نابولي – ريال مدريد.. في انتظار راموس
استمرت حالة عقاب فاران للمباراة الثالثة على التوالي، ودفع زيدان ببيبي بديلًا للفرنسي بعد كارثتي فياريال، فرغم إمكانياته الدفاعية والبدنية الهائلة، والتي تجعله من أفضل متوسطي الدفاع في العالم ناهيك عن فريقه، إلا أنه لا يملك قدرة راموس الخارقة على الخروج بفريقه من أي مأزق، والتي تعوض العديد من جرائمه الدفاعية المعتادة، والتي كثيرًا ما تكون السبب في المأزق من الأصل.
الانطباع الأول طاغي الحضور، كان أن زيدان لم يشاهد العديد من مباريات نابولي هذا الموسم، أو ربما شاهدها ولم يدرسها جيدًا، فلجأ للتراجع الدفاعي والاعتماد على المرتدات بغض النظر عن خطة خصمه وطريقة لعبه، واعتمادًا على نتيجة الذهاب المريحة نسبيًا، ظنًا أنه الحل الآمن الذي سيقيه سرعة كاييخون وإنسيني ومرتينز في المساحات.
ولكن بمجرد العودة لمباراة يوفنتوس في الكأس، كان زيدان سيدرك أن مشاركة مرتينز على حساب ميليك ليس لها إلا معنى واحد؛ الضغط العالي، لأن تطبيقه سيمنع مدافعي نابولي من بناء هجمتهم بنفس الأريحية التي نعموا بها حتى هدف راموس، وبالتالي سيضطرون لإرسال الطوليات غير الدقيقة لخطهم الأمامي، وهذا بدوره لا يعني إلا نتيجتين؛ تفوق دفاعي كاسح في الرأسيات لراموس وبيبي على ثلاثي نابولي الهجومي، أو اضطرار هامشيك وآلان للصعود والتورط في صراع الهوائيات بدورهما، وبالتالي كشف وسط نابولي تمامًا، وتحوله لفريسة جاهزة للتمرير العمودي المباشر جهة المرمى.
موقف فوز حتمي تقريبًا (Win Win Situation)، وهو نفس ما طبقه ألليجري لحظة دخول مرتينز بديلًا لميليك في نصف نهائي الكأس، لتتحول سيطرة نابولي وفرصه المتكررة للعكس تمامًا، وينعزل مهاجمه وجناحيه عن وسط ملعبهم، ويفقد الجنوبيون أبرز ما يميزهم؛ التدرج بالكرة من الخلف للأمام والتمريرات الأرضية القصيرة وصولًا للمرمى.
ولكن لسبب ما ظل زيدان يشاهد المباراة من المدرجات حتى أتى الإنقاذ من راموس، والذي كان مبكرًا عن التوقيت المعتاد، ليسمح لفريقه بالعودة للمباراة بعد أن قضى 50 دقيقة كاملة بوسط غائب وهجوم لا يضغط وأجنحة معطلة، تاركًا دفاعه تحت رحمة ثنائيات الجنوبيين في ثلث ملعبهم ورعونتهم في التمريرة الأخيرة، في ظل توهج لجبهتهم اليمنى بقيادة إنسيني وهامشيك، ونشاط هيستيري لمرتينز نفسه، الذي وجد في غياب الضغط الظروف المناسبة للتألق، ولم يُعِبه إلا تفرغه لاختلاق ركلة جزاء بعد تسجيله الهدف الأول، بعد أن سيطرت حالة من التسرع على فريقه أضاعت كل فرصهم تقريبًا، بسبب الرغبة في استعجال الهدف الثاني ومن ثم التأهل.
كل ذلك كان له عنوان بديهي كبير هو فرق الجودة، والتي استطