رسائل إسرائيل من لقاء عباس وغانتس.. دعم أمني واقتصادي للسلطة الفلسطينية دون أفق سياسي

Israeli Defense Minister Benny Gantz adjusts his mask during the weekly cabinet meeting at the prime minister's office in Jerusalem August 1, 2021. Abir Sultan/Pool via REUTERS
لقاء عباس غانتس تزامن مع قمة بايدن بينيت في واشنطن وسط مخاوف من انهيار السلطة الفلسطينية (رويترز)

القدس المحتلة – ينظر محللون سياسيون إسرائيليون لانتداب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى رام الله -للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس- بمثابة رسائل إسرائيلية لدعم السلطة الفلسطينية اقتصاديا وأمنيا، لكن دون دعمها سياسيا.

ولا يخفي هؤلاء من اعتبارهم أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت أرسلت من خلال هذا اللقاء رسائل تؤكد أنها لا تحمل أي مشروع قد يحقق اختراقا للجمود السياسي وإمكانية العودة إلى "العملية السياسية".

ويذهب محللون إسرائيليون لاعتبار أن بينيت أكثر تطرفا بموقفه من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، كونه محسوب على اليمين الأيديولوجي والصهيونية الجديدة، ويرفض التنازل عن الثوابت الصهيونية، وليس مستعدا للتفاوض مع السلطة الفلسطينية على الاستيطان وحل الدولتين.

وتأتي هذه الرسائل فيما تواجه السلطة الفلسطينية تحديات اقتصادية وصحية بظل جائحة كورونا، وهو ما دفع تل أبيب للإعلان عن منح السلطة قرضا ماليا بقيمة 250 مليون دولار، مصدره عائدات الضرائب الفلسطينية وليس من الخزينة العامة الإسرائيلية، وستشرع تل أبيب باقتطاع نسبة من أموال المقاصة الفلسطينية في منتصف العام 2022، لاسترجاع القرض.

وتباينت مواقف المحللين بشأن الثمن الذي ستقدمه السلطة الفلسطينية للإسرائيليين، وإذا ما كان هذا الدعم بمثابة ابتزاز للسلطة، وأجمعوا على أن الدعم المالي بمثابة محاولة لمنع انهيار السلطة وخلق حالة من الفوضى بالضفة الغربية، واتفقوا فيما بينهم أن التنسيق الأمني هو بمثابة الابتزاز الأكبر للسلطة الفلسطينية.

تغيير وتعزيز

يعتقد الإعلامي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شتيرن أن ما يقف وراء لقاء غانتس وعباس هو تغيير في الموقف الإسرائيلي الرسمي تجاه التعامل مع السلطة الفلسطينية بالقضايا الاقتصادية والأمنية مع بقاء الضبابية بشأن المسار السياسي.

وأوضح شتيرن -للجزيرة نت- أن كافة أقطاب المؤسسات الإسرائيلية كانت معنية منذ سنوات بالتخفيف عن السلطة الفلسطينية وتعزيز العلاقات معها اقتصاديا، بيد أن نتنياهو عارض ذلك وفضل محاصرة السلطة الفلسطينية، حيث رافقت نتنياهو خلال فترة ولايته هواجس ومخاوف أن تمارس ضغوطات أميركية وأممية عليه لتقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين بالضفة الغربية.

ورجح الصحفي الإسرائيلي أن بينيت -على الرغم من مواقفه المتطرفة تجاه القضية الفلسطينية- أيقن عدم منطقية معادلة نتنياهو وعليه سمح للجهات الأمنية والسياسية ممثلة بغانتس بإجراء اتصالات مع قادة السلطة لإيجاد قواسم مشتركة تتخطى التنسيق الأمني، لكن دون أن تحدث اختراقا للجمود في المفاوضات السياسية.

U.S. President Biden welcomes Israel's Prime Minister Bennett, in Washington
لقاء غانتس عباس تزامن مع قمة بايدن بينيت في البيت الأبيض (رويترز)

تفكيك وشلل

ورغم ذلك، يقول شتيرن "اختار بينيت توجيه انتقادات لغانتس والتأكيد على عدم استعداد حكومته لأي مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية، إذ يعي جيدا أن مجرد التوجه لطاولة مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين سيؤدي لتفكيك حكومته".

