حفريات مذهلة لأغرب كائن بحري عاش منذ نصف مليار عام

كثيرا ما يعثر الباحثون على حفريات لكائنات قديمة، غير أن الأدمغة والأنسجة الرخوة لهذه الكائنات تكون مفقودة في معظم الأحيان، مما يصعب فهم ووصف هذه الكائنات بشكل دقيق

حيوان "الستانليكاريس" المكتشف لا يزد طوله على 20 سنتيمترا (يوريك ألرت – سابرينا كابيللي، متحف أونتاريو الملكي)

كشف "متحف أونتاريو الملكي" (Royal Ontario Museum) عن مخبأ من الأحافير التي تحتوي على الدماغ والجهاز العصبي لإحدى المفترسات البحرية المقدر عمرها بنحو نصف مليار عام. وقد وجد هذا الحيوان البحري الذي يسمى "ستانليكاريس" (Stanleycaris) في طبقة طفل برجس، وهي طبقة من الرواسب الحاوية للأحافير الموجودة في كندا.

كنز مذهل

ينتمي "ستانليكاريس" إلى رتبة شعاعيات الأسنان؛ وهي أحد الأفرع التطورية المنقرضة من مفصليات الأرجل والتي تعتبر بعيدة الصلة عن الحشرات والعناكب الحديثة.

حيوان "الستانليكاريس" عثر عليه في طبقة طفل برجس (جان برنارد كارون، متحف أونتاريو الملكي)

ونُشرت نتائج هذا الكشف -والتي تسلط الضوء على الكيفية التي تطورت بها أدمغة المفصليات بما في ذلك الإبصار وتطور هيكل الرأس- في دورية "كارنت بيولوجي" (Current Biology) في 8 يوليو/تموز الجاري.

وعثر الباحثون على هذا الحيوان الغريب ضمن كنز مذهل من الأحافير التي يعود تاريخها إلى 506 ملايين سنة مضت. وعلى الرغم من طول هذه الفترة الزمنية، فإن حالة الحفظ الجيدة لهذه الحفريات أظهرت أن 84 منها ما زال محتويا على بقايا جيدة الحفظ للمخ والأعصاب. ولذا، كان ما بداخل رأس "ستانليكاريس" هو أكثر ما يثير فضول الباحثين تجاه هذا الحيوان الغريب.

وطبقا للتقرير الذي نشره موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert) تعقيبا على الدراسة، يذكر جوزيف مويسيوك؛ قائد الدراسة في جامعة تورونتو (University of Toronto) أنه "على الرغم من أن اكتشاف أدمغة متحجرة تعود إلى العصر الكامبري (أولى حقب الحياة القديمة والتي امتدت من 541 إلى 485 مليون سنة مضت) ليس أمرا جديدا، فإن الاكتشاف الجديد يكمن في حالة الحفظ الجيدة التي وجدت عليها هذه العينات، إضافة إلى عددها الكبير".

دماغ "ستانليكاريس يتألف من مخ أمامي متصل بالعيون، ومخ أوسط متصل بالمخالب (متحف أونتاريو الملكي)

تفاصيل دقيقة

وبفضل حالة الحفظ الجيدة تلك، فإن العلماء يستطيعون "وصف أدق التفاصيل التي تتعلق بمراكز الإبصار التي تخدم عيون الكائن الكبيرة، كما نستطيع تعقب الأعصاب التي تصل إلى أطراف الكائن، إذ يمكننا رؤية هذه التفاصيل جلية وكأن الحيوان قد مات بالأمس"، على حد قول مويسيوك.

وتحتوي مفصليات الأرجل -كالحشرات- اليوم على أدمغة تتكون من مخ أمامي ومخ أوسط ومخ ثالث خلفي. وعلى النقيض، تُظهِر الحفريات الجديدة أن دماغ "ستانليكاريس" يتألف من جزأين؛ مخ أمامي (الذي يتصل بالعيون) ومخ أوسط (المتصل بالمخالب الأمامية).

ويذكر مويسيوك أننا "نستنتج بذلك أن الرأس والدماغ ذا الجزأين لهما جذور قديمة في سلالة المفصليات، وأن تطورهما قد سبق على الأرجح الدماغ المكون من 3 أجزاء والذي يميز جميع الكائنات الحية التي تنتمي إلى هذه الشعبة الحيوانية المتنوعة".

"الستانليكاريس" يمتلك عينا مركزية كبيرة في مقدمة رأسه وعينين طرفيتين (سابرينا كابيللي، متحف أونتاريو الملكي)

وإضافة إلى العينين الطرفيتين، فإن "ستانليكاريس" يمتلك عينا مركزية كبيرة في مقدمة رأسه، وهو الأمر الذي لم يلاحظ من قبل في الحيوانات شعاعيات الأسنان.

ويشير جان برنارد كارون -أمين علم الحفريات اللافقارية في متحف أونتاريو الملكي والمشارك في الدراسة- إلى أن "هذه الحيوانات تبدو أكثر غرابة مما نظن، إذ لم نتوقع أن يمتلك ستانليكاريس عينا ثالثة كبيرة. مما يفيد بأن المفصليات الأقدم قد طورت بالفعل مجموعة متنوعة من الأنظمة البصرية المعقدة كالعديد من أقربائها المعاصرين".

مفترس صغير

يذكر أن شعاعيات الأسنان كانت تضم -خلال فترة عصر الكامبري- مجموعة من أكبر الحيوانات الموجودة آنذاك. فعلى سبيل المثال، وصل طول "الأنومالوكاريس" -أو ما يعرف باسم الروبيان الشاذ- إلى متر واحد على الأقل.

"الستانليكاريس" امتلك فما دائريا رائع الشكل مبطنا بالأسنان (جان برنارد كارون، متحف أونتاريو الملكي)

وعلى النقيض، لم يزد طول "الستانليكاريس" على 20 سنتيمترا، مما يجعله من الحيوانات الصغيرة نسبة إلى مجموعته. غير أن معظم الحيوانات في ذلك الوقت لم يكن طولها أكبر من إصبع اليد. وبالتالي فإن "الستانليكاريس" قد يكون من المفترسات المثيرة للدهشة، إذ إن الأنظمة الحسية والبصرية لهذا الكائن كانت متطورة لدرجة تمكنه من اصطياد فريسة صغيرة بكفاءة عالية في الظلام.

وإضافة إلى العيون المركبة الكبيرة، فقد امتلك "الستانليكاريس" فما دائريا رائع الشكل مبطنا بالأسنان، ومخالب أمامية متصلة بمجموعة مدهشة من الأعصاب. كما أن جسم "ستانليكاريس" كان مرنا ومقسما ومزودا بجوانب تساعده على السباحة.

المصدر : مواقع إلكترونية + يوريك ألرت