عايشوا بعض مشاهدها في بلدانهم.. مصاعب ومخاطر في رحلة النزوح من أوكرانيا يرويها الطلاب العرب

مع تواصل تدفق عشرات آلاف النازحين نحو المعابر الحدودية البرية، ينصح الناشطون الطلبة والعائلات العربية بالسفر عبر القطارات أو بحافلات وقوافل في مركبات جماعية، بسبب انتشار عصابات قطاع الطرق وفرق من المرتزقة

متطوعون يقدمون المساعدة للاجئين الأوكرانيين عند وصولهم بالحافلات من معبر "ميديكا" للمشاة شرقي بولندا (الفرنسية)

الجزيرة نت- على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا يعيش الطالب السوري حسام الخطيب، للمرة الثانية مشاهد التشريد بعد أن هجّرته الحرب من بلاده منذ سنين، وعاش فصولا من المعاناة إلى أن استقرت به الحال في أوكرانيا لدراسة الطب، حيث أوشك أن ينهي عامه الأكاديمي الثالث.

لكن سرعان ما تحول استقرار الخطيب وتعليمه في جامعة مدينة "دنيبرو"، التي عاش بها، إلى محطة ثانية من النزوح إلى المجهول هربا من الحرب الروسية على أوكرانيا.

أسوة بالخطيب (23 عاما)، جذبت أوكرانيا وجامعاتها في السنوات الأخيرة عشرات آلاف الطلاب العرب والأجانب من مختلف الجنسيات، ويقدر عدد هؤلاء بحوالي 75 ألفا، إلى جانب نحو 70 ألفا هم أبناء الجاليات العربية والإسلامية، يواجهون في هذه الأيام الحرب الروسية، ويعانون صعوبات تخطّي المعابر البرية هربا من الحرب.

بين سوريا وأوكرانيا

نقلت مشاهد أسراب الطائرات الروسية وقصفها للأراضي الأوكرانية، وهروب المدنيين إلى الملاجئ، والنزوح إلى الحدود البرية مع أوروبا، الطالب الخطيب والسوريين عامة إلى مشاهد الغارات الجوية السورية في بلادهم، والذي سرعان ما تحول إلى ماكينة حربية لتدمير المنازل على رؤوس قاطنيها وتشريد المدنيين.

واستذكر الخطيب في حديثه للجزيرة نت، رائحة الدم في النزوح عن وطنه سوريا، ولذا لم يفكر كثيرا، فبعد أقل من 24 ساعة على بدء القصف الروسي للأراضي الأوكرانية، حزم أمتعته واستقل حافلة برفقة 60 طالبا من جنسيات عربية مختلفة، سافرت بهم على مدار 30 ساعة إلى الحدود البولندية.

لكن قبل أن يصل الخطيب ومن معه من الطلبة إلى المعبر الحدودي "ميديكا- شياجين" بحوالي 30 كيلومترا، اضطروا إلى النزول من الحافلة ومواصلة النزوح سيرا على الأقدام مثقلين بهموم الوصول لملاذ آمن وسط مد بشري يسير باتجاه الحدود.

أوكرانيا - خاركيف - مدنيون يتجهون صوب معبر حدودي في الاتجاه الروسي (2)
مدنيون يتجهون صوب معبر حدودي في الاتجاه الروسي قبيل اندلاع الحرب (الجزيرة)

في الطريق إلى ملاذ آمن

ونقل الخطيب مشاهد تدفق عشرات آلاف الأوكرانيين، بينهم أطفال ونساء وكبار بالسن، ومثلهم من الأجانب والطلبة من مختلف الجنسيات العربية منذ ساعات ليلة الجمعة الماضي إلى الحدود البولندية الأوكرانية منذ صباح السبت في أجواء باردة مع شح في المياه والغذاء والاتصالات، ينتظرون العبور إلى بر الأمان.

أمام الانتظار القاتل قبالة معبر "ميديكا"، فكّر الخطيب ومن معه من الطلبة في مغادرة المكان والسفر نحو معابر أخرى، مؤكدا أنه "لا يمكن العودة للوراء فكلفة الحافلة للسفر تصل إلى 7500 دولار، حيث دفع الطالب الواحد مبلغ 150 دولارا لمجرد السفر للمعبر، وفي ظل هذه الأوضاع فالأجدر الحفاظ على ما تبقى بحوزته من مال"، كما قال.

ما عادت الطرقات آمنة حتى للمدنيين، يضيف الخطيب "فهناك الكثير من الحواجز الأمنية، كما تنتشر مجموعات من القوات لا تُعرف هويتها، وفرق من المرتزقة تستغل القصف والظلام لاعتراض الحافلات أو السيارات التي نزحت عن كييف العاصمة، ومناطق لفيف، وخاركيف، ودنيبرو وروستف، وتخضع راكبيها للاستجواب".

ويشكو الخطيب، كما غيره من آلاف العائلات والأطفال والطلبة والعاملين من جنسيات مختلفة، من تعامل قوات حرس الحدود مع القوافل البشرية التي تنذر بأزمة إنسانية مقبلة قد تفضي لمخيمات لجوء بحال لم تسمح لهم بولندا دخول أراضيها، وخاصة لمن لا يحمل الإقامة الأوكرانية.

مع تدفق عشرات آلاف النازحين يوميا باتجاه الحدود الأوكرانية مع بولندا ورومانيا ومولدوفا وهنغاريا وسلوفاكيا، يُتوقع أن تتضاعف الأعداد بحال استمرار الغزو الروسي.

وتقدر مصادر الطلاب العرب أن 60% منهم تمكنوا من الانتقال للدول المجاورة أو ينتظرون قبالة المعابر الحدودية.

وتعززت المخاوف من نشوء أزمة إنسانية بفعل موجات اللجوء، مع تباطؤ دور الصليب الأحمر ومؤسسات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وعجز السفارات والقنصليات العربية والأجنبية عن إغاثة وإجلاء الرعايا كما يجب.

في المقابل، برز حضور ونشاط جمعيات الإغاثة والمؤسسات الإنسانية والطبية والقانونية بأوكرانيا ودول أوروبية، لتقديم العون والمساعدة للنازحين بحثا عن ممرات آمنة.

عماد أبو الرب من أصول أردنية ومقيم في العاصمة كييف ناشط بمبادرة لمساعدة النازحين العرب (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلية أزمة

وكان رئيس المجلس الأوكراني العربي للتواصل والحوار،‏ الدكتور عماد أبو الرب، وهو من أصول أردنية ومقيم في العاصمة كييف، من المبادرين لتشكيل خلية الأزمة العربية التي تنشط وتعمل قبالة الحدود الأوكرانية، وبالتنسيق مع رؤساء الجاليات العربية والإسلامية، لتقديم المساعدة والإرشاد للطلبة وأبناء الجاليات من مختلف الجنسيات ممن يريدون مغادرة أوكرانيا.

وقال أبو الرب للجزيرة نت إن خلية الأزمة العربية فعّلت التواصل بين السفارات والجاليات للتنسيق والإرشاد وتسهيل التواصل ونشر الوعي بين الطلاب وأبناء الجاليات ‏وتوفير المعلومات الصحيحة، ورعاية واحتضان من تقطعت بهم السبل، بغرض التخفيف عن العائلات والطلبة الذين يعيشون هول العمليات العسكرية.

نصائح وتحذيرات

ومع تصاعد التوتر والعمليات العسكرية، وتواصل تدفق عشرات آلاف النازحين من الأوكرانيين ومن الدول العربية والأفريقية نحو المعابر الحدودية البرية، نصح أبو الرب الطلبة والعائلات التي تريد مغادرة أوكرانيا، بالسفر عبر القطارات أو بحافلات وقوافل في مركبات جماعية.

وقال إن الكثير من الطرق ما عادت آمنة مع انتشار عصابات قطاع الطرق وفرق من المرتزقة بهدف إشاعة الفوضى.

ودعا أبو الرب الصليب الأحمر ومؤسسات الأمم المتحدة لأخذ دورها وتوفير الطرق والممرات الأمانة لإنهاء معاناة النازحين الذين في غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، ومنهم المرضى الذين يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، وينتظرون في البرد القارس أياما من أجل عبور الحدود.

فؤاد عودة رئيس الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية (مواقع التواصل الاجتماعي)

تنسيق في أوروبا

ولتفادي تفاقم أزمة اللاجئين بالدول التي تربطها حدود مع أوكرانيا، أُطلقت من إيطاليا وحدة الأزمات الدولية بمبادرة الجالية العربية في روما والرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية برئاسة البروفيسور، فؤاد عودة.

وجاءت المبادرة عبر تنسيق بين الجاليات العربية والأجنبية بأوروبا والدول المحيطة بأوكرانيا، استعدادا لاستقبال النازحين وتوفير المبيت لهم وإتمام معاملات نقلهم إلى بلدانهم.

وأوضح عودة المنحدر من الداخل الفلسطيني، والمقيم في روما، أن غالبية السفارات والقنصليات الأجنبية والعربية في كييف أغلقت أبوابها حتى قبل الغزو الروسي وتركت رعاياها للمجهول.

وعبّر عودة، في حديثه للجزيرة نت، عن قلقه من أن الكثير من الطلاب النازحين عند المعابر الحدودية لا تسمح لهم الدول عبور أراضيها كونهم لا يحملون الإقامة الأوكرانية.

وأكد رئيس جالية العالم العربي في إيطاليا أن جميع الجاليات ومؤسسات الإغاثة والجمعيات الإنسانية والطبية في أوروبا تعمل بشكل منسّق من أجل تقديم المساعدة للفارين من الحرب.

وحذر من مغبة تفاقم أزمة اللاجئين في أوكرانيا والدول المحيطة مع نزوح قرابة 500 ألف شخص والتوقع بمضاعفة الأعداد في الأيام المقبلة، فيما شُرد نحو 7 ملايين أوكراني من منازلهم بحثا عن مناطق آمنة.

ووجّه عودة انتقادات شديدة اللهجة للدول الغربية والولايات المتحدة لتجاهلها أزمة النازحين، وصمتها الذي يتسبب بأزمة لجوء من شأنها أن تنعكس سلبا على جميع الدول المحيطة بأوكرانيا.

المصدر : الجزيرة