وقلل شتيرن من الطرح الذي يدعي أن إسرائيل تسعى من خلال تقديم الدعم المالي ابتزاز السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية معنية ببقاء السلطة بالحكم، وعليه تقدم لها الدعم الاقتصادي وتعزز معها التنسيق الأمني بعيدا عن أي مغازلة سياسية.

ابتزاز ومعايير

وخلافا لموقف شتيرن، يعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن المؤسسة الإسرائيلية تسعى من خلال هذا التقارب مع رام الله إلى ابتزاز السلطة الفلسطينية من خلال التنسيق الأمني الذي يعتبر من أهم القضايا بالنسبة لإسرائيل كونه يضمن لها الهدوء بالضفة الغربية.

وأوضح شلحت للجزيرة نت أن ابتزاز تل أبيب للسلطة -عبر منظومة التنسيق الأمني- يأتي في سياق حكومة جديدة تتعامل بمعايير يمينية متطرفة مع الضفة وقطاع غزة وتشن سلسلة من الغارات ردا على إطلاق البالونات الحارقة، وذلك مقارنة بحكومة نتنياهو التي كانت تتغاضى عن الرد على إطلاق قذائف صاروخية من القطاع باتجاه مستوطنات "غلاف غزة".

وبمعزل عن المعايير اليمينية لبعض مركبات الائتلاف الحكومي، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي إن "حكومة بينيت ومن خلال الدعم الاقتصادي للسلطة الفلسطينية تهدف إلى بقاء الانقسام، بحيث يكون طرفا الانقسام بموازين قوى متقاربة، إذ لا يكون طرف أقوى من الطرف الآخر".

وعزا شلحت هذا النهج والتعامل للحكومة الإسرائيلية الحالية مع الملف الفلسطيني إلى ما يحدث في غزة عقب هبة الكرامة التي رافقت معركة سيف القدس وصعود النفوذ الشعبي السياسي لحركة حماس وفصائل المقاومة، وبالمقابل هبوط وتراجع نفوذ وشعبية السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية خاصة في أعقاب اغتيال الناشط السياسي نزار بنات.

انهيار وفوضى

ووسط هذه المستجدات والظروف، يستبعد شحلت إمكانية انهيار كلي للسلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن التقديرات الإسرائيلية ترجح أنه لا يوجد خطر حقيقي على سقوط السلطة، بل إن هناك مخاوف وهواجس لدى إسرائيل من فقدان السلطة للسيطرة على الضفة ونشوء حالة من الفوضى، خصوصا في ظل تداعيات كورونا الصحية والاقتصادية، ووجود وضع اقتصادي بائس مع استمرار إسرائيل باقتطاع أموال المقاصة.

ووسط المتحولات والمتغيرات، يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أن سيناريو السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار اقتصاديا وسياسيا، ولا يقتصر ذلك على التقديرات الإسرائيلية وحسب، وإنما يندرج ضمن تقديرات أممية للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وعليه ليس من المستبعد أنه مورست ضغوطات أميركية على رئيس الوزراء بينيت خلال زيارته لواشنطن.

وأوضح شلحت أن انتداب غانتس إلى رام الله بمثابة رسائل إسرائيلية لدعم السلطة الفلسطينية اقتصاديا وأمنيا وليس دعمها سياسيا، مؤكدا أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تحمل أي بشرى للفلسطينيين من شأنها أن تحقق اختراقا للجمود السياسي وإمكانية العودة إلى ما يسمى "العملية السياسية".

صيانة ودعم

وعن نهج وتعامل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينيت مع القضية الفلسطينية، يقول شلحت إن "الحكومة الإسرائيلية الحالية تعمل على إعادة صيانة للسلطة الفلسطينية لمنعها من الانهيار اقتصاديا وأمنيا، كون الانهيار سيؤدي إلى نشوء حالة من الفوضى بالضفة الغربية".

ولتفادي حالة الانهيار لا يعارض بينيت -الذي يعتبر عراب الاستيطان وداعم لمشروع إسرائيل من البحر للنهر- "تقديم الدعم المالي للسلطة خصوصا أنه يؤمن بالسلام الاقتصادي، وبالتالي لا يوجد أي أمل وتعويل لأي اختراق سياسي بالحكومة الحالية الذي من شأنه أن يؤسس لتسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية"، وفق الباحث شلحت.

المصدر : الجزيرة