مع استمرار أزمة الانتخابات العراقية.. هل تفي أميركا بتعهدها وتسحب قواتها نهاية العام؟

epa03037147 An image made available on 18 December 2011 shows US soldiers from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division depart a mission brief on their way to perform perimeter security at Camp Adder, now known as Imam Ali Base near Nasiriyah, Iraq on 16 December 2011 Around 500 troops from the 3rd Brigade, 1st Cavalry Division ended their presence on Camp Adder, the last remaining American base, and departed in the final American military convoy out of Iraq, arriving into Kuwait in the early morning hours of 18 December 2011. All U.S. troops were scheduled to have departed Iraq by 31 December 2011. At least 4,485 U.S. military personnel died in service in Iraq. According to the Iraq Body Count, more than 100,000 Iraqi civilians have died from war-related violence.  EPA/MARIO TAMA / POOL
جنود أميركيون خلال وجود سابق في إحدى القواعد العسكرية جنوبي العراق (الأوروبية)

مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من العراق الذي يصادف نهاية ديسمبر/كانون الأول القادم بعد جولات حوار إستراتيجي جرت بين واشنطن وبغداد، يتساءل كثيرون عن الالتزام بهذا الموعد في ظل ظروف متأزمة يعيشها العراق بعد انتخابات تشريعية جرت قبل أكثر من شهر وتشكيك العديد من القوى بصحة نتائجها الأولية.

يمتد تاريخ وجود القوات الأميركية في العراق منذ الغزو عام 2003 وحتى انسحابها من البلاد عام 2011، ومن ثم عودتها بناء على طلب بغداد منتصف عام 2014 عندما اكتسح مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية مساحات واسعة من البلاد.

تحسين الخفاجي
الخفاجي أكد أن موعد خروج القوات الأميركية القتالية يوم 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل ثابت ولا تغيير فيه (الجزيرة)

تأكيد الانسحاب

يؤكد العديد من المسؤولين العراقيين والأميركيين أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيكون وفق الموعد المحدد نهاية العام الحالي، إذ أكد اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية أن القوات الأميركية المكلفة بمهام قتالية باشرت الانسحاب، وهناك جهد مستمر من أجل استكمال عملية الانسحاب بموعد أقصاه 31 ديسمبر/كانون الأول القادم.

وأكد رسول في وقت سابق -للجزيرة نت- أن عمليات الانسحاب جارية على قدم وساق بعد مخرجات الحوار الإستراتيجي واللجان الفنية التي عملت مع الجانب الأميركي في جولات الحوار الأربع.

وأمس الجمعة، نفت قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي صحة مزاعم تمديد موعد انسحاب القوات القتالية الأميركية. وقال المتحدث باسم القيادة اللواء تحسين الخفاجي -لوكالة الأنباء العراقية (واع)- الحديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية غير دقيق، وأضاف أن موعد خروج القوات القتالية يوم 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل ثابت ولا تغيير فيه.

وقال الخفاجي إن العلاقة بين الطرفين بعد خروج القوات القتالية ستكون علاقة استشارية في مجالات التدريب، والتسليح، والمعلومات الاستخبارية، والأمنية ضد تنظيم الدولة.

ويأتي هذا النفي بعد إعلان فصيل كتائب سيد الشهداء، فتح باب التطوع في صفوفه لمحاربة القوات الأميركية بعد نهاية العام الجاري.

وقال الأمين العام للكتائب أبو آلاء الولائي -في بيان له أمس الجمعة- إنه مع اقتراب ساعة الحسم والمنازلة الكبرى، تعلن المقاومة الإسلامية كتائب سيد الشهداء فتح باب الانتماء والتطوع لصفوفها.

حصرية - الباحث في الشان الأمني - سرمد البياتي
البياتي: لم يطرأ أي تغيير على التفاهمات، وبالتالي سيسير الانسحاب وفق ما هو مخطط له (الجزيرة نت)

التدريب والاستشارة

وتعليقا على الموضوع، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي سرمد البياتي أن تفاهمات العراق مع أميركا ضمن جولات الحوار الأربع ستؤدي نهاية العام الحالي إلى تحويل مهام القوات الأميركية القتالية في البلاد إلى قوات استشارية ولأغراض التدريب.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف البياتي -المقرب من دوائر صنع القرار الأمني بالعراق- أنه لم يطرأ أي تغيير على التفاهمات، وبالتالي سيسير الانسحاب وفق ما هو مخطط له.

ولفت إلى أن هناك معضلة قانونية تتمثل في مطالبة الحكومة العراقية لهذه القوات بالانسحاب بعد أن كانت قد أتت للعراق عام 2014 بطلب عراقي رسمي.

داغر: انسحاب القوات الأميركية من العراق لن يكون شاملا (الجزيرة نت)

ويرى الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية بواشنطن منقذ داغر أن الاتفاق بين بغداد وواشنطن لا يزال قائما، وأن القوات الأميركية ستنسحب بكل تأكيد.

