قضية الساعة - مساعي اللحظة الأخيرة في مجلس الأمن حول العراق
قضية الساعة

مساعي اللحظة الأخيرة في مجلس الأمن حول العراق

مآلات العمل العسكري الأميركي خارج شرعية المنظمة الدولية، نقاط القوة ومكامن الضعف لدى المعسكر المناهض للحرب على العراق، إمكانية إقدام واشنطن ولندن على عمل عسكري منفرد دون غطاء شرعي دولي.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

عدة شخصيات

تاريخ الحلقة:

13/03/2003

– مآلات العمل العسكري الأميركي خارج شرعية المنظمة الدولية
– نقاط القوة ومكامن الضعف لدى المعسكر المناهض للحرب

– ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية بعد الحرب على العراق


undefinedمحمد كريشان: تصاعد المواجهة في مجلس الأمن الدولي بشأن قرارٍ ثانٍ يسمح باستخدام القوة ضد بغداد في حال عدم استجابتها للمطالب الأميركية – البريطانية.

تساؤلات حول إمكانية إقدام واشنطن ولندن على عمل عسكري منفرد دون غطاء شرعي دولي، والتداعيات المحتملة لذلك على الأسس التي يقوم عليها النظام العالمي الراهن.

السلام عليكم، لا تزال المشاورات المغلقة في مجلس الأمن حول الاقتراحات البريطانية مستمرة في محاولة للتوصل إلى تسوية، للخروج من الطريق المسدود مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة قد يسمح في حال إقراره بإعطاء الضوء الأخضر لاستخدام القوة ضد العراق، وقد زادت حدة الخلاف بين المعسكرين المؤيد والرافض للحرب، وبدا أن كل واحد منهما يصر على المضي قدماً في موقفه مما يهدد بتطور الانقسام الحالي داخل المجلس إلى انقسام طويل الأمد سيؤثر لا محالة على شكل العلاقات الدولية المقبلة، وقبل الاستفاضة في تفاصيل هذا الموضوع نبدأ -كعادتنا- بإلقاء نظرة سريعة على آخر المواقف لبعض أطراف الصراع الرئيسية.

* "آمل أن تعيد الدول التي تعلن استعدادها لاستخدام الفيتو -أياً كانت الظروف- النظر في موقفها وأن تعي أنها بالإقدام على ذلك لن تعرِّض نزع سلاح صدام حسين وحده للخطر، وإنما في الواقع وحدة الأمم المتحدة".

توني بلير (رئيس الوزراء البريطاني).

* "الرئيس أعطى الدبلوماسية بعض الوقت، لكنه لن يفعل ذلك إلى ما لا نهاية".

آري فلايشر (الناطق باسم البيت الأبيض).

* "لا أحد يريد الحرب، لكن علينا ألا ندع العراق يُسيِّرنا عبر تنازلات محدودة وتقارير إلى ما لانهاية".

جيف هون (وزير الدفاع البريطاني).

* "حان الوقت للتخلص من صدام حسين بأي طريقة عاجلاً أو آجلاً.. هذه هي الرسالة".

ريتشارد بيرل (مستشار وزير الدفاع الأميركي).


مآلات العمل العسكري الأميركي خارج شرعية المنظمة الدولية

محمد كريشان: تصاعدت المواجهة في مجلس الأمن بين دعاة الحرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومعسكر الرافضين بزعامة فرنسا وروسيا وألمانيا، وقد بدا واضحاً أن المحاولة البريطانية بنقاطها الست كحل وسط كما قيل بين الموقفين مرشحة للفشل فالأميركيون لم يعيروها كبير اهتمام والفرنسيون وصفوها بأنها إلى خطاب الحرب أقرب منها إلى شيء آخر، هذا التصاعد الدرامي في الصراع بين المعسكرين لم يدعا لأكثر المتفائلين فرصة لتوقع حل لن يكون كارثياً.

فوزي بشرى ينظر في تراجيديا النظام العالمي ومآلات العمل العسكري خارج شرعية المنظمة الدولية.

تقرير/فوزي بشرى: فيما العالم كله مُنشد إلى صراع القوى الكبرى في مجلس الأمن بشأن الحرب التي تنتوي واشنطن شنها ضد العراق، تؤكد الإدارة الأميركية أنها عازمة على المضي فيما وطَّنت نفسها عليه، لا يصدها عن ذلك اعتراض المعترضين ولا عزم الرافضين على استعمال الفيتو، وتجادل واشنطن ولندن أن في قرار مجلس الأمن (1441) ما يغني عن الحاجة إلى قرار جديد، فذلك القرار وفق الرؤية الأميركية جاء بعد سلسلة من القرارات التي صدرت عن المجلس، وهي جميعها –يقول الأميركيون- قد قوبلت من العراقيين بالمراوغة والخداع، بما يكشف عن سلوك عراقي أصيل في تجاهل ما تسميه واشنطن الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، لكن الرغبة الأميركية الملحة في الذهاب إلى الحرب وجدت نفسها بسبيل أن ترتد عليها أهم أسلحتها، وهما مفهوما الشرعية الدولية والمجتمع الدولي كليهما. فالولايات المتحدة الأميركية وعبر حشودها العسكرية التي جمعتها في المنطقة ظلت تجتهد في إقناع العالم بأن حربها ضد العراق إنما هي حرب المجتمع الدولي لإمضاء إرادته وهي لذلك حرب عادلة ومطلوبة لسلام العالم وأمنه، لكن الحملة المناهضة للحرب توشك أن تجرِّد واشنطن من ذرائع الشرعية وتحرمها من الوقوف على بساطها، فالإصرار الأميركي يُواجه اليوم برفض دولي لا يتهم واشنطن فقط في صواب حججها، وإنما يقول صراحة بأن شنها الحرب ضد العراق خارج مظلة الأمم المتحدة سيمثل خرقاً لميثاق المنظمة وللقانون الدولي، وإذا كانت واشنطن تبدو قليلة الاكتراث أو هكذا تتظاهر بما ستفضي إليه مواقف الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن، فإن حليفتها بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء (توني بلير) قد وجدت نفسها تحت ضغط البرلمان في موقف من يريد تربيع الدائرة، فبلير الذي تنوشه السهام من كل جانب أصبح مضطراً إلى قبول أصول اللعبة الدولية، وذلك بمطالبته بقرارٍ ثانٍ من مجلس الأمن، خطة تنقذ بلير من خطورة الاندفاع وراء بوش وتسوِّق جواز شن الحرب إلى منتقديه، ومن جهة أخرى تبقي على العلاقة الاستراتيجية بين لندن وواشنطن، ومع هذه الاستماتة البريطانية في تجميل الوجه الأميركي بمشروع قرارٍ تعجيزي من نقاطٍ ست فإن بريطانيا لم تسلم من سلاطة لسان وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامسفيلد) الذي قال: إن بلاده تستطيع أن تذهب إلى الحرب دون حاجة لمشاركة بريطانيا إذا لم يستطع بلير إقناع برلمان بلاده بمشروعية الحرب، ويذهب مختصون في القانون الدولي أن شن الولايات المتحدة حرباً ضد العراق من غير تفويض من مجلس الأمن، ستترتب عليه نتائج خطيرة في حقل القانون، ومن ذلك أن العمل العسكري سيشكل خرقاً للمادة الأولى من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، التي تؤكد على أن تحقيق السلام وصونه هو أهم ما انتدبت المنظمة نفسها للقيام به وأن منع اندلاع الحروب مقدم على الأمر بشنها.

كذلك يمثل العمل العسكري خرقاً للمادة الثانية، الفقرة الرابعة من الميثاق التي تحظر على الدول استعمال القوة العسكرية بما يهدد سلامة أراضي أي دولة عضو أو ينال من استقلالها السياسي، وواشنطن تُحرِّض على الفعلين معاً في شأن العراق.

ويشكِّل العمل العسكري الأميركي المنفرد خرقاً للمادة الحادية والخمسين التي تكفل حق الدفاع عن النفس في حال وقوع اعتداء، ومعلوم أنه لم يقع بعد اعتداء عراقي على أميركا، وليس هناك ما يشير إلى أن ثمة اعتداء وشيك، وحتى مع التسليم بأن واشنطن تتحرك عسكرياً بحيثيات هجمات سبتمبر، فإن الدليل لم يتأسس بعد على وجود علاقة للعراق بتلك الهجمات.

