قضايا الساعة

اللوبي المسيحي الصهيوني في أميركا

تأثير اللوبي المسيحي الصهيوني في سياسة أميركا في الشرق الأوسط، علاقة التدين الأميركي بمناصرة الصهيونية، بوش والانحياز الرئاسي لدولة إسرائيل، تساؤلات حول تعاظم نفوذ لوبي المسيحية الصهيونية في رسم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

مقدم الحلقة:

مالك التريكي

ضيوف الحلقة:

ميشال ستاينبرنج: كاتبة ومحللة سياسية – واشنطن
د.القس إكرام لمعي: أستاذ الأديان المقارنة – القاهرة

تاريخ الحلقة:

04/07/2002

– تأثير اللوبي المسيحي الصهيوني في سياسة أميركا في الشرق الأوسط
– علاقة التدين الأميركي بمناصرة الصهيونية


undefinedمالك التريكي: بوش الابن يحطم الرقم القياسي في تاريخ الانحياز الرئاسي لدولة إسرائيل، تساؤلات حول تعاظم نفوذ لوبي المسيحية الصهيونية في رسم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.


تأثير اللوبي المسيحي الصهيوني في سياسة أميركا في الشرق الأوسط

أهلاً بكم، تجنباً لإحراج الولايات المتحدة أمام العالم العربي، أوصى شارون مساعديه ووزراءه بالتحكم في مشاعرهم أمام أجهزة الإعلام، وعدم إظهار فرحتهم بخطاب الرئيس الأميركي الأخير حول الشرق الأوسط، إلا أن الفرحة كانت عارمة إلى حد أن وزير الأمن الداخلي (عوزي لانداو) اقترح منح الرئيس بوش وسام عزيز الصهيونية، بل إن اليمين الإسرائيلي أعلن أن شارون ذاته ما كان ليكتب هذا الخطاب بأفضل مما فعل بوش.

وهكذا اختلطت الأدوار، فصار شارون أحرص من بوش على صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي، بينما صار بوش آصل من الأصيل في النطق –بلسان حال إسرائيل، وقد كان مما يفي بالغرض حتى عهد قريب القول بأن الولاء لإسرائيل هو من ثوابت السياسة الخارجية الأميركية لاعتبارات تتعلق بكسب أصوات الناخبين اليهود، ولكسب رضا اللوبي المؤيد لإسرائيل، إلا أن هذا التفسير على صحته لم يعد كافياً، ذلك أن السبب المباشر لتجاوز الرئيسي بوش حدود ما هو معهود من النمط بل من نمط الولاء الرئاسي لإسرائيل، بل وتحطيمه الرقم القياسي في هذا المضمار هو أنه لا يقع تحت تأثير اللوبي اليهودي فحسب، بل أنه يقع أيضاً تحت تأثير شبكة ضغط واسعة وحديثة الظهور نسبياً كقوة سياسية هي شبكة المنظمات المسيحية الأصولية التي تسمى أيضاً المنظمات المسيحية الصهيونية، نعم المسيحية الصهيونية على ما في هذه التسمية التلفيقية من غرابة وقع على الأذن العربية.

وتكمن خطورة اللوبي المسيحي الصهيوني بأنه انتزع من حليفه اللوبي اليهودي زعامة النشاط السياسي والإعلامي الرامي لخدمة مصالح إسرائيل، حيث أن الناخبين من أتباع المنظمات المسيحية الصهيونية يعدون بعشرات الملايين، ولهذا فإن مركز الثقل الانتخابي بالنسبة للمنظمات المؤيدة لإسرائيل لم يعد يتمثل في الناخبين اليهود بقدر ما أصبح يتمثل في الناخبين المسيحيين المتشيعين للصهيونية، وليس أدل على نفوذ هذه القوة السياسية من أن عدداً كبيراً من مسؤولي البيت الأبيض وأغلبية من النواب الجمهوريين في الكونجرس هم من المسيحيين الصهاينة، إلا أن هذا التوافق السياسي بين اليهود والمسيحيين الأصوليين- مثل ما يبين ياسر أبو النصر في التقرير التالي- ما كان ليتم لولا أنه تعبير عن مقوم هام من مقومات الثقافة السياسية الأميركية.

