شعار قسم ميدان

حكايات كرة القدم.. أسطورة كارلوس هنريكي كايزر

ميدان - كارلوس هنريكي

الآن صرت تعرف "زاريللي"، "بوغدوف"، "ضياء" وحوالي 500 لاعب نيجيري آخر، وقد حان الوقت لتتعرف على الرجل الذي ألهم كل هؤلاء، أسطورة الخداع الكبرى وميسي النصابين؛ "كارلوس هنريكي" أو "كايزر".

 

نشأ "هنريكي" مثل أغلب مُراهقي البرازيل على حلم واحد هو أن يصبح لاعب كرة قدم مشهور، بعد أن شاهد منتخب بلاده يكتسح العالم في السبعينيات مقدمًا كرة قدم جنونية في متعتها، ارتحل للعاصمة على أمل الحصول على فرصة مع أحد الأندية الكبيرة، المختلف بصدد "هنريكي" أنه كان موهوبًا فعلًا، بالإضافة إلى أنه على عكس كثير من لاعبي بلاده، كان يمتلك البدنيات اللازمة للعب في أعلى المستويات.

 

بعد الوصول لـ"ريو" اتجه(1) "هنريكي" إلى أول مكان يمكنه التعرف فيه على لاعبي الكرة المشهورين؛ النوادي الليلية، وشق طريقه وسط الزحام حتى أصبح صديقًا عزيزًا لنجوم من ثقل "بيبيتو" و"روماريو" و"برانكو"؛ الثلاثي الذي قاد البرازيل للقب المونديال في 94، وعن طريق هؤلاء نجح في الحصول على عقده الأول في "بوتافوغو"، ومنه انطلق إلى "فلامينغو"، ثم واصل رحلته في المكسيك مع "بويبلا" و"إل باسو"، عقبها عودة سريعة للبرازيل مع "بانغو" قبل أن يحط الرحال في "أجاكسيو" الفرنسي، مسدلًا الستار على مسيرة قاربت 20 عامًا من 1979 حتى ما قيل أنه منتصف التسعينيات.

  

"كايزر" مع نجوم البرازيل (مواقع التواصل)

 

لم تنته القصة بالطبع، وإلا لما كانت جديرة بالذكر، بل هي تبدأ هنا في الواقع، لأن "هنريكي" تمكن من ممارسة الكرة كلاعب محترف لمدة 20 عامًا دون تسجيل هدف واحد رغم كونه يلعب في موقع المهاجم، 20 عامًا من الرواتب الضخمة والسهرات والعلاقات النسائية والشهرة دون هدف واحد، ما يعد منطقيًا بالنظر لمسيرته التي لم تشهد مشاركته في أي مباراة فعلية من الأصل.

 

"هنريكي" المراهق اكتشف(2) أن موهبته تخفت تدريجيًا، وأنه لم يعد يملك ما يلزم لـ "اللعب في الفريق الأول" لأي نادٍ، رغم توقع الجميع بمستقبل باهر له أثناء نشأته، ولكنه أدرك أن تفصيلة بسيطة كهذه لا يجب أن تقف عائقًا أمام تحقيق أحلامه، وبعد حصوله على عقده الأول في "بوتافوغو" بسبب صداقته بنجوم لهم ثقلهم كان أحدهم هو "ريناتو جاوتشو"، بدأ الجزء الثاني من خطته.

 

طلب من النادي منحه فرصة لاستعادة لياقته عبر الاكتفاء بالتدريبات البدنية بدون كرة، وحين أتى موعد أول تدريب بعد انقضاء المهلة، اندفع "كايزر" بحماس كبير في انطلاقة لم تكتمل نحو المرمى، لأنه سقط ممسكًا بعضلته الخلفية التي تمزقت فجأة، وفي بلد متخلف طبيًا يقع في عالم بلا أشعة رنين، كان إثبات كذبه صعبًا نوعًا ما.

 

انطلاء الخدعة الأولى على الجميع أغرى "كايزر" بالتجويد، فكان يتجول في النادي قبل التمرين وبعده ممسكًا بالهاتف الجوال الوحيد في البرازيل تقريبًا في الثمانينيات، مرددًا بضع كلمات بالإنجليزية فيما أخبر زملاءه أنها محادثات مستمرة مع أندية أوروبية ترغب في ضمه، ولكن لسوء حظه أن أحد أطباء النادي ويدعى "رونالدو توريس" سمعه أثناء إحدى محادثاته ولم يفهم حرفًا رغم إجادته للإنجليزية، ما دعاه لاختلاس نظرة سريعة على هاتفه الذي تبين لاحقًا أنه لعبة متقنة الصنع.

