قضية الساعة - العراق: نذر الحرب الأخيرة
قضية الساعة

العراق.. نذر الحرب الأخيرة

المشهد السياسي الأخير في الأزمة العراقية، المطالب الأميركية بين نزع الأسلحة ورحيل صدام، الوضع الصحي ومجهودات الإغاثة الإنسانية في العراق، الوضع النفسي للشعب العراقي في ظل الأزمة الأخيرة، ظاهرة الدروع البشرية وخصوصيتها في العراق.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

عدة شخصيات

تاريخ الحلقة:

17/03/2003

– المشهد السياسي الأخير في الأزمة العراقية
– المطالب الأميركية بين نزع الأسلحة ورحيل صدام

– الوضع الصحي ومجهودات الإغاثة الإنسانية في العراق

– الوضع النفسي للشعب العراقي في ظل الأزمة الأخيرة

– ظاهرة الدروع البشرية وخصوصيتها في العراق


undefinedمحمد كريشان: بغداد وسط أجواء انتظار الحرب.

تساؤلات حول الموقف العراقي من مجمل الأحداث الأخيرة والثمن الإنساني الفظيع لحربٍ وشيكة.

السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً بكم في هذه الحلقة الخاصة من برنامج (قضية الساعة)، تأتيكم اليوم من العاصمة العراقية بغداد، بغداد التي يسود شوارعها إحساس ثقيل بأن الحرب باتت قريبة جداً، حلقتنا من بغداد نتعرف فيها على الموقف العراقي الرسمي من مجمل التطورات المتلاحقة بشكل كبير في الساعات القليلة الماضية، كما نتوقف عند الفاتورة الإنسانية الثقيلة للحرب، هذه الفاتورة التي بهتت تفاصيلها في خضم كل ما يجري الآن.

نرحب بضيفنا معنا هنا في بغداد (وزير الإعلام) السيد محمد سعيد الصحاف، أهلاً وسهلاً.

محمد سعيد الصحاف: أهلاً وسهلاً أستاذ محمد.

محمد كريشان: وكالعادة نبدأ بهذه المقتطفات لأقوال بعض أطراف الأزمة العراقية.

* "لاشك أننا نقترب من نهاية الجهود الدبلوماسية، ومن الواضح أن الرئيس سيضطر لاتخاذ قرار صعب ومهم جداً خلال الأيام القليلة القادمة".

ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي).

* "الشرعية الدولية تفرض نفسها علينا، ونحن نعتقد أن الجميع لابد أن يحترم هذه الشرعية".

ميشال إليوماري (وزيرة الدفاع الفرنسية).

* "أعتقد أن فرنسا تسعى إلى تحجيم الولايات المتحدة أكثر من سعيها لنزع أسلحة العراق".

ريتشارد أرميتاج (نائب وزير الخارجية الأميركي).

* "استصدار قرار جديد من الأمم المتحدة أمرٌ مرغوب فيه سياسياً، لكنه من وجهة نظر القانون الدولي غير ضروري".

خوسيه ماريا أثنار (رئيس الوزراء الإسباني).

* "إذا وضع الأميركيون أنفسهم خارج القانون فلن يكون هناك سبب لأن نكون شركاء لهم".

لوي ميشال (وزير الخارجية البلجيكي).


المشهد السياسي الأخير في الأزمة العراقية

محمد كريشان: أهلاً بكم مشاهدينا الكرام، مازلنا معكم في هذه الحلقة التي تأتيكم من العاصمة العراقية بغداد في وقتٍ تسارعت فيه الأحداث بشكل درامي بعد القمة الثلاثية بين (بوش) و(بلير) و(أثنار) عادت الكرة من جديد إلى مجلس الأمن لتخرج منها مرة أخرى إلى الملعب العراقي، ومازال الجميع يتابع هذه الكرة التي أصبحت كرة خطيرة، إذ أنها ستقود إلى حرب باتت وشيكة على الأرجح.

صورة سياسية مازالت مهزوزة، الشيء الثابت الوحيد فيها -للأسف الشديد- أن الحرب على العراق باتت قريبة مهما كانت الملابسات والتخريجات، مصطفى سواق تابع المشهد السياسي الأخير.

تقرير/ مصطفى سواق: لم يكن سحب الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا ما سمىَّ مشروع قرار الإنذار الأخير إلا أبرز مقدمات إعلان الحرب، وهو ما كان منتظراً بعد قمة (ترسيير) بجزر الأزور الثلاثية، الأمر الذي يفترض أن يحسمه خطاب الرئيس بوش بعد ساعات، قمة الأزور البرتغالية لم يكن يتوقع أن تخرج بأقل مما خرجت به، ولعل فرسان الحرب الثلاثة بوش، بلير، وأثنار استلهموا من جزيرة القراصنة وتقاليدهم ما ثبَّت تصميمهم على ارتهان الأمم المتحدة واختطاف القرار الدولي، فقدموا إنذارهم الأخير ليس للعراق فحسب، بل ولمجلس الأمن نفسه، القمة انتقدت الأمم المتحدة لعدم أداء مهمتها في رواندا وكوسوفو ومنحتها فرصة يوم واحد للقيام بعملها كما قال الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالعراق، وهي فرصة تبني قرار الإنذار الأخير الذي يعتبر تشريعاً للحرب.

المسؤولون الثلاثة كانوا مترددين بين مبادئ القانون الدولي الذي تم تجاوزه في حرب كوسوفو وقواعد القرصنة، فقد أعلنوا تصميمهم على تجاوز الشرعية الدولية إذا لم تساند قرارهم، إلا أنهم في الوقت ذاته كانوا متلهفين على قرارٍ يبارك حربهم ويبررها أمام الشعوب المعارضة.

توني بلير(رئيس الوزراء البريطاني): بلغنا الآن لحظة القرار، وندعو أخيراً لتوجيه رسالة قوية وموحدة باسم الأسرة الدولية تشكل إنذاراً واضحاً لصدام يسمح باستخدام القوة إذا استمر في تحدي إرادة مجمل الأسرة الدولية التي يعبر عنها القرار 1441.

جورج بوش(الرئيس الأميركي): العالم سيواجه غداً لحظة الحسم بشأن نزع أسلحة العراق، وسنعرف ما إذا كان الحل الدبلوماسي ممكناً أم لا، إذا كان اللجوء إلى القوة ضرورياً لنزع أسلحة العراق فسنعمل بسرعة على استصدار قرار جديد من الأمم المتحدة.

مصطفى سواق: إنذار قمة الأزور للأمم المتحدة كان تعزيزاً لإنذارها النهائي للعراق، فقد كرر الرئيس الأميركي تهديده بإزالة أسلحة التدمير الشامل العراقية بالقوة إذا لم يتخلَّ عنها الرئيس صدام طواعية، قمة فرصة الدبلوماسية الأخيرة إذن لم تكن إلا قمة حرب كما يرى كثير من المحللين، كشفت انحسار الفرص الدبلوماسية وفرض مسار الحرب بديلاً يتيماً لها، كما أوحى بذلك بشكل أكثر جلاءً نائب الرئيس الأميركي (ديك تشيني) الذي تحدث عن قرب اتخاذ الرئيس بوش قراراً صعباً جداً جداً.

موقف الدول المعارضة للحرب جاء كما كان متوقعاً سريعاً وقطعياً فرنسياً، ألمانياً، روسياً، ودولياً، وزير الخارجية الفرنسي (دومينيك دوفيلبان) رفض أن يتبنى مجلس الأمن قراراً ثانياً يتضمن إنذاراً نهائياً، وكرر العرض الفرنسي الذي اقترحه الرئيس (شيراك)، والذي يتضمن مهلة 30 إلى 60 يوماً لعمليات التفتيش، كما أكدت موسكو موقفها المعروف معتبرة أن أي مشروع جديد غير ضروري، وأن المشروع البريطاني الأميركي الإسباني لا يتمتع بأي فرصة للفوز، واعتبر الرئيس (بوتين) أي حرب على العراق خطأً مثقلاً بالعواقب يزعزع الوضع الدولي برمته.