وفي حديث حصري للجزيرة نت، بيّن داغر أن هذا الانسحاب لن يكون شاملا، إذ سيكون هناك وجود في بعض القواعد مع تغيير صفتها، وأن القوات المنسحبة ستنضم لقوات التحالف الدولي وبعثة حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) العاملة في بغداد.

البنتاغون

ورغم التصريحات العراقية التي تؤكد رحيل القوات الأميركية في الموعد، فإن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لها رأي آخر، إذ -في مقابلة مع قناة الجزيرة- قالت دانا ستراول نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي الثلاثاء الماضي إن الحكومة العراقية دعت القوات الأميركية إلى تمديد بقائها في البلاد.

وبالعودة إلى البياتي فإنه نفى صحة هذه المعلومات، مبينا أن الحكومة العراقية لم تتقدم بطلب كهذا، مضيفا أن التصريحات الأميركية قد تكون مبنية على المعضلة القانونية في عدم تقديم الحكومة طلبا لهذه القوات بالانسحاب.

من وسائل التواصل الاجتماعي- الخبير الأمني والعسكري - أحمد الشريفي
الشريفي: كل التوقعات تشير إلى أنه لن يكون هناك انسحاب أميركي في الموعد المحدد (مواقع التواصل)

إمكانية البقاء

ويتزامن موعد الانسحاب الأميركي مع المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ بعد 5 أسابيع على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، لم تعلن النتائج النهائية للانتخابات وسط أزمة سياسية بين مختلف الأحزاب حول الشكل الذي ستكون عليه الحكومة القادمة.

ليس هذا فحسب، إذ يقترب موعد الانسحاب متزامنا مع تدهور أمني في البلاد بتصاعد هجمات تنظيم الدولة ومحاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بداية الشهر الجاري، حيث لم تعلن لجنة التحقيق المكلفة عن الجهة التي قد تقف وراء محاولة الاغتيال حتى الآن.

من جانبه، يقول الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي إن كل التوقعات تشير إلى أنه لن يكون هناك انسحاب أميركي في الموعد المحدد، بل ترشيق لوجود القطعات الأميركية، بما يعني ضمنا بقاء هذه القوات في قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار غربا، وقاعدة حرير في مدينة أربيل في إقليم كردستان.

وعن موقف الجهات المسلحة بالعراق الرافضة للوجود الأميركي، يعلق الشريفي -في حديثه للجزيرة نت- "الحكومة العراقية القادمة ستكون بلا شك حكومة أغلبية سياسية، ستؤسس وفق التوازنات الإقليمية والدولية، وأن المرحلة القادمة ستشهد أفول نجم الفصائل المسلحة وانحسارها إما باتجاه المعارضة السياسية أو بتفكيكها نهائيا"، معتبرا أن المرحلة المقبلة في العراق ستختلف كليا عمّا سبق منذ عام 2003، بحسب تعبيره.

وبالتوجه إلى مدير مركز اليرموك للدراسات الإستراتيجية عمار العزاوي، فإنه يرى أن أطرافا سياسية عراقية عدة ترغب في بقاء القوات الأميركية بالبلاد ومن مختلف المكونات والقوميات، لافتا إلى أنه -وفق المعطيات الحالية- من المستبعد أن تنسحب الولايات المتحدة بقواتها القتالية من العراق.

ويضيف العزاوي -للجزيرة نت- أن الخلافات السياسية قد تنعكس على الوضع الأمني مستقبلا بما قد يغير من خطط الانسحاب الأميركي، مبينا أن الانسحاب يعني خروج جميع القوات من العراق من دون أن يكون لها أي قواعد، وهو ما يتناقض مع الواقع الحالي الذي توجد فيه القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وحرير.

استاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل - محمود عزو
عزو يرى أن أميركا تتعامل مع المستجدات وقت حصولها بما يضمن أمنها الإستراتيجي وأمن حلفائها (الجزيرة نت)

وبعيدا عن تأكيدات انسحاب القوات الأميركية أو بقائها في العراق، فإن الولايات المتحدة دولة براغماتية تتعامل مع المستجدات وقت حصولها بما يضمن أمنها الإستراتيجي وأمن حلفائها، وذلك بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو.

ويتابع -في حديثه للجزيرة نت- أن التخوف يتمثل في حصول تطور إستراتيجي يؤثر في بنية الدولة العراقية، ويضيف أن الولايات المتحدة لديها ثقل سياسي كبير في البلاد متمثل في السفارة التي تعد الأكبر على مستوى العالم، فضلا عن وجودها الإستراتيجي في قاعدتي عين الأسد وحرير بما سيمكنها من حماية مصالحها القومية على المدى الطويل بغض النظر عن انسحاب القوات القتالية من عدمه.

المصدر : الجزيرة