بعد علاقات متميزة لأكثر من قرن.. ما أسباب توتر العلاقات بين أميركا وإثيوبيا؟

يعتقد بعض الموالين للحكومتين الإريترية والإثيوبية أن سوزان رايس المستشارة السابقة للأمن القومي الأميركي تملي على وزير الخارجية أنتوني بلينكن السياسة التي يجب اتباعها في الوقت الراهن ويتهمونها بمحاباة جبهة "تحرير تيغراي".

Ethiopians who fled the ongoing fighting in Tigray region, carry their belongings from a boat after crossing the Setit river on the Sudan-Ethiopia border in Hamdayet village in eastern Kassala state
إثيوبيون فارون من الحرب في تيغراي بعد عبورهم الحدود مع السودان (رويترز)

تعتبر إثيوبيا أحد أبرز الحلفاء التاريخيين للدول الغربية وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة التي تمتد علاقاتها المتميزة معها ما يقرب من قرن وربع قرن من الزمان.

ولم تشهد هذه العلاقات توترا أو تراجعا يذكر إلا فترة العقيد منغستو هيلي مريام الذي يمم وجهه شطر المعسكر الشيوعي ولفترة وجيزة سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها لتعود التحالفات مجددا نحو وجهتها التاريخية. وقد ظلت شريكا أساسيا ومنفذا بارعا ووكيلا حريصا للمصالح الغربية ومشاريعها الأمنية والاقتصادية بأفريقيا عموما ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص.

فما الذي استجد الآن لتفرض الولايات المتحدة عقوبات على إثيوبيا، ربما ولأول مرة في تاريخها، وتتحول علاقات البلدين إلى حالة من التوتر غير المعهود؟

ما أسباب التوتر بين الطرفين؟

بعد مضي 4 أشهر من اشتعال الحرب بإقليم تيغراي الإثيوبي في مارس/آذار 2021 وبعد إعلان رئيس الوزراء آبي أحمد حسم الجيش للمعارك على جبهة "تحرير تيغراي" تسربت لوسائل الإعلام تقارير عن ارتكاب قتل خارج القانون وتجاوزات تقترب من جرائم الحرب من قبل الجيش الفدرالي ومليشيات الأمهرا والجيش الإريتري (الثالوث الذي تواجهه الجبهة) اضطرت معه إدارة بايدن لإصدار بيان بمطالب محددة من إثيوبيا:

  1. اتخاذ خطوات فورية وملموسة لحماية المدنيين بمن فيهم اللاجئون.
  2. وضع حد للعمليات العدائية وسحب القوات الخارجية من تيغراي بما فيها مليشيات الأمهرا والقوات الإريترية.
  3. العمل مع المجتمع الدولي لتسهيل التحقيقات المستقلة الدولية والموثوقة في انتهاكات حقوق الإنسان، وإخضاع المسؤولين عنها للمساءلة.
  4. توفير الوصول الإنساني الكامل دون إعاقة إلى إقليم تيغراي.
  5. احترام التزاماتها حول الوصول لجميع مناطق تيغراي بما في ذلك المناطق ذات العمليات العسكرية النشطة.

لم تتجاوب حكومة أديس أبابا مع هذه المطالب إلا في إطار محدود فيما يخص الوصول الإنساني في بعض المناطق التي تحددها هي، وإصدار تقرير تقر فيه بأن هناك بعض التجاوزات ولكن ليس كما تدعي واشنطن أو بعض المؤسسات الحقوقية، ولم يُحاسب أحد من الضالعين في الانتهاكات المتواترة عبر تقارير عديدة.

ازدادت الأزمة وتعمقت أكثر برفض انسحاب الجيش الإريتري بل ومنع وصول المساعدات إلى بعض المناطق، مع تفاقم الأزمة الإنسانية بالإقليم. وبالجملة لم يتم التعامل مع مطالب إنهاء القتال، مع رفض متشدد من إثيوبيا لأي تفاهم للحل السلمي أو الحوار مع تيغراي.

U.N. Under-Secretary for Political Affairs Jeffrey Feltman speaks during a news conference in Colombo
إثيوبيا قابلت ببرود مقترحات جيفري فيلتمان لحل أزمة تيغراي بحسب مراقبين (رويترز)

ما الذي دفع الإدارة الأميركية لفرض العقوبات وما طبيعتها؟؟

بدا للممسكين بملفات منطقة القرن الأفريقي بالإدارة الأميركية أن إثيوبيا تنحدر نحو مستنقع الحرب الأهلية التي تهدد وحدة البلاد بشكل كبير، مع تخوفات كبيرة لامتداد الحرب إلى دول المنطقة خاصة وأن عوامل الاشتعال متوفرة ومهيأة تماما، وأن مجريات الأحداث في الواقع تدفع في ذات الاتجاه، مع تصلب في المواقف الإثيوبية والإريترية تجاه الحل السلمي للنزاع.

ويُقرأ كل هذا مع برود في التجاوب مع مقترحات مبعوث بايدن للقرن الأفريقي الذي قام برحلة مكوكية بين دول المنطقة وملفاتها المتشابكة، ولم يخرج بما يرضي البيت الأبيض، مما اضطر معه إلى اتخاذ إجراءات وصفتها الإدارة الأميركية بأنها تهدف إلى ممارسة الضغط من أجل حل الأزمة:

ـ حجب المساعدات المقررة لإثيوبيا، وهي حوالي مليار دولار سنويا استثنت منها بعض الجوانب الإنسانية.

