تمثيل منقوص حتى على القمر.. كم عدد النساء اللواتي أطلقت أسماؤهن على فوهاته ومن هن؟

كيلسي إن سينغر: إن ندرة فوهات القمر التي تكرّم النساء تعدّ أمرا مفاجئا وغير مفاجئ في الوقت نفسه، ولم يُسمح للنساء عموما بأن يصبحن عالمات ومهندسات ومستكشفات حتى القرن الـ20.

الباحثة فورجيت تطالب الاتحاد الفلكي الدولي بأن يعطي الأولوية لأسماء النساء عند تسمية الفوهات القمرية (غيتي)

سطح القمر ممتلئ بالفوهات، وهي بقايا تأثيرات حدثت على مرّ الزمن الكوني. ويرى عدد قليل من أكبرها بالعين المجردة، في حين يكشف تلسكوب الهواة عن مئات أخرى، وإذا تحولت المراصد الفلكية أو حتى مسبار فضائي نحو أقرب جار سماوي لنا، فستظهر الملايين منها فجأة.

وبيتينا فورجيت، الفنانة والباحثة بجامعة كونكورديا في مونتريال، ترسم الفوهات على سطح القمر منذ أعوام، وهي عالمة فلك هاوية، وتجمع بين اهتماماتها في الفن والعلوم، كما قالت الكاتبة كاثرين كورني، في تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" (independent) البريطانية.

رائدة الفضاء جوديث أ. ريسنيك أطلق اسمها على إحدى فوهات القمر (ناسا)

أسماء غير مألوفة

وسمّيت فوهات القمر بأسماء العلماء والمهندسين والمستكشفين، وكان لبعض الفوهات التي رسمتها فورجيت أسماء مألوفة على غرار نيوتن وكوبرنيكوس وأينشتاين. في المقابل، تحمل كثير من الفوهات الأخرى أسماء غير مألوفة، وذلك دفع فورجيت إلى التساؤل: من هم هؤلاء الأشخاص؟ وكم عدد النساء؟ في هذا الصدد، تقول فورجيت "بمجرد أن يتبادر هذا السؤال إلى ذهنك، فينبغي عليك أن تعرف الحقيقة".

تمثيل منقوص حتى على القمر!

بحثت فورجيت في سجلات الاتحاد الفلكي الدولي، وهي المنظمة المكلفة بمنح أسماء رسمية لفوهات القمر وغيرها من الميزات الموجودة في عوالم حول النظام الشمسي، وبدأت بتحديد الفوهات التي سميت بأسماء النساء. ومن بين 1578 فوهة على سطح القمر سمّيت في ذلك الوقت، لم تُكرّم سوى 32 امرأة (تمت تسمية الفوهة رقم 33 في فبراير/شباط الماضي).

وتقول فورجيت "لم أكن أتوقع نسبة 50%، إذ إنني لست متفائلة بهذا القدر لكن أن تكون 2%! لقد صدمت حقا". وأضافت أن "وجود عدد قليل جدا من الفوهات على سطح القمر، التي كانت أسماؤها تيمّنا بأسماء النساء، خلق بيئة تعتقد أن النساء لا يسهمن فيها".

رائدة الفضاء كالبانا تشاولا التي لقيت وأفراد فريقها الستة حتفهم بعد تحطم مكوك الفضاء كولومبيا (غيتي)

نساء ذوات تأثير

وذكرت الكاتبة أنه عام 2016 شرعت فورجيت بمشروع يسمى "نساء ذوات تأثير"، فرسمت كل فوهة تحمل اسم امرأة في دفتر كبير باستخدام الغرافيت للتفاصيل مع طلاء الأكريليك الأسود. كذلك صورت شكل الفوهات على الجانب القريب من القمر، مثل كانون وميتشل اللتين تحملان اسميْ عالمتيْ الفلك من القرنين 19 و20، من خلال مراقبتها باستخدام تلسكوبها ذي الثماني بوصات.

أما الفوهات مثل ريسنيك وتشاولا اللتين تحملان اسمي رائدتيْ فضاء هما جوديث أ. ريسنيك وكالبانا تشاولا، وتقعان على الجانب البعيد من القمر غير المرئي من الأرض، فقد استندت فورجيت في رسمها لهما إلى الصور التي التقطها مسبار وكالة ناسا "مستكشف القمر المداري".

وحتى الآن، أكملت فورجيت جميع الرسوم، وعُرضت الأعمال المنجزة بصورة فردية في معرض فني بجامعة بيشوب، كيبيك، والقبة السماوية ريو تينتو ألكان في مونتريال. في هذا الإطار، قالت فورجيت إن الغاية من مشروع "نساء ذوات تأثير" تتمثل في تسليط الضوء على نقص تمثيل النساء في مهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتابعت فورجيت حديثها قائلة "تمثل الفوهة غيابا للمادة، وفراغا ما يشبه فراغ مهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من النساء".