تقرير/ ياسر أبو النصر: عندما وطئت أقدام المهاجرين الأوروبيين الأوائل من البروتستانت أرض العالم الجديد الذي عرف لاحقاً بالولايات المتحدة، اعتبروها (أورشليم) الجديدة، ويتناقل الآباء الأوروبيين الأوائل أن هؤلاء المهاجرين البروتستانت شبهوا أنفسهم بالعبرانيين القدماء، كانت موجات الهجرة البشرية مشبعة بتعاليم حركة الإصلاح الديني في أوروبا بقيادة (مارتن لوثر) تلك الحركة التي ألغت وصاية الكنيسة الكاثوليكية، لكنها بفعل التغلغل اليهودي في صفوفها جعلت من العهد القديم أو التوراة وهو الكتاب المقدس لليهود المرجع الأعلى للبروتستانتينية بكل ما يتضمنه من نبوءات أسطورية حول عودة اليهود إلى فلسطين كشرط للمجيء الثاني للمسيح.

الباحثون في عمق الثقافة السياسية الأميركية يجملون تأثيرات الفكر التوارثي في العقيدة المسيحية الصهيونية في ثلاث نقاط:

أولها: أن اليهود هم شعب الله المختار والأمة المفضلة على كل الأمم مثلما أكد (مارتن لوثر) في كتابه "المسيح ولد يهودياً".

الثانية إن هناك ميثاقاً إلهياً يربط اليهود بالأرض المقدسة.

وثالثها: أن عودة المسيح مرتبطة بتجميع اليهود في فلسطين وإعادة بناء الهيكل.

لم يكن من باب الصدفة إذن أن يكون أول كتاب طبع وصدر في الولايات المتحدة هو "سفر المزامير"، وأن تحمل أول مجلة أميركية صدرت عنوان "اليهودي"، وأن تكون أول درجة دكتوراة منحتها جامعة (هارفارد) في العام 1842 بعنوان "العبرية اللغة الأم"، فالاعتقاد الديني تحول إلى نقائه سياسية ضاربة الجذور في المجتمع الأميركي، وراحت منظمات اليمين الأصولي المسيحي منذ ذلك الحين تغذيها وتمدها بكل أسباب القوة والحياة.

في هذا السياق سارع الرئيس الأميركي (ويلسون) بالموافقة على وعد بلفور معلقاً بالقول إنه ينبغي أن يكون المرء قادراً على المساعدة على إعادة الأرض المقدسة إلى أهلها، ولم يستغرق الأمر من الرئيس (ترومان) أكثر من 10 دقائق بعد إعلان (بن جوريون) قيام إسرائيل لكي يعلن اعتراف واشنطن بالدولة الجديدة، وجاءت حرب 67 واحتلال القدس لتعطي زخماً كبيراً لحركة الأصولية المسيحية، وأساطيرها، فقد شهدت العقود الثلاثة التالية تصاعداً هائلاً للمد الأصولي المسيحي في الولايات المتحدة وأصبح أنصاره يمثلون قوة تصويتية هائلة اختبرت قوتها بدعم المرشح الديمقراطي (جيمي كارتر) الذي كثيراً ما ترددت أصداء عبارته المعروفة، أنني مسيحي ولد ثانية، وواصل التيار الأصولي المسيحي دعم قدرته التصويتية فدفع إلى البيت الأبيض بـ(رونالد ريجان) الذي وصف بأنه الرئيس الأميركي الأكثر هوساً بفكرة المجيء الثاني للمسيح، حتى إن صحيفة "النيويورك تايمز" نقلت عنه في بدايات عهده تحمسه لقيام حرب نووية إذا فكرت الدول العربية وروسيا بغزو إسرائيل، ومن بعده أحتشد الأصوليون خلف (بوش الأب)، ولكن بفوز (بيل كلينتون) في العام 1992 تحول الاهتمام الأكبر للسيطرة على الكونجرس بمجلسية، وإذا كان اكتمال تهويد القدس تمهيداً لبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى هو نهاية المطاف وفقاً للتصور المسيحية الأصولية، فقد شكل قرار الكونجرس في عهد الرئيس (بيل كلينتون) بالموافقة على نقل السفارة الأميركية إلى القدس خطوة بالغة الدلالة، وإن جمدت الإدارة الأميركية تنفيذها بشكل مرحلي، فيما يواصل اليمين المسيحي ضغوطه لانتزاع اعتراف أميركي رسمي صريح بأن القدس عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل.

