شعار قسم ميدان

إيدي هاو ونيوكاسل.. من اللاشيء إلى كل شيء!

اليأس، لم يكن هاو ليحصل على وظيفته الأولى لولا اليأس؛ اليأس الذي شلَّ عقول نادٍ بأكمله، لدرجة أن أفضل حل أتى به مسؤولوه هو تصعيد مدرب الشباب لقيادة الفريق الأول.

مدرب الشباب كان شابا بدوره، في أوج شبابه في الواقع؛ الفريق الأول كان يمتلك أحد أصغر معدلات الأعمار في البطولة، ورغم ذلك، كان يضم 6 لاعبين يفوقونه عمرا. هذه هي درجة اليأس التي منحت هاو وظيفته الأولى مديرا فنيا، عندما انتقل، خلال شهور، من لاعب محترف بإصابة مزمنة في ركبته إلى لاعب معتزل يحاول إشباع شغفه بالتدريب، ثم إلى مدرب لواحد من فرق الشباب، ثم مديرا فنيا للفريق الأول، دون أن يجمع أي خبرة أو تجربة حقيقية تؤهله لأيٍّ من ذلك. (1) (2)

بطل غير تقليدي

لا تبدأ الكثير من الحكايات هكذا، ولكن في ليلة عيد الميلاد من عام 2008، كان اليأس هو البطل الأول؛ بورنموث كان يقبع في المركز الـ23 من أصل 24 ناديا في "ليغ تو" (League Two)، على الشعرة الفاصلة بين الاحتراف والهواية، لأن نهاية الموسم على هذه الحال كانت تعني انتقاله تلقائيا إلى مسابقات "Non-League"، أو على الأقل هذا ما كان يعتقده الجميع في الجنوب.

مارك ماك آدم، صحفي "سكاي" (Sky) الذي كان قريبا من هاو في تلك الأيام، يحكي عن واقع أسوأ من ذلك؛ بورنموث كان معاقبا بسبب مخالفات مالية في حساباته، وخُصم من رصيده 17 نقطة كاملة في ذاك الموسم، وعندما تولى هاو المسؤولية قيل له إن الهبوط إلى "Non-League" ليس أسوأ ما ينتظر هذا النادي، بل حقيقة أنه لن يكون هناك نادٍ أصلا ليلعب فريقه في تلك المنافسات. الهبوط يعني حلّ النادي وسيطرة الدائنين على ممتلكاته. (1)

عام 2008، بورنموث كان يقبع في المركز الـ23 من أصل 24 ناديا في "ليغ تو" على الشعرة الفاصلة بين الاحتراف والهواية، لأن نهاية الموسم على هذه الحال كانت تعني انتقاله تلقائيا إلى مسابقات "Non-League".  (غيتي)

في تلك اللحظة تحديدا بدأ هاو العمل، وهذا العمل كان بلا موارد. طبعا في أغلب الحالات التي يُستخدم فيها تعبير "بلا موارد" يكون القصد "شُح الموارد"، ولكن تلك لم تكن واحدة من هذه الحالات. بدأ هاو عمله بلا موارد فعلا؛ لا خبرة تدريبية سابقة، ولا قائمة لاعبين مناسبة، ولا ميزانية للتعاقدات، ولا حتى طاقم مساعد.

تلك كانت درجة إفلاس بورنموث في هذه الأيام، وبدأ هاو العمل وحده تماما بلا مساعدين أو محللين أو كشافين وبلا طاقم طبي، لدرجة أن الرجل كان يتعاقد مع مدلك محترف، من ماله الخاص، في أيام المباريات، ليتعامل مع إصابات الفريق العضلية. (1)

ماك آدم كان حاضرا في جلسة العصف الذهني الأولى. لا نعلم إن كان من الجائز وصفها بـ"جلسة" لأنها لم تضم سوى هاو وماك آدم، وحين دلف الأخير إلى مكتب الأول وجد كل مظاهر الهوس المعتادة التي تراها عادة في الأفلام؛ حوائط مكسوة بالأرقام والرسومات البيانية، وعناوين ضخمة، وأسهما، وأسئلة، وأوراقا مبعثرة تحوي ملاحظات عن موضوعات عدة.