أما سياسياً، فإن اختلال التوازن الدولي سيكون صاعقاً بما يرتب على المناهضين للحرب مهام أقل ما توصف به أنها يجب أن تكون ملحمية لحماية أنفسهم أولاً، ولإعادة التوازن للعالم ثانياً.

محمد كريشان: ومازلنا معكم في برنامج (قضية الساعة) الذي يخصص كالعادة بالكامل لتطورات الملف العراقي.

[فاصل إعلاني]

محمد كريشان: معنا الآن من واشنطن الدكتور (نايل غاردينر) المتخصص في العلاقات الأميركية –البريطانية ومستشار رئيسة الوزراء البريطانية السابقة (مارجريت تاتشر) في شؤون السياسة الخارجية والأستاذ الزائر في مؤسسة (هيريتدج فاونديشن). سيد غاردينر، هل يصح القول إن واشنطن الآن في ورطة؟

د.نايل غاردينر: لا أعتقد كذلك، بل أعتقد أن الولايات المتحدة وبريطانيا يعملان بجهد كبير خلال.. في هذه المرحلة للحصول على قرارٍ ثانٍ من مجلس الأمن وإن لم يأت هذا القرار من خلال مجلس الأمن، فإن لندن وواشنطن مستعدتان لتحضير تحالف للإطاحة بالنظام العراقي وإزالة الرئيس صدام حسين من السلطة ولا أعتقد أنها أزمة بالنسبة لواشنطن أو لندن، بل هي قد تكون أزمة بالنسبة للأمم المتحدة، فالرئيس بوش قد ألقى بالمسؤولية الآن في ساحة الأمم المتحدة، وبالتالي يجب عليهم الالتزام.. على العراق أن يلتزم بقرارات مجلس الأمن، وقد ثبت أن العراق قد انتهك 17 قراراً لمجلس الأمن، وهذا هو اختراق طبعاً لمصداقية وشرعية مجلس الأمن، والآن الوقت قد حان لإزالة السلاح العراقي والانتهاء من هذا الخطر.

محمد كريشان: لكن كيف يمكن الإشارة إلى أن يمكن أن تكون الأمم المتحدة هي التي في ورطة، الأمور تبدو وكأن القرار (1441) صيغ حتى يرفضه العراق والآن هناك ورطة لأنه يطبقه بحذافيره، كما يبدو، وبالتالي أصبح الإشكال في تعاطي واشنطن ولندن مع الموضوع.

د.نايل غاردينر: كلا.. لا أعتقد ذلك بل أعتقد أن العراق لا يلتزم بالقرار (1441) فهم لا يتعاونون بشكل كامل مع فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة وهم لا يسمحون ببساطة تنفيذ صلاحيات مجلس الأمن، وبالتالي على صدام حسين أن يلتزم وإلا فإنه سيُطاح به من السلطة خلال الشهر القادم.

محمد كريشان: نعم، نرجو أن تبقى معنا سيد غاردينر، ننتقل الآن إلى نيويورك، ومعنا من هناك الدكتور فواز جرجس (أحد المعلقين في قناة ABC الأميركية وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة سارا لورانس في نيويورك) دكتور جرجس، في حديث أخير لريتشارد بيرل (مستشار.. مستشار وزير الدفاع الأميركي) في مجلة "المشاهد السياسي" يعبر بصراحة عن أن المشكل بالنسبة للولايات المتحدة، هي أنها ركزت على أسلحة الدمار الشامل، في حين أنها لا تهدف –في الحقيقة- إلا إلى إزاحة الرئيس صدام حسين، وبالتالي فإن إعطاء الأولوية لهذا الموضوع هو الذي أربك واشنطن الآن، لأن الكل يسعى معها في نفس السياق في حين أن هي –في الحقيقة- تبحث في سياق آخر.

د.فواز جرجس: هذه الحقيقة في الواقع (ريتشارد بيرل) يقول الحقيقة، والحقيقة أن الولايات المتحدة الآن في ورطة كبيرة، لأنه السياسة الأميركية.. الاستراتيجية الأميركية اتضحت كلياً الآن، المسألة ليست مسألة تفتيش، المسألة ليست مسألة أسلحة العراق، المسألة ليست مسألة إذا كان العراق يتعاون أو لا يتعاون مع مفتشي أسلحة الأمم المتحدة، كما نعلم (هانز بليكس) قال في.. بوضوح: أنه العراق يتعاون الآن.. يتعاون الآن إلى درجة كبيرة، طبعاً هناك يعني خطوات أخرى على العراق أن يقوم.. أن يقوم بها، ولكن العراق يتعاون مع مفتشي أسلحة الأمم المتحدة، ولكن نخبة الصقور في الإدارة الأميركية يبدو أنها اتخذت قرار الحرب، واستراتيجية .. استراتيجيتها اتضحت، ومن ثم الحقيقة السؤال الكبير على الطاولة كما وضعته هو التالي: مما لا شك فيه إنه إذا دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحرب دون غطاء دولي كما يبدو الآن.. كما يبدو الآن، لأنه الحقيقة الدبلوماسية ما تزال مستمرة، يعني هذا القرار أو هذه الحرب ستترتب عليها عواقب وخيمة، ليس فقط على المصالح الأميركية في العالم، وخاصة في المنطقة العربية الإسلامية، ولكن أيضاً على مؤسسات النظام العالمي وخاصة مجلس الأمن والأمم المتحدة يبدو.. يبدو أن مجلس الأمن سوف يكون الضحية الأولى لهذه الحرب حيث أنها ستُشل قدرته على التعامل والتعاطي بفاعلية مع الأزمات العديدة في النظام العالمي، ها هي الولايات المتحدة.. الولايات المتحدة القوة العظمى في النظام الدولي تتخذ قرارات مصيرية غير عابئة بالرأي العام الدولي، ويعني بتأثير هذا القرار على مجرى العلاقات الدولية، ها هي الولايات المتحدة القوة العظمى، يعني لا تحترم قواعد اللعبة في العلاقات الدولية وتتصرف أُحادياً، غير عابئة بالتأثيرات هذا التصرف الأُحادي على قواعد اللعبة في النظام الدولي والعلاقات الدولية إذا كانت الولايات المتحدة يا خيي.. إذا كانت الولايات المتحدة القوة العظمى في النظام الدولي لا تحترم قواعد اللعبة في العلاقات الدولية كيف نتوقع من دولاً أخرى ككوريا الشمالية وغيرها أن تحترم قرارات مجلس الأمن وقواعد اللعبة في النظام الدولي؟ طبعاً..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم هو.. يعني عفواً..

د.فواز جرجس [مستأنفاً]: نعم.. نقطة..

محمد كريشان [مقاطعاً]: عفواً دكتور يعني تأكيداً لكلامك هذا في.. في مقال أخير لـ (ريتشارد ميرفي) وهو مساعد وزير الخارجية الأسبق، يقول: كيف ستنظر إلينا إيران وكوريا إذا لم نتعامل مع بغداد بحزم؟ وهنا أريد أن أعود إلى واشنطن والدكتور غاردينر، الدكتور جرجس من نيويورك لا يتفق معك ويعتبر أن واشنطن في ورطة، وأنت تنفي هذا، بعض التحاليل الآن تقول أن المورَّطون حقيقة هم العقائديون داخل الإدارة الأميركية، وكذلك البراجماتيون، ما رأيك في هذا التحليل؟

د.نايل غاردينر: أعتقد أن الولايات المتحدة ستقوم بما هو صحيح في هذه المسألة وهو نزع السلاح العراقي من.. باستخدام القوة، وتحرير الشعب العراقي، هذا ليس فقط الالتزام بقوانين اللعبة، بل هو القيام بما هو صحيح، والضغط على العراق لتنفيذ 17 قرار لمجلس الأمن، وبالتالي التخلص من نظام ديكتاتوري واستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه وضد دول مجاورة له، نحن نتحدث عن تحرير الشعب العراقي من هذا النظام الظالم وبالتأكيد هذا هو الأسلوب الصحيح.