وأمام انسداد السبل في وجه المساعي الدبلوماسية خاصة على مستوى مجلس الأمن تتزايد مؤشرات اقتراب ساعة الصفر، ومنها انسحاب مراقبي الأمم المتحدة من المنطقة الحدودية العراقية الكويتية، دعوة واشنطن رعاياها لمغادرة الكويت ودبلوماسييها غير الأساسيين لمغادرة الكويت وسوريا وإسرائيل، مطالبة بريطانيا رعاياها باستثناء الدبلوماسيين بمغادرة الكويت وإسرائيل، نصح الولايات المتحدة كلاً من (هانز بليكس) ومحمد البرادعي بسحب المفتشين الدوليين من العراق، تأكيد مصادر البنتاجون أن التخطيط العسكري للحرب دخل مرحلته النهائية، وأن القوات العسكرية المحتشدة في المنطقة أكملت استعدادها للانطلاق حال ما يتخذ الرئيس بوش قرار الحرب.

سحب دول الحرب الثلاث مشروع قرار الإنذار الأخير، وأخيراً الإعلان عن توجه بوش خلال ساعات فقط بخطاب إلى الشعب الأميركي يتوقع أن يكون خطاب إعلان الحرب.

[فاصل إعلاني]

محمد كريشان: نرحب بضيفنا وزير الإعلام السيد محمد سعيد الصحاف.

محمد سعيد الصحاف: أهلاً وسهلاً.

محمد كريشان: شكراً جزيلاً على التفضل بالمجيء رغم دقة الأوضاع حالياً في.. في بغداد.

محمد سعيد الصحاف: أهلاً وسهلاً.


المطالب الأميركية بين نزع الأسلحة ورحيل صدام

محمد كريشان: السيد الوزير، الآن يعني سقط الحديث عن أسلحة الدمار الشامل، لم يبق إلا حديث عن ضرورة تنحي الرئيس صدام حسين، كيف تنظرون إلى هذا التحول في طبيعة النقاش مع بغداد؟

محمد سعيد الصحاف: هو منذ البداية لم يكن الموضوع فرية أسلحة الدمار الشامل، فيه مثل أميركي بيقول: لما فيه شخص مراوغ ومحتال بيقولوا أن هذا الشخص يبحث عن غراب أبيض (This villain is searching for a white crow) هذا مثل أميركي.

محمد كريشان: وهو أمر مستحيل.

محمد سعيد الصحاف: ومافيش غراب أبيض. الآن هؤلاء تجار الحروب، الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني وإلى آخره من أقزام انكشفت لعبتهم من البداية، ليست أسلحة دمار شامل، البحث عن غراب أبيض، بمعنى التعجيز ومخادعة الناس لأنهم تجار حروب يريدون –يخسئون- غزو العراق، الآن انفضحت، ولذلك عادت الكرة يعني إلى ملعبهم.

محمد كريشان: الآن هناك سحب للمفتشين الدوليين، هناك حديث عن إيقاف برنامج النفط مقابل الغذاء، كيف تتابعون هذه التطورات؟

محمد سعيد الصحاف: أنا استمعت لحديث الأمين العام عنان إلى الصحافة، يعني حديث الرجل يدعو إلى الأسى، وهو هذا من التعبير الكبير عن ضعف التنظيم الدولي مع الأسف اللي جعل تجار الحروب يلعبون بما يريدون وفق ما يريدون، نحن طرف متلقي، يعني لسنا طلبنا.. نحن الذين طلبنا هؤلاء، قرار من الأمم المتحدة من مجلس الأمن على وجه التحديد، ومجَّدوه وعظموه للقرار 1441 رغم كل الطعون الموجودة على القرار، مع ذلك الآن هم يسحبون، هم طلبوا أن يأتون المفتشين، نحن تعاملنا مع ذلك، نريدهم أن يتبينوا الحقيقة، الآن هم سحبوا..

محمد كريشان: السيد حسام محمد أمين طالب باستمرار عمل التفتيش، ولكن يبدو أن الأمور انتهت يعني ما..

محمد سعيد الصحاف: يعني لو كان التنظيم الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن يلتزم بما يقرر، ويلتزم بالميثاق، ويلتزم بالقانون الدولي فيفترض يقولوا للأميركان: لأ، نحن لن نسحب، هذا عمل تنظيم دولي، وينبغي أن تحترموا ذلك.

محمد كريشان: ولكن يفترض هذا القرار يتخذه كوفي عنان، أم ترون أن كان يُفترض أن يصدر بإجماع مجلس الأمن وأعضاء مجلس الأمن؟

محمد سعيد الصحاف: من الناحية الإجرائية الشكلية هي مسؤولية كوفي عنان وبليكس والبرادعي، من الناحية الأخلاقية والقواعدية.. القواعد هو مجلس الأمن والأمين العام.

محمد كريشان: نعم، يعني هل يمكن أن نعتبر أن موضوع التفتيش والمفتشين وكل ما له علاقة بالقرار 1441 بالنسبة لبغداد لم يعد مطروحاً ولا وارداً؟

محمد سعيد الصحاف: والله أنا كما قلت لك، العراق طرف متلقي، قرر في حينها التعامل بجدية مع القرار 1441 كي يفضح تجار الحروب الذين يبحثون عن لعبة الغراب الأبيض، الآن هم سحبوا يعني.

محمد كريشان: نعم، هناك خطاب مهم يُنتظر للرئيس الأميركي بوش، وهناك حديث عن إنذار ومهلة، هل أنتم ترفضون الأمر من حيث المبدأ تماماً، أم ستنتظرون هذا الخطاب وفي ضوئه تحددون أي رد ممكن للحكومة العراقية؟

محمد سعيد الصحاف: لأ، نحن نتعامل ليست على هذه الأسس، ننتظر هذا الرئيس أو ننتظر هذا المسؤول، خاصة الرئيس الأميركي يعني لا يمكن الثقة بهذه الإدارة بأي شكل من الأشكال، لذلك ما تحدث به وزير خارجية أميركا (كولن باول) ينم ويشرح ماذا سيقول رئيسه، لذلك أنا أعتقد هي مجرد نوع من الإخراج لذهابهم لارتكاب حماقة العدوان على العراق.

محمد كريشان: ولكن حتى في سياق هذا الإخراج ما هي المهلة التي تتوقعون أن تحدد للعراق في هذا الخطاب؟

محمد سعيد الصحاف: شو مهلة؟ إحنا نعمل وعملنا بجدية من أجل أن نتضامن مع كل القوى الخيِّرة في العالم في مجلس الأمن، مع الروس، مع الصينيين، مع الفرنسيين، مع الألمان، مع الشيليين، مع كل الآخرين الذين وقفوا ضد لعبة تجار الحروب الأميركان والبريطانيين، لذلك نحن عملنا من أجل تحاشي الصدام العسكري، الآن إذا قرروا ارتكاب حماقة العدوان فهم يتحملون المسؤولية.

محمد كريشان: إذا قرروا، يعني هل مازالت لديكم بعض الآمال و.. ولو ضئيلة لمنع الحرب ضد العراق؟

محمد سعيد الصحاف: نحن يعني شعب مؤمن حقيقة، ونعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً، ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غداً، لذلك بالوقت الذي نجند هو.. العمل من أجل تحاشي العدوان، حتى عندما يقع العدوان سنستمر نعمل من أجل تحطيمه بسرعة، ومن أجل أن العالم كله يقف بأقوى مما وقف ضد هذا العدوان.