لا بد أن بعض تلك الأسئلة كان مضحكا، لأن هاو، في تلك اللحظة، لم يكن يعلم حتى كيف يريد أن يلعب، وما فلسفته، وكيف يطبقها، وما إذا كان هذا التوقيت مناسبا لتطبيق أي فلسفة ابتداء، وهل هناك فرصة لمبادلة بعض اللاعبين أثناء نافذة انتقالات يناير؟ ولو كانت هناك فرصة، فمَن سيرغب في لاعبيه؟ أصلا ما خصائص اللاعبين الذين يريدهم هاو في فريقه؟

انطلق بورنموث بقيادة هاو ليؤمّن بقاءه في "الليغ تو" قبل مباراتين من النهاية، وفي غضون 6 مواسم تالية، كان الإنجليزي الشاب يُتوَّج بطلا للتشامبيونشيب في طريقه إلى البريميرليغ. (رويترز)

من تلك اللحظة، وبطريقة ما، انطلق بورنموث بقيادة هاو ليؤمّن بقاءه في الليغ تو قبل مباراتين من النهاية، وفي غضون 6 مواسم تالية، كان الإنجليزي الشاب يُتوَّج بطلا للتشامبيونشيب في طريقه إلى البريميرليغ، بعد أن كان المرشح الأضعف في كل دوري خاضه وصولا إلى تلك اللحظة، وأصبح على وشك أن يبدأ حياة جديدة مع بورنموث لم يختبرها أيٌّ منهما من قبل، حياة بدأت على الجانب الآخر من اليأس كما يعتقد سارتر.

مرجعية هنا وهناك

خلال تلك الأعوام السبعة بين ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول 2008 ونهاية مايو/أيار 2015، ظلت حوائط مكتب هاو على حالها وإن تسرب إليها النظام تدريجيا؛ الملاحظات تزايدت، والرسومات البيانية تعقدت، والأرقام أصبحت تحمل عناوين معقدة من التي يستعملها علماء البيانات، وعلى العكس، كان عدد الأسئلة يتراجع.

اكتشف هاو أنه يُفضِّل 4-4-2 بمشتقاتها لأنها تسمح له باستخدام أكبر عدد ممكن من عناصر الهجوم في الضغط. هذا هو الأمر ذاته الذي اكتشفه خوانما ليو في التسعينيات رفقة ريال أوفييدو عندما حوَّل 4-4-2 إلى 4-2-3-1 لأول مرة، ليضغط بأربعة لاعبين دفعة واحدة عندما يحاول خصومه بناء هجمتهم من الخلف. (3)

هاو كان يملك الجشع ذاته، وضد أفضل الخصوم في كبرى المباريات، كان كثيرا ما يتحوَّل إلى 4-3-3 ليُمكِّن لاعبيه من احتلال القنوات الخمس للملعب، ولكنه في الوقت ذاته كان يستخدم تركيبات غير معتادة في الضغط.

أثناء الهزيمة من ليفربول في كأس الاتحاد لموسم 2013-2014، استخدم هاو أجنحته الهجومية جزءا من وحدة مركزية تتماهى مع لاعبي الوسط أثناء الضغط. هذه واحدة من اللمحات التكتيكية التي لم تبرح خطط هاو حتى اللحظة، ويمكنك ملاحظتها بسهولة في فريق نيوكاسل الحالي.