الواقع على الصعيد الحكومي والتشريعي قد يجعل الانتماء الصهيوني في كثير من الأحيان مرادفاً لكون المرء أميركياً، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن كان في الولايات المتحدة لا تقر هذا الانحياز الصارخ لإسرائيل، وتبلور توجهها ذاك في تحرك استهدف الرئيس السابق ( بيل كيلنتون) عندما تلقى بياناً موقعاً من 30 من رجال الدين يطالبونه بأن تكون السياسة الأميركية أكثر توازناً ومراعاة للحقوق الفلسطينية، ولكن التساؤل المطروح دائماً: من هو صاحب الصوت الأعلى ؟

مالك التريكي: المسيحية الأصولية أو المسيحية الصهيونية إذن مذهب ديني عميق الجذور في التاريخ الاجتماعي والثقافي في الولايات المتحدة، إلا أن تحول هذا المذهب الديني إلى قوة سياسية هو تطور حديث نسبياً، لبحث قضية اللوبي المسيحية الصهيونية وأثره في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، معنا الآن من واشنطن السيدة ميشال ستاينبرغ، وهي محللة سياسية أميركية متابعة لهذا الموضوع، وقد شاركت في تأليف تقرير حوله بعنوان "من يقوم بإشعال حرب دينية في الشرق الأوسط".

سيدة ميشال ستاينبرغ: هل يمكن القول أن الخطاب الأخير للرئيس بوش الذي فاجأ حتى الإسرائيليين بمدى انحيازه لإسرائيل هو من الآثار الملموسة للنفوذ الذي يمارسه اللوبي المسيحية الصهيونية.

ميشال ستاينبرغ: إن الخطاب الأخير للرئيس بوش كان تطوراً سيئاً بالنسبة للأميركيين لأن هنالك مليارات الدولارات توجه إلى الحركة الصهيونية المسيحية وهي حركة متطرفة جداً، وليست هي وسطية، وهذا يعود أيضاً إلى أنها هي حركة متطرفة جداً، وليست هي وسطية، وهذا يعود أيضاً إلى أنها هي حركة سياسية تضم المليونيرات الكبار في البلاد، ولها أيضاً معارضين كثر في الولايات المتحدة، لأن العداء الذي أظهره الرئيس بوش تجاه الرئيس عرفات ليس.. لا يعكس مشاعر الشعب الأميركي فهي حملة يقوم فيها الصهيونيين المسيحيين بجمع ملايين الدولارات للتأثير في هذا الاتجاه.

مالك التريكي: المعروف إن 80% من الناخبين اليهود صوتوا ضد بوش في انتخابات عام.. عام 2000 وهم اليهود عادة يصوتون تقليدياً للحزب الديمقراطي، هل يمكن القول إن بوش يسعى الآن بهذا التحيز الذي لا سابق له لإسرائيل إلى كسب أصوات اليهود في الانتخابات النصفية وفي الانتخابات الرئاسية القادمة؟

ميشال ستاينبرغ: بالتأكيد، هذا.. هنالك معركة كبيرة سياسية تدور حالياً في الولايات المتحدة ففي عام 2001 كان هنالك لقاء بين الرئاسة والسفارة الإسرائيلية، فالأميركيين يسعون لإقامة إسرائيل آمنة، لكن هنالك منظمات إرهابية اجتمعت معاً، وأعطي من الصهيونية.. من المسيحية الأصولية جلسوا على المائدة المستديرة الدينية وقاموا بتهديد الرئيس بوش على أنه إن لم يقم بمنح شارون الضوء الأخضر للتولي أو احتلال الضفة الغربية مجدداً، فإنهم سيقومون بتعبئة الاتجاه اليميني في الولايات المتحدة، والإنجيليكيين ضد بوش، وهذا جهداً قاموا به أو عملاً قاموا به للحصول على دعم 100% لشارون ونتنياهو وموفاز وسياساتهم التي تتمثل الآن وهي تشابه ما حدث بالنازية، وإذا لم تقم الولايات المتحدة بدعم هذا، فإن هذا التجمع المسيحي الأصولي سيؤثر ويدفع إلى هزيمة الرئيس بوش وهو هذا أمر بقلقه بالفعل، وعليه..