محمد كريشان: يعني إذا كان الهدف هو تحرير الشعب العراقي كما تقول، ربما هذا يؤكد أيضاً ما قاله بيرل من أن حتى القانون الدولي عليه أن يتكيف مع هذه السياسة الأميركية ويصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ليس مخالفاً للقانون الدولي، برأيك لو.. لو ذهبت الولايات المتحدة منفردة في عمل عسكري ضد العراق، هل يمكن أن تخرج سالمة من مثل هذه المجازفة؟

د.نايل غاردينر: لا أعتقد أنني بوسعي أن أوصفه أنه قرار أحادي، بل هو ليس تصرف أحادي الجانب من الولايات المتحدة، بل الولايات المتحدة وبريطانيا سيقودان تحالفاً كبيراً من حوالي 18 دولة أوروبية، الفرنسيين والألمان يمثلون أقلية في الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي سيريد التعامل مع المسألة العراقية، فالولايات المتحدة وبريطانيا يتعاملون مع تحالف كبير، فهو ليس إجراء أحادي الجانب.

محمد كريشان: ولكن أيضاً إذا ما ذهبت واشنطن إلى هذه الحرب منفردة، أو مع بريطانيا ودون غطاء دولي، ألا توجد تبعات لمثل هذا القرار على الصعيد.. مصداقية تعاطي الولايات المتحدة مع القانون الدولي والشرعية الدولية، وكذلك تبعات حتى مالية، لأن لا أحد سيقف معها في أي جهد يتعلق بالإغاثة أو أي جهد يتعلق بإعادة الإعمار؟

د.نايل غاردينر: إن المسألة الأساسية التي أؤكد عليها هي أن الولايات المتحدة لديها عدد كبير من الدول التي تدعمها وتقف وراءها ويؤيدون الموقف .. موقف واشنطن باستخدام القوة إذا ما دعت الحاجة، لكن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى موافقة من الأمم المتحدة لهذا القرار، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا ذهبوا إلى الأمم المتحدة وقطع هذا الميل الإضافي أو الخطوة الإضافية للحصول على موافقة الأمم المتحدة، وتنفيذ هذا الإجراء ضد النظام الظالم والقادر على الإيذاء بشعبه، فهنالك شخص واحد يقرر السياسة الخارجية البريطانية وهو السيد بلير، وواشنطن يقررها السيد بوش، وبالتالي هناك (كوفي عنان) مسؤول عن الأمم المتحدة.

محمد كريشان: نعم. انسجاماً مع هذا التحليل هل يمكن القول بأن لندن هي التي أربكت حسابات واشنطن عندما أجبرتها –بين قوسين- على المرور عبر مجلس الأمن؟

د.نايل غاردينر: أعتقد أننا بشكل واضح أننا نسلك هذا المسار من خلال الأمم المتحدة، فالسيد بلير يقع الآن في وضع صعب بالنسبة.. في البرلمان البريطاني أمام حزب العمل والسيد بلير أيضاً يلتزم بالقرار العسكري، ونَشَر قوات عسكرية بريطانية في الخليج، وهنالك توقعات بأن بريطانيا ستنضم إلى القوات الأميركية في هذا الإطار، لا يوجد أي اختلاف بين موقف واشنطن ولندن في هذه المرحلة.

محمد كريشان: شكراً جزيلاً للدكتور نايل غاردينر من واشنطن.

بعد موجز الأخبار: نقاط القوة ومكامن الضعف لدى المعسكر المناهض للحرب.

[موجز الأخبار]


نقاط القوة ومكامن الضعف لدى المعسكر المناهض للحرب

محمد كريشان: وقد يمثل اعتراف لندن بضآلة حظوظ معسكر الحرب في استصدار قرار يجيز استخدام القوة ضد بغداد هدفاً قوياً يُسجل للمحور المعارض رغم أن عملية الكر والفر ما تزال مستمرة بعد الإعلان عن احتمال تمديد فترة المفاوضات حتى الأسبوع المقبل، في المقابل هناك مؤشرات على أن إطالة أمد المفاوضات قد تمكن واشنطن من كسب الأصوات التي تبحث عنها لإنجاح القرار، فما هي إذن حظوظ المعسكر المناهض للحرب؟ وما هي نقاط قوته وضعفه في هذا الصراع الدبلوماسي الفريد من نوعه؟ محاولةٌ للإجابة في هذا التقرير الذي أعده محمد فال.

تقرير/ محمد فال: أرضية صلبة تعتقد الدول المعارضة للحرب أنها تقف عليها نتيجة افتقار المبررات المقنعة لغزو العراق، وحتى لو ثبت امتلاك بغداد لأسلحة الدمار الشامل، فإن الحرب في نظر هؤلاء ليست السبيل الأمثل خاصة وأن (هانز بليكس) أشاد بما أبدته بغداد من تعاون متزايد، وكبديل للحرب اقترحت فرنسا وألمانيا تعزيز عمليات التفتيش بزيادة عدد وعدة المفتشين وتقوية سلطتهم بآلاف الجنود التابعين للأمم المتحدة، غير أن تلك المقترحات اصطدمت بالرفض الأميركي، فهل تستطيع باريس وبرلين وموسكو وبكين أن تقول (لا) حقيقية ونهائية لواشنطن لا يشك المحللون في أن هذه الدول تمتلك -لو اتحدت- قدرات استراتيجية بإمكانها جعل الولايات المتحدة تحسب لتحركاتها الأحادية أكثر من حساب، فهي كلها دول صناعية كبرى تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية التي قد توازي -إن لم تفق- القوة الأميركية، كما أن ثلاثة منها تتمتع بعضوية دائمة وبحق النقض في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن وزنها الإقليمي من قبل النفوذ الآسيوي لروسيا والإفريقي الفرنكفوني لفرنسا، ولعل أهم ورقة لدى هذه الدول، هي نصرة الرأي العام العالمي ممثلاً في الملايين التي تظاهرت والدول والمنظمات الإقليمية التي عارضت الحرب.

غير أن نقاط الضعف ومسببات الوهن لدى هذه الدول لا تقل أهمية عن نقاط القوة الآنفة الذكر، فروسيا التي تقاربت كثيراً مع الولايات المتحدة، وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تخشى على مستقبل شراكتها الاقتصادية، خاصة في مجال البترول والغاز، وتعاونها الأمني ضد الإرهاب، وانعكاسات تدهور ذلك التعاون على نظرة واشنطن للملف الشيشاني.

كما تخشى الصين على وضعها كشريك تجاري مفضَّل، ومن إثارة سجلها في مجال حقوق الإنسان فضلاً عن قضية تايوان التي تبقى حجر الزاوية في الحسابات الصينية.

أما ألمانيا التي لم تتخلص بعد من إرث الحرب العالمية الثانية، فلا تزال تعيش تحت المظلة النووية والعسكرية الأميركية رغم ازدهارها الاقتصادي الاستثنائي.

وأما فرنسا التي دعمت الثورة الأميركية وترتبط مع الولايات المتحدة بمواثيق اقتصادية وسياسية فتخشى من انهيار علاقة تاريخية تزيد عن مائتي عام، كما تخشى أن يبرز للعلن صراع مصالح وثقافات كان قد بدأ يضعها في مواجهة الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، إذ أن ذلك من شأنه وضعها في دور القطب المقابل، كما كان الاتحاد السوفيتي سابقاً وهو موقع ربما لا تجد فرنسا نفسها مهيأة له في الوقت الراهن.

