خبير أميركي وأستاذ بجامعة هارفارد للجزيرة نت: الفشل كان المصير الوحيد للحرب في أفغانستان

يعتقد والت أن التورط الأميركي في أفغانستان عاد على الصين بفوائد عدة، وعلى أميركا تدارك ذلك، كما أنه لن يؤثر على مفاوضات استعادة الاتفاق النووي مع إيران.

جندي أميركي يشارك في تأمين عمليات الإجلاء في مطار كابل (رويترز)

واشنطن- في مقابلة مع الجزيرة نت، قال ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، وهو أحد أهم منظري الشؤون الدولية المعاصرين، إنه لم يكن هناك وسيلة أو سيناريو يمكن من خلاله تحقيق نصر أميركي في أفغانستان.

ويؤمن والت أن التدخل العسكري في أفغانستان كان مهمة محكوما عليها بالفشل، لما تضمنته من تناقضات عديدة. وأرجع فشل الولايات المتحدة هناك لأسباب عدة، لكن يبقى هناك سببان رئيسيان، بحسب رأيه:

أولا: "لم تكن المهمة المختارة (تحويل أفغانستان إلى دولة ديمقراطية مستقرة على النسق الغربي) لتنجح مهما طال بقاؤنا هناك".
وثانيا: "كذب متخذو القرارات والقادة العسكريون الذين أداروا هذه الحملة على أنفسهم وعلى الشعب الأميركي، بشأن التقدم المحرز وآفاق النجاح".

محكوم عليها بالفشل

وأكد والت أنه لم يكن هناك ما يمكن للرئيس جو بايدن أن يفعله بشكل مختلف لتنفيذ الانسحاب الذي يحمي المصالح الأميركية، دون أن يخذل حُلفاء أميركا في أفغانستان.

وبرأيه، فإن بايدن كان في وضع صعب، "وهذا ما يحدث عندما تخسر الحرب. لقد كانت الحكومة الأفغانية هشة للغاية مثل بيت من ورق، ولم تتمكن الولايات المتحدة من القيام باستعدادات مكثفة لفك الارتباط إلا في اللحظات الأخيرة".

يقول والت إن "أي تحرك نحو الانسحاب كان من شأنه أن يؤدي إلى انهيار النظام الأفغاني، وبمجرد بدء انهيار جيشه، كان قد فات الأوان لوضع خطة خروج منظمة تنظيما جيدا، ولم يكن البقاء هناك لفترة أطول كفيلا بحل هذه المشكلة".

وتاريخيا، فإن "النظام الذي تفرضه السلطات الأجنبية نادرا ما يؤدي إلى الديمقراطية، ولا سيما في المجتمعات الفقيرة والمنقسمة عرقيا، والمليئة بالصراعات" بحسب والت.

ويضيف أن محاولة تحويل المجتمع الأفغاني جعلتنا محتلين وخلقت استياءً محليا، وأسفر الاعتماد المفرط على الطائرات المسيرة والغارات الجوية عن مقتل مدنيين، مما زاد من شعبية وقوة المعارضة للوجود الأجنبي، وهو ما ساعد طالبان على تجنيد المزيد من الأفغان للقتال إلى جانبها.

كان أول من كتب عن تلك العلاقة (الثورة والحرب) وأسس لها قاعدةً نظريةً جديدة، ستيفن م والت، أستاذ العلاقات الدولية بمدرسة جون كنيدي - جامعة هارفرد

دروس من الهزيمة

وينتقد والت النهج الأميركي الذي اعتمد في تدريب القوات الأفغانية وصيانة عتادها وطائراتها على المتعاقدين والمستشارين الأميركيين، وهو ما ترك الجانب الأفغاني معتمدا بصورة كاملة عليهم. كما أدى إنفاق المليارات من الدولارات لدعم الحكومة المركزية بلا رقابة، إلى تأجيج فسادها وتقويض شرعيتها الضعيفة أصلا.