محمد كريشان: السيد الوزير بالطبع لا يمكن لأحد أن يلوم العراقيين على حماستهم في الدفاع عن أراضيهم، ولكن البعض أحياناً يعتبر بأن هناك تصريحات نارية في الحديث عن ما يمكن أن يلحق بالقوات التي ستهاجم العراق بشكل ربما يفوق الإمكانات الموضوعية للعراق.

محمد سعيد الصحاف: والله لا.. لا تصريحات نارية ولا تصريحات مائية، لا برودة ولا سخونة، إحنا بلد يعني الكل.. الأميركان عم بيهددونا بالعدوان علينا، ماذا نعمل؟ خيار المؤمن هو الدفاع عن أرضه وعرضه وشرفه ومبادئه وشعبه وكل شيء، لذلك سنقف وندافع.. وندافع بكل قوة، وأنتم تعرفون شعب العراق كيف يقف ويدافع عن كل هذه القيم العظيمة.

محمد كريشان: هل تعتقدون في القيادة العراقية بأنكم مرتاحي الضمير؟ بأنكم قدمتم كل ما يمكن أن يُقدم لتجنب الحرب، وبأنها في النهاية فُرضت عليكم؟

محمد سعيد الصحاف: جداً.. جداً ضميرنا مرتاح، عقلنا واضح ومرتاح، قلبنا مليء وعامر بالإيمان، نحن عملنا كل ما طُلب منا، بل وأكثر، الإخوان.. الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم قالوا ارجعوا المفتشين أرجعنا المفتشين، اقبلوا بالقرار.. تعاملوا مع القرار 1441 تعاملنا، وتعاملنا بجدية لأن قيادتنا قررت ذلك، وتعاملنا بجدية وإخلاص لأنه من مصلحتنا أن تعرف الحقائق، هل موجود سلاح تدمير شامل أم لأ، كالوا بألف مكيال الأميركان والبريطانيون، وطبعاً تقودهم الصهيونية العالمية وافتروا على العراق فأردنا أن يتوضح الأمر لشعوب العالم، الحمد لله توضح، فنحن من.. أبداً لا نشعر أننا قصرنا بشيء.

محمد كريشان: أن.. أنتم استجبتم لكل المطالب، الآن هناك مطلب جديد، كيف ستنظرون.. كيف ستتعاملون معه؟

محمد سعيد الصحاف: وهو؟

محمد كريشان: وهو رحيل السيد الرئيس.

محمد سعيد الصحاف: يخسئون.. نحن شاهدنا رحيل كثير من هؤلاء المجرمين، وأنا أقول لك وسجلها عليَّ وبيسجلوها المواطنين العرب كلكم في أي مكان في الوطن العربي: سيرحل المجرم بوش، وسيرحل هذا التافه بلير، وسيرحل الكثير من تجار الحروب، والقائد صدام حسين ستراه واقفاً كالطود الشامخ.

محمد كريشان: رغم موضوع أسلحة الدمار الشامل يُفترض بأنها طويت مع ذلك مسؤول أميركي في وزارة الدفاع صرح قبل قليل بأن العراق وزَّع أسلحة كيمياوية على الحرس الجمهوري، يعني حتى نغمة الأسلحة المحظورة لم تنته بالكامل يعني.

محمد سعيد الصحاف: أنت تعرف هم من أجل أن يرعبوا الآخرين يخلطوا الأوراق، يشوشوا الصورة، يشككوا من أجل أن يمرروا جريمتهم، لكن يخسئون سيفشلون، العراق ليس لديه أي شيء من هذه الأسلحة، من زمان قد تخلص منها منذ ربيع عام 92 والمفتشين جاءوا وفتشوا حتى بالآونة الأخيرة وكلكم تابعتم، نحن يومياً نعرضهم أمام العالم كاميرات التليفزيون فتشوا كل مكان في العراق، أين هذه الأسلحة؟ لا يوجد في العراق أي من ذلك، ولذلك هاي جزء من التكتيكات القذرة للاستعداد لشن العدوان.

محمد كريشان: وبالنسبة إليكم –ككلمة أخيرة- الحرب الآن أصبحت قدر محتوم عليكم أن تواجهوه؟

محمد سعيد الصحاف: والله إذا كان سيرتكبوا هذه الحماقة فنحن شعب العراق قيادة وشعباً، نساءً ورجالاً، شيوخاً وشباناً وكل إن شاء الله عدسة (الجزيرة) ستنقل كيف يقف العراقيون دفاعاً عن وطنهم وشرفهم وأمتهم.

محمد كريشان: سيد الوزير محمد سعيد الصحاف شكراً جزيلاً لك. أكرر مرة أخرى شكري على القدوم رغم دقة الظرف الآن في العاصمة العراقية بغداد.

محمد سعيد الصحاف: أهلاً وسهلاً.

محمد كريشان: بعد الفاصل، الذي يتضمن موجز الأنباء، نشرع في الحديث عن الفاتورة الإنسانية والصحية والغذائية لحرب وشيكة مازال البعض -مع ذلك- يتمنى ألا تحدث.

[موجز الأخبار]


الوضع الصحي ومجهودات الإغاثة الإنسانية في العراق

محمد كريشان: ومع انتظار العراقيين للضربة العسكرية تحرك الكثيرون لأخذ بعض الاحتياطات الصحية اللازمة رغم محدودية الإمكانيات وعسر الظروف، من هذه الاحتياطات مثلاً التبرع بالدم وهي الحركة الأبسط ولكنها الأكثر إشباعاً لدلالاتٍ كثيرة.

محمد العبد الله زار مركزاً للتبرع بالدم في العاصمة العراقية بغداد استعداداً لحربٍ وشيكة.

تقرير/ محمد العبد الله: بشكلٍ متزايد وملحوظ ارتفعت في الآونة الأخيرة نسبة الإقبال على التبرع بالدم وفق ما أكده مسؤولو المركز الوطني لنقل الدم في بغداد، هذا الازدياد جاء استجابة لحملةٍ هدفت على حث العراقيين وغيرهم على التبرع بالدم تحسباً لمواجهة ظروف الحرب الأميركية المحتملة على العراق.

مواطن متبرع: والله هاي التبرع مو أول مرة، أني هاي صار 12 مرة نتبرع للدم، للمصرف، لحاجة البلد، أهم شيء عندنا البلد، سالمة البلد إحنا دمنا كله فدوة إلها.

محمد العبد الله: إلا أن حجم الإقبال هذا وازدياد كمية الدم المتبرع به تواجه مشكلات تتعلق بنقص مواد ضرورية لعملية فحص الدم، والتأكد من سلامته، ومن ثم تجهيزه للمحتاجين من المرضى.

د. حيدر الشمري (مدير المركز الوطني لنقل الدم): هذه المواد خاصة بتحديد فصائل الدم ومطابقة الدم قبل إعطائه للمريض، كذلك المواد الخاصة بالكشف والتحري عن الفيروسات اللي ممكن أن تتواجد هذه في دم المتبرعين و.. ويعزل الدم اللي يحوي الفيروس ويُعطى الدم السليم للمريض.

محمد العبد الله: وإضافة إلى ذلك يواجه المركز مشكلة تجديد واستيراد أجهزة فصل الدم إلى مشتقاته، والتي تعرقل لجنة 661 إبرام عقود جديدة لاستيراد هذه الأجهزة.

مواطن عراقي: الدكتور يقول لي 20 قرص يومياً يحتاجها المريض، فمصرف الدم يعطيني ثلاثة.