مالك التريكي [مقاطعاً]: هنالك اختلاف.. آسف.. آسف سيدة ستاينبرغ، على المقاطعة، سيدة ستاينبرغ هنالك اختلاف في تقدير حجم الناخبين المسيحيين الصهاينة، أنت تابعتي الزيارة التي قام بها نتنياهو في شهر أبريل إلى واشنطن وكانت برعاية المنظمات المسيحية الصهيونية، قيل آنذاك إن مئات الآلاف من الأميركيين سيأتون إلى الاجتماعات، لكن العدد لم يتجاوز 20 ألفاً، في هو التقدير الحقيقي لحجمهم؟

ميشال ستاينبرغ: يمكن أن يكون هنالك 70 ألف تابعاً لهم، لكنهم الآن أصبح عددهم أقل في التأثير على التصويت وقوتهم، لكنهم يستخدمون العملية الحربية الإسرائيلية وتأثيرهم على إدارة بوش، لاستعادة الزخم والقوة لصفوفهم، وهؤلاء هم قوى في الولايات المتحدة وهم من أدوا إلى قتل الرئيس الذي كان يفاوض للسلام وهو (إسحق رابين).

مالك التريكي: أثبت اليمين المسيحي الآن الصهيوني أنه يقدر أن يقضي على الحياة السياسية لأي سياسي جمهوري يغضبه، و(جون ماكين) جرَّب ذلك، ويقال أن ما يريده اللوبي المسيحي الصهيوني هو أن يكون كل عضو في الكونجرس على شاكلة (جيسي هالمز)، هل هذا صحيح؟

ميشال ستاينبرغ: نعم، لكن هنالك شخص آخر يفضلونه الآن، وهو (توم ديلاي) في الكونجرس من تكساس، وهو في الواقع يهدد بوش إن لم يقم بتحقيق ما يريده اليمين والأصوليين المسيحيين فإنه سيعود إلى (جون ماكين) وهذا الرئيس الآن توجه له الضربات، فهذه الكرة توجه من جنب إلى آخر، وهنالك (ريتشارد بيرل) و(شارون) و(ماكين) و(ليبرمان) هم يشكلون تهديداً ويرمون الكرة من جهة إلى أخرى.

مالك التريكي: عندما حصل هذا الاجتماع الحاشد في واشنطن كان.. كان هناك شيء لافت للنظر، سيدة ستاينبرغ، هو أن بعض الخطباء الذين تحدثوا عن السلام حتى (بول وولف ودز) الذي يعرف أنه من المحافظين الجدد، والذي يؤيد إسرائيل، تعرض لصيحات الاستنكار، وعندما تحدث عن معاناة الفلسطينيين في ذلك الاجتماع، تعرض لصيحات الاستنكار، هل بلغ الأمر بالمسيحيين الصهيونيين إلى أنهم لا يعترفون حتى بتعرض الفلسطينيين للمعاناة في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة خاصة؟

ميشال ستاينبرغ: إنهم لا يعترفون بها، فهم أصوليون ومتشددون ومتطرفون، وليسوا مهتمون بالسلام، فالحقيقة هي أنهم يريدون أن ينهوا ما هو عليه الوضع الآن وما حدث في الحرم الشريف كانوا يشاركون لمدة سنوات عديدة في خطة لبناء الهيكل وأيضاً تهديم الحرم، ولكن زيارة (أرييل شارون) في عام 2000، سبتمبر 2000 كانت هي تمثيلاً لرغبة هذا اتجاه، فالمسيحيين الحقيقيين –وهي الأغلبية في الولايات المتحدة- يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني ومعاناته، لا يمكننا أن نجعل مجموعة قليلة تتحكم بتفكير الغالبية في الولايات المتحدة.

مالك التريكي: المعروف أن هذا.. هذا المذهب السياسي الآن يرتكز على الكنائس المعمدانية في .. babtism churches.. baptissm في جنوب الولايات المتحدة، وهي معروفة بأنها دافعت عن حقوق السود، الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات، فكيف تجمع الآن بين الدفاع عن الحقوق المدنية داخل أميركا وإنكار الحقوق الإنسانية لشعب كامل.