في ضوء هذه المعطيات يبقى السؤال الأهم: ماذا يمكن لهذه الدول فعله الآن سواء لمنع صدور قرار الحرب أو لمنع تنفيذه إذا صدر، أو للرد على الحرب إن وقعت خارج نطاق مجلس الأمن؟

بالنسبة لمنع القرار لا تبشِّر آخر المؤشرات بخير، فاقتراح مهلة 45 يوماً من قبل الدول الست المترددة يوحي بقرب انحنائها للضغط أميركي، وكانت المصادر الأميركية قد روَّجت أن أصوات أغلب تلك الدول ربما أصبحت مضمونة لصالح قرار الحرب، وهو ما يعني في حال تحقق ذلك أن فرنسا وروسيا قد تُضطر إحداهما لاستخدام الفيتو، أما إذا لم يرَ القرار النور طبقاً للتشاؤم الذي عبرت عنه بريطانيا، ومضت واشنطن رغم ذلك للحرب، فليس لدى الدول المعارضة الكثير مما يمكنها فعله من الناحية الميدانية باستثناء عدم المشاركة في تلك الحرب، وتبقى التساؤلات حول آثار هذا التطور على شكل العلاقات الدولية، فهل ستنهار الأمم المتحدة، أم تجتمع –كما لوَّحت روسيا- ربما لمعاقبة واشنطن؟ وماذا يا ترى سيكون شكل ذلك العقاب؟

محمد كريشان: ونرحب بانضمام دكتور غاري سيمسون (أستاذ العلاقات، القانون الدولي من لندن)، ونعود مرة أخرى للدكتور فواز جرجس (أحد المعلقين في قناة ABC الأميركية) سيد جرجس، أحد المعلقين كتب حول هذه الدول التي كنا نتابع في التقرير، والتي تقف ضد واشنطن تحدث عنها فقال: تفضل هذه الدول الذهاب إلى حرب باردة مع أميركا على الذهاب إلى حرب فعلية مع بغداد، برأيك لماذا؟

د.فواز جرجس: في الواقع يعني هناك معارضة شديدة جداً من قبل معسكر السلام، خاصة الفرنسيين والروس والصينيين والألمان لأنهم الحقيقة يخافون جداً على تداعيات وتفاعلات الحرب القادمة ضد العراق على الاستقرار الإقليمي على دورهم في النظام الدولي، على تأثير الحرب الأميركية على يعني مسألة الإرهاب، هناك تساؤلات يعني جدية يحاول معسكر السلام –الحقيقة- التعاطي والتعامل معها، ولكن الحقيقة نحن بحاجة إلى التمييز بين نقطتين مهمتين.

النقطة الأولى: هي يعني التمييز ما بين قدرة معسكر السلام على منع الحرب أو قدرة معسكر السلام على تأخير الحرب، في الواقع لا يملك معسكر السلام القدرة على منع الحرب، لأنه يبدو أن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً بالإطاحة بالحكومة العراقية بغض النظر عن موقف الدول الأخرى، يعني نخبة الصقور في الإدارة الأميركية تهيمن الآن هيمنة كاملة على يعني عملية اتخاذ القرار، وهي مستعدة للذهاب إلى أقصى الحدود للإطاحة بالحكومة العراقية بغض النظر.. بغض النظر عن معارضة الرأي العام الدولي وعن موقف مجلس الأمن من هذا، ومن ثُمَّ.. ومن ثُمَّ الحقيقة يعني لا يملك معسكر السلام القدرة على منع الحرب، ولكنه يملك القدرة على delaying tactics يعني يؤخِّر.. يؤخِّر القرار.. القرار شن الهجوم، ومن ثم هذا ما حصل حتى الآن، يلعب معسكر السلام دور تأخير الحرب (delaying tactics) وليس له القدرة على منع الحرب، لأن الإدارة الأميركية مصمِّمة على الإطاحة بالحكومة العراقية والذهاب إلى أقصى الحدود بغض النظر عن موقف النظام الدولي أو مجلس الأمن من ذلك..

محمد كريشان: نعم، على كل فيما يتعلق بالدول المعارضة هناك أيضاً معسكر معارض لهذه الحرب حتى داخل الدول المتحمسة، بريطانيا على سبيل المثال، وهنا نعود إلى لندن دكتور غاري سيمسون هو أستاذ قانون دولي من.. في مدرسة لندن للاقتصاد، وهو أيضاً واحد من رجال القانون الـ16 الذين وقعوا على رسالة احتجاج إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يحذِّرونه فيها من خوض حرب دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، وهنا أيضاً للسادة المشاهدين هذه الرسالة.. هذه الرسالة التي وقَّعها 16 أستاذاً يقولون لبلير: بأن الحرب والميثاق.. ميثاق الأمم المتحدة يجيز القوة فقط في حالتين: انتهاك السلام، وعمل عدواني، وهذا غير وارد في الحالة العراقية نسأل السيد سيمسون، هل هذا النوع من الرسائل، والذي بيَّنتم فيه بأن الحرب خارج القانون الدولي حتى ولو تمت بموافقة من مجلس الأمن، هل يمكن أن يؤثر هذا الخطاب القانوني في أصحاب القرار؟

د. غاري سيمسون: أعتقد أنه من المهم جداً أن ندرك أنه في حال تخويل هذه الحرب من مجلس الأمن، فقد تصبح حرباً قانونية، لكن هذا الكتاب الذي أرسلناه وهذه الرسالة هي أن نوضح القانون الدولي وموقف القانون الدولي، فرئيس الوزراء البريطاني قد وضَّح تماماً أن هذه الأزمة ستتصرف بريطانيا من خلال القانون الدولي والشرعية الدولية، وبالتالي وضحنا له هذه.. هذه القوانين الدولية، وأن استخدام القوة يمكن أن يسمح له فقط إذا كان هنالك هجوم عسكري حقيقي من العراق ضد الولايات المتحدة أو بريطانيا، وهذه مسألة مشكوك فيها حتى الآن، فالعراق لا يُشكِّل هذا الخطر المباشر وفقاً للقانون الدولي.

أما الوضع الثاني الذي يخوِّل فيه استخدام القوة وهو أن يخوِّل مجلس الأمن استخدام هذه القوة، ما وضحناه ما حاولنا أن نقوله في هذه الرسالة أنه القانون الدولي يجب.. واضح جداً، وأن قرار مجلس الأمن 1441 دون شك وبدون أي مساءلة يؤكد أن مسألة العراق هي من خلال مجلس الأمن، وأننا بحاجة إلى قانون.. قرار جديد، وهذا القرار يجب أن يوافق عليه أغلبية أعضاء مجلس الأمن، وأيضاً وموافقة الدول الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، توني بلير قال أن التصويت السلبي قد.. وعدم وجود أو وجود قرار فيتو غير مبَّرر، أعتقد أن الفيتو غير المبرَّر لم يُطرح، ولم يكن ذو وضع مطروح في مجلس الأمن..

محمد كريشان: في.. في رسالتكم أيضاً -سيد سيمسون- ذكرتم بأن التحرُّك الوقائي للدفاع عن النفس ليس له أساس في القانون الدولي، وهو ما ينسف نظرية الحرب الوقائية التي ترددها دائماً واشنطن، هل من توضيح أكثر لهذا الموضوع؟

د.غاري سيمسون: نعم، منذ عام 1945 تم توضيح أن الدفاع عن النفس ممكن أن يكون مبرر إذا كانت الدولة عرضة لمهاجمة دولة أخرى، لكن هذه مسألة مطروحة للنقاش، وهي جدلية، لكن إذا كان هنالك خطر مباشر من.. من هجوم مسلَّح مباشر، أود أن أؤكد على كلمة مباشر ووشيك، خطر وشيك يبدو أن الولايات المتحدة تركز على هذه المسألة، وهي الإجراءات الوقائية تخوُّفاً وتحرزاً من هجمات مستقبلية واستخدام القوة للحيلولة دون هذه المخاطر المستقبلية، أعتقد أن هذا ليس له أساس قوي في القانون الدولي، ولكنه في مرحلة ما في المستقبل قد يكون أقوى من ذلك، وقد يكون بدعم المجتمع الدولي إذا كان فعلاً سيحظى بهذا الدعم.

وأود أن أوضح أيضاً النقطة الثانية وهي الدفاع عن النفس الاحترازي هي مسألة خطرة جداً، فإذا كان هذا الأمر قد استخدم من خلال.. في الهند وباكستان سيؤدي إلى تأزُّم في المسائل في تلك المنطقة، أعتقد أن هذا الأسلوب إذا كان تطبيقه بشكل موسع في العالم سيؤدي إلى خلخلة الاستقرار العالمي والنظام العالمي برمته، أعتقد أن هذه المسألة يجب أن نفكر فيها في تعميمها وتتميمها على كل دول العالم.

