إستراتيجية بايدن للسياسة الخارجية وفق رؤية وزير خارجيته بلينكن

تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعودة بلاده لتأدية دورها القيادي العالمي، وإصلاح علاقتها مع حلفائها حول العالم؛ إلا أن خلو خطابه الأول خلال مراسم تنصيبه من الإشارة للقضايا الدولية، ألقى بالشكوك على أولوية وأهمية قضايا السياسة الخارجية في أجندته المثقلة بالأزمات والانقسامات الداخلية بعد انتهاء 4 سنوات من حكم سلفه دونالد ترامب.

ويرى مراقبون كُثُر أن قرب وزير الخارجية المعيّن، أنتوني بلينكن، الشديد من بايدن يترك له مجالا واسعا لتأدية دور أكبر في تشكيل إستراتيجية السياسة الخارجية لواشنطن في عهد بايدن.

وبلينكن مؤيد للتعاون متعدد الأطراف في إطار المنظمات الدولية، وتعزيز الديمقراطية في العالم، وقد انتقد انعزالية وأحادية إدارة ترامب.

وفي رأيه، من المستحسن إحياء الثقة بالولايات المتحدة في العالم شريكا موثوقا به، والعودة إلى اتفاق باريس لحماية المناخ، والبقاء في منظمة الصحة العالمية، وإيلاء المزيد من الاهتمام للمشاكل العالمية، ومحاولة حل الأزمات.

ورصدت الجزيرة نت أهم ملامح إستراتيجية السياسة الخارجية لبايدن كما يراها ويفهمها بلينكن من خلال 4 قضايا؛ هي دور واشنطن العالمي، والصين، وروسيا والشرق الأوسط.

Senate panel holds confirmation hearing for secretary of state nominee
بلينكن خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ قبل التصويت على تعيينه وزيرا للخارجية (رويترز)

دور أميركا القيادي والعالمي
خلال جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، أكد وزير الخارجية المعين ما كان يكرره لسنوات طويلة من أن قدر الولايات المتحدة هو قيادة العالم.

وقال "عندما لا تشارك الولايات المتحدة لا تقود، ثم يحدث أمر من اثنين في هذه الحالة؛ إما أن تحاول بعض البلدان الأخرى أخذ مكاننا والقيادة؛ لكن على الأرجح ليس بطريقة تخدم مصالحنا وقيمنا، أو أن يحدث فراغ ولا يقود العالم أي دولة وبالتالي تحدث فوضى، وكلا الاتجاهين لا يخدمان الشعب الأميركي".

ويعد أنتوني بلينكن أحد أبناء تيار العولمة والانخراط الأميركي الواسع في المنظومة الدولية، وهو يؤمن بأن القيادة الأميركية تخدم جهود بناء جبهة موحدة لمواجهة التهديدات، التي تشكلها روسيا والصين وإيران.

وفي حديث له مع بودكاست "القضايا الاستخباراتية" قبل أيام، قال بلينكن إن بلاده ستضطر إلى إعادة بناء التحالفات لمعالجة "الركود الديمقراطي"، الذي تسبب به ترامب، وهو ما سمح "بتفوق روسيا والصين عن طريق استغلال الصعوبات، التي تواجهنا".

العلاقات المعقدة مع الصين
سيواصل فريق بايدن بقيادة بلينكن سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين، حيث يرى أنها المنافس الرئيس في العالم في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسيميل إلى تقديم تنازلات في مجال التجارة، ويسعى إلى حماية الملكية الفكرية للشركات الأميركية التي تعمل هناك.

لكن بدلا من القيام بواجبات أحادية الجانب، فإن مهمة وزير الخارجية ستركز على إقناع الدول الأوروبية والآسيوية الحليفة بدعم واشنطن في هذا المسعى. ويعتقد على نطاق واسع أن من شأن تفعيل اتفاقية الشراكة التجارية في دول المحيط الهادي، والتي تمثل 40% من التجارة العالمية، أن تصبح موازية للقوة الاقتصادية الصينية، وكان ترامب قد انسحب من الاتفاقية.