لاحظ هنا مثلا كيف يتحرك لاعبو المحور عندما تنتقل الكرة من يمين ليفربول إلى يساره، ولاحظ تبادل الصعود بين الجناحين بسلاسة تُسهِّل الضغط على أقرب اللاعبين لحامل الكرة، دون أن تعوق الفريق تصنيفات المراكز بين الهجوم والوسط. في اللقطة الأخيرة، كان ثلاثي المقدمة يتكوَّن من المهاجم الأساسي، لويس غرابان، ولاعب المحور الأيمن، والجناح الأيمن، بينما أصبح الجناح الأيسر جزءا من ثلاثية الوسط التي تشغل المساحة العكسية على الجانب الآخر من الملعب.

صور: تطور حركة لاعبي وسط وهجوم بورنموث أثناء الضغط على ليفربول في مواجهة كأس الاتحاد موسم 2013-2014 – (المصدر: ذي أثلتيك)

هذه الديناميكية من الضغط بمرجعية المساحة شديدة الذكاء والعملية، ولكن تنفيذها شديد الصعوبة كذلك. كل مدرب يحلم بأن يصل لاعبوه إلى هذه الدرجة من التفاهم أولا، والاستيعاب للإطار التكتيكي العام ثانيا. هاو لم يبتكر الفكرة بالطبع، ولكنَّ لاعبيه كانوا أول مَن طبَّقها بهذه الدقة في الدرجات الدنيا من كرة القدم الإنجليزية.

مع الوقت، بدأت المزيد من الملامح تتضح. هاو كان مهووسا بالسرعة والمهارة التقنية لسبب واضح بسيط هو أنهما كانا كابوسه الأسوأ وهو لاعب. ماك آدم يحكي أنه كان يقول في أيامه الأولى مدربا إن امتلاك لاعبين ذوي سرعة ومهارة تقنية يمنحك كل الحلول، ولكن تلك الرفاهية لم تتحقق فعليا إلا في موسم 2016-2017 من البريميرليغ، بعدما تمكَّن النادي من كسر رقمه القياسي للتعاقدات في موسم واحد بـ55 و40 مليون يورو تواليا في صيفَيْ 2015 و2016. (1) (4)

أتى بينيك أفوبي من وولفز، وجوشوا كينغ من بلاكبيرن، وجوردون إيبي من ليفربول، وجاك ولشير معارا من أرسنال في محاولة لإنقاذ مسيرته المتداعية، وأُضيف إليهم تايرون مينغز من إبسويتش ونيثان آكي معارا من تشيلسي. (4)

هذا هو الفريق ذاته الذي أنفق 50 ألف جنيه إسترليني في الصيف السابق لتولي هاو المسؤولية، ولو كان المدير المالي للنادي لكفاه هذا الإنجاز، ولكن هذا الإنجاز كان يعني إضافة كمٍّ هائل من السرعة والتقنية لفريق يعاني من نقص حاد في هذه المساحة، وهاو كان على وشك استغلال ذلك بأفضل طريقة ممكنة في أفضل مواسمه التدريبية على الإطلاق.

أحضروا لنا تشيلسي!

الآن صار الفريق جاهزا لإيذاء الخصوم -بالتعبير الإنجليزي- أثناء الحيازة كذلك. في تلك اللحظة ظهر الملمح الثاني المميز لشخصية هاو التكتيكية بالكرة؛ استخدام الأجنحة السريعة التقنية كصانعي ألعاب في التحولات، وتحديدا في العمق وأنصاف الفراغات. ومرة أخرى، كانت هناك فكرة ذكية خلف ذلك الاستخدام.

ولشير كان يحتل مركز صانع الألعاب رقم 10 خلف أفوبي أو ويلسون، ولكن العمل الأكبر كان من نصيب جوشوا كينغ، الذي كان يحتل نصف الفراغ الأيسر أثناء الحيازة، ثم بمجرد فقد الكرة يعود لاعبا ثالثا في الوسط.