وفي هذا السياق، يتحدث والت عن 3 دروس أساسية ينبغي للحكومة الأميركية أن تتعلمها من أحداث الأيام القليلة الماضية:

– أولها: التسليم بأن إعادة تشكيل بلدان أخرى على الطريقة الأميركية لن يكتب لها النجاح، خاصة عندما يتم ذلك بالقوة العسكرية، وعندما يكون المجتمع المستهدف فقيرا، وأغلبه أمّي، ومليئا بالصراعات.

– والثاني: أن على المؤسسات الأميركية أن تعيد التفكير في الخدع والأكاذيب التي انتشرت قبل الحرب، وتلك التي أطالت أمدها. فقد كان هناك الكثير من المبالغة في تقدير المخاطر، والمفرطة في التفاؤل والنجاح، دون أن تتم محاسبة الأشخاص والمسؤولين الذين أخطؤوا مرارا وتكرارا.

– وثالثا: أن على النخبة السياسية الأميركية أن تركز على أولويات أكثر أهمية مثل احتواء الصين، والتعامل مع تغير المناخ، وإنهاء وباء كورونا المتفشي حولنا في العالم، والاستعداد للوباء القادم في المستقبل. إلى جانب العمل مع الحلفاء الرئيسيين في آسيا وأوروبا لتحقيق هذه الأهداف.

U.S. Army soldiers assigned to the 82nd Airborne Division patrol Hamid Karzai International Airport in Kabul
آليات أميركية في محيط مطار كابل عقب سيطرة طالبان (رويترز)

تحديات أميركا العالمية

وعن تأثير الانسحاب من أفغانستان على تراجع تفوق الولايات المتحدة عالميا، خاصة في ظل ما تواجهه من منافسة إستراتيجية صينية وتحديها للنموذج الأميركي، اعتبر والت أن التورط الأميركي في أفغانستان عاد  على الصين بفوائد عدة.

وقال إن "المستنقع الأفغاني كلف الولايات المتحدة أكثر من 6 آلاف جندي قتيل، فضلا عن المصابين، وأكثر من تريليوني دولار، وتشتيت انتباه القادة الأميركيين عن قضايا أهم. وقد كان للحرب في أفغانستان (والحرب في العراق) فائدة كبيرة للصين".

ويرى والت أن "الخروج من أفغانستان سيُمكّن الولايات المتحدة من تركيز الوقت والمال على قضايا أكبر، بما في ذلك تحقيق التوازن مع الصين، وإجبارها على القلق أكثر بشأن احتمال انتشار التطرف الإسلامي في أجزاء من أراضيها وعلى حدودها".

وباعتقاده "إذا تعلمت الولايات المتحدة الدروس من هذا الفشل وعدلت سياساتها بحكمة، فإن الخروج من أفغانستان سيساعدها على المنافسة بفعالية مع الصين في السنوات المقبلة".

وعن إيران وتأثير الانسحاب الأميركي من أفغانستان على مسار مفاوضات استعادة الاتفاق النووي، قال إن "تعثر المفاوضات الحالية لا صلة له على الإطلاق بأفغانستان. ولذلك فإنني أميل إلى الاعتقاد بأن الأحداث في أفغانستان لن تؤثر على المحادثات".

كذب دون مساءلة

ويؤمن والت أن استمرار الحرب والوجود العسكري الأميركي في أفغانستان 20 عاما، يرجع إلى لجوء صانعي السياسات -سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين- وكبار القادة العسكريين إلى الكذب، وعدم إخبار الشعب بالحقيقة. ويقول "نادرا ما فحصت أو شككت وسائل الإعلام في التقييمات المتفائلة بشأن الأوضاع داخل أفغانستان".

ويشير إلى الوثائق الرسمية التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست عام 2019، وتتحدث عن إدراك المسؤولين الأميركيين أن تقييماتهم المتفائلة بشأن أفغانستان خاطئة، وهو ما ترك الجيش الأميركي والشعب الأفغاني يدفعون الثمن.

وينتقد والت عدم محاسبة المسؤولين عن ذلك، بل على أن النقيض "انتهى مهندسو الهزيمة في أفغانستان إلى وظائف مربحة في مراكز الأبحاث، أو مجال الاستشارات، أو الجامعات، أو القطاع الخاص، ولا يزالون يعتبرونهم خبراء في حرب فشلوا في الانتصار فيها".

المصدر : الجزيرة