 

بالطبع قفز "هنريكي" من السفينة سريعًا وانطلق في رحلته مكررًا نفس المخطط في كل نادٍ تقريبًا ليحصل في كل مرة على بضعة شهور من الحياة التي يحلم بها، ثم وصلت عبقريته لذروتها إبان لعبه لـ"بانغو" البرازيلي، بعد أن اقتنع(3) مالك النادي الثري "كاستور دي أنغرادي" بإمكانياته، ووقتها واجهته مشكلة بسيطة؛ الرجل يريده في الملعب.

    

بعض المصادر تقول أن
بعض المصادر تقول أن "كايزر" استمر لفترة مع "أجاكسيو" قبل أن يُنهي مسيرته بإجمالي 30 مباراة لعبها، والبعض الآخر يقول إنه لم يلعب من الأصل، ولكن الأكيد أن "كايزر" هو أكبر مخادع في تاريخ الرياضة
 
أثناء تعافيه من إحدى إصاباته التى لا تنتهي فوجىء "هنريكي" بأن اسمه قد أدرج ضمن قائمة المباراة التالية، ولكن المدرب طمأنه بأن السبب الوحيد هو استكمال القائمة لكثرة الإصابات، وأنه لن يدفع به حتى اكتمال شفائه، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن وتأخر فريقه في النتيجة فوجد المدرب يطلب منه الإحماء استعدادًا للمشاركة، في ظل هتافات جماهيرية غاضبة من سوء حالة الفريق، تطالب برحيل "دي أنغرادي" بسبب تعاقداته الفاشلة، هنا تجلّت عبقرية "كايرز" حينما افتعل مشكلة مع الجمهور أثناء الإحماء واشتبك معهم من خلف السور الحديدي الذي يفصلهم عن الملعب، ليشهر حكم المباراة البطاقة الحمراء في وجهه مطالبه بالمغادرة وهو لم يشارك بعد. 
   

استدعاه "دي أنغرادي" وهو يكاد يغلي من الغيظ، فيما توقعه الجميع نهاية لـ"كايزر" مع النادي، وعندما طالبه بتفسير ما فعله كان رده كالتالي: "قبل أن تقول حرفًا دعني أخبرك بشيءٍ واحد؛ لقد أخذ مني الرب أبًا فيما سبق، ثم عاد ومنحني أبًا آخر هو أنت، ضع نفسك مكاني، هل كنت لتقبل أن ينعت أباك بأنه لص؟ هذا ما فعله المشجعون، ولو عاد بي الزمن لكررت فعلتي دون ندم". التوقعات؛ فسخ العقد، النتيجة الفعلية؛ التمديد لستة أشهر إضافية، مستوى النصب؛ داني أوشن.

 

قرر "كايزر"، وهو اللقب الذي حصل عليه لشبهه الشديد بالقيصر "فرانز بيكنباور"، استغلال بلاهة "دي أنغرادي" حتى النهاية، ثم حمل جعبة حيلُه التي لا تنضب واتجه إلى فرنسا؛ "أجاكسيو" تحديدًا، ووسط حماس جنوني من المشجعين بسبب وصول الموهبة البرازيلية الكبيرة لأعتاب ناديهم الذي يعاني في الدرجة الثانية، طالبوه بإظهار مهاراته أثناء التدريب الأول، فلم يجد(4) بدًا من ركل كل الكرات الموجودة في الملعب تجاههم ليحتفظوا بها كذكرى، مقبلًا شعار النادي على قميصه في كل مرة، فانتهى الأمر بقضاء التدريب في الركض والتمدد بعد أن رفض المشجعون إعادة كرات من أصبح نجمهم الأول بلا منازع.

 

بعض(5) المصادر تقول أنه استمر لفترة مع "أجاكسيو" قبل أن يُنهي مسيرته بإجمالي 30 مباراة لعبها وهذا ما أكده "كايزر" نفسه في مقابلة(6) حديثة، البعض الآخر يقول إنه لم يلعب من الأصل، ولكن الأكيد أن "كايزر" هو أكبر مخادع في تاريخ الرياضة عمومًا، وبجانبه تبدو أساطير "علي ضياء" و"زاريللي" و"بوغدوف" كحكايات ما قبل النوم.

المصدر : الجزيرة