السلوك ذاته يظهر من ريان فريجر في هذه المتوالية ضد مانشستر يونايتد؛ صعود الأظهرة أثناء الحيازة -ملمح آخر مهم من شخصية هاو التكتيكية- يسمح للإسكتلندي بشغل المساحة المتوسطة بين الطرف والعمق، ثم بعدها يكرر هاري ويلسون الأمر ذاته عندما تصله الكرة، وفجأة يجد مانشستر يونايتد نفسه مضطرا لمراكمة لاعبيه أمام مرماه، تاركين المساحة لآدم سميث، الظهير الأيسر، لكي يلتقط كينغ بعرضيته التي حوَّلها في مرمى دي خيا.

صور: استخدام هاو لأجنحته وأظهرته ضد مانشستر يونايتد في موسم 2016-2017  (المصدر:ذي أثلتيك)

المفارقة أن أهم تجلٍّ لهذه الظاهرة أتى ضد تشيلسي على ملعب ستامفورد بريدج في الموسم التالي، 2017-2018، عندما قدَّم بورنموث أفضل عروضه التكتيكية والفنية على الإطلاق بقيادة هاو في الانتصار بثلاثية نظيفة على أصحاب الأرض، رغم بداية كونتي شديدة التحفظ، بتشكيلة غلب عليها الطابع الدفاعي كما أكثر مبارياته هذا الموسم. (5) (3)

هنا يستلم إيبي -الجناح- الكرة في المساحة المركزية، وعلى الفور تبدأ تحركات كينغ وويلسون في القنوات ما بين المدافعين. الفكرة هنا أن سحب الجناح من الطرف إلى العمق يضع الخصم أمام اختيار صعب ما بين مرافقته وترك المساحة أو العكس، وبالتالي يهرب إيبي من الرقابة اللصيقة ويُسمح له بثانية إضافية على الكرة.

هذه الثانية توجد كل أنواع الفوضى الممكنة في دفاعات الخصم، فبينما يستعد بكايوكو وكانتي للانقضاض على إيبي، يضطر كيهيل للاستدارة لمتابعة حركة إيبي، تاركا ويلسون يهاجم المساحة خلف ظهره. هذا ما يحدث عندما يتسلل اللاعبون السريعون التقنيون لعمق الملعب في التحولات؛ يمكن لواحد منهم فقط، حتى لو لم يكن على مستوى عالٍ من الكفاءة، مثل إيبي، أن يشغل انتباه ثلاثة أو أربعة لاعبين دفعة واحدة، خوفا مما قد يفعله لو قرر سياقة الكرة للأمام.

 

كيف أمال هاو الملعب متعمدا ضد تشيلسي ليوجد الفراغات في دفاعه؟   (المصدر: ذي أثلتيك)

لاحظ هنا أن تفوق تشيلسي العددي الكاسح لم يسعفه للسبب ذاته السالف ذكره؛ بورنموث قرر حصر اللعب في نصف ملعب رأسي فقط، وهذا منحه تفوقا نوعيا في موقف الحيازة ذاته، ظهرت من خلاله الثقوب والقنوات في دفاع كونتي، وأصبحت مهاجمة المساحة من أسهل ما يمكن.

حكمة اليأس

طبعا أنت تعلم ما حدث بعدها؛ بدأ منحنى الأداء يهبط تدريجيا، وزالت فورة البدايات والرغبة في الإنجاز بعد ضمان الاستقرار في البريميرليغ، وتسربت الطمأنينة والدعة من بعدها، ثم فعلت النفس البشرية فعلتها المعتادة، وبدأ الجميع يتعاملون مع ما أنجزوه كمُسلَّمات مفروغ منها، لا تحتاج إلى الجهد والتركيز والحذر ذاته للحفاظ عليها، وبنهاية موسم 2019-2020، كان هاو يقود بورنموث لموقع مشابه لذلك الذي وجده فيه، ولكن في 5 درجات أعلى على سلم الكرة الإنجليزية.