بيتينا فورجيت بدأت طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد لكل فوهة ظهرت في مشروع "نساء ذوات تأثير" (مواقع التواصل)

الإمساك بفوهة قمر

ودفع العمل مع الفوهات ذات البعدين بفورجيت لإضافة بعد ثالث، وفي هذا السياق، قالت "لقد أحببت فكرة الإمساك بفوهة قمر في يدي". وفي عام 2019، بدأت فورجيت طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد لكل فوهة ظهرت في مشروع "نساء ذوات تأثير".

وتجرب فورجيت طرائق مختلفة لإلصاق تلك الطوابع على نعال الأحذية، كذلك تخطط لإرسال الطوابع إلى العالمات في شتى أنحاء العالم وتطلب منهن تسجيل تجاربهن بإنشاء الفوهات الخاصة بهن في مشروع يسمى "وان سمول ستيب". وبصفتها مديرة برنامج الإقامة الفنية في منظمة الأبحاث "معهد البحث عن ذكاء خارج الأرض"، أو "سيتي"، في كاليفورنيا، تعتزم فورجيت أولا الوصول إلى النساء اللواتي يركز عملهن على علم الأحياء الفلكي والكواكب الخارجية.

ونقلت الكاتبة ما جاء على لسان فورجيت التي أفادت بأن من المهم الاحتفال بإسهامات العالمات اللواتي على قيد الحياة، ووضحت قائلة "تكرم سلسلة (نساء ذوات تأثير) النساء التاريخيات. في المقابل، يمكن لمشروع (وان سمول ستيب) أن يكرم الآن النساء الناشطات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات".

ونظرا إلى تسمية مزيد من فوهات القمر بأسماء النساء، تخطط فورجيت لإنشاء رسوم إضافية ونماذج وطوابع ثلاثية الأبعاد. وفي الوقت الحالي، لديها عمل آخر لإنجازه، إذ سمّيت فوهة أخرى باسم إيزلي في فبراير/شباط الماضي، باسم عالمة الحاسوب آني إيزلي.

لتسمية مزيد من فوهات القمر بأسماء نساء تخطط فورجيت لإنشاء رسوم إضافية ونماذج وطوابع ثلاثية الأبعاد (غيتي)

مزيد من النساء

واقترحت كاثرين نيش، عالمة الكواكب في جامعة ويسترن أونتاريو، اسم إيزلي على الاتحاد الفلكي الدولي في يناير/كانون الثاني، وحثّها زوجها على ألا يقتصر الأمر على اسم امرأة فحسب، وإنما أيضا أن يشمل اسم امرأة ملوّنة. كانت نيش قد اقترحت بنجاح تسمية فوهتين باسم "بييرازو" و"ثارب" عام 2015، باسم عالمة الكواكب إليزابيتا بييرازو ورسامة خرائط المحيطات ماري ثارب.

وقالت كيلسي إن سينغر، عالمة الكواكب في معهد ساوث ويست للأبحاث في تكساس، إن ندرة فوهات القمر التي تكرّم النساء تعدّ أمرا مفاجئا وغير مفاجئ في الوقت نفسه. ولم يُسمح للنساء عموما بأن يصبحن عالمات ومهندسات ومستكشفات حتى القرن الـ20. ونظرا إلى أن الفوهات القمرية لا تُسمى عادة بأسماء الأحياء، "فسيكون هناك بالتأكيد تأخر تاريخي".

ويتم تمثيل النساء بصورة كبيرة عندما يتعلق الأمر بأسماء سمات موجودة في كوكب الزهرة وبعض أقمار أورانوس الأصغر لكن تلك الأماكن تعدّ استثناءات في النظام الشمسي. من جانبه، أقرّ الاتحاد الفلكي الدولي بهذه المشكلة وأصبح يعطي الأولوية لأسماء النساء عند تسمية الفوهات القمرية.

وأشارت الكاتبة إلى أن لدى نيش بالفعل اسما آخر في ذهنها لفوهة القمر. وفي هذا الصدد صرحت نيش قائلة "يُمكن لقلّة قليلة من الناس تسمية الفوهات نظرا إلى عدم امتلاكهم سببا علميا مقنعا لفعل ذلك. أريد استخدام الامتياز الذي أمتلكه للاعتراف ببعض هؤلاء النساء اللاتي جئن قبلي".

المصدر : إندبندنت