هل ستنسحب واشنطن من العراق بعد محاولة اغتيال الكاظمي؟

Iraqi Prime Minister Mustafa al-Kadhimi speaks during a meeting with security leaders, in Basra
محاولة اغتيال الكاظمي تأتي قبل أقل من شهرين على موعد انسحاب القوات الأميركية المقاتلة (رويترز)

أعربت الولايات المتحدة عن "عميق قلقها" من الهجوم بمسيّرة مفخخة على مقر إقامة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وعبّر الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن عن ارتياحهما لعدم تعرض الكاظمي لأي أذى.

ويخشى بعض المراقبين أن تُعقّد محاولة الاغتيال -التي جاءت قبل أقل من شهرين على موعد انسحاب القوات الأميركية المقاتلة- من ترتيبات تغيير طبيعة تشكيل القوات الأميركية ونطاق مهامها المتفق عليه مسبقا.

وبعد 20 عاما من بدء ما عُرف بالحروب الأميركية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وضعت إدارة الرئيس بايدن نهاية للوجود العسكري الأميركي بأفغانستان في أغسطس/آب الماضي. وبحلول نهاية هذا العام، سوف تنسحب القوات الأميركية المقاتلة الباقية في العراق ويقدر عددها بألفين و500 جندي، ليحل محلها قوات غير مقاتلة تقوم بمهام التدريب وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للجيش العراقي.

معنى تغيير طبيعة القوات الأميركية في العراق

في يوليو/تموز الماضي، أعلن الرئيس جو بايدن أنه بحلول نهاية عام 2021، ستنتقل القوات الأميركية في العراق رسميا لتقوم بدور غير قتالي. وقال بايدن للصحفيين -خلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض- إن "العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخبارية". وأكدت مذكرة التفاهم التي وقّع عليها الطرفان العراقي والأميركي أن الولايات المتحدة "ستواصل التدريب وتقديم الدعم والمساعدة لمواجهة تنظيم الدولة".

وفي حديث مع الجزيرة نت أشار ديفيد بولوك -المسؤول السابق بوزارة الخارجية والخبير بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى- إلى أن بلاده "لن تسحب جميع قواتها من العراق هذا العام، أو في أي وقت قريب. فقد اتفقت الحكومة الأميركية والعراقية على أن تنهي القوات الأميركية عملياتها القتالية هناك، ولكن أيضا على أن (تبقى عناصر) القوات الأميركية كمستشارين ومدربين لتقديم الدعم للجانب العراقي".

إلا أن الخبير العسكري ديفيد دي روش -المحارب السابق، والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون)- أشار إلى سوء فهم حول تعريف ومهام وطبيعة تشكيل القوات الأميركية في العراق، والتي ستختلف عند بداية العام الجديد عن تلك الموجودة حاليا.

وقال دي روش "تصف إيران وعملاؤها في العراق -بما في ذلك مليشيات الحشد الشعبي- تغيير طبيعة القوات الأميركية على أنه ليس إلا عملية شكلية تعد بمثابة إطلاق مسمى جديد على نفس القوات، وهذا خطأ؛ فتركيبة وحدات القوات القتالية تختلف بصورة كاملة وجذرية عن وحدات قوات التدريب".

وذكر دي روش أن الوحدات القتالية يكون لديها الكثير من الجنود وعدد قليل من الضباط، أما وحدات التدريب فهي عكس ذلك، إذ يكون لديها عدد كبير من الضباط وعدد قليل من الجنود. وعلى سبيل المثال، منذ عام 2003 وحتى الهجمات الإيرانية على منشآت شركة "أرامكو" (Aramco) السعودية في عام 2019، لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى حوالي 3 آلاف و500 جندي في المملكة العربية السعودية، معظمهم من الضباط ولم يتم تشكيلهم في وحدة قتالية. من هنا كانوا بالتأكيد غير قادرين على العمل كوحدة قتالية تتصدى للهجمات الإيرانية. وسنرى على الأرجح نفس الشيء في العراق، وفق تعبير الخبير العسكري.

دروس الانسحاب من أفغانستان

وشكك دي روش في أن واشنطن تتعلم دروس التاريخ بسهولة، وأشار إلى أن بلاده تتعلم من الخبرات التي تمر بها.

وذكر دي روش أن معظم المحللين الدفاعيين يستشهدون بالانسحاب السريع للقوات الأميركية من أفغانستان كسبب رئيسي للانهيار السريع للقوات الأفغانية. وقال "لا يمكن لبايدن أن يعاني من هذا النوع من الكوارث مرة أخرى في العراق خاصة أنه كان نائبا للرئيس عندما انسحبت القوات الأميركية بالكامل في عام 2011 من العراق، والذي اضطرت معه للعودة في ظروف أكثر صعوبة عندما ظهر تنظيم الدولة… لذلك لا أعتقد أنه سيسحب جميع القوات المقاتلة من العراق".

من جانبه، اعتبر ديفيد بولوك أن أحد الدروس المهمة المستفادة من أفغانستان هو على وجه التحديد أن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية مرة أخرى يمكن أن يؤدي إلى انهيار أمني كامل للحكومة المضيفة، مما يفتح الباب أمام "المتطرفين الأكثر عنفا". وهذا ما يحدث في كابل الآن، وحدث في العراق بعد عام 2011، مع صعود تنظيم الدولة. و"هذا سبب آخر لعدم توقعي أن تكرر الولايات المتحدة أو العراق هذا الخطأ في المستقبل القريب".

تأثير محاولة اغتيال الكاظمي

يُنظر إلى رئيس الوزراء الكاظمي داخل واشنطن على أنه صديق للولايات المتحدة وأنه يحاول السيطرة على قوة الجماعات المقاتلة المتحالفة مع إيران. ولم يمنع ذلك من إدانة حكومته للغارات الجوية التي قامت بها القوات الأميركية في عدة مناسبات ضد المليشيات الموالية لطهران في نهاية يونيو/حزيران الماضي؛ حيث وصفتها بانتهاك للسيادة العراقية.

واعتبر كثير من المراقبين داخل واشنطن أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي الفاشلة من شأنها تدعيم وجهة النظر المطالبة باستمرار وجود أميركي عسكري ذو قدرات قتالية داخل العراق.

ويعتقد الخبير العسكري دي روش أن محاولة الاغتيال "التي نُفذت بتوجيه من إيران أو على الأقل من قبل عناصر داخل العراق تفوق ولاءاتها لإيران ولاءها للدولة العراقية؛ تدعم الحجة الداعية إلى ضرورة تقوية الوجود العسكري الأميركي في العراق".

واتفق المسؤول السابق بالخارجية الأميركية ديفيد بولوك مع الطرح السابق. وقال للجزيرة نت "إن الانتخابات العراقية، وما أعقبها من محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ستجعل من الأسهل والأكثر ضرورة بالنسبة للولايات المتحدة الإبقاء على بعض القوات غير القتالية في العراق".

وأضاف بولوك "لقد خسرت الأحزاب المتطرفة الموالية لإيران -والتي تريد انسحابا أميركيا كاملا- الكثير من المقاعد والنفوذ في الانتخابات الأخيرة، والأهم من ذلك أن محاولة الاغتيال تظهر أن تلك الأطراف ومليشياتها لا تزال خطيرة جدا، لذلك لا يزال معظم العراقيين يؤمنون بالحاجة إلى بعض الوجود والحماية الأميركية ويريدونها. حتى مقتدى الصدر يقول الآن إن المستشارين والمدربين العسكريين الأميركيين يمكنهم البقاء في العراق!".

المصدر : الجزيرة