محمد كريشان: سيد سيمسون، نرجو أن تبقى معنا، نعود للدكتور فواز جرجس في.. في نيويورك، دكتور، الآن زهاء 300 ألف جندي في المنطقة و6 حاملات طائرات، و600 طائرة، والكل يُجمع بأن لا مجال وقد أصبحت الحالة على ما هي عليه، أن يُلغى قرار الحرب، من ضمن الأشياء التي تُذكر باستمرار بأن مصداقية الولايات المتحدة في الميزان، والبعض من الموالين للسياسة الأميركية، وأحياناً حتى من بين العرب دكتور فؤاد عجبي (الأستاذ بجامعة جونس هوبكنز)، يقول: بأن مخاطر الحرب وكل مآسيها لا تساوي شيئاً أمام تراجع الولايات المتحدة، هل الأمر بهذا الصورة.. بهذه الصورة الدرامية؟

د.فواز جرجس: في الواقع الحقيقة إنه الولايات المتحدة في ورطة، لأن نخبة الصقور نجحت إلى حد كبير في وضع يعني الإدارة الأميركية وخاصة الرئيس الأميركي في Box.. في صندوق يعني لا.. لا يستطيع الهروب إلى الوراء لعدة أسباب:

السبب الأول: كما قلت هناك حوالي 225 ألف جندي أميركي حتى الآن في الخليج، والضغط على الرئيس الأميركي من قبل المؤسسة العسكرية ضغط رهيب لاتخاذ القرار، لأن -كما تعلم- لا يستطيع 250.. 225 ألف جندي أو ثلاث.. 300 ألف جندي الانتظار عدة شهور بالنسبة للتكاليف والطقس وإلى غير ذلك.

النقطة الثانية والأهم الحقيقة: ليس فقط سمعة ومصداقية الولايات المتحدة على المحك الآن، الرئيس الأميركي (دبليو بوش) استخدم رصيداً سياسياً هائلاً في مسألة العراق، يعني هذه أصبحت المسألة الأهم في نظر الرأي العام الأميركي، حتى أكثر من الاقتصاد، يعني استخدامه لرصيده السياسي هو بحاجة إلى الحقيقة استخدام يعني لصرف هذا الرصيد السياسي، لأن ذلك لأن مصيره السياسي هو على المحك، وليست فقط مصداقية الولايات المتحدة، ومن ثُمَّ.. ومن ثُمَّ الحقيقة أعتقد أنه الحرب أصبحت يعني قادمة لا محالة، لأن ليس فقط مصداقية الولايات المتحدة على المحك بأن هناك 300 ألف جندي أميركي، ولكن مستقبل الرئيس الأميركي ذاته أصبح على المحك، لأنه استخدم رصيداً سياسياً هائلاً، ومن ثم هو بحاجة إلى صرف هذا الرصيد السياسي من أجل البقاء في السلطة في السنوات الستة أو السبعة القادمة.

محمد كريشان: إذن في هذه الحالة لجوء الدول الرافضة إلى الفيتو كما تُلوِّح باستمرار لن يغيِّر شيئاً من هذا الجموح؟

د.فواز جرجس: الحقيقة هذا ليس كلامي، الرئيس الأميركي ونخبة الصقور تكلموا بكل صراحة أنهم ذاهبون إلى الحرب.. بقرار من مجلس الأمن أو بدون قرار، الرئيس الأميركي كما تعلم تكلم الأسبوع.. تحدث الأسبوع الماضي، وقال: نحن لسنا بحاجة إلى أي تفويض من مجلس الأمن لحماية مصالحنا، طبعاً الرئيس الأميركي والإدارة الأميركية لم تقنع الرأي العام الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن العراق يشكِّل خطراً استراتيجياً ومباشراً على الاستقرار الدولي، ومن ثم الحقيقة يعني هذه الحرب يجب أن تفهم من خلال النظرية الاستراتيجية الجديدة في واشنطن، نظرية الحرب الاستباقية، ومن ثم العراق يشكل مسرحاً أوَّلياً لاستخدام أو لتطبيق هذه النظرية.

مسألة التفتيش الحقيقة مسألة.. التفتيش على الأسلحة مسألة مهمة، ولكنها ليست المسألة الرئيسية الجوهرية، الإدارة الأميركية تريد الإطاحة بالحكومة العراقية، ومن ثم إرسال عدة رسائل إلى الحلفاء والأعداء في نفس الوقت، الولايات المتحدة تملك القوة العسكرية والتكنولوجية، ومن ثم ستحاول يعني.. يعني إرسال الرسائل، مستعدون لاستخدام هذه القوة، واستخدامها بطريقة استباقية وقائية بغض النظر عن قواعد اللعبة في النظام الدولي، وهذا هو الخطر، يعني على المدى القصير طبعاً الولايات المتحدة ستحقق بعض أهدافها على المدى القصير، يعني بالهجوم على العراق بدون تفويض دولي، على المدى الطويل الكل سيخسر، النظام الدولي سيصبح أقل استقراراً وتعم فيه الفوضى، والولايات المتحدة ستكون من الخاسرين الرئيسيين، لأنها القوة الرئيسية في النظام الدولي، وهي.. وهي أكثر من غيرها من القوى العظمى بحاجة إلى استخدام الآليات وقواعد النظام الدولي، بما فيها مجلس الأمن لحماية مصالحها في النظام الدولي.

محمد كريشان: نعم، شكراً لك دكتور فوَّاز جرجس (أحد المعلقين في قناة الـABC الأميركية، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة سارا لورانس في نيويورك). دكتور جرجس إذن لم يتفاءل كثيراً فيما يتعلق بالفيتو وقدرته على إيقاف ما يجري، والحقيقة فقد استُخدم حق الفيتو بإسراف في مجلس الأمن لحماية مصالح الدول دائمة العضوية، وبلغ متوسط استخدامه نحو أربع مرات في العام، ومع ذلك اندلعت العديد من الحروب، وبقيت أزمات مزمنة تعود إلى تاريخ تأسيس المنظمة نفسها دونما حل.

حازم غراب يعرفنا في هذا التقرير الذي يقرأه تيسير علوني يعرفنا على حق النقض (الفيتو) والدول المخوَّلة باستعماله.

تقرير/حازم غراب – قراءة/تيسير علوني: ما يمكن لدبلوماسية الدولة أن تحققه يتوقف على المدى الذي تصل إليه مدافع جيشها، مقولة قديمة جسدتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، عندما خصَّت نفسها دون غيرها من دول العالم بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، وبالتالي استعمال حق النقض (الفيتو) في هذا المجلس، باعتباره الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة، وتشير الإحصائيات إلى أن الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس استخدموا حق الفيتو في 251 مناسبة منذ نشأة الأمم المتحدة، فقد استخدمه الاتحاد السوفيتي السابق 118 مرة، وورثته روسيا الاتحادية مرتين، والولايات المتحدة 76 مرة، وبريطانيا 32 مرة، وفرنسا 18 مرة، والصين 4 مرات بعدما حلت محل تايوان عام 72.

ولا يعكس استعراض القضايا التي استخدم فيها هؤلاء الأعضاء الفيتو تحريهم مبادئ العدالة والمساواة في العلاقات الدولية بقدر ما يعكس حرصهم على مصالحهم، وهو ما أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن البت بشكل حاسم في العديد من القضايا الدولية الكبرى، وأبرزها القضية الفلسطينية والأزمة الكورية، وأزمة السويس وحرب فيتنام.

واستخدم الفيتو لأول مرة بمجلس الأمن في السادس عشر من فبراير/شباط عام 46 بواسطة الاتحاد السوفيتي للتصويت على مشروع قرار يدعو فرنسا لسحب قواتها من سوريا ولبنان والقوات البريطانية من فلسطين، أما أحدث فيتو فاستخدمته واشنطن في ديسمبر الماضي ضد قرار ينتقد إسرائيل لقتلها عدداً من موظفي الأمم المتحدة، وتدمير أحد مخازنها الغذائية في الضفة الغربية، وكانت تلك هي المرة الـ35 التي استخدمت فيها واشنطن الفيتو لصالح إسرائيل، وتعتقد كثير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن إصلاح المنظمة الدولية لا يمكن أن يحدث دون إصلاح مجلس الأمن، وذلك بإعادة هيكلته وتنظيم استخدام حق النقض (الفيتو) أو إلغائه، ويستند دعاة هذا الإصلاح على تغيُّر الظروف المصاحبة لنشأة المنظمة عقب الحرب العالمية الثانية، والتي أتاحت للدول الخمس الكبرى –آنذاك- هذا الحق.