وفي الوقت نفسه، سيتفاوض بلينكن مع القيادة الصينية حول التعاون في مجال حماية المناخ، ومكافحة فيروس كورونا، وإدارة الحرب التجارية التي بدأها ترامب، مع تأكيد مواقف بلاده من معضلة تايوان وأزمة الحقوق المائية ببحر الصين الجنوبي.

مواجهة الخطر الروسي
سيحاول الوزير تبني سياسة مزدوجة تجاه روسيا تقوم على اعتبارها شريكا وخصما في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال، يدعم بلينكن سياسة العقوبات المناهضة لروسيا منذ عام 2014؛ بسبب احتلالها أراض أوكرانية، في الوقت نفسه يطالب بدعم موسكو لاستئناف المحادثات مع إيران بخصوص اتفاق نووي جديد.

وهو حذر بشكل مفرط وعملي، في حين أن أي مواجهة جيوسياسية مع روسيا ستكون محفوفة بالمخاطر.

ويعد بلينكن أن حلف شمال الأطلسي أداة فعالة للدفاع عن الديمقراطية في دول البلطيق وأوروبا الوسطى الشرقية، التي أمّنت نفسها من العودة إلى فلك النفوذ الروسي، وهو يؤيد زيادة الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024.

ويعترف وزير الخارجية الأميركي المعين أن الديمقراطيين ارتكبوا في التسعينيات خطأ الاعتقاد بأن روسيا يمكن أن تصبح دولة ديمقراطية، حال ربطها بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي.

لذا دعمت واشنطن انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية في 2006. وكان بلينكن يعتقد أنه بعد وصول فلاديمير بوتن إلى السلطة في 1999، سوف يعمق التعاون مع الغرب؛ لكن هذا لم يحدث بسبب حقيقة أن القيم الديمقراطية لا تتفق مع طبيعة تركيب السلطة الحاكمة فيها.

وعلى لسان بلينكن، أعلنت إدارة جو بايدن عن سعيها إلى تمديد معاهدة "نيو ستارت" (New START) للحدّ من الترسانة النووية المبرمة مع روسيا، والتي تنتهي يوم  5 فبراير/شباط، وأكد البيت الأبيض رغبة واشنطن في تمديدها 5 سنوات إضافية.

شرق أوسط غير جديد
أكد بلينكن أنه سيُبْقي على السفارة الأميركية في القدس، وأن بلاده ستواصل الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.

وهو يكرر موقف بايدن الذي يرى أن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في ذلك النزاع هي "حل الدولتين"؛ لكنه شكك بإمكان تحقيق هذا الحل على المدى القصير.

كما تعهد بلينكن بإعادة النظر فورا في قرار وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، تصنيف جماعة الحوثي في اليمن "منظمة إرهابية"، وأكد أن حكومة بايدن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بشرط أن تفي طهران مجددا بالتزاماتها.

وأكد كذلك أن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك السلاح النووي.

وتتمثل المهمة الرئيسة لبلينكن في الشرق الأوسط بإقناع إيران بوقف تخصيب اليورانيوم وإغلاق المنشآت النووية. فهو لن يُحيي اتفاق باراك أوباما النووي، الذي انسحب منه دونالد ترامب في 2018؛ لكنه يريد إلزام طهران بمثل هذه الالتزامات التي ستبطل أي محاولات لاستئناف برنامجها النووي في المستقبل.

ويعطي بلينكن أولوية مهمة للعلاقات مع إسرائيل، حيث يعدها "صديقا" في أوساطها السياسية والأمنية، وقد أيد دور إدارة ترامب في المفاوضات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، والاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن إقامة علاقات دبلوماسية فيما بينها.

لكنه يعتبر قرار ترامب بالتوقف عن تقديم المساعدات الأمنية والإنسانية لفلسطين، والابتعاد عن مبدأ "الدولتين" في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك الحد من الوجود العسكري في سوريا، أمرا خطيرا على إسرائيل.

وشكك بلينكن في جدوى بيع طائرات "إف-35" (F-35) للإمارات، وتعهد بمراجعة بعض العقود الدفاعية حتى لا تُحرم إسرائيل من ميزة التفوق العسكري في المنطقة.

المصدر : الجزيرة