إيسكيلس، الفيلسوف الإغريقي الذي يعتبره الكثيرون أول تراجيدي في التاريخ، كان يعتقد أن اليأس هو أكبر مُعلمي الإنسان، لأنه يحرره من السعي والطموح والمنافسة والرغبة في الإنجاز. فقط عند اليأس نُمنح الحكمة، والحكمة قادت هاو لتوقف دام عاما كاملا، تنقل فيه بين تدريبات دييغو سيميوني في مدريد، وتلك التي قادها كلوب ومساعده بيب لييندرز في ليفربول. (6)

كانت تلك واحدة من مزايا شخصية هاو غير التقليدية؛ أن خلفيته الكروية والاجتماعية البسيطة، مع صعوده الصاروخي السريع، لم يُفقداه صوابه ولم يمنعاه من التواضع مثل أغلب حالات التحول المفاجئ. هذا أمر يؤكده كل مَن تعاملوا مع الرجل، ويظهر جليا في تصريحاته المتزنة ومؤتمراته الصحفية الهادئة.

في تلك اللحظة، كان هناك نادٍ آخر ينزلق إلى اليأس مع ستيف بروس، الرجل الذي انهار عاطفيا بعد إقالته، بسبب ما لاقاه من تنمر وأذى من مشجعي نيوكاسل، وبعد فترة انتقالية رفقة غرايم جونز، أحد مساعدي هاو في بورنموث للمفارقة، ترشح هاو للمنصب. (7) (8) (9)

أغلب الظن أن إدارة نيوكاسل الجديدة كانت ترى في هاو منقذا مؤقتا، بالضبط مثلما رأته إدارة بورنموث في آخر يوم من عام 2008. أغلب الظن أن جونز كان له يد في ترشيحه كذلك، ولكن الرجل كان قد تحوَّل إلى نسخة أكثر تطورا من ذاته؛ الأفكار الرئيسية نفسها وإن تطورت، ولكن بحِدَّة خيالية، وسرعة فتاكة، كما لك أن تتوقع من مدرب قضى عامه الأخير رفقة كلوب وسيميوني. (10)

في تحليل طويل دسم عبر "ذي أثلتيك" (The Athletic)، يشرح جيكوب وايتهيد مراحل تطور هاو التكتيكية وصولا إلى اللحظة الحالية، والتشابهات بين بورنموث ونيوكاسل؛ إذ بقي الرجل مخلصا للضغط العالي والمتوسط، ولكنه أصبح أكثر استخداما لـ4-3-3 من غيرها، وفيها اعتمد على ثلاثية غيماريش وجويلنتون ولونغستاف، واستخدم أجنحته سان مكسيمان وألميرون، بالطريقة ذاتها. (3)

تلاحظ في المتوالية التالية كيف خنق ثلاثي الوسط المساحات في العمق لاستخلاص الكرة في تلك المساحة تحديدا، ومن ثم الانطلاق في تحولات سريعة تهاجم المساحات في ظهر المدافعين، وهذا هو ما أنتج هدف ويلسون الأول ضد وست هام بعد أن قام ويلوك ولونغستاف وجويلنتون بالضغط على باكيتا. لاحظ أيضا كيف حافظ سان ماكسيمان وألميرون على تمركزهم في أنصاف الفراغات، ليخرجوا الأظهرة من اللعب، ويحولوا موقف 5 على 3 بعرض الملعب إلى 3 على 3 في العمق بمجرد استلام أيٍّ منهم الكرة.

المتوالية التي أنتجت هدف ويلسون في ويستهام أثناء الموسم الحالي 2022-2023  (المصدر: ذي أثلتيك)

هذا الهدف بدأ من التفاف بالغ الذكاء من السويسري فابيان شار، تمكَّن به من استباق التمريرة الطولية إلى أنطونيو، وهو أحد هؤلاء الذين أعاد هاو اكتشافهم رفقة نجم الفريق الأبرز هذا الموسم ميغيل ألميرون، وهذه القدرة الاستثنائية على التطوير الفردي أتت بالأساس من أيام هاو الأولى مع بورنموث، حينما تعلم أن يفعل كل شيء بنفسه. (11) (12)

حائط هاو

لم يزر ماك آدم رفيقه القديم منذ سنوات، ولكن لو زاره الآن لوجد حائط مكتبه يحمل أرقاما مختلفة؛ هذا الفريق يملك إمكانيات تقنية وفنية أفضل بمراحل، ومن هنا لن يقوده الاستحواذ السعودي الطموح إلا إلى أعلى على الأرجح.