محمد كريشان: نعود إلى الدكتور غاري سيمسون (أستاذ القانون الدولي في لندن). دكتور، في الرسالة التي وجهتموها إلى توني بلير، تقولون، وهنا أنا أقتبس: "حرب تجد تبريرها بالقانون ليست بالضرورة عادلة أو إنسانية"، إذن في هذه الحالة كيف تكون الصورة إذا كانت أصلاً غير قانونية بدون تفويض من مجلس الأمن؟

د. غاري سيمسون: لا أستمع.. لا أستطيع أن أسمعكم بشكل واضح، لكنني سأتحدث الآن بالنسبة لاستخدام القانون، وحتى في المسألة هذه والقانون الذي يخوِّل استخدام هذه المسائل في الحروب إذا كانت إنسانية أو لتحقيق العدل، لكن النقطة التي أردنا تأكيدها في هذه الرسالة أن هذه المسائل يمكن أن تُطرح أو تبرز حتى وإن كان مجلس الأمن قد أصدر قراراً يخوِّل بشن هذه الحرب، إن القانونيين يصدرون قرارات على مستويات مختلفة، لكننا بحاجة إلى قرارات أخرى من أطراف مختلفة ومن علماء وأشخاص مهتمين بالقانون الإنساني، وبالتالي هذه المسائل متعلِّقة بجوانب عدة.

محمد كريشان: نعم، دكتور غاري سيمسون (أستاذ القانون الدولي في مدرسة لندن للاقتصاد)، شكراً جزيلاً على هذه المشاركة.

بعد الفاصل: ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية، وشكل التحالفات الجديدة في فترة ما بعد الحرب على العراق.

[فاصل إعلاني]


ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية بعد الحرب على العراق

محمد كريشان: الحرب المحتملة على العراق، ربما لا تكون مجرد عمليات عسكرية لتغيير نظام الحكم في بغداد، بل قد تكون مقدمة لتغييرات جيوسياسية في المنطقة والعالم، إما.. أما قائمة الضحايا فقد تمتد لتشمل الأمم المتحدة، وعلاقات القوة بين ما اصطلُح على تسميته لأكثر من نصف قرن بالخمسة الكبار، العالم إذن على شفا تغيير كبير وأمام خارطة جديدة لعالم جديد.

زياد بركات في التقرير التالي يستعرض تداعيات أي حرب محتملة دون تفويض دولي على العلاقات الدولية.

تقرير/زياد بركات: اليوم التالي للعراق لن يكون عراقياً وحسب، بل دولياً في الدرجة الأولى، ويرى البعض في هذا السياق أن أي حرب أميركية دون قرار دولي من شأنها تغيير خارطة التحالفات والتوازنات في العالم كله، وليس تغيير النظام العراقي وحسب، وأن الأمم المتحدة نفسها ستكون من أوائل ضحايا الحرب المحتملة، ولم يُخفِ الرئيس الأميركي ذلك، عندما قال في الثالث من أكتوبر الماضي أنه إذا لم تستطع الأمم المتحدة فعل شيء لنزع أسلحة العراق، فإن الولايات المتحدة ستتولى ذلك، وقبل ذلك رمت الولايات المتحدة بثقلها خلف توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليستعير كل الوظائف والمهام الأساسية للأمم المتحدة، ووصف (هنري كيسنجر) ذلك بالقول أن الناتو لا يتوسع قدر ما تتغير هويته ليصبح أقرب إلى الأمم المتحدة منه إلى التحالف العسكري، ويأتي المسعى الأميركي لتهميش دور الأمم المتحدة أو حتى تفكيكها هذه المرة بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تنص على اعتبار النظام العالمي الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية غير ملزم للولايات المتحدة، والعمل على منع بروز أي قوة إقليمية قد تنافس واشنطن عالمياً، والأخذ بمبدأ الضربة الاستباقية، والوصول بالقوات العسكرية إلى مستوى خوض أكثر من حرب في وقت واحد.

إضافة إلى عدة مبادئ أخرى من بينها السيطرة على منابع النفط الخام وطرق إمداداته، ويمكن على ضوء ذلك فهم المعارضة الفرنسية والألمانية والروسية للولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، فالتفرد الأميركي يضع هذه الدول في دائرة الاستهداف بدرجة أو بأخرى، وتهميش الأمم المتحدة يفقد باريس وإلى حدودٍ ما موسكو وبكين أدوارها كدولٍ ذات تأثير في لعبة الأمم، خصوصاً أن حق النقض (الفيتو) يعتبر امتيازاً تتطلع إليه كثير من الدول، ويرى البعض أن الولايات المتحدة بعد حربها المحتملة على العراق قد تسعى لتوسيع عضوية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتغيير قواعد استخدام الفيتو لتهميش دور باريس على وجه الخصوص، ومؤشرات ذلك بدأت فعلاً، فالكثيرون في الولايات المتحدة أصبحوا ينادون بضم الهند إلى نادي الدول الدائمة العضوية، وفي حال حدوث ذلك فإن ما يمكن تسميته بمحور باريس برلين موسكو قد يلعب الدور نفسه الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في حقبة الحرب الباردة، وأن حرباً باردةً جديدة وشرسة ستبدأ بين واشنطن من جهة، وباريس وبرلين من جهةٍ أخرى، ويرى بعض المحللين أن مقدمات هذه الحرب بدأت فعلاً، فواشنطن في سعيها لتفكيك النفوذ الفرنسي والألماني في الاتحاد الأوروبي دفعت باتجاه انضمام أكبر عدد من دول شرق أوروبا إليه، الأمر الذي فعلته مع موسكو عندما أوصلت حلف الناتو إلى باحة روسيا الخلفية لعزلها وتطويقها، ويرى هؤلاء أن تفرد واشنطن أو روما المعاصرة بالقرار قد تنتج عنه فوضى في العلاقات الدولية، ربما تستمر عدة سنوات، وأن بعض الدول كالصين والهند قد تستثمر هذه الفوضى للبروز على المسرح الدولي كقوى عظمى جديدة، تماماً كما حدث قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية حينما برزت الولايات المتحدة كقوةٍ عظمى استأثرت فيما بعد بالقرار الدولي لما يزيد على نصف قرن.

محمد كريشان: ومعنا من بيروت الدكتور نواف سلام (أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية) دكتور سلام، ما يجري الآن من مناكفات -إن صح التعبير- في مجلس الأمن هل يمكن أن يكون بالنسبة لواشنطن حجة قوية لتعديل قواعد اللعبة في الأمم المتحدة؟

د.نواف سلام: هو بالحقيقة مبين وكأنه فرنسا وألمانيا وإلى حد كبير روسيا وكذلك الصين هي اللي عم بتحاول إذا مش تغير اللعبة، ولكن تعيد توازن إلى اللعبة الدولية اللي بعد أحداث 11 أيلول طغى عليها الجموح نحو الهيمنة والتفرد الأميركي، وتبدو من جديد وكأنه هذه لحظة استثنائية بالعلاقات الدولية كما كانت لحظة استثنائية بعد سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي بدا وكأنه العالم أصبح عالم أحادي القطب، فيه هنالك الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، متناسيين إنه لأ فيه قوى أخرى ما أنها.. ما أنها قوى عظمى، ولكن قوى لا تزال وازنة على الساحة العالمية طبعاً إلى جانب اللي ذكرنا هنالك اليابان، البروز الدور والحجم الاقتصادي للصين، ناهيكم كمان لظهور الهند على الأقل كقوة اقتصادية كبرى وواعدة، إنما.. إذن نحن في مرحلة فيه إعادة توازن فيها للوضع الدولي، ورسم لحدود يعني أي لاعب وحده خاصة اليوم الولايات المتحدة وها الجموح نحو الهيمنة ما هي ممكن أن تكون قادرة عليه وحدها وما هي غير قادرة عليه وحدها.

محمد كريشان: نعم. ينضم الآن.. الآن من باريس الدبلوماسي الفرنسي السابق، والكاتب الصحفي والمحلل السياسي (إريك رولو) سيد رولو، هل تشاطر سيد سلام بأن ما يجري الآن ربما يكون لحظة استثنائية لا تؤدي بالضرورة إلى إعادة صياغة العلاقات داخل الأمم المتحدة وقواعد اللعبة فيها؟

إريك رولو: الحقيقة حسب الظروف طبعاً، لأنه إحنا النهارده مش عارفين إذا كانت أميركا ستنجح أم لا في.. في العراق. الرأي السائد في فرنسا إنه أميركا أكيد ستفشل في العراق، و.. إذا ما كانش أثناء الحرب على كل حال بعد الحرب، يعني بعد بضعة أسابيع أو أشهر الشعب العراقي لن يتحمل أو لن يقبل الاحتلال الأميركي، فستبدأ الصعوبات للأميركان، في هذا الحين الأميركان سيكونوا محتاجين إلى التضامن الدولي بشكل أو.. من الأشكال، يعني أوروبا بالدرجة الأولى يعني هنا فيه بعض التفاؤل إنه الأميركان لن ينجحوا في هذه.. في هذه الحرب، يمكن مش مباشرة، لكن فيما بعد، وإن أوروبا هتكون.. هتكون يعني الأميركان هيحتاجوا لأوروبا في هذا الحين.

محمد كريشان: يعني إذن أنت تؤيد بعض التحليلات التي تقول بأن حتى وإن استغنت الآن الولايات المتحدة عن أوروبا فستحتاج إليها على الأقل لترطيب الأجواء بعد مرحلة الحرب.

إريك رولو: أكيد، يعني أنا في نظري الأميركان بيرتكبوا خطأ كبير إنه بيتصوَّروا إنه ممكن يخوضوا حرب بدون أي حلفاء، النهارده يعني ما عندهمش حلفاء أبداً، حتى تركيا مع إنها في ضغط من الجيش.. من القيادة العامة لتركيا إنه تقبل الجيش الأميركي، حتى اليوم ما خدوش الضوء الأخضر، إنجلترا نفسها في شك الليلة إنه الإنجليز يستطيعون أن يشتركوا في هذه الحرب، لأنه إذا ما.. إذا ما كانش.. إذا ما حصلوش في.. في مجلس الأمن أي قرار مستر بلير هيكون يعني مضطر إنه لا يشترك في الحرب، يعني بشكل عام الأميركان رايحين الحرب لوحديهم، وهذا شيء يعني غير طبيعي وغير عقلاني، طبعاً ممكن يكسبوا الحرب، يعني عملاق.. عملاق بيهاجم بلد صغير فقير، مالوش أسلحة ما علهش هينتصروا من.. في.. في الحرب، ولكن أنا يعني الرأي الشائع في فرنسا إنه.. الشائع في فرنسا إنه الصعوبات هتبدأ بسرعة جداً في العراق، والأميركان هيوعوا إنهم محتاجين للتضامن الدولي، محتاجين للأمم المتحدة، أنا مش قادر أتصور إن مستر بوش مثلاً ينسحب من مجلس.. من الأمم المتحدة، أو ما عندوش القدرة إنه يغير القوانين.. يغير تركيبة الأمم المتحدة.. وهي تركيبة مجلس الأمن، وفيه إحنا شايفين النهارده إنه فيه الرأي العام العالمي كله ضد أميركا، يعني أميركا كيف تستطيع أن تغير نظام الأمم المتحدة والعالم كله ضدها، فأنا شخصياً يعني ما.. ما عنديش تشاؤم كبير في هذا.. في هذا المجال.

محمد كريشا0ن: نعم. دكتور سلام في.. في بيروت مثلما أشار السيد إريك رولو إلى أن واشنطن تتصرف وكأنها ليست في حاجة إلى.. إلى أحد، بعض المعلقين أشاروا إلى أن واشنطن تحطم تحالفاتها القديمة ولا تنشئ تحالفات جديدة حتى لا يشاركها أحد، حتى بريطانيا بلغها الغمز واللمز، كيف.. كيف ترى الأمر سيد سلام؟

د.نواف سلام: طبعاً أولاً بأشاطر السفير رولو أنا إنه أميركا اليوم خاصة بعد الحرب، وطبعاً هون في فرض إذا هي ذهبت إلى الحرب ضد الأمم المتحدة، يعني إذا صدر قرار عن الأمم.. رحت عن تصويت الأمم المتحدة وما صدر قرار بأغلبية أو مارست إحدى أو أكثر من دولة كبرى حق الفيتو، ورغم من ذلك ذهبت أميركا إلى الحرب أو ذهبت أميركا متجاهلة الأمم المتحدة إلى الحرب، يبقى إنه لن تكون قادرة على تغيير يعني قواعد اللعبة في الأمم المتحدة، ولا.. خاصة قواعد اللعبة في مجلس الأمن، إنما يا اللي بادي اليوم –وبأحب إنه أكرر ها الشيء- الدول الأخرى هي التي تعمل على إعادة توازن للوضع السياسي في العالم والعلاقات الدولية بعد 11 أيلول إذا ما بنقول بعد انتهاء الحرب الباردة، أما من جهة.. من.. من جهة ثانية إذا.. فيه عدة أمور كمان عم.. عم بتصير، أنا بأعتقد داخل انعكاسات ها الحرب يعني كمان هيكون إلها دور داخل أوروبا يعني، أولاً على.. فيما بين يعني دول أوروبا نسميها المؤسسة للاتحاد الأوروبي أو بالشكل اللي توسعت عليه إلى يعني تاريخ القرار بضم الدول الجديدة، وعم بنشوف هون نوع من حركة ما نسميها تمرد، ولكن نوع من يعني ممانعة للقيادة الفرنسية الألمانية داخل أوروبا، تماماً كما هنالك نوع من ممانعة فرنسية ألمانية للأحادية الأميركية، و(لمرحلة) التفرد الأميركي. فيه طبعاً على.. انعكاسات أخرى..

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن عفواً.. عفواً.. عفواً.. عفواً سيد.. عفواً سيد سلام، هذا التفرد الذي تشير إليه .. بعض التحليلات تشير إلى أنه قد يكون إيجابياً بالنسبة للولايات المتحدة إذا ما خاضت الحرب وحسمتها بسرعة بالشكل الذي تريده، فكأنها ستتوجه لاحقاً إلى هذه الدول التي اعترضت وتقول لهم انظروا لقد حسمت الأمور بسرعة، وأبعدت طاغية من الحكم، كما تصف هي الرئيس صدام حسين بالطبع، وبالتالي ستصبح هذه الدول التي عارضت الحرب في وضع أقل ووضع ربما يكون محرج إلى حدٍ ما، هل هذا وارد؟

د.نواف سلام: صحيح، إنه ممكن حسم العمليات العسكرية.. الجانب العسكري من الحرب بسرعة إذا واحد يعني أخذ بعين الاعتبار تطور الأسلحة الدراماتيكي يا اللي صار بالعشر سنين الماضية، ولحتى إمكانية حسم الأمر بعد دخول بغداد بسرعة، طالما واحد عم بيقرأ اليوم من إمكانية استخدام أسلحة كيميائية من الفاليوم وغيره يا اللي ممكن تؤدي إلى.. بتعمل دور تنويم مغناطيسي أو شلل مرحلي إنما هذا شيء، وكسب الحرب في العراق، يعني بعد العمليات العسكرية مسألة أعقد بكثير من هيك، وناهيكم بتداعيات الحرب على المنطقة يا اللي ما بأتصور أنا ممكن كسبها بها السرعة هايدي، وأكيد الأمور هيكون فيه إلها مضاعفات في كل محيط العراق، ناهيكم بالمضاعفات الأخرى اللي أشرنا إليها في أوروبا وسائر أنحاء العالم.

محمد كريشان: نعم. سيد إريك رولو في.. في باريس، كيف ترى الوضع بعد انتهاء الحرب، خاصة إذا ما ذهبت الولايات المتحدة منفردة؟ وإلى أي مدى يمكن الحديث عن فصل الآن بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يعتبره بلير أمراً بالغ الخطورة؟

إريك رولو: أولاً أنا.. أن بأفتكر إنه.. الهجوم على أميركا هيستمر حتى إذا انتصرت في الحرب، لأنه أكيد هيكون فيه ضحايا كتير، وفيه منظمات كثيرة في العالم بتتعبأ دلوقتي من اليوم إنه يهاجموا وينتقدوا أميركا على الضحايا. أنا مش قادر أتصور إنه ممكن يحكموا العراق مدة طويلة، لأنه الظاهر إنهم فيه جهل كبير في أميركا، مش فهمانين ولا ما هو الشعب العراقي، ما هو تاريخه الوطني، عايزين يوضعوا جنرالات أميركيين بيتكلموا عربي عشان يحكموا العراق، يعني شيء عجيب إنه إحنا في القرن الـ21 العراق هيرجع على الحالة اللي كانت موجودة أيام العثمانيين تقريباً يعني، ما حصلش في يوم من الأيام إنه أميركان أو إنجليز أو فرنساويين حكموا العراق بعد الحرب العالمية التانية. على كل حال أنا في نظري إنه المواجهة بين الولايات المتحدة من ناحية والأوروبيين من ناحية أخرى، و.. فيه احتمال كبير العالم العربي أيضاً المواجهة ستستمر و.. وستقوى أكتر.. أكتر من أكتر، لأن هذه الحرب يعني مكروهة من العالم كله، وحتى إذا انتصروا أميركان هيواجهوا .. المعارضة هتزيد بعد انتصارهم العسكري.

أما أوروبا كاتحاد أنا في نظري إنه أوروبا دي هتتحد من جديد، هو يعني النهارده أيه الأوضاع؟ فيه أربع دول فقط مع الأميركان على 15، يعني فيه 11 دول بما فيهم طبعاً فرنسا وألمانيا ضد المشروع الأميركي والهيمنة الأميركية. هيحصل أيه بعد الحرب؟

مستر بلير الناس دلوقتي بصراحة في الصحافة البريطانية بيقولوا إنه مش.. مش.. مش.. هيستطيعش يقعد في الحكم، وإلا إذا.. إذا بقى في الحكم هيضطر أن يرجع للاتحاد الأوروبي هو. مستر أزنار اللي (رئيس الوزراء الإسباني) عنده 85% من الرأي العام ضده، يعني الـ 2 اللي بيؤيدوا أميركا عندهم الرأي العام ضد.. فوق الـ70% ضدهم، الحكومات دي مش ممكن تستقر، وإلا.. ممكن تستقر إذا رجعت تاني إلى الاتحاد الأوروبي واتحد من جديد الاتحاد الأوروبي، وأنا في نظري الاتحاد الأوروبي هيطلع من الأزمة دي أقوى مما كان مما.. فيما قبل، لأنه العمل الأميركي دا غير.. غير يعني ما.. الأوروبيين دلوقتي مش ما.. مش قادرين يستحملوا الأميركان ولا سياستهم. أنتو يعني لازم تعرفوا إن الجو في أوروبا دلوقت سيئ جداً للأميركان، ما حصلش من.. من الحرب العالمية التانية، الشعور المضاد للأميركان ما حصلش في يوم من الأيام إنه وصل لهذه الدرجة اللي اليوم، فإحنا لازم نأخذ في اعتبارنا الرأي العام الأوروبي قبل ما نأخذ في اعتبارنا الحكومات بتعمل إليه.

وثالثاً و.. ودا آخر حاجة هأقولها .. النهارده فيه شبه تحالف بين عدة دول أوروبية بما فيها فرنسا وألمانيا و.. وروسيا والصين، يعني إحنا شايفين دلوقتي فيه حاجة بتظهر في.. على الساحة الدولية جديدة جداً، وإحنا لازم نأخذ في اعتبارنا إنه هذا التحالف هيقوى بعد الحرب على العراق.

محمد كريشان: ولكن أيضاً سيد رولو، هناك أيضاً شعور معادي للفرنسيين أساساً في الولايات المتحدة، وبلغ حد بعض المسائل الرمزية، ولكن لها دلالة مثل (الفرانش فرايز) French fries أصبحوا يريدون تسميته (بالفريدوم فرايز) Freedom fries ومقاطعة الأجبان الفرنسية، هل تعتقد بأن هذا الشرخ على الأقل بين فرنسا وبين الولايات المتحدة بسبب العراق مرشح للاستمرار، بغض النظر عن تفاصيل ما يجري الآن في مجلس الأمن؟

إريك رولو: أنا ما أعرفش الشرخ دا هيستمر أو هيقوى في المستقبل، ممكن أقول لك اليوم إن حوالي واحد أميركي على اتنين ضد الحرب إذا كانت أميركا ما أخذتش تصريح أو الضوء الأخضر من الأمم المتحدة، يعني ما فيش تأييد كبير لبوش، صحيح فيه أغلبية مع الحرب، لكن أغلبية فيها شرط، الأغلبية دي إنه أميركا تحترم الشرعية الدولية، فإحنا مش عارفين هيحصل إيه بعد.. بعد بدء الحرب، يجوز إنه فيه.. يكون فيه أغلبية في أميركا ضد مستر بوش، دي نقطة.

تاني نقطة الكلام دا اللي.. اللي بيعملوه، اللي.. يعني المضادة للفرنساويين، فعلاً الفرنساويين يعني مش محبوبين في أميركا، بس أنا سامع إنه السفارة الفرنساوية في واشنطن والقنصلية في نيويورك بيوصل لهم آلاف وآلاف من.. من (الإيميلز) E mails من أميركان بيطلبوا منهم إنه يصمدوا عشان ينقذوا أميركا، أنتوا الفرنساويين أنتو بتدافعوا عن.. عن أميركا أحسن من.. من بوش، فيعني الرأي العام منقسم، الواحد مش لازم يأخذ كدليل إنه الفرنساويين مش محبوبين لأنه شالوا من.. من.. في.. في المطاعم شالوا كلمة (French) يعني فرنساوي،

هذا بعض المطاعم، ولكن أنا أؤكد لك إنه الرأي العام الأميركي منقسم و.. وفرنسا محبوبة من جزء من الشعب الأميركي لأنه فرنسا وأوروبا بتصمد لواحد ما بيثقوش فيه، يعني الأميركان مش واثقين في مستر بوش بأغلبية ساحقة خليها.. أو.. أغلب الشكل دا.

محمد كريشان: نعم. هو ربما أنت أنت سيد رولو تذكرني بما قاله السيد (دوفيلبان) في حديث لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية بأنه يعارض الولايات المتحدة حباً.. حباً في الولايات المتحدة و.. وللقيم التي تمثلها.

نعود إلى السيد نواف سلام في بيروت، بعض الكتابات التحليلية لما يجري الآن وبأقلام غربية، ليس حتى عربية تقول بأن الولايات المتحدة تريد أن تصبح روما الجديدة، هل.. هل ممكن أن.. نعتبر هذا التشبيه في سياق سياسي مقبول الآن؟

د.نواف سلام: يعني ما فيه شك إنه فيه جنوح نحو الهيمنة واضح في أميركا، برز أولاً بعد وقت انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، رجع للظهور وبقوة أكبر بعد 11 أيلول، إنما كمان تجارب التاريخ بتعلمنا إنه وقت يا اللي فيه دولة تجنح نحو أن تصبح إمبراطورية نحو الهيمنة على الآخرين، وهذا نوع من قانون في العلاقات الدولية، إذا ما بدنا نقول قانون هو نوع من اتجاه سائد في العلاقات الدولية إنه تتكتل الدول الأخرى من أجل محاولة إعادة التوازن إلى العالم، وهكذا حدث في فترات كثيرة، وهذا.. وهذا ما نراه اليوم يحدث، طبعاً إضافة لأنه مسألة وليست فقط على صعيد الدول ولعبة الحكومات وموازين القوى فيما بينها.. إنما كمان كما أشار السفير رولو، يعني كلما طالت الأزمة كلما بدا الرأي العام يصبح لاعب إلى جانب حكوماته إذا ما كان ضاغط على حكوماته، وهذا اللي أدى بالأسابيع الأخيرة لتنامي الأصوات المعادية للحرب في أميركا، بل أهم من ذلك لطرح سؤال (Is it just war? ) هل هي حرب عادلة؟ هل هي حرب محقة؟ مما يعيد إلى العلاقات الدولية شيء كانت بدت إنه افتقدته، ومسيطرة عليها سياسة القوة هو الجانب القيمي، الجانب الأخلاقي، ومن هون أهمية كمان المواقف يا اللي اتخذته الكنائس العالمية، هايدي بأعتقد أمور يعني دور الرأي العام، عودة المسألة القيمية إلى العلاقات الدولية من الأمور يا اللي مفروض أن نأخذها بالاعتبار..

محمد كريشان: بالاعتبار.

د.نواف سلام: لأ هتزول هايدي بعد الحرب على.. على العراق.

محمد كريشان: نعم. دكتور نواف سلام (أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية) شكراً جزيلاً، كما نشكر أيضاً (الدبلوماسي الفرنسي السابق والكاتب والمحلل السياسي) إريك رولو.

وبهذا مشاهدينا الكرام نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة التي خصصناها لعملية الشد المتواصلة في مجلس الأمن الدولي. أنتج هذه الحلقة عبد السلام أبو مالك، أخرجها فريد الجابري، وفي الترجمة كانت معكم إيناس زيادة، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.