبنان محافظة واحدة، لكنها زادت عدد الأقضية إلى سبعة.

وفي عام 1975م، قامت السلطات اللبنانية بتعديل إداري أخير، قسمت بموجبه جنوب لبنان إلى محافظتين إداريتين: الأولى باسم "لبنان الجنوبي" مركزها صيدا، والثانية باسم "النبطية"، ومركزها مدينة النبطية التي تبعد بـ22 كيلومترا عن مدينة صيدا.

وحسب لوائح الناخبين الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية لسنة 2014، تضمّ محافظة الجنوب 181 بلدة و 146 بلدية، ويصل عدد القرى التي تتبعها حوالي 412.

مخيمات اللاجئين

يضم جنوب لبنان خمسة مخيمات للاجئين، هي:

مخيم عين الحلوة: أنشئ سنة 1949 قرب مدينة صيدا، وهو الأكبر مساحة وسكانا.

مخيم الرشيدية: أنشئ عام 1936 على بعد 7 كيلومترات جنوب مدينة صـور لإيواء اللاجئين الأرمن، وفي عام 1948 بدأ يسـتقبل الفلسطينيين، ويسكنه أكثر من 22 ألف نسمة وفق إحصاءات الأونروا، وهو من أكثر المخيمات الفلسطينية معاناة من القصف الإسرائيلي لقربه من الحدود.

مخيم البرج الشمالي: أنشئ عام 1955، ويقع على بعد 3 كيلومترات شرق مدينة صور، ويضم لاجئين معظمهم من قرى شمال فلسطين.

مخيم المية ومية: يقع على تلة تبعد بـ4 كيلومترات إلى الشرق من مدينة صيدا، أنشئ عام 1954، ويسكنه حوالي 4995 نسمة، وفق إحصاء الأونروا عام 2003.

مخيم البص: أنشئ سنة 1939 جنوب مدينة صور لإيواء اللاجئين الأرمن، وبدأ يستقبل الفلسطينيين عـام 1948، ويسكنه نحو 10 آلاف لاجئ.

الاعتداءات الإسرائيلية

تحول جنوب لبنان إلى ساحة قتال واجتياحات بعد الإعلان عن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وقد أحصى محمود سويد في كتابه "الجنوب اللبناني في مواجهة إسرائيل" 140 حادث اعتداء بين 1949 و1964.

ومن عام 1967 إلى عام 1976، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب 1434 خرقا للأجواء، و1818 قصفا مدفعيا، و120 قصفا جويا، و266 عملية دخول في المياه الإقليمية، ودخل 388 مرة في الأراضي الجنوبية، وشق 24 طريقا و453 تمركزا في الداخل، حسب إحصائيات المركز العربي للمعلومات في بيروت.

Jezzine landscapes skyle cityscape in South Lebanon Middle east
شلالات جزين تمتد 80 مترا من المياه المتدفقة الدائمة الانسياب وتتميز بخلفية جبلية طبيعية خضراء محيطة بها (غيتي )

تكاثفت الاعتداءات بعد أن احتلت إسرائيل مناطق ثابتة داخل الأراضي اللبنانية في منطقة مرجعيون وبنت جبيل عام 1977. وفي عام 1978 وصلت إلى حدود نهر الليطاني واستمرت هناك أكثر من ستة أشهر، ثم انسحبت بقرار أممي، لكنها احتفظت بشريط أمني من الناقورة حتى جبل الشيخ. وبعد اجتياح عام 1982، ضمت مساحات أخرى، وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على ترحيل آلاف المقاتلين إلى خارج لبنان.

تقدر الخسائر البشرية والمادية التي لحقت جنوب لبنان من عام 1967 إلى عام 1982، بنسبة 50% من مجمل الخسائر في لبنان، وفق إحصائيات المركز العربي للمعلومات.

عام 1985 انسحبت القوات الإسرائيلية من قسم كبير من مناطق الجنوب، وتم تعديل حدود الشريط الأمني حيث بقيت محتفظة بمنطقة جزين والتلال التي كانت تسيطر عسكريا على مجرى نهر الأولي شمالي مدينة صيدا، وأنشأت هناك ميليشيا عميلة أو ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي.

بقي الوضع كذلك، إلى أن حُررت قرى الجنوب اللبناني وغرب البقاع في 25 مايو/أيار 2000، باستثناء مزارع شبعا (14 مزرعة) التي ما زالت تحت سيطرة الاحتلال.

تعتبر الهجمات الإسرائيلية في حرب يوليو/تموز 2006 أو ما يعرف بالحرب السادسة، الأكثر توسعا، إذ شملت أكثر من 40 بلدة وقرية في جنوب لبنان. وقدر خبراء من هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة أن مستوى وكثافة التلوث في جنوب لبنان فيما بعد هذا النزاع أسوأ بكثير مما وجدوا في بلدان العراق أو أفغانستان أو كوسوفو جراء الأسلحة المستخدمة فيها.

محاولات السيطرة على المياه

عكست تصريحات سابقة لمسؤولين إسرائيليين نيات الاستيلاء على جنوب لبنان لتأمين كميات المياه التي تحتاج إليها إسرائيل، فقد نسب إلى رئيس الوزراء الأسبق ديفد بن غوريون أنه قال "إن أمنيتي في المستقبل جعل الليطاني حدود إسرائيل الشمالية".