ميشال ستاينبرغ: هذا مهم جداً، فالآن هنالك فضيحة كبير، لأن الاتجاه اليمني، وتمويل اللوبي الصهيوني، فهو مشهور جداً، هنالك رجل كونجرس أفريقي، وهو أميركي من الأفارقة أصول أفريقية، وكان أيضاً عمل ونجح ليس بفعل الأصولية المسيحية، بل أيضاً بسبب العلاقات الإسرائيلية الأميركية، وأموال من خارج الولايات المتحدة، وبالتالي هو خدم هذه الفئة الأميركية، وبالتالي حصل على هذا الدعم من الخارج.

مالك التريكي: السيدة ميشال ستاينبرغ (الكاتبة السياسية) من واشنطن، شكراً جزيلاً لك.

رغم الأفكار الرائجة عما يسمي بمادية المجتمع الأميركي فإن جميع استطلاعات الرأي العام تؤكد أن عامة الأميركيين متدينون، وأن نسبة كبيرة منهم تواظب على ارتياد الكنائس، وذلك بخلاف الأمر مع الأوروبيين.

[فاصل إعلاني]

علاقة التدين الأميركي بمناصرة الصهيونية

مالك التريكي: توصف كثير من المجتمعات الأوروبية الغربية بأنها مجتمعات ما بعد مسيحية أو ما بعد دينية، إشارة إلى أنه لم يعد للدين من دور يذكر في حياتها العامة، لكن رغم أن الولايات المتحدة الأميركية هي زعيمة الغرب فإن هذا الوصف لا ينطبق على المجتمع الأميركي، حيث أن عامة الأميركيين متدينون، كما أن نسبة كبير منهم تواظب على إقامة الصلاة في الكنائس، رفاة صبح تتوقف في التقرير التالي عند بعض الأرقام الدالة.

تقرير/ رفاه صبح: تشير الإحصاءات الصادرة خلال التسعينيات بأن 82% من الأميركيين يعتبرون أنفسهم متدينين، وهي نسب تتضاءل إلى جانبها عند المقارنة نسب التدين في أوروبا التي تبلغ 55% في بريطانيا، وفي ألمانيا 54%، وتنخفض إلى 48% في فرنسا.

نسب التدين المرتفعة أميركياً يترجمها التصاعد الملحوظ في عدد المنضمين للكنائس الذين كانت تقدر نسبتهم بـ 17% من الأميركيين عند الاستقلال عن بريطانيا، ثم أصبحوا 37% مع الحرب الأهلية التي بدأت عام 1861، وارتفعت النسبة إلى 50% في بدايات القرن العشرين وأخيراً قفزت النسبة إلى 70% خلال التسعينيات.

التعبير الإعلامي عن ذلك تمثل في آلاف المطبوعات ومحطات التليفزيون التي أصبحت تعرف بالكنائس المرئية، ووفقاً لإحصاءات معهد (جالوب) خلال التسعينات هناك 1110 من الخدمات التليفزيونية المسيحية منها 104 محطات ذات بث مفتوح، 1006 قنوات بنظام الكابل يشاهدها حوالي 70 مليوناً من الأميركيين، كما تزايد عدد دور النشر المسيحية خلال التسعينيات إلى 1300 دار نشر يصب إنتاجها في سبعة آلاف مكتبة لتوزيع هذه النوعية من الكتب، تقدر مبيعاتها بثلاثة مليارات دولار سنوياً.

مالك التريكي: يشاهدوا الكنائس المرئية، أي قنوات التليفزيون المسيحية، إذاً ما لا يقل عن سبعين مليون أميركي، الأمر الذي يؤكد شيوع التدين في الولايات المتحد، فهل هو تدين من النوع الذي يُسهل التشيع للصهيونية؟ نوجه السؤال للدكتور إكرام لمعي (أستاذ الأديان المقارنة في كلية اللاهوت بالقاهرة، ورئيس المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية في مصر).