ـ  فرض قيود التأشيرات على المسؤولين الإثيوبيين والإريتريين وقيادات من تيغراي وبعض قيادات مليشيات الأمهرا.

لماذا تتهم إثيوبيا وإريتريا رايس؟

تعتقد بعض الجهات الموالية للحكومة الإريترية والإثيوبية أن سوزان رايس المستشارة السابقة للأمن القومي الأميركي هي عقل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وهي التي تملي عليه السياسة التي يجب اتباعها تجاه إريتريا وإثيوبيا في الوقت الراهن، ويتهمونها بمحاباة جبهة "تحرير تيغراي" التي كانت تتمتع بعلاقات قوية معهم، ولديها رغبة قوية لإعادة إحياء نفوذ هذه الجبهة وخنق السيادة الإثيوبية والإريترية، ويعتبرونها اللوبي الذي يعمل لصالح جبهة "تحرير تيغراي" من خلف الكواليس من أجل إعادتها إلى الحكم، وأنها تهدف من وراء ذلك إلى إفشال التحالف الإثيوبي الإريتري الراهن وشيطنة الحكومتين من خلال العقوبات.

وتعتبر هذه الجهات المبعوث الأميركي مجرد ساعي بريد لا يملك رؤية ولا فهما للصراع. وبالتالي يعتبر تحالف آبي وأفورقي أن رايس هي العقبة التي تعيق العلاقات بين الولايات المتحدة وإريتريا وإثيوبيا، ولهذا يرفض الاستجابة تحت هذه الحجج لمطالب التهدئة وإيقاف الحرب، وحل الأزمة سلميا قبل أن تتحول إلى حرب إقليمية شاملة.

واشنطن ترى أن حل الأزمة بإقليم تيغراي يقوم على إنشاء عملية سياسية شاملة وإجراء تحقيق شامل (الفرنسية)

ما رؤية كل طرف للخروج الأزمة؟

ترى الإدارة الأميركية أن مسار الحل لا بد أن يكون من خلال:

  •  إنشاء عملية سياسية شاملة وواضحة تكون مقبولة لجميع الإثيوبيين، بمن فيهم أولئك الموجودون في تيغراي، وتؤدي إلى انتخابات ذات مصداقية وعملية مصالحة وطنية أوسع، وبالضرورة إيقاف الحرب يأتي في المقدمة.
  • السماح لفريق دولي مستقل بإجراء تحقيقات مستقلة في الجرائم التي ارتُكبت في تيغراي.
  • محاسبة المسؤولين عن الجرائم، وسحب الجيش الإريتري فورا وإعادته إلى أرضه.

في حين يرى الجانب الإثيوبي:

  •  رفض التفاهم مع قيادات جبهة "تحرير تيغراي" ورفض معاملتهم على قدم المساواة مع الحكومة الإثيوبية.
  • اعتبار المطالب الأميركية تدخلا في الشأن الداخلي الإثيوبي، وهو أمر ترفضه أديس أبابا جملة وتفصيلا.

ما خيارات إثيوبيا للتعامل مع الموقف الأميركي؟

يستحضر الإثيوبيون في مثل هذه المواقف بطولاتهم التاريخية في مواجهة الاستعمار الغربي، وكيف تحطمت الجيوش الغازية على صخرة صمودهم ومراسهم الشديد في القتال، ولهذا نلاحظ النبرة العالية في الرفض المشفوعة بالكبرياء، ولكن ربما فات عليهم اختلاف الظروف وطبيعة الأحلاف التي كانت تسمح لهم بتوظيف معسكر ضد آخر، مع اصطفاف واضح هذه المرة لجميع القوى الدولية في رفض سلوك الحكومة الإثيوبية في تيغراي، ما عدا الصين التي أعاقت إصدار قرار في مجلس الأمن بشأن الحرب بالإقليم.

والراجح أن إثيوبيا لا تستطيع الاستمرار في التعنت إزاء المطالب الأميركية والدولية بشأن أزمة تيغراي في بلد يعاني ما يزيد على 10 ملاين نسمة من المجاعة والفاقة، وربما احتاجت لبعض الوقت لترتيب أوراقها ابتداء من ترتيب سحب الجيش الإريتري، والبحث عن مخرج من الحرج الذي أوقعت نفسها فيه بسبب التجاوز في سقف العداوة مع التيغريين إخوة الوطن.

وماذا بعد؟

كلما تطاول أمد الصراع يزداد احتمال خروجه عن السيطرة مع انخراط قوى خارجية وضلوع أطراف لديها مصلحة في اتساع رقعة المواجهات الداخلية، ولعل هذا ما يخيف الإدارة الأميركية ويدفعها إلى ممارسة الضغوط على الأطراف الضالعة بالصراع، مع ملاحظة أن أزمة تيغراي جزء من معادلة يصعب تمييز الثابت فيها من المتغير.

فهل تصمد إثيوبيا أمام الضغوط الأميركية، وتولي وجهها شرقا حيث الصين وروسيا؟ أم أن واشنطن ستتمكن من إعادة ضبط بوصلتها بما يتماشى مع مصالحها من خلال تسوية تحفظ للجميع بعضا من الكرامة. هذا ما ستكشفه جولة المبعوث الأميركي القادمة وما تحمله من حوافز أو مزيد من الضغوط.

المصدر : الجزيرة