مجموعة الأزمات: القوى العراقية ستتوافق لتوزيع الامتيازات ولو على حساب السلم الاجتماعي

Iraqi Shi'ite cleric Moqtada al-Sadr visits his father's grave after parliamentary election results were announced, in Najaf, Iraq May 14, 2018. REUTERS/Alaa al-Marjani
مقتدى الصدر يسعى لتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى من خلال التحالف مع قوى أخرى (رويترز)

قالت مجموعة الأزمات الدولية (INTERNATIONAL CRISIS GROUP) -في تقرير نشرته مؤخرا- إنه على الرغم من أن الانتخابات العراقية الأخيرة لم تسفر عن تغيير جوهري، فإنها أحدثت تغييرا في ميزان القوى بالبرلمان، والنتيجة الأكثر ترجيحا هي تحالف يمكنه الحفاظ على الوضع السياسي الراهن، لا على السلم الاجتماعي.

وذكرت كاتبة التقرير لهيب هيغل أن السياسة في العراق لا تزال معتلة بعد 18 عاما من الغزو الأميركي، والانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هي النتيجة الملموسة الوحيدة للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في 2019 واستمرت عامين.

وأوردت هيغل في تقريرها كثيرا من التفاصيل حول نظام الانتخاب الجديد، وسير الانتخابات وأرقام المسجلين ونسبة من صوتوا وعدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب أو تكتل، وقارنتها بنتائج الانتخابات السابقة وتفسير حالات الفوز والخسارة.

كذلك كتبت عن الشكاوى التي تقدمت بها بعض الأحزاب الخاسرة، وأعمال العنف التي تمت عقب إعلان النتائج.

وقالت إن النتيجة المحتملة الأكثر منطقية للانتخابات هي تحالف حاكم لتشكيل حكومة لا يتوقع لها أن تستمر طويلا، مضيفة أنه لا يوجد طرف في النخب السياسية لديه مصلحة في تعطيل الوضع الراهن، وأن التحالف الحاكم المقبل سيكون شاملا تشارك فيه جميع القوى، على أمل الحفاظ على السلم السياسي. أما السلم الاجتماعي فهو مسألة أخرى.

وأشارت إلى أن من بين الوافدين الجدد: حزب "امتداد" الذي انبثق عن احتجاجات تشرين. وبصرف النظر عن قاعدته الرئيسية في محافظة الناصرية الجنوبية، فاز الحزب بمقاعد في جنوب ووسط بابل والنجف بإجمالي 9 مقاعد.

تشكيل الحكومة

وعن تشكيل الحكومة الجديدة، تقول هيغل إن المؤكد أنه سيستغرق وقتا طويلا. وعلى عكس ما هو متوقع إلى حد ما، فإن الهامش الكبير لانتصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (فاز بـ73 مقعدا من أصل 329 مقعدا وفقا للنتائج الأولية) يجعل من غير المرجح تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية تستبعد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (34 مقعدا) أو تحالف فتح الغاضب من هزيمته اللاذعة (17 مقعدا، بعد أن كان له 48 مقعدا).

وأضافت أن استبعاد هذه الأحزاب من السلطة سيدفعها باتجاه تشكل قوى معارضة، وهي لها أذرع مسلحة.

رئيس حكومة توافقي

كما اعتبرت المقالة أنه حتى إذا تأكد انتصار الصدر وتمكنه من تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، فلن يرغب في تحمل مسؤوليات الحكومة بمفرده والمجازفة بتحمل كل اللوم عن أي إخفاق، لذلك فمن الأرجح أن يدفع الصدر برئيس وزراء توافقي مع منافسيه الشيعة إلى الأمام، أكثر من الإصرار على أن يحتل أحد أنصاره الصدارة.

ورأت أن عملية تشكيل الحكومة أكثر تعقيدا من مجرد توزيع المناصب الوزارية، إذ تشمل حصصا من المناصب الرئيسية (ما يسمى بالدرجات الخاصة) في بيروقراطية الدولة والتأثير على المؤسسات المالية مثل البنك المركزي، فضلا عن الأدوار الإدارية في الفرع التنفيذي الذي له نفوذ على صنع السياسات.

وأردف بأنه إذا اقتربت الأحزاب الشيعية من اتفاق مُرض عبر هذه المستويات حول مكان وضع الموالين لها، فإن المنافسة -على الأرجح بين الصدر والمالكي- على من يمكنه تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، وبالتالي تسمية رئيس الوزراء، ستكون أقل أهمية في تشكيل حكومة جديدة.

الكتلة الكبرى

وذكر أن من غير المرجح أن تترجم التحالفات السابقة للانتخابات، مثل التحالف بين الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب التقدم بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي، إلى أكبر كتلة برلمانية على حساب الأحزاب الشيعية الأخرى.

وسيبحث الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني عن كثب في المحادثات بين الشيعة، وقد يجدان أن حكومة إجماع تضم الأحزاب الشيعية الرئيسية أفضل طريقة لتأمين مصالحهما الخاصة.

وعلى سبيل المثال، تتمثل إحدى أولويات الأحزاب الكردية في بغداد في تسوية مسألة الأراضي المتنازع عليها (أراض تطالب بها كل من الحكومة الاتحادية والحكومة الإقليمية الكردية). وللصدر تأثير ضئيل في هذه المجالات، والحشد يسيطر على جزء كبير من الأرض.

سينظر الحلبوسي بالمثل في كيفية ترسيخ مكاسبه على أفضل وجه. ونظرا لكونه لا منافس له تقريبا في المعسكر السني، فقد يسعى إلى تولي دور قيادي في المطالبة بالحكم الذاتي المتزايد للمناطق السنية، على غرار وضع إقليم كردستان في العراق الفدرالي.

لكن كلا من السنة والأكراد سينتظرون انقشاع الغبار في المعسكر الشيعي قبل توضيح مطالبهم بشأن المناصب، مثل من يجب أن يكون الرئيس ورئيس البرلمان والمناصب الأخرى التي من المفترض أن يحصلوا عليها وفقا لصيغة تقاسم السلطة غير المكتوبة في العراق بعد عام 2003، القاضي بإيلاء رئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة البرلمان للسنة.

وبالتالي، من غير المرجح أن يخرج تشكيل الحكومة عن المساومات التقليدية، وسيكون شاملا على الأقل للنخب السياسية لا إقصائيا، من أجل الحفاظ على السلام السياسي، وبالتالي سوف يستند إلى نفس المعادلة غير المستدامة التي أسقطت الحكومة خلال الاحتجاجات الشعبية.

واضطرار تشكيل الحكومة إلى إرضاء الجميع، لا يمكنه -مرة أخرى- إلا أن يكون غير فعال وغير قادر على الشروع في الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.

المستقلون

وقالت هيغل إن الجديد في المعادلة هو دخول عدد كبير من الأحزاب والمرشحين المستقلين إلى البرلمان، وهؤلاء لا ينوون الانضمام إلى الحكومة. وللمرة الأولى، سيكون في المجلس التشريعي معارضة من 40 إلى 50 برلمانيا، لكن من غير المرجح أن تشكل هذه المجموعة الصغيرة -ومعظمها من الحركات والأفراد الذين لا يتمتعون بالخبرة السياسية- كتلة موحدة يمكنها تحمل ضغط الأحزاب القائمة التي تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن.

وفي أحسن الأحوال، سيكونون قادرين على تحدي سياسات حكومية معينة، والدعوة لقوانين بديلة كطرق للاحتفاظ بثقة ناخبيهم حتى الانتخابات القادمة.

صبر العراقيين

وختمت الكاتبة بأنه في حين أن أسعار النفط المرتفعة ستساعد على بقاء الائتلاف الحاكم الجديد قائما، فإن نفاد صبر العراقيين المتزايد مع سوء الإدارة سيجعل هذا التحالف هشا في مواجهة الصدمات الخارجية، سواء كانت متعلقة بالأمن أو الاقتصاد أو البيئة.

وقد تؤدي الأزمات -مثل النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب في البصرة عام 2018- إلى إشعال الاضطرابات العامة، وهذه المرة سيردد برلمانيون صدى الأصوات في الشوارع.

المصدر : مجموعة الأزمات الدولية