دكتور لمعي، ألفت كتاباً في مطلع التسعينيات عن الاختراق الصهيوني للمسيحية، فهل هو اختراق من النوع السياسي، أم أن في المسيحية على مذهب المعمدانية الجنوبية في أميركا أسساً عقائدية تسهل التشيع للصهيونية؟

د.القس إكرام لمعي: بلا شك فيه أسس عقائدية في من العهد القديم، وزي ما إحنا عارفين إنه لماجيه الإصلاح ابتدا يركز على العهد القديم، ويربطه بالعهد الجديد، وإن البروتستانت اللي هاجروا من أوروبا إلى أميركا اعتبروا نفسهم بيعبروا إلى أرض الموعد اللي هي أميركا، وابتدا في وجودهم على هذه الأرض بدءوا يعلموا الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ويأخذوا من العهد القديم معاني روحية لمعنى العبور ولمعنى أورشليم ولمعنى الوحدة المسيحية الكاملة، وبالتالي التفسير الروحي لهذه الأمور كان شيئاً رائعاً ومقبولاً، إلا أن هنالك بعض التفسيرات الحرفية للعهد القديم أيدت وجود الصهيونية الجديدة في عملية احتلال الأرض في فلسطين بالعنف، فمثلاً هذه العقيدة كانت مرتبطة بالمسيحية في القرن الأول، أن المسيح جاء لأجل اليهود، وعندما رفضوه اليهود ذهب المسيح إلى الأمم..، وكان هذا أمراً مُدبراً من الله أو بمشيئة الله، لكي تصل الرسالة إلى كل العالم، وفي نهاية العالم قبل أن يأتي المسيح إلى الأرض على اليهود أن يبنوا الهيكل وأن يقدموا الذبائح، ثم يأتي المسيح، فيتعرف عليه اليهود، هذه العقيدة تجد بعض الآيات التي تفسر حرفياً وليس روحياً، وهنا نرى أن كأن الله قد بدأ باليهود في بداية التاريخ، وينتهي باليهود في نهاية التاريخ، وما المسيحية إلا جملة اعتراضيه في وسط هذا التاريخ.

مالك التريكي: لهذا السبب أن الأب عطا الله حنا (المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس) قال قبل أسابيع إن الجماعات المسيحية الصهيونية لا تمت للمسيحية بصلة، ليست مسيحية بحق.

د.القس إكرام لمعي: هي ليست مش بالضبط كده، ما نقدرش نقول كده بالضبط، لكن هي.. هم هي حركة، لا نستطيع أن نقول هنالك مذهب مسيحي يُسمى بالصهيونية المسيحية، لكن نقول هي حركة يتبناها بعض المسيحيين الموجودين في الكنائس وعددهم ليس كبيراً، وهم يؤمنون بعودة المسيح إلى أورشليم بعد عودة اليهود إليها، الذين لا ينتمون إلى المسيحية هم الذين يتبنون العنف في هذا الأمر، لكن هنالك عدد كبير جداً منهم لا يتبنون فكرة العنف، يقولون: لماذا لا يعود اليهود ويعيشون مع الفلسطينيين جنباً إلى جنب بدون عنف وبدون قتل و.. وإلى آخره، هذا مجرد فكر، لكن عندما تحول هذا الفكر إلى عنف وقتل واحتلال للأرض لهذه الصورة هنا نقول عنهم أنهم غير مسيحيين، لأن المسيحية لم تتبن العنف في يوم من الأيام، بل إن العنف هو ضد الفكر المسيحي ككل.

مالك التريكي: بعض اليهود ينتقدون هذه الجماعات المسيحية الأصولية أو المسيحية الصهيونية، لأنهم يقولون أنها تستخدم إسرائيل واليهودية بصفةٍ عامة استخداماً مصلحياً من أجل تحقق النبوءة المتعلقة بعودة المسيح، أليس هذا صحيحاً؟

د.القس إكرام لمعي: لأ، هذا صحيحاً طبعاً، هذا أمر صحيح، إنه فيه بعض اليهود الذين يدعون بالسلام، ويدعون أن.. أن تعيش إسرائيل في سلام بجانب الفلسطينيين، وأن يكون هنالك تعاملاً يومياً بين بعضهم البعض كشعبين متجاورين منذ آلاف السنين، هؤلاء يرفضون تماماً دعوة الصهيونية المسيحية التي تُبنى على العنف.

