أميركا أول دولة اعترفت باستقلالها.. لماذا تمثل كازاخستان معضلة لواشنطن؟

Protesters toppled a statue of Nursultan Nazarbayev
إسقاط تمثال نزارباييف قد يكون بداية التحول في كازاخستان؟ (مواقع التواصل الاجتماعي)

واشنطن – قبل 30 عاما كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف باستقلال كازاخستان بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في 1991، ومنذ الاستقلال تتبع كازاخستان سياسة خارجية متعددة التوجهات وتسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى، خاصة أنها تتقاسم حدودا طويلة مع روسيا من الشمال والصين إلى الشرق.

لكن كثيرا من الخبراء يعدون كازاخستان إحدى الدول التي تدور في فلك النفوذ الروسي، ودفع ذلك لتعقيد العلاقات الأميركية الكازاخستانية، خاصة خلال السنوات الأخيرة.

واشنطن وموسكو والمظاهرات

مع اندلاع أعمال العنف والمظاهرات الحاشدة احتجاجا على زيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال في العديد من المدن الكازاخية ربطت بعض الصحف الروسية هذه الاحتجاجات بدور تلعبه أيادٍ خارجية، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

ويرى خبراء أميركيون أن موسكو لا تريد أن يقدم النظام في كازاخستان تنازلات للمعارضة وللمتظاهرين، في وقت أشارت فيه صحف روسية إلى أن ما يجري في كازاخستان هو "خدعة قذرة تستهدف موسكو" قبل المحادثات المهمة بعد أيام حول أزمة أوكرانيا بين واشنطن وحلف الأطلسي وروسيا.

ودفع ذلك المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي للقول "هناك بعض الادعاءات الروسية المجنونة حول كون الولايات المتحدة وراء هذا، لذلك اسمحوا لي فقط أن أستغل هذه الفرصة لبيان أن ذلك أنه زائف تماما، ومن الواضح أنه جزء من كتاب الخداع الروسي للتضليل الذي رأيناه على مدار السنوات الماضية".

من جانب آخر، أشار بيان صدر عن وزارة الخارجية إلى متابعة الحكومة الأميركية عن كثب تطورات الأوضاع في كازاخستان.

وأدان البيان أعمال العنف وتدمير الممتلكات، ودعا السلطات والمتظاهرين إلى ضبط النفس، واحترام المؤسسات الدستورية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام والدفاع عنها، بما في ذلك إعادة خدمة الإنترنت.

وطالبت الخارجية الأميركية كل الأطراف بالعمل لحل معضلة إعلان الطوارئ في البلاد.

ودفع ذلك سيرجي كاسباروف السياسي الروسي المعارض ولاعب الشطرنج الشهير ليغرد مهاجما البيانات الدبلوماسية الأميركية والغربية الداعية للتهدئة.

وقال كاسباروف "هل يولي بايدن وقادة الاتحاد الأوروبي اهتماما مع تبلور غزو جديد على غرار الغزو السوفياتي للمجر؟ أم أنهم سوف يستمرون في الثرثرة بشأن حل مغامرات بوتين العسكرية دبلوماسيا؟ ماكرون، شولتز، بوتين يدعمون الدكتاتوريات في جميع أنحاء العالم، من يدافع عن الشعب؟".

وجاء ذلك عقب إعلان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أن مجلس "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" قرر إرسال قوات لحفظ السلام إلى كازاخستان (البلد العضو في المنظمة) على خلفية الاضطرابات الأمنية هناك.

وجاء القرار استجابة لمناشدة الرئيس الكازاخي قاسم توكاييف قادة الدول الأعضاء في المنظمة التي تسيطر عليها موسكو مساعدة بلاده في مواجهة أحداث العنف والاضطرابات الأخيرة.

رغم تحسن علاقة كازاخستان بواشنطن فإنها لا تزال محسوبة على المعسكر الروسي (رويترز)

أهمية كازاخستان لواشنطن

تنبع أهمية كازاخستان من موقعها الفريد بين روسيا والصين وغناها بموارد الطاقة، ومنذ استقلالها عملت على تحسين علاقاتها بواشنطن ونجحت في ذلك بصورة كبيرة.

وطبقا لدراسة حديثة صدرت عن خدمة أبحاث الكونغرس قبل أسابيع، يجمع تاريخ حديث بين الدولتين لتخليص كازاخستان من السلاح النووي، وقد كانت كازاخستان موطنا لموقع التجارب النووية الرئيسي للاتحاد السوفياتي، وهي منطقة تبلغ مساحتها 6950 ميلا مربعا وتقع بالقرب من مدينة سيمي (شمال شرق كازاخستان).

وقد أجريت هناك أكثر من 450 تجربة نووية في موقع سيميبالاتينسك للتجارب بين عامي 1949 و1989، وترك تفكك الاتحاد السوفياتي لكازاخستان واحدة من أكبر الترسانات النووية في العالم، بما فيها حوالي 1400 رأس نووي وأكثر من 100 صاروخ باليستي عابر للقارات.

لكن كازاخستان تخلت عن الأسلحة النووية وعن الرؤوس الحربية السوفياتية التي بقيت على أراضيها، ونُقل آخرها إلى روسيا في عام 1995 بمساعدة أميركية، وتعاونت كازاخستان تعاونا وثيقا مع الولايات المتحدة لتأمين المواد النووية وتفكيك البنية التحتية المرتبطة بها.

وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 275 مليون دولار كمساعدة في جهود كازاخستان للقضاء على أسلحة الدمار الشامل والبنية التحتية ذات الصلة منذ عام 1991.

أحداث عنف واسعة في كازاخستان على خلفية ارتفاع الأسعار قد تقود إلى تحول في الولاءات السياسية (رويترز)

علاقات عسكرية وأمنية متطورة

وخلال شهادة له بمجلس الشيوخ في فبراير/شباط 2019 وصف قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك الجنرال جوزيف فوتيل العلاقات الأميركية مع كازاخستان بأنها "أكثر العلاقات نضجا في آسيا الوسطى".

وتشكل الاتصالات بين الجيشين الأميركي والكازاخي جانبا مهما من جوانب العلاقات الثنائية بين الدولتين.

ومنذ عام 2003 تستضيف كازاخستان مناورات عسكرية متعددة الأطراف تركز على تدعيم قدرات قوات حفظ السلام، وفي النسخة الأخيرة من هذه المناورات والتي أجريت في جنوب شرق كازاخستان في يونيو/حزيران 2019 شاركت قوات أميركية بالإضافة إلى قوات من بريطانيا وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان مع مراقبين من الهند وتركيا وأوزبكستان.

An armoured personnel carrier is seen near the mayor's office in Almaty
تصنف واشنطن كازاخستان دولة غير ديمقراطية بسبب اتساع رقعة العنف المستخدم ضد المتظاهرين (رويترز)

معضلة حقوق الإنسان

تصنف المنظمات الأميركية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان كازاخستان دولة غير حرة وغير ديمقراطية، ولم تتم دعوتها للمشاركة في قمة الرئيس بايدن حول الديمقراطية التي انعقدت في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وطلبت وزارة الخارجية الأميركية اعتمادات بقيمة 10.7 ملايين دولار كمساعدات تقدم إلى كازاخستان في العام المالي 2022، وتهدف تلك المساعدات إلى تعزيز حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية من خلال دعم سيادة القانون، وتعزيز تطوير وسائل الإعلام المحلية، وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني.

المصدر : الجزيرة