وتبدى الطمع في استغلال مياه الجنوب أيضا في تصريح رئيس الوزراء الأسبق ليفي أشكول قال فيها "لا يسع إسرائيل الظامئة أن تقف مكتوفة اليدين، وهي ترى مياه الليطاني تتدفق إلى البحر، إن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه نهر الليطاني".

ويعتبر نهر الليطاني أكبر الأنهار وأهم مصادر المياه السطحية في لبنان، ويبلغ طوله 170 كيلومترا، ويبلغ متوسط التدفق السنوي لمياهه 475 مليون متر مكعب.

ظهرت محاولات جعل مياه هذا النهر ضمن المشاريع المائية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، أو تلك المقدمة من طرف الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1948، ومن بينها مشروعا إريك جونسون وجون كوتون عام 1954.

عام 1967 استولت إسرائيل على مياه الحاصباني، وعلى مياه الليطاني بشكل مؤقت عام 1978، أما سد الخردلي الذي جرى التخطيط لإنشائه في السبعينات على المجرى الأوسط لنهر الليطاني بسعة تبلغ 128 مليون متر مكعب، فقد عُلّق في مرحلة التصميم الأولي بسبب الأوضاع الأمنية في منطقة الحدود الجنوبية.

في عام 1982 استولت إسرائيل على نهر الوزاني، ثم وضعت يدها على 12 قرية لبنانية وربطت شركة مياهها بمستعمرة إسرائيلية، قبل أن تُجبر على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.

وقد تحولت الموارد المائية لنهر الحصباني إلى مصدر توتر بين لبنان وإسرائيل، حين أعلن لبنان بناء محطة ضخ جديدة على ينابيع الوزاني، تغذي النهر الذي ينبع من جنوب لبنان ويقطع الخط الأزرق الحدودي ليغذي نهر الأردن وبحيرة طبريا التي تعتبر أبرز خزانات المياه في إسرائيل.

وقالت مصلحة المياه الحكومية اللبنانية في أحدث تقرير لها، إن المياه الوافدة عبر نهر الليطاني إلى بحيرة القرعون تقلصت منذ عام 1962 حتى عام 2020. ويوفر سد القرعون كمية سنوية من المياه تصل إلى 110 ملايين متر مكعب تستعمل للري في جنوب لبنان، ومليوني متر مكعب للاستخدام المنزلي.

The Crusader land castle has been erected during medieval times by king Saint Louis of France to defend Sidon and South Lebanon.
قلعة صيدا البرية أو قلعة المعز بناها الصليبيون خلال القرن الثاني عشر وعُرفت بقلعة القديس لويس (غيتي)

الجنوب.. موطن المقاومة

أظهرت كتب التاريخ أن المقاومة لم تكن حدثا طارئا في حياة الجنوبيين، ففي فترة ما بين 1918 و1920 شاركوا في الثورة العربية، وفي عام 1925 شاركوا في الثورة السورية، كما شاركوا في جيش الإنقاذ خلال معارك 1948 في فلسطين في مواجهة الانتداب البريطاني.

يعد الاجتياح الإسرائيلي الأول لجنوب لبنان عام 1978، والاجتياح الثاني عام 1982، حدثين بارزين ساهما في ظهور معطيات جديدة على الساحة اللبنانية، فأصبح يسيطر على المشهد السياسي بشكل رئيسي مكونان هما حركة أمل وحزب الله، وفي المنطقة الأمنية وامتدادها إلى قطاع جزين كانت تسيطر إسرائيل عبر ذراعها المحلية جيش لبنان الجنوبي.

وتمكن حزب الله وحركة أمل من جعل قرى الجنوب تنتفض في وجه الدوريات الإسرائيلية ومقاتلاتها، ثم استقرت الهيمنة شبه الكاملة لحزب الله على ساحة المقاومة في الجنوب، وظهر اسمه أول مرة في بيانات عن عمليات ضد جيش الاحتلال عام 1984.

زادت أهمية التنظيم الذي ينشط على الساحة اللبنانية سياسيا وعسكريا منذ أكثر من ثلاثين عاما، من خلال قدرته على تكوين الجناح العسكري، الذي تولى دور مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. وتمكن من تحرير أراضي الجنوب (ما عدا مزارع شبعا غير المأهولة) في مايو/أيار 2000، بعد احتلالها مدة 22 عاما.

ارتفعت أسهم الحزب في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية بفضل نهج المقاومة العسكرية لإسرائيل، وتعزز هذا الصعود بأدائه العسكري خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب 2006. كما استمر في حضوره بالمنطقة من خلال عملياته العسكرية المتكررة.

ولم يكن الدور السياسي للحزب أقل أهمية من حمل مشعل المقاومة، إذ تمكن من السيطرة على عدد من مجالس البلديات في جنوب لبنان إضافة إلى وجوده في البرلمان، وخاصة في عهد الرئيس إميل لحود. وتشكل قيادته أحد أركان مفاصل المشهد السياسي اللبناني.

المصدر : مواقع إلكترونية