أجواء ملتهبة حولهم.. كيف يستعدّ الأوكرانيون لحرب محتملة مع روسيا؟

يقول المراقبون إن السلطات تكرّس جزءا كبيرا من اهتمام أذرعها الإعلامية لطمأنة الداخل، ويسعى المسؤولون في تصريحاتهم إلى إقناع الشارع بأن أوكرانيا مستعدة وقادرة على الردع، وأن حلفاء الغرب لن يتخلوا عن البلاد في محنتها.

أجواء ملتهبة حولهم.. كيف يستعد الأوكرانيون لحرب محتملة مع روسيا؟
الأوكرانيون يستعدّون لأعياد الميلاد ورأس السنة غير مكترثين بالتهديدات بحرب روسية على بلادهم (الجزيرة)

كييف- يضجّ العالم بالحديث عن غزو روسي محتمل، أو وشيك، لأراضي أوكرانيا. لكن، على ما يبدو، فإن لهيب التحذيرات والتهديدات والمخاوف لا ينعكس على الشارع الأوكراني؛ فالحياة فيه تسير كأن شيئا لا يحدث قرب الحدود، حيث حشدت روسيا عشرات الآلاف من قواتها.

وعلى عكس ما كان عليه الحال في 2014، أُولى سنوات الأزمة المستمرة حتى يومنا، تخلو الشوارع والمحالّ الأوكرانية من أي مظاهر تدل على التصعيد أو الاستعداد للحرب؛ فلا حملات لجمع التبرعات من أجل الجنود، ولا يدهن أحد الأسوار بألوان العلم الوطني (الأزرق والأصفر)، أو تكتب على الجدران شعارات النصر، أو حتى عبارات مناهضة لروسيا وبوتين.

المشهد اليوم مختلف تماما، وطمأنينة غريبة، أو ربما حالة من "عدم الاكتراث"، تسود الشارع الأوكراني، فالناس تتحرك في إطار عملها وحياتها كالمعتاد، وتستعد لاستقبال أعياد رأس السنة الميلادية، حتى إن الإعلانات تروّج لهدايا الأعياد ولمنصات الاحتفال والتزلج والتنزه، لا للجيش، أو للصمود، أو لأي شيء معنوي آخر.

من ميدان احتجاج إلى متنزه

وميدان الاستقلال في وسط العاصمة الأوكرانية، الذي كان مسرحا للاحتجاج والتعبير عن روح الوطنية في 2014، كان يوم الأحد كعادته في أيام العطل ممتلئا بسكان المدينة وزوارها، كوجهة رئيسية للتنزه والترويح عن النفس.

جاء فيكتور، وهو شاب أوكراني، مع عدد من أصدقائه لزيارة كييف من مدينة خاركيف في الشرق الأوكراني، وقال للجزيرة نت "مللنا فعلا الحديث عن هذه المواضيع، وتعوّدنا موجات التصعيد والتهدئة؛ هي شأن وفعل السلطات هنا وفي روسيا. تكفينا هموم العيش والدراسة".

أما لودميلا، التي تسكن العاصمة كييف، فتقول "لا أعتقد أن روسيا تريد الحرب، سينتهي التصعيد كما انتهى غيره على مدار السنوات الماضية، فهمنا أن حياتنا ستكون دائما بين توتر وتهدئة، وأن الحل بعيد المنال".

حياة طبيعية في شرق أوكرانيا

ولا يختلف الحال كثيرا في مناطق الشرق المحاذية أو التابعة لإقليم دونباس المتوتر، الذي يسيطر عليه المسلحون الموالون لروسيا، والمرشح -قبل غيره- لأن يكون أول بؤر التصعيد والحرب.

في اتصال مع عدد من سكان مدن باخموت وكونستانتينوفكا، القريبة جدا من خطوط القتال الأمامية، أكدوا للجزيرة نت أن حياتهم تسير كالمعتاد، من دون أي مظاهر خوف وهلع أو استعداد لأيام حرب.

لماذا لا يكترث الأوكرانيون بالتصعيد حولهم؟

يُجمع كثير من المراقبين على أسباب وعوامل تدفع الأوكرانيين إلى "عدم الاكتراث" بالتصعيد الدائر حاليا. وتُجمل الكاتبة في صحيفة "سيهودنيا" (اليوم)، إيرينا كوفالتشوك، هذه الأسباب، فتقول إن السلطات تكرّس جزءا كبيرا من اهتمام أذرعها الإعلامية لطمأنة الداخل، ويسعى المسؤولون في تصريحاتهم إلى إقناع الشارع بأن أوكرانيا مستعدة وقادرة على الردع، وأن حلفاء الغرب لن يتخلّوا عن البلاد في محنتها.

وتضيف كوفالتشوك للجزيرة نت "لا يمكن تجاهل حقيقة أن كثيرين نسوا أن بلادهم في حرب لم تنته، وتكيفوا مع هذا الواقع المستمر، وهذا يشمل فئات النازحين، والمناطق القريبة والبعيدة من إقليم دونباس".

ويقول الإعلامي محمد زاوي إن "الأوكرانيين منشغلون بهموم ارتفاع الأسعار، وكثير منهم يرى أن ما يحدث مصطنع، ويجري بدافع من قبل روسيا ودول الغرب، التي هي -حتى الآن- مصدر رئيس للمعلومات والمخاوف".

ويوضح أن الغرب، بما فيه حلف الناتو والولايات المتحدة ووسائل إعلامها، هو الذي حذر من الحشود الروسية، وأوكرانيا كذّبت الأنباء قبل أن تتراجع، و"هذا يصعّب على الأوكرانيين فهم حقيقة ما قد يحدث في هذه المرة، لأن شريحة واسعة منهم لا تثق بالسلطات ووسائل الإعلام المحلية".

متطوعون في قوات الدفاع الشعبي يستعدون لتدريبات محدودة قرب العاصمة كييف (مواقع التواصل)

استنفار "الدفاع الشعبي"

ولكن الوضع مختلف إلى حد ما خارج المدن، فبالتزامن مع استنفار القوات النظامية، خاصة في المناطق الحدودية مع روسيا، تنشط في كييف وغيرها مظاهر استنفار من نوع آخر اليوم، تُذكّر بأحداث وتوترات 2014.

وحصلت الجزيرة نت على صور ومقاطع فيديو حديثة لتدريبات عسكرية في ضواحي العاصمة، تقوم بها لجان ومنظمات "الدفاع الشعبي" التي تشكلت قبل نحو 8 أعوام، للدفاع عن المدينة وتأمينها، ضد أي عدوان روسي محتمل.

يقول أوليكسي لابين، أحد الناشطين في منظمة "الفيلق الأوكراني"، "عملنا بدأ تطوعيا في إطار كييف أثناء فترة الاضطرابات في 2014، قبل أن نصبح -مع غيرنا- جزءا من مجموعات تطوعية لقتال الانفصاليين في الشرق".

ويضيف للجزيرة نت "عُدنا اليوم لاستقبال مدنيين من مختلف الأعمار والأجناس، راغبين بالدفاع عن الوطن في مناطق عدة. نعم الأعداد قليلة مقارنة بما كانت عليه في 2014، وهذا يعود إلى جملة أسباب، وربما إلى عدم الوعي بخطورة التصعيد الحالي، لكننا نعمل، بالتعاون مع الجيش وأجهزة الأمن، على التذكير بما يحدث، والاستعداد لإمكانية أن يتكرر بسيناريوهات وتداعيات أسوأ".

المصدر : الجزيرة