مالك التريكي: البعض في أوساط هذه الجماعات المسيحية الأصولية ينكرون على المسيحيين العرب عامة وعلى المسيحيين الفلسطينيين مسيحيتهم أيضاً، أليس هذا داعياً" لمحاولة الكنائس العربية بمختلف مختلف طوائفها مد جسور الحوار مع هذه الجماعات لمجرد أنها مؤثرة في الرأي العام الأميركي؟

د.القس إكرام لمعي: المفروض أن يكون هنالك حوار حقيقي بين الكنائس العربية والكنائس الغربية التي توجد بها هذه الحركة أو مع هذه الحركات، والحقيقة الكنائس الكبرى في أميركا ضد هذه الحركات مثل الكنيسة المشيخية وكنائس أخرى كثيرة ترفض هذه الحركات شكلاً وموضوعاً، وينبغي أن تكون.. بل أن هنالك حوارات بدأت بالفعل بيننا وبينهم هناك، نوضح من خلالها الفكر اللاهوتي الحقيقي لمعنى إسرائيل في العهد الجديد، ومعنى شعب الله في العهد الجديد، ومعنى الوعود اللي موجودة في العهد القديم وتفسيرها بطريقة روحية لكل البشر لكل الأجناس الذين ينتمون إلى الله الواحد، وهذه الحوارات ناجحة إلى حد كبير جداً، سواء في أوروبا مثلاً في اسكتلندا مع المحفل العام في اسكتلندا، أو مع الكنيسة المشيخية، المحفل العام في الكنيسة المشيخية.

انتخبوا هذا العام رئيساً لهم من أصل فلسطيني، مسيحي من أصل فلسطيني، وإشارة واضحة لاتجاه هذه الكنيسة، وهنالك في سبتمبر القادم سيكون هنالك تجمع من كل مناطق العالم، ومن ضمنها الشرق الأوسط من المسيحيين العرب ليقوموا بحوار فعال مع الشعب الأميركي الذي يتأثر بهذه الدعايات الصهيونية على القنوات التي يؤجرونها هؤلاء البشر.

مالك التريكي: ألا يقتضي الأمر أيضاً دكتور لمعي توعية المسيحيين بصفة عامة بأن اليهودية اليهودية.. الناموسية -كما تمارس بصفة خاصة في إسرائيل – تحتقر المسيحية، والراحل (إزرائيل شحاك) المؤسس للرابطة رابطة حقوق الإنسان الإسرائيلية، ألف كتاباً في هذا الموضوع، ويقول إن حتى علامة الجمع في الحسابيات في أنها تُشبه الصليب محرمة في كثير من المدارس الإسرائيلية، وإن حصص التاريخ تمنع حتى دراسة العهد الجديد، وإن مدرسة عوقبت بأنها سمحت لطلبتها بدراسة العهد الجديد، ألا يقتضي هذا بعض التوضيح للمسيحيين؟

د.القس إكرام لمعي: أكيد طبعاً، هم.. هم رفضوا المسيح أصلاً يعني اليهود عندما جاء المسيح لم يقبلوه حتى كنبي من.. من ضمن الأنبياء، ولكنهم اعتبروه رجلاً لا علاقة له بالله، واعتبروه خارج عن الإيمان اليهودي، وضد الناموس اليهودي وضد التفسيرات اليهودية، وحاكموه، وصلبوه إلى آخره هذه القصة، وبالتالي هم يعتبرون أن العهد الجديد مرفوض تماماً في.. في إطار هذا الفكر، ويعتبرون أيضاً أن.. أن المسيحيين خارجون عن الإيمان اليهودي، وأن اليهود الذين تنصروا في القرن الأول مرفوضون تماماً من فكرهم، وبالتالي أي شخص حتى في هذا العصر عندما.. عندما ينتمي إلى الإيمان المسيحي بيرفضوه من اليهودية، وبيأخذوا منه الجنسية، ولابد أن يكون هذا الأمر واضحاً تماماً لكل المسيحيين، سواء من المسيحيين العرب أو من خارج الشرق الأوسط أن.. أن اليهود يرفضون تماماً أي فكر مسيحي من قريب أو من بعيد، والمسيحية أيضاً ترفض أي فكر يهودي يقوم على العنف، فتفسر العهد القديم كله على أساس روحي ورمزي.

مالك التريكي: الدكتور إكرام لمعي (رئيس.. رئيس المجلس الأعلى للكنيسة الإنجيلية في مصر) شكراً جزيلاً لك.

وبهذا تبلغ -سيداتي سادتي- حلقة اليوم من (قضايا الساعة) تمامها، دمتم في أمان الله.