شاكر حيدر (فني في مركز نقل الدم): أجهزة الفصل هذه اللي عندنا عددها قليل ما يفي حاجتنا، وبالتالي الضرر راح يعود على المريض، ويعني أكيد يعني (…) مرضى تضرروا وتعرضوا وتوفوا مو تضرروا بس تضرروا توفوا بسبب لجنة المقاطعة.

محمد العبد الله: العراقيون يرون هذه المشكلة بأنها جزء من مئات المشاكل التي يعانيها العراق جراء العقوبات الدولية المفروضة عليه منذ 13 عاماً. أياً كان حجم التبرع بالدم وإقبال الناس عليه إلا أن الحقيقة المحزنة والتي يدركها الجميع هنا، تلك القائلة: إن كل ما سيتم جمعه وتخزينه، سيكون أقل بكثير من ذاك الذي ستسفكه الحرب حال وقوعها.

محمد كريشان: مجرد لقطة من الجهود الصحية والإنسانية التي يسعى العراقيون في هذا الظرف الدقيق والصعب للقيام بها رغم صعوبة الوضع، معنا الآن السيد (رولاند هوغنين) وهو (مسؤول الاتصالات الإعلامية باللجنة الدولية للصليب الأحمر في بغداد) سيد هوغنين، منظمات الإغاثة الإنسانية الآن في وضع لا تُحسد عليه بالمرة في العراق.

رولاند هوغنين: أعتقد أنه الشعب العراقي هو في وضع لا يُحسد عليه، المنظمات الإنسانية تمارس كل وظائفها وتقوم بواجبها فقط، وكل مندوب في لجنتنا أو في أي منظمة إنسانية أخرى يأتي إلى العراق بمحض إرادته، وعليه الاختيار بالمغادرة إذا شاء ذلك، إنما السكان العراقي عليه البقاء، وليس قدامه المفر.

محمد كريشان: كان هناك حديث كثير وكبير عن الحرب، ولكن الآن وهي تبدو على الأبواب هل ترى الاستعدادات .. الإغاثة الإنسانية الدولية في مستوى هذا الحدث الخطير؟

رولاند هوغنين: أنا أعتقد أنه هناك مخاوف كثيرة إذا كان هناك حرب تندلع وقد تطول أن يعاني الشعب العراقي مرة أخرى، وهي ليست المرة الأولى، وكل الناس هنا لها ذكريات مريرة من سنة 91 وكل واحد يتذكر الذي عانى، ولما نشاهد في الأيام الأخيرة الناس تحاول أن تشتري مواد غذائية، تحاول أنه تخزن مواد كل واحد في بيته، أنا يأتي لي إحساس بالحزن الشديد أنا أتذكر مدن أخرى عانت من مثل هذه الأوضاع، وأتمنى أنه يكون هناك احترام للفصل الضروري ما بين المدنيين والعسكريين، أنه السكان المدني ليس له أي ذنب في الحروب.

محمد كريشان: ومع ذلك المسؤولون الأميركيون يجزمون بأن ربما هذه الحرب ستحاول تجنب المدنيين إلى آخره، هل ترون إمكانية لحرب.. حرب نظيفة في هذا المجال؟

رولاند هوغنين: أنا أعتقد أن هناك تناقض في المفردات نفسها، الحرب لا يمكن أن تكون نظيفة، الحرب يمكن أن تلتزم ببعض مبادئ أساسية مثل التفرقة ما بين جبهة القتال وبين المدنيين، إنما في الخمسين سنة المنصرمة نعلم أن كل الحروب التي حصلت ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأيضاً الحرب العالمية الثانية كان فيها أكبر عدد من الضحايا كانوا من المدنيين، لما نتذكر في التاريخ قبل 100 عام أو أكثر، كان هناك الحروب في الجبهات، إنما أصبحت الحروب تشمل المدن والمناطق الآهلة بالسكان، وهذا خطر شديد ونحنا هنا نؤكد مرة أخرى على أن لا يستهدفوا المدنيين.

محمد كريشان: الأمم المتحدة أصدرت تقرير بعض بنوده مع ذلك ظلت سرية فيما يتعلق بالتكلفة الإنسانية المحتملة لضرب العراق، لو طلبنا منكم أن تحددوا ما هي أبرز الملفات المطروحة بإلحاح الآن إذا ما –لا قدر الله- ضرب العراق. ما هي؟

رولاند هوغنين: أيضاً مرة أخرى بالمقارنة مع حرب 91 إحنا نتمنى أن لا تنقطع شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب، إنه في سنة 91 الشعب العراقي كله عانى من شرب مياه ملوثة بسبب انقطاع شبكة المياه، هناك مجهود كبير جداً قام به.. قامت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع.. بالتعاون مع الأجهزة العراقية، لإعادة تأهيل محطة المياه إنما –حتى الآن- الوضع لا يكفي، وهناك انقطاع يومي للتيار الكهربائي، ولا يستطيع أي حد في الخارج أن يتخيل أن هذا الشعب يعيش منذ 12 سنة برغم من انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي.

محمد كريشان: سيد رولاند هوغنين شكراً جزيلاً لك، وتحية إعجاب للغتك العربية السلسلة. سيد هوغنين هو مسؤول الاتصالات الإعلامية باللجنة الدولية للصليب الأحمر في بغداد.

هذه الأوضاع التي أشار إليها السيد هوغنين وهي أوضاع إنسانية وصحية سيئة، ستزداد بالتأكيد سوءاً عندما تأتي الحرب، إذن هناك وضع إنساني وصحي بالأساس سيئ نتيجة حرب عام 91 ونتيجة 12 عاماً من الحصار، إذن هذا سيجعل الوضع الإنساني المحتمل إذا ما اندلعت حرب سيكون بالتأكيد أسوأ بكثير. فائزة العزي.

تقرير/فائزة العزي: حيدر كان يحلم أن يصبح طبيباً يعالج الناس، إلا أن سرطان الدم التهم بشراسة الحلم الذي دفن معه في القبر خلال أسابيع قليلة عانى فيها ما عانى من أوجاع مبرحة لم تكن قبل 12 عاماً تصيب من هم في عمره.

د.علي مسلم (مدير مركز بحوث الدم): أمراض الدم السرطانية في العراق الملاحظة.. ممانعة للأدوية بشكل كبير، يعني إحنا شفنا أمراض الدم السرطاني من نوع m3، الأعمار العالمية الموجودة بين 45 إلى 55، 80% من مرضانا هم تحت الأربعين سنة، وتيجي الخلايا السرطانية.. more aggressive وتيجي خلايا ممانعة أيضاً للعلاج.

فائزة العزي: وتشير إحصاءات المنظمة الدولية لرعاية الطفولة (اليونيسيف) إلى أن 30% من الأطفال جنوب العراق مصابون بالأورام الخبيثة التي انتقلت إليهم إبان حرب الخليج الثانية من أحد الوالدين من جراء استخدام قوات التحالف الدولية اليورانيوم المنضب، وأن 32% من الأطفال مصابون بأمراض سوء التغذية فيما تشكل وفيات الأطفال بسبب المياه غير الصالحة للشرب نسبة 10% إذ يصل عدد السكان الذين يشربون من ماء النهر مباشرة إلى 5 ملايين يشكل الأطفال منهم 60%.

صالح الطائي (هيئة الهلال الأحمر الإماراتية): الوضع بالحقيقة يعني أكثر من كارثة، نتكلم هنا عن ملايين الأطفال في أوضاع يعني لا يمكن أن توصف في أي مكان في العالم، يكاد.. تكاد المستشفيات تخلي من كل أنواع الأجهزة والمعدات الطبية ولا أتكلم عن النقص بالأدوية، الوضع.. معاناة الأطفال معاناة لا مثيل لها فهنالك أطفال يموتون بشكل يعني مثير جداً للحزن.

