مع تعقد مسارات التفاوض..هل يشهر السودان ورقة السيادة على أرض سد النهضة؟

حرب بيانات بين السودان وإثيوبيا، فالخارجية السودانية تتحدث عن سيادة السودان على إقليم بني شنقول في حين رفضت ذلك أديس أبابا منتقدة ربط ملف أزمة الحدود بملف سد النهضة.

FILE PHOTO: Ethiopia's Grand Renaissance Dam is seen as it undergoes construction on the river Nile in Guba Woreda, Benishangul Gumuz Region, Ethiopia, September 26, 2019. REUTERS/Tiksa Negeri/File Photo
سد النهضة الإثيوبي الذي تشيده إثيوبيا على النيل الأزرق (رويترز)

يبدو أن أزمة سد النهضة الإثيوبي بين السودان ومصر من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى ستتخذ منحى خطرا مع اقتراب موعد الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، دون التوصل إلى اتفاق ملزم بخصوص الملء والتشغيل.

ففي ظل تعقد مسارات الحل تتجه الأوضاع إلى التصعيد على أكثر من جانب، والتطور اللافت أن الخرطوم تتحدث رسميا أول مرة عن السيادة على بني شنقول الإقليم الذي تبني فيه إثيوبيا سد النهضة أحد أكبر مشروعاتها الإستراتيجية على النيل الأزرق، قرب الحدود مع السودان.

وحسب مسؤول سابق في لجان الحدود المشتركة بين البلدين فإن الحكومة السودانية وعلى كثرة النزاعات بينها وأديس أبابا على ملفي المياه والحدود طالما نأت بنفسها عن إثارة سيادة السودان على إقليم بني شنقول لكنها وجدت نفسها مضطرة، على ما يبدو، إلى استخدام هذه الورقة.

وزارة الخارجية السودانية
الخارجية السودانية أصدرت بيانا تحدثت فيه أول مرة عما وصفته بسيادة السودان على إقليم بني شنقول (رويترز)

بيان سوداني ونفي إثيوبي

ويوم السبت الماضي أصدرت الخارجية السودانية بيانا انتقدت فيه ما وصفته بتشدد إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، تحدثت فيه رسميا أول مرة عن السيادة على بني شنقول.

وجاء في البيان "لا نحتاج إلى أن نذكر إثيوبيا بأن التهاون غير الرشيد في استخدام مثل هذه الدعاوى المضللة وكذلك التنصل من الاتفاقات السابقة يعني المساس بالسيادة الإثيوبية على إقليم بني شنقول الذي انتقلت إليها السيادة عليه من السودان بموجب بعض هذه الاتفاقات بالذات".

وفي أديس أبابا رفض المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي ما قال إنه ادّعاء السودان بتبعية إقليم بني شنقول له، واستمرار التصريحات السودانية العدائية وفق وصفه.

وقال في مؤتمر صحفي إنه يأسف على هذا الموقف السوداني الذي لا يتصل بالأزمة الحدودية وأزمة سدّ النهضة، مضيفا أن إثيوبيا ترفض تحركات الخرطوم لربط مسألة الحدود بملف سدّ النهضة، وجدد المسؤول الإثيوبي تمسّك أديس أبابا بقيادة الاتحاد الأفريقي لمفاوضات سدّ النهضة، ووصف ما يقوم به السودان بأنه تصرفات غير منطقية وغير مقبولة.

Ethiopian Foreign Ministry spokesperson Dina Mufti
دينا مفتي رفض ما قال إنه ادّعاء السودان بتبعية إقليم بني شنقول له (الأناضول)

تطور خطر

وبعد إثارة الخارجية السودانية مسألة السيادة على إقليم بني شنقول، يبدو أن الأزمة بين البلدين بشأن ملفي الحدود والمياه ستتخذ منحى خطرا، حسب صديق فريني العضو السابق في لجان الحدود المشتركة بين البلدين.

ويصف فريني -للجزيرة نت- بيان الخارجية السودانية بالتطور الخطر "لأنه ينطوي على مراجعات إستراتيجية ربما تلغي إحساس السودانيين على المستوى الرسمي والشعبي بوحدة الوجدان والمصالح بين البلدين".

وربما شجع تلميح الخارجية بإثارة ملف بني شنقول المستويات الأدنى للتحدث عن سيادة سودانية مسلوبة عن الإقليم المتاخم لولاية النيل الأزرق السودانية، وهو ما لم يكن متاحا في السابق وفق صديق فريني.

ويعدّ رئيس المفوضية القومية للحدود معاذ تنقو -في حديث للجزيرة نت- منطقة بني شنقول أرضا سودانية اقتطعتها بريطانيا من السودان لمصلحة إثيوبيا مقابل ألا يبني الإثيوبيون أي سد على النيل.

وعمّا إذا كان بإمكان السودان استعادة هذه الأراضي يقول "ما ضاع حق وراءه مطالب، هناك شروط لم تلتزمها إثيوبيا، والذي أوله شرط آخره نور".

حذر قديم

وتحدثت الجزيرة نت في وقت سابق إلى خبيرين في الحدود والقانون الدولي بشأن علاقة إقليم بني شنقول-قمز بالسودان لكنهما رفضا إثارة الأمر ابتداء.

وكان رأي الخبيرين أن إثارة هذا الملف يمنح إثيوبيا حجية تفتقر إليها في المراوغات التي تمارسها منذ عقود للنكوص عن الاعتراف باتفاقية 1902، وهو ما يجعلها تتأخر في ترسيم الحدود على الأرض لحسم ملف أراضي الفشقة.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استردّ السودان نحو 90% من أراضي الفشقة الخصيبة في ولاية القضارف بعد أن ظلت مليشيات إثيوبية تفلحها منذ عام 1995.

وبعد حرب شنّها الجيش الفدرالي في إقليم تيغراي بدأت الأنظار تتجه إلى إقليم بني شنقول إثر تصاعد أعمال عنف عرقية انتهت الشهر الماضي بسيطرة جماعة مسلحة على مقاطعة سيدال بإقليم بني شنقول-قمز.

وتسكن إقليم بني شنقول 5 قوميات هي "البرتا والقومز والكوما والماو والشناشا"، والشنانا التي تقطن في الشمال ذات صلة وثيقة بالأمهرا التي تشكل مع الأرومو أكبر مجموعتين عرقيتين في إثيوبيا.

لاجئون من قومية القُمز بإقليم بني شنقول الإثيوبي بعد وصولهم إلى ولاية النيل الأزرق السودانية (مواقع التواصل)

بداية القصة

ويقدم خبير القانون الدولي فيصل عبد الرحمن علي طه توضيحات يقول إنها مدعمة بالوثائق التاريخية عن ملابسات منح بريطانيا إقليم بني شنقول لإثيوبيا مقابل المياه.

وحسب طه فإن المفاوضات لتحديد الحدود بين السودان والحبشة بدأت في 15 أبريل/نيسان 1899، بين الإمبراطور منليك الثاني وجون هارينغتون الممثل البريطاني بالحبشة، وأُبلغت مصر أن الحصول على ضمانات بشأن المياه يتطلب تقديم تنازلات معقولة في الأراضي.

ويقول طه إنه اتُفق على أن تُترك بني شنقول للحبشة مقابل منح امتيازات التنقيب عن الذهب بالمنطقة للشركات البريطانية.

ويؤكد أنه تم الحصول على الضمانات المطلوبة بشأن مياه النيل الأزرق وبحيرة تانا باتفاق منفصل في مذكرات تبودلت في مارس/آذار 1902، التزم فيها منليك ألا يكون هناك تدخل في المياه إلا بعد التشاور مع الحكومتين البريطانية والسودانية.

ومنح الاتفاق منليك حق استخدام القوة المحركة للمياه بشرط ألا ينتج عن هذا الاستخدام انخفاض محسوس في كمية المياه التي تتدفق من النيل الأزرق على النيل الأبيض.

خيارات بني شنقول

ومنذ الاستقلال تجنبت الدولة المركزية بالسودان صراع بني شنقول مع الحكومة الفدرالية بأديس أبابا لجهة أن القضية تفتح ملف الحدود الشائك، إذ يتمسك السودان باتفاق 1902 بين إثيوبيا وبريطانيا التي كانت تستعمر السودان.

وتبدو حركة تحرير شعب بني شنقول التي أُسست عام 1974، وخاضت الحرب سنة 1989 بالتحالف مع تيغراي لإطاحة نظام منغستو هيلا مريام، مدركة مدى الحرج الذي تواجهه الخرطوم.

ويقول أمين الحركة العام، أحمد التوم بروزا، للجزيرة نت، إن "الحديث عن دولة مستقلة في إقليم بني شنقول-قمز أو العودة إلى الدولة الأم (السودان) سابق لزمانه، ووحده شعب بني شنقول من سيقرر ذلك".

وبدأ أول تمرد لبني شنقول على أديس أبابا عام 1931، وتمثلت مطالبهم حينئذ في عودة الإقليم إلى السودان أو حكم ذاتي في إطار الدولة الإثيوبية لكن العاصمة الفدرالية رفضت المطلبين بعنف.

ويقرّ بأن للحركة قوات تحمل السلاح لكنها لا تخوض حربا، وأن من يخوضون الحرب حاليا في الإقليم هم قومية القمز "المضطهدة" بمحافظة متكل شمال الإقليم.

شعب مقسم

وأدّى ضم بني شنقول إلى إثيوبيا إلى تقسيم القبائل والأسر السودانية على جانبي الحدود، ويقول الصحفي السوداني النذير إبراهيم -للجزيرة نت- إن جلّ أخواله يسكنون في الجانب الآخر للحدود في أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول-قمز.

وانتمى سكان الإقليم اجتماعيا ووجدانيا للسودان حيث تقطنه غالبية مسلمة تتحدث اللغة العربية ظلت تابعة للسلطنة الزرقاء "الفونج" في سنار السودانية (1504-1821) وللسودان طوال العهد التركي وحقبة الثورة المهدية كما يقول مراقبون سودانيون.

ويرى صديق فريني الذي شارك في لجان ترسيم الحدود بين البلدين أن إقليم بني شنقول يعدّ ورقة رابحة يمكن للسودان توظيفها إذا أراد وحينئذ ستخسر إثيوبيا كما يقول.

ويشير إلى أن دبلوماسيًّا سودانيا كشف له عن أن صناع القرار بالسودان تثبتوا تماما أن ثمة توجها جديدا تتبنّاه الدولة الإثيوبية يقوم على إنكار كل المذكرات والاتفاقات التاريخية، وعدّ الدولة كائنا حيًّا يتغذى من حدود وموارد الدول الأخرى.

وفي فبراير/شباط الماضي أبلغ منصور التوم مدير التنسيق والمتابعة بحكومة ولاية النيل الأزرق الجزيرة نت أن عدد اللاجئين الإثيوبيين من قبائل القُمز بلغ 3052 لاجئا، ومنذ ذلك الحين يتزايد تدفق اللاجئين من إقليم بني شنقول.

المصدر : الجزيرة