يحتل نيوكاسل هذا الموسم -صدِّق أو لا تُصدِّق- المركز الثاني في البريميرليغ خلف مانشستر سيتي على مستوى الأهداف المتوقعة ضده (xGA) طبقا لموقع "FBREF" المتخصص في إحصائيات كرة القدم وتحليلاتها الرقمية، والسابع على مستوى الأهداف المتوقعة (xG)، والرابع على مستوى فارق الأهداف المتوقعة لكل مباراة (xGD/90). هذه معايير نوعية تؤكد أن فريق هاو يحتل مكانه الطبيعي والمنطقي في جدول الترتيب. (13)

 

الأهم على الإطلاق كان المساحة التي تحولت جذريا في نيوكاسل، فتحت قيادة ستيف بروس، كان الفريق هو الأكثر سلبية في البريميرليغ بدون الكرة، بعدد مرات ضغط قياسي، وكان الأدنى في المسابقة عبر المواسم الخمس السابقة، وهاو تمكَّن من تحويل ذلك إلى العكس بالضبط في غضون أشهر قليلة، ومع انتصاف الشهر الثالث من عمر النسخة الحالية، كان نيوكاسل يحتل صدارة الترتيب على مستوى عدد مرات استرجاع الكرة في الثلث الأعلى من الملعب. (7) (13) (14)

بالمثل انخفض معدل تمريرات الخصوم مقابل كل تصرف دفاعي (PPDA) أو (Passes Per Defensive Action) إلى أدنى مستوياته على الإطلاق بما يقترب من حاجز 10 تمريرات، ما يعني أن حِدَّة ضغط الأبيض والأسود كانت في ذروتها.

هذه الخاصية تحديدا تحولت إلى طابع عام للفريق تحت قيادة هاو، لدرجة أنها كانت المحرك الرئيس للتغييرات الأخيرة في التشكيلة الأساسية، بدخول ميرفي والسويدي ألكسندر إسحاق رفقة جو ويلوك، على حساب أمثال ألميرون وويلسون ولونغستاف، ليعود الفريق إلى حيويته وحِدّته السابقة أثناء الفوز على وولفز، بقيادة خط هجوم جديد عانى معه دفاع الذئاب أثناء التحضير. (14)

المستقبل يحمل ما هو أكثر بالطبع. ربما يتأهلون لدوري الأبطال هذا الموسم وربما لا، ولكن ما أنجزه نيوكاسل رفقة هاو حتى اللحظة ما هو إلا البداية، ولا شيء يمنعه من التحول إلى تشيلسي أو مانشستر سيتي آخر في المستقبل، حتى ولو تم ذلك بإنفاق أقل وحكمة أكبر وخطوات أبطأ، وحتى لو كان إيدي هاو مجرد مرحلة في المخطط المستقبلي الكبير.

من المدهش أن كل ذلك بدأ بلحظة يأس أخرى، يأس أكسب هاو الحكمة ووجد نيوكاسل الحياة على جانبه الآخر. ومن الباهر أن ما بدأ بمحاولة أخرى لتجنُّب الهبوط، تحوَّل بين عشية وضحاها إلى فريق فائز متماسك يقارع الكبار وينافس على مقاعد الأبطال ويطمح في المستقبل، بقيادة بطل غير تقليدي يدرك أن المرء لا ينهزم حين يخسر، ولا ينهزم حين يتملكه الشك، ولا ينهزم حتى حين ييأس، بل ينهزم حين يستسلم، ولا يبدو أن إدوارد فرانك هاو سينهزم قريبا.

______________________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة