هكذا فتحت احتجاجات مهسا أميني أبواب السؤال عن حق التظاهر بإيران

يقول عالم اجتماع إيراني إن عدم التجاوب مع مطالب المواطنين يسوقهم إلى أساليب غير قانونية للاحتجاج على الوضع القائم، "وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لبعض الجهات الأجنبية لركوب الموجة وحرف المطالب الشعبية لأهداف سياسية".

Protests continue in Iran
إيرانيون يتظاهرون بعد وفاة الشابة مهسا أميني بالعاصمة طهران (الأناضول)

طهران- لم تكن الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها بوفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني قبل 3 أسابيع، حدثا جديدا على البلاد التي تتجدد فيها المظاهرات بين الفينة والأخرى، ويعيد خلالها الإيرانيون مطالبهم بشرعنة حق الاحتجاج السياسي الذي يكفله الدستور، إلا أن بعض الأحزاب السياسية تشكو منعها من ممارسته.

وخلافا لمواقف المؤسسة العسكرية التي حذّرت من أنها لن تتساهل مع من وصفتهم بـ"العابثين بالأمن الوطني"، تحدث أكثر من مسؤول سياسي عن حق المواطن في الاعتراض والاحتجاج في إطار القانون.

في حين قال مراقبون إن المادة الدستورية المنوطة بالاحتجاج "يشوبها اللّبس"، مما يجعل البرلمان أمام مسؤولية وضع إستراتيجية عملية للتعامل مع طلبات الأحزاب لإقامة مسيرات احتجاجية في إطار القانون.

وتنص المادة "27" في الدستور الإيراني على أنه "يجوز عقد الاجتماعات وتنظيم المسيرات دون حمل السلاح، بشرط ألا تكون مخلة بالأسس الإسلامية".

نجاد بهرام تقول إن الاعتراف بحق المواطن في الاعتراض والاحتجاج كان كفيلا باحتواء الاحتجاجات الأخيرة (الصحافة الإيرانية).jpg
زهرا نجاد بهرام: الاعتراف بحق المواطن في الاعتراض كان كفيلا باحتواء الاحتجاجات الأخيرة (الصحافة الإيرانية)

قانون التظاهر

وبالرغم من أن الدستور الإيراني يقرّ حق المواطن في الاحتجاج السياسي، فإن الطابع الأمني سرعان ما يطغى على التعامل مع الاحتجاجات المتجددة في إيران، مما يثير انتقادات بعض الجهات السياسية التي ترى في إمكانية الاحتجاج القانوني سبيلا لامتصاص الغضب الشعبي و"قطع الطريق بوجه الجهات الأجنبية التي تستغل الاحتجاجات المطلبية وتحولها إلى أعمال شغب".

في غضون ذلك، استذكرت السياسية الإصلاحية عضو المجلس البلدي الخامس في العاصمة طهران زهرا نجاد بهرام، رفض مشروع قانون تقدمت به لتخصيص أحد شوارع طهران للاحتجاجات الشعبية، مؤكدة -في تصريحات صحفية- أن الاعتراف بحق المواطن في الاعتراض والاحتجاج كان كفيلا باحتواء المظاهرات الأخيرة والحد من أضرارها.

من جانبه، أعلن مدير دائرة الأحزاب في وزارة الداخلية الإيرانية عبد الله مرادي اكتمال مشروع قانون تنظيم الاحتجاجات، معبرا عن أمله في شرعنته وتطبيقه في المستقبل "بغية التمييز بين الاحتجاجات السلمية وأعمال الشغب".

وبرلمانيا، أكد عدد من النواب استعداد السلطة التشريعية لدراسة المشروع سريعا والمصادقة عليه أو إعادته لإجراء تعديلات عليه قبل أن يصبح قانونا ساري المفعول، إذ نقلت وكالة أنباء "إسنا" تأكيدهم على ضرورة توفير بيئة آمنة لاعتراض الشعب على سياسيات الحكومة في احتجاجات قانونية.

رؤية محافظة

من جانبه، ألقى الأمين العام لحزب "سبز" (الأخضر) المحافظ حسين كنعاني مقدم، باللوم على الأحزاب لعدم متابعتها موضوع شرعنة الاحتجاجات السلمية، وكشف عن حضوره مؤخرا اجتماعا لرؤساء الأحزاب المحافظة والإصلاحية، تداول حقوق الشعب بالاعتراض السلمي، مؤكدا أن عددا من اللجان المتخصصة تعكف هذه الأيام على دراسة الملف.

وفي حديث للجزيرة نت، أكد كنعاني مقدم أن حزبه سبق أن تقدم بطلب لوزارة الداخلية من أجل تنظيم تجمع احتجاجي بشأن التحديات البيئية، إلا أنه سحب طلبه بسبب صعوبة تأمين الضمانات التي طلبتها السلطات المعنية. وقال إن الجهات المسؤولة تعترف بحق التظاهر السلمي لكنها تطالب المنظمين بضمان أمن التجمع، في حين أن القوات الأمنية هي المسؤولة عن هذه المهمة.

وأشار كنعاني مقدم إلى أن الداخلية سبق أن وافقت على تنظيم العديد من التجمعات الاحتجاجية على غرار احتجاجات المتقاعدين والمعلمين التي استمرت نحو عام، ولم تنحرف مطالبها عن الإطار القانوني بسبب تعهد النقابات والجهات المنظمة لها.

وعزا سبب عدم موافقة السلطات الإيرانية في الأيام الأخيرة على تنظيم مسيرات احتجاجية إلى "ركوب بعض الجهات الأجنبية موجة الحراك المطلبي" في بلاده، وتعهد بمتابعة حقوق الشعب الإيراني لتنظيم تجمعات احتجاجية في إطار القانون، مؤكدا أن أيا من الأحزاب الإيرانية -المحافظة والإصلاحية- لا يعارض توفير بيئة مناسبة للاحتجاج السياسي في إطار القانون.

Pro-government rally in Iran
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في طهران (الأناضول)

رؤية إصلاحية

في المقابل، كشفت الأمينة العامة لحزب "اتحادات الشعب الإيراني" الإصلاحي آذر منصوري، عن رفض الداخلية الإيرانية جميع طلبات حزبها لتنظيم تجمعات احتجاجية، منتقدة السياسة المزدوجة التي تسمح بتنظيم تجمعات لشريحة دون غيرها.

وكتبت في سلسلة تغريدات على تويتر أن المجتمع الإيراني محتقن ويغص بالاعتراض منذ مدة طويلة، واصفة وفاة الشابة مهسا أميني بأنها كانت كـ"ألسنة اللهب" لهذا الاحتقان، مؤكدة أن القمع والاعتقال لن يستطيعا تغيير الواقع.

وخلصت منصوري إلى أنه كان الأجدر بالسلطات الإيرانية العمل على المحاور التالية عقب وفاة مهسا أميني، لكنها فوتت الفرصة:

  • تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق.
  • الاعتراف بحق الشعب في الاعتراض، وتوفير أرضية مناسبة لذلك حتى لا تنتهي الاحتجاجات إلى العنف والقمع.
  • حسم مصير شرطة الأخلاق.

جيل الإنترنت

ولوضع حد لتحويل الاحتجاجات الشعبية إلى أعمال شغب، يقترح عالم الاجتماع مجيد أبهري الاعتراف بحق المواطن في الاحتجاج السلمي سبيلا لامتصاص الغضب وإيصال المطالب الشعبية للسلطات الحاكمة، مؤكدا أنه كان بالإمكان تفادي الأحداث الأخيرة عبر السماح للمحتجين بالتجمع والتعبير عن مطالبهم.

وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن عدم التجاوب مع اعتراض المواطن يسوقه إلى أساليب غير قانونية للاحتجاج على الوضع القائم، "مما يفتح الباب على مصراعيه لبعض الجهات الأجنبية لركوب الموجة وحرف المطالب الشعبية في سياق أهدافها السياسية".

ووصف أبهري أغلب المحتجين الإيرانيين بأنهم من الجيل الجديد الذي ترعرع في عصر الدخول السهل إلى الإنترنت، داعيا سلطات بلاده إلى تشكيل لجان متخصصة للبحث عن جذور الأزمة الراهنة، مستدركا أنه قلما يسمع هتافات تطالب بتحسين الوضع المعيشي في الاحتجاجات الأخيرة.

وختم بالقول إن التعامل مع جيل الإنترنت يختلف عن الأجيال السابقة، ولا بد من توفير أرضية لهذا الجيل للتعبير عن مطالبه في إطار القانون، "لسد الطريق على المتربصين بالبلاد"، على حد وصفه.

المصدر : الجزيرة