فائزة العزي: المعاناة التي تنتقل إلى الناس تبدأ أولاً عند الأطباء الذين يعانون من نقص في المستلزمات الطبية ومن جملتها الأجهزة التي تشخص الأمراض والسبب –حسب لجنة 661- هو الاستخدام المزدوج، إذ تحوي هذه الأجهزة على كمبيوترات.

هيثم قاسم (مسؤول قسم البحوث): يتم تشخيص معلمات الخلايا السرطانية بجهاز (الفلورسنت ميكرسكوب) في الحقيقة في العالم كله يشخصون المعلمات هذه بواسطة جهاز (الفلوسيتومتري) ونحن ملثما تعرفون نفتقر لجهاز (الفلوسيتومتري)، بسبب الحصار اللعين المفروض على قطرنا.

فائزة العزي: وبطبيعة الحال، فإن نقص الدواء يؤدي في بعض الحالات إلى تفاقم المرض إلى الدرجة التي يصبح العلاج بعدها ضرباً من الخيال.

بشرى صالح (صيدلانية): في بعض الأحيان دائماً يعني ظروف الحصار هي تؤثر علينا بالوقت الحاضر، ونشوف أنه يعني أغلب الأحيان واحد من هذه الأدوية الكيماوية المفروض اللي تيجينا من الخارج، واحد منها أو أكثر من واحد يكون مفقود، ما متوفر عندنا، مما يضطر أنه الأطباء إما يؤجلون الكورس مالة المريض إلى أن يتوفر العلاج، حتى يكمل الكورس مالته أو يستعيض عنه بكورس ثاني أو بروتوكول ثاني بديل عنه، اللي يكون أقل اعتيادي، مو مثل الكورس الأول، وهذا يؤدي إلى تأخر حالة المريض وتدهور حالته الصحية.

فائزة العزي: التهديدات بالحرب وما تلوح به الولايات المتحدة من استخدام لأسلحة ربما لم تجرب سابقاً، انعكس سلبياً على الأوضاع الصحية والنفسية للعراقيين.

طبيب عراقي: مريضة (تباوع) في وجهي في عيني، يقول لي دكتور ساعدني أرجوك شنو أقدر أساعدها؟ كيف أقدر أساعدها وأنا ما عندي.. أنا ما عندي أي شيء أساعدها، أنا ما عندي العلاج ما عندي الشيء اللي.. اللي يعالج به أبسط إنسان بهذا العالم.

فائزة العزي: وبين هذا وذاك يبدو أن الناس هنا قد أسلموا أمرهم إلى الله وحده علَّ معجزة تجهض مأساة إنسانية على وشك الحدوث.

إذا كانت هذه الحال هي نتاج حربٍ بدأت قبل أكثر من 12 عاماً، فكيف سيكون المشهد إذا اندلعت حرب جديدة يقول عنها المراقبون: إنها ستجعل من العراق كله ساحة حرب؟!

محمد كريشان: تساؤل وجيه طرحته فائزة العزي نحيله بدورنا لضيفنا السيد حاتم جورج حاتم، وهو (ممثل مكتب اليونيسيف في بغداد بالوكالة)، الوضع وضع الأطفال، وهم أبرز ضحايا الحروب أساساً وضع سيئ في العراق، كيف يمكن أن يزداد سوءً إذا ما اندلعت حرب -لا قدَّر الله –مرة أخرى نقول؟

جورج حاتم: والله أفضل جواب على سؤالك: هو الإشارة بأرقام المعاناة التي يتعرض لها أطفال العراق، وطبعاً من.. من خلفهم آبائهم وأمهاتهم.

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني عفواً المعاناة المتوقعة أم أصلاً الموجودة..

جورج حاتم: الأصلاً الموجودة تعطي.. تعطي صورة عن.. عن..

محمد كريشان [مقاطعاً]: عن ما يمكن أن يحدث..

جورج حاتم [مستأنفاً]: عن ما يمكن أن يحدث وعن حجم الكارثة الإنسانية التي قد يتعرض لها أطفال العراق في احتمال ظهور أزمة حقيقية، من أفضل المؤشرات التي تعكس معاناة الطفل العراقي مؤشر سوء التغذية، هناك 9% من أطفال العراق دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الآن، أي ما.. أي ما يقارب 400 ألف طفل عراقي يعانون من سوء التغذية العام، هناك 200 ألف طفل عراقي يعانون من الهزال أو الضعف الشديد، أي حوالي 4% من الأطفال دون سن الخامسة، هؤلاء الأطفال عرضة بأي.. عرضة للوفاة بأي لحظة، هناك 23% من أطفال دون سن الخامسة يعانون من التقزم، أي أن أطوالهم قاماتهم أقل من الاعتيادي، مؤشرات سوء التغذية تعكس التدهور في قدرتهم على التصدي للأمراض، تدهور جهازهم المناعي، وفي الأمد الطويل سينعكس ذلك عندما يصبحوا بالغين، سينعكس ذلك على قدرتهم على العطاء الذهني والبدني سيكونون أقل إنتاجية ذهنية وبدنية من أقرانهم الذين لم يعانون من هذا المشكلة..

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني هذا.. هؤلاء يعني أصلاً يحتاجون الآن إلى عناية خاصة.

جورج حاتم: طبعاً.

محمد كريشان: يعني إذا ما اندلعت الحرب هل هناك خطر من توقف هذه العناية وبالتالي ازدياد هذه الأرقام التي تقول عنها؟

جورج حاتم: نعم، لأنه مؤشر سوء التغذية يعكس كثير من الأمور الصعبة مثلاً تدهور القوى الشرائية للفرد العراقي تدهور المؤسسات الصحية، وضعف مواردها ومحدودية مواردها على التصدي للمشاكل الصحية التي يتعرض لها أطفال العراق.

محمد كريشان: نعم، سيد حاتم. في تقرير صدر –الأخير- لليونيسيف يقول بأن هناك حاجة لتوفير الأغذية العلاجية الخاصة لأكثر من 400 ألف طفل في العراق، والعراق الذي يعاني من واحد من أعلى معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة في العالم، وهذا الوضع ربما يجعل منه وضع بالغ الحساسية، لأن لا نتحدث عن فئة خاصة من المجتمع، لأنه تقريباً نصف المجتمع العراقي هو أطفال بالمفهوم ما دون.. ما دون الـ 18. نعم.

جورج حاتم: أي نعم.. نعم، كما نعلم كما تفضلت أنه معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة مرتفع جداً في العراق وفي سنة 99 وفق المسوحات التي أجرتها وزارة الصحة، وبدعم من منظمة اليونيسيف وفيات الأطفال دون سن الخامسة بلغت 131 وفاة في كل ألف طفل، هذا المعدل يبلغ ضعف ونصف الضعف ما كان عليه.. العفو 2.5 أو ضعف ونصف ما كان عليه قبل 90، هذا التدهور يبين حجم المأساة، طبعاً هذا الرقم قد يزداد، قد يأخذ أبعاد خطيرة جديدة عند تعرض الطفل العراقي لمأساة جديدة.

محمد كريشان: التقارير الإنسانية تشير إلى أن أيضاً من بين التوقعات المحتملة للحرب بأن نسبة كبيرة من الأطفال سيصبحون بدون رعاية أبوية أو بدون رعاية أمهاتهم نوع من الأطفال المشردين، هل هذه الظاهرة يعني ليست بالبسيطة في المجتمع العراقي؟

جورج حاتم: المجتمع العراقي مجتمع كأي مجتمع عربي يعتمد على العائلة الموسعة، الطفل الذي يفقد ذويه عادة يحتضنه العائلة الكبيرة، ولكن قطعاً عندما في الوضع الجديد قد تزداد هذه الظاهرة ظاهرة الأطفال دون.. دون الرعاية، وذاك سيشكل تحدي جديد للمؤسسات القائمة، لمؤسسات..

محمد كريشان [مقاطعاً]: بالطبع أي.. أي عمليات إغاثة في زمن الحرب ستكون عملية صعبة بسبب انهيار البنية التحتية وانقطاع الكهرباء والمياه الصالحة للشراب، هل الاهتمام بالطفل سيكون بالنسبة لمنظمات الإغاثة وأساساً اليونيسيف وضع أصعب من بقية المدنيين أم هو في نفس المستوى من السوء المتوقع؟

جورج حاتم: يعني هي إلى حد ستكون ظروف صعبة للكل، ولكن من الصعب توقع الصعوبات منذ الآن شكل الصعوبة وحجمها وعمقها، من الصعب جداً.

محمد كريشان: شكراً جزيلاً لك.

جورج حاتم: شكراً لكم.

محمد كريشان: سيد حاتم جورج حاتم (ممثل مكتب اليونيسيف في بغداد بالوكالة)، شكراً جزيلاً لك.

جورج حاتم: وشكراً لكم.

محمد كريشان: ومازلنا معكم مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة الخاصة من قضية الساعة التي تأتيكم من العاصمة العراقية بغداد.

[فاصل إعلاني]

محمد كريشان: ينضم إلينا الآن في هذه الحلقة الدكتور جاسم صياد الشمري، وهو (أستاذ علم النفس بالجامعة المستنصرية) دكتور أهلاً وسهلاً.

د.جاسم صياد الشمري: مرحباً بك.


الوضع النفسي للشعب العراقي في ظل الأزمة الأخيرة

محمد كريشان: دكتور، في هذا الوضع المتوتر والكل متوجس كيف تبدو الحالة النفسية العامة لشعب يتوقع الضربة في أي وقت؟

د.جاسم صياد الشمري: شكراً جزيلاً، إنه يعني الحالة النفسية اللي يمر بها المجتمع العراقي الآن وبشكل عام، هي يعني حالة غير اعتيادية، بسبب طبيعة ظروف استثنائية تمر على الآن البلد، بفعل الحقيقة يعني تأثيرات قوى دولية كثيرة، الوضع العام المسيطر على البناء النفسي للفرد هو الحقيقة حالة القلق، نعرف إحنا جميعاً إنه للقلق حقيقة مستويات للقلق الآن.. اللي يمر به الآن المواطن العراقي هو حقيقة ذلك النوع من القلق اللي بيؤهل الفرد، ويمنح عوامل القوة والاستعداد، لكي يكون متوثباً ومستعداً لملاقاة الحدث، حالة القلق الآن هي حقيقة علامة إيجابية، لأنها تساعد الفرد على تعزيز الروح المعنوية والتحفز وأخذ تحوطات الأمان لجميع الحالات الطارئة اللي قد تصادف.

محمد كريشان: ولكن دكتور، يعني هناك قلق صحيح، ولكن أيضاً من خلال احتكاكنا ببعض الناس وفي.. في بغداد، تشعر بأن هناك إيمان شديد بقضاء الله وقدره يعني هل هذه ظاهرة صقلتها السنوات في العراق أم هي جزء من.. من المزاج العراقي العام؟ لا يمكن أن ينتظر الإنسان المرء الحرب وكأن.. وكأنها حدث عادي يعني، أمر.. أمر غريب يعني الحقيقة؟

د.جاسم صياد الشمري: الفكرة هو الآن.. الآن.. يعني ذكرت أنه الآن حالة القلق هو الآن من النوع الإيجابي، إيجابية هذا الآن نوع من القلق، لأنه يساعد الفرد على أنه يأخذ الاحتياطات اللازمة للتحسب لكل الحالات اللي قد تحصل، يعني بيساعده عن طبيعة الحرب أو الآن الظروف اللي ترافق المتغيرات اللي بترافق حالة الحرب حالة المواطن العراقي، الحقيقة المواطن العراقي يتمتع بروح معنوية عالية، هذه الروح المعنوية اللي يتمتع بها ما جاءت من فراغ ولا جاءت من العدم، الإيمان هذا عامل أساسي، إنه (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) عامل الإيمان عامل مهم، الإيمان بالله وقضاء القدر أيضاً هذه حالة طبيعية للمواطن الآن.. الفرد المسلم بشكل عام وأظن هذا الآن الموقف الآن لمواطني الآن العراق، فهي حالة طبيعية لأنه المواطن العراقي قد خبر الآن مثل هذه الظروف، مرت بنا حقيقة أكثر من ظرف، مرت بنا الآن القادسية وكانت هنالك حالة استعداد وحالة.. والمواطن قد تكيف مع هذا الآن الظروف، ليس تكيفاً سلبياً وإنما تكيفاً إيجابياً.

محمد كريشان: ولكن دكتور، يعني هناك أجيال الآن في العراق من الشباب الذين لم يشهدوا تقريباً أي فترة سلام من الحرب العراقية- الإيرانية إلى حرب الخليج الثانية في الـ91 إلى العقوبات، إلى الآن الحرب المهدد بها في.. في كل لحظة، هل هذا خلق جيل له سمات سيكولوجية مختلفة عن.. عن العراقي العادي –بين قوسين- الذي كان في السابق.

د.جاسم صياد الشمري: لأ، هو المواطن العراقي حقيقة إنه أكو هنالك مقومات، هذه المقومات الحقيقة تمد البناء النفسي، من هذه المقومات أولاً التماسك الآن الأسري السليم، العمق الآن الحضاري والعمق التاريخي وعمق الآن العراق بالبناء الإنساني للمجتمعات، الشيء الآخر إنه حقيقة إيمان هذا الآن الفرد بأنه القيادة مالته قيادة حكيمة وقادرة على أنها تقود الآن المواقف بحكمة عالية، وبالتالي الآن هذا المواطن منح الآن القيادة مالته الآن الثقة أي فوضها الآن.

محمد كريشان: هناك أيضاً ظاهرة العودة إلى التدين، كيف ترى هذا الرد وإلى أي مدى يمكن أن يشحذ النفسيات في أوضاع متوترة كهذه؟

د.جاسم صياد الشمري: الحقيقة التدين فدا شيء مو.. مو.. مو ظاهرة، يعني مو ظاهرة غريبة عن المجتمع، وإنما هي..

محمد كريشان: بالطبع طالما أن البلد مسلم، ولكن عندما تصبح متعمقة في كل الشرائح الاجتماعية.

د.جاسم صياد الشمري: بلد مسلم فهي جزء من حالته، كلما ازدادت الظروف وطأةً وشدة على المجتمع الحقيقة الآن المخرج هو الإيمان بالله، المخرج هو الآن العودة إلى يعني قراءة كتاب الله وفهم الآن النصوص الآن الشريعة الإسلامية، المواطن العراقي هذا الآن الجانب حقيقة.. حقيقة وليس مصطنع عبر عن هذا الآن الجانب، الحقيقة جزء من.. هو الآن جزء من الطقوس مالته اللي يمارسها، لأنه من خلال ممارسة هذه الطقوس يشعر المواطن بحالة من الارتياح النفسي، وبالتالي يشعر من خلال هذا الآن التواصل أثناء العبادات بإنه الاستقرار النفسي والأمن النفسي اللي يعزز ثقة (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ)

محمد كريشان: نعم، كنا نتحدث مع ممثل اليونيسيف وقبله مع ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول المسائل الصحية والغذائية، على الصعيد النفسي البحت ما الذي يمكن أن يحدث لأطفال في العراق يجدون أنفسهم في مناخ غير طبيعي بالمرة، ما الذي يمكن أن يتركه كترسبات في شخصيتهم في المستقبل؟

د.جاسم صياد الشمري: هو حقيقة يعني لا يمكن لنا أن ننكر أو يعني ننفي وجود مثل هذه الترسبات، هذه الترسبات تولد.. تولد آثار عميقة في البناء النفسي للفرد، ولذلك نجد الكثير من الحالات يتصرفون بها الأطفال هي نتيجة يعني حقيقة تكتر إنه يصير هناك تداخل، لأنه القلق هو عبارة عن خوف، خليط من الخوف، خليط من الآن التوتر يؤدي إلى الانفعال، يؤدي إلى حالة عدم استقرار الفرد، هاي بتنعكس على طبيعة الفرد، وبالتالي بتنعكس على البناء النفسي في تصريفه للأمور، في علاقاته مع الآخرين، في الآن الجوانب الآن الترفيهية، في الآن طبيعة الآن التواصل مع المجتمع يشعر، الحقيقة يشعر، مما يشير إلى أن كيف يقضي الآن الفرد على مثل هكذا حالات؟ يقضي عن هذا.. على هذه الحالات من خلال عملية التواصل، أي التواصل الآن مع الآن العائلة ومع المجتمع وامتداد مع مؤسسات الآن المجتمع بشكل عام هاي بتنطي للفرد حالة من الارتياح النفسي، تجعل الفرد في حالة من حالات التوافق مع النفس، والتكيف مع الحدث العام أو مع الجو العام اللي يمر به أو الظرف العام اللي يمر به المجتمع.

محمد كريشان: لكن هل هناك خوف مثلاً من أن الجيل العراقي المقبل سيكون جيل ربما ذي.. ذي شخصية معقدة وقد يكون عدوانياً، لأنه أصلاً لم ينشأ إلا في بيئة عنيفة من الحروب المتواصلة؟ هل يمكن أن.. أن نشهد جيل من هذا النوع؟

د.جاسم صياد الشمري: لأ، هو هذا الجانب الحقيقة لا خوف منه، يعني لا خوف من هذا، يعني الجانب، لأنه ما راح تنتج عندنا الآن، إحنا مرينا الآن من قبل القادسية، أثناء الآن العدوان الفارسي على العراق ومرينا الآن بالـ91 في ظرف الآن العدوان الثلاثيني على المجتمع والآن إحنا نعيش حقيقة أجواء الحرب من عام 91 ولحد الآن، لأن الطائرات الأميركية هي حقيقة تجوب الأجواء العراقية، التعرض الآن، تعرض أبناء.. أبناء مجتمعنا في مختلف محافظات العراق إلى الكثير من حالة إذن من خلال العمليات الآن العدوانية، الحقيقة الآن المواطن العراقي لا خوف من عدوانيته، لأن لماذا؟ لأن هنالك أكو قيم أصيلة بالمجتمع، المواطن قد تمسك بهذه القيم، أكو تماسك أسري سليم، أكو أيضاً جانب روحي، أكو هنالك بناء عقائدي، هذه كلها حقيقة مؤسسات تدعم وتقوم شخصية الآن الفرد، فلا خوف من أن سلوك العدوان أنه يكون صفة لصيقة بشخصية الآن المواطن العراقي.

محمد كريشان: دكتور جاسم صياد الشمري شكراً جزيلاً لك. دكتور الشمري كان من بين ضيوفنا في هذه الحلقة التي تأتيكم مباشرة من العاصمة العراقية بغداد.. بغداد التي تعيش هذه اللحظات العصيبة بعد كل التطورات السياسية المتلاحقة والتي أشَّرت إلى قُرب احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد العراق، بدأنا البرنامج بمقاربة سياسية من خلال استضافة السيد (وزير الإعلام العراقي) محمد سعيد الصحاف، ثم تناولنا الجوانب الصحية والإنسانية والنفسية، ومازلنا معكم بعد الفاصل نعود للتطرق للدروع البشرية وهي ظاهرة ليست جديدة، ولكنها قد تكون ذات خصوصية معينة في العراق.

[فاصل إعلاني]


ظاهرة الدروع البشرية وخصوصيتها في العراق

محمد كريشان: في كل الحروب يخاف كثيرون من استغلال هذا الطرف أو ذاك للمدنيين العزل كدروع بشرية، ولكن في الحالة العراقية هناك بعض الدروع الذين جاءوا إلى هنا عن طيب خاطر، وجاءوا للإعراب عن معارضتهم لهذه الحرب، وبالتالي اتخذوا هذا الأسلوب الاحتجاجي، تقرير محمد خير البوريني.

تقرير/محمد خير البوريني: منذ اشتداد الأزمة وتلويح الولايات المتحدة بالحرب بدأت المنظمات والوفود الإنسانية بالتقاطر إلى العراق تعبيراً عن التضامن وإيماناً بأن الحرب لن تخلف سوى القتل والدمار وإيقاع الأذى والتسبب في مآسٍ لا يمكن حصرها سلفاً في صفوف المدنيين، أطفالاً ونساءً ورجالاً.

ناشطة: سيكون هناك الكثير من المشردين الباحثين عن مأوى، وسيكونون بدون طعام، نعلم أن نحو 60% من العراقيين يعتمدون على الحصة التموينية التي تأتي ضمن صفقة النفط مقابل الغذاء والدواء، إذا تعرقلت الإمدادات هذه ستحدث مجاعة شاملة، نحن نتحدث هنا عن ملايين العراقيين الذين سيتعرضون للجوع والأمراض والموت أيضاً بسبب الإرهاب.

محمد خير البوريني: الحس الكبير بالمسؤولية الإنسانية دفع كثيرين ممن يطلقون على أنفسهم دروعاً بشرية إلى قبول هذا الوصف رغم تأكيدهم على حب الحياة والتعلق فيها، من هنا قرروا الانتشار في عدد من المنشآت المدنية العراقية لا سيما تلك التي تؤمِّن الحد الأدنى من مقومات الحياة للمواطنين العراقيين.

طبيب إيطالي من الدروع البشرية: لا أتمنى أن أكون درعاً بشرياً، فأنا أحب الحياة، أنا لست استشهادياً ولا بطلاً، ولكن والحال هكذا فإنني كدرع بشري أستطيع أن أدافع عن منشأة المياه هذه التي تخدم نحو مائتي ألف مواطن.. أنتم تعرفون الأمراض التي تفشت في أوروبا قبل قرون بسبب تلوث المياه، إذا كان هناك من يريد اقتراف جرائم حرب ضد الإنسانية وخرق جميع القوانين الدولية ويتسبب في قتل المدنيين فلابد لي كطبيب من محاولة فعل شيء لتجنب حدوث ذلك.

محمد خير البوريني: عمل أنصار السلام والدروع البشرية لا يقتصر على الانتشار في المنشآت المدنية والخدمية، بل يتعداه إلى أنشطة إنسانية عديدة يشاركون فيها المواطنين العراقيين حياتهم اليومية ويخففون عن أطفالهم قدر الإمكان، ويشاركون في المظاهرات والمسيرات المناوئة للحرب.

مشاعر إنسانية تتوازى مع استعدادهم للتضحية بأنفسهم إذا ما اقتضى الأمر ذلك.

درع بشري: نقوم بمظاهرة سلمية ضد الحرب، لسنا مؤيدين للحكومة العراقية ولسنا ضد أميركا، نحن مجرد أناس على استعداد للموت من أجل منع وقوع الحرب.

محمد خير البوريني: من أهم المنشآت التي ينتشر فيها دعاة السلام والدروع البشرية مصافي النفط العراقية التي تزود البلاد بمشتقات النفط، وتُسَير عجلة احتياجات المواطنين اليومية، المنشآت التي كانت قد تعرضت إلى القصف في عام 91 وتعرض بعضها للقصف في الهجوم الصاروخي الذي نفذته الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب واحد في عام 98.

درع بشري: أقيم في مصفاة الدورة في جنوب بغداد منذ أكثر من أسبوعين، وأقوم يومياً بزيارة حضانة الأطفال القريبة من مكان إقامتي ومن مصفاة النفط.

أصغر الأطفال في هذه الحضانة يبلغ من العمر أربعة أشهر، جميع الأطفال لطفاء كما هم الأطفال في بقية دول العالم، الأطفال يستحقون الحياة ويستحقون المستقبل، أعتبر جميع الأطفال هنا أطفالي أيضاً.

محمد خير البوريني: كما ينتشرون في محطات تنقية وتعقيم المياه التي غالباً ما تزود المواطنين والمشافي على حدٍ سواء باحتياجاتها.

محمد كريشان: ومازلنا معكم إذن في هذه الحلقة الخاصة من (قضية الساعة) وتأتيكم من بغداد، معنا الآن في الأستوديو السيدة جوديث إمسون وهي (إحدى الدروع البشرية وهي بريطانية). سيدة إمسون، في البداية: هل أنت خائفة الآن؟

جوديث إمسون: كلا، على الإطلاق، ولم أشعر بالخوف من قبل، ولم كنت سآتي إذا شعرت بذلك.

محمد كريشان: كم.. كم.. كم من الوقت أتيت قبل أي فترة؟

جوديث إمسون: لقد أتيت مرة منذ.. من قبل وبقيت حتى عام 2000.

محمد كريشان: كم.. كم.. نعم، كم عددكم الآن تقريباً؟

جوديث إمسون: لست متأكدة تماماً، فنحن من مختلف الجهات، لكننا بدأنا من أربع مواقع والآن .. خمسة مواقع، والآن أصبحت تسعة مواقع تنتشر بها وحسب علمي وخلال وجودي هنا.. هناك ممثلين من أكثر من 50 دولة في هذه الدروع البشرية.

محمد كريشان: السيدة إمسون، هناك إعجاب بما تقومون به في الدول العربية، والسؤال الذي يتبادر لأذهان كثيرين هو: ما الذي أتى بكم؟ أنتِ مثلاً بريطانية كنت ربما تعيشين عيشة مرتاحة، ما الذي أتى بك إلى هنا إلى بغداد؟ مع أنها عاصمة تبدو هادئة الآن ولكن عاصمة.. نحن على ضفاف دجلة نتحدث الآن تبدو الأمور هادئة ولكنه هدوء الذي يسبق العاصفة وهدوء متوتر جداً، باختصار ما الذي أتى بكِ؟

جوديث إمسون: سأقول لك: عندما كنت هنا المرة السابقة في عام 2000 ذهبت إلى أسرة.. أسرة صديقة.. صديق لي وحفيده كان عمره عامين اسمه مرتضى أتى وجلس أمام.. أمامي ونام فوراً وأشعرني أنه يثق بي كغريبة كلياً عنه ولست مستعدة لأن أشعر بفقدان هذه الثقة، وأشعر بأن هنالك كثير من الأطفال مثله.. مثله يشعرون بصدمة من هذه الحرب ونفكر بالقصف و.. الذي تعرضوا له في الحرب السابقة وحربهم مع إيران و46% من أطفال العراق هم دون سن السادسة عشرة من العمر، وهم أمة فتية تواجه حرباً على الأطفال، هذا.. هذا يعني أنه ليس له مبرر لا قانوني ولا أخلاقي.

محمد كريشان: هذا شعور نبيل، ولكن كان يمكن أن تُبدي تعاطفاً دون أن تأتي بالضرورة إلى هنا وتضحي بنفسك يعني.

جوديث إمسون: نعم، هذا صحيح جداً، لكن كان لدينا مسيرة في لندن لأكثر من مليوني شخص وبالتعبير الإحصائي نضرب هذا الرقم بثمانية من تعداد السكان الذين سيكونون هناك إذا أمكنهم ذلك، وهذا يعبر عن ستة عشر مليون شخص، والدوائر الانتخابية عبارة عن ثلاثة عشر مليون شخص، إذا كان رئيس الوزراء لم يسمع لأصوات الناس، أصوات الشعب فعلينا اتخاذ قرارات يائسة مثل القدوم إلى العراق لحماية الناس ولأننا هنا في.. لدينا بلير في بريطانيا وبوش في أميركا يريدون إحلال الديمقراطية في بغداد، ولكنهم لا يمارسونها في بلادهم ولا يسمعون لشعوبهم، وهذا هو هجوم يستهدف الديمقراطية وهو ضد المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية والقانون الدولي بأكمله. وأعتقد أن الشعوب عليها أن تدافع عن ذلك وإلا.. وإلا فإنه سيكون من القانوني أن تقتل جارك الطفل دون أن تنظر إليه وهذا سيؤدي إلى إحلال قانون الغاب، وهو في الواقع هو قانون الغاب الآن.

محمد كريشان: هل من بينكم أميركيون؟

جوديث إمسون: نعم، هناك أميركيين، هنالك (تايتي سيلو) وهي في موقع في شمال بغداد وبيننا أيضاً شخص أو اثنين أتذكرهما الآن بلجيكي وأسترالي واسكتلندي وأنا من إنجلترا، وأعتقد أن الأميركيين شجعين جداً في حضورهم، لأنهم بالطبع يشغلون أو معرضين للتهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، وبالتالي لن يكون لديهم تمثيل قانوني عندما يعودون إلى أميركا في هذه القضية وهذه ستؤدي إلى جوانتانامو جديدة وهذا سيستهدف الحرية العالمية.

محمد كريشان: ما هو إحساسك الآن في هذه الظرف الصعبة جداً؟

جوديث أمسون: أنا أشاطر الجميع شعورهم وكما.. كلما مشيت في شوارع بغداد أنظر إلى النمطية العادية للحياة التي تبدو على السطح عادية، لكن من الجوهر وتشعر بالتغير الذي طرأ على البُنية التحتية للناس والشعب تحمل الكثير وهذا مذهل جداً، لكنني لا.. لا أستطيع أن أصدق كيف لبوش وبلير أن يخططوا لضرب العراق وتهديد هذه الحضارات!

محمد كريشان: جوديث إمسون شكراً جزيلاً لك.

جوديث إمسون: شكراً جزيلاً. Thank you very much, Thank you

محمد كريشان: بهذا مشاهدينا الكرام نصل إلى نهاية هذه الحلقة الخاصة من (قضية الساعة) قُدِّمت إليكم مباشرة من على ضفاف دجلة في العاصمة العراقية بغداد، بغداد التي تعيش الآن دقائق صعبة وساعات صعبة والكل ينتظر ضربة عسكرية وشيكة وإن كان كل واحد يجتهد حسب طريقته في تحديد وقتها الذي قد.. قد يحين قريباً.

أعد هذه الحلقة عبد السلام أبو مالك، وكان معي هنا في بغداد وكذلك أخرجها فريد الجابري وهو معي هنا في بغداد، كانت المترجمة معكم من الدوحة إيناس زيادة، وأعد هذه الحلقة وشارك فيها بتقاريره فريق (الجزيرة) في بغداد: محمد خير البوريني، ديار العمري، ماجد عبد الهادي، فائزة العزي، كلهم فرسان (الجزيرة) وكذلك باسم كلش، كلهم فرسان (الجزيرة) يعملون هنا لنقل صورة ما يجري للرأي العام العربي والعالمي، أشكر أيضاً كل الطاقم الفني هنا في بغداد الذي بذل جهوداً كبرى لإنجاز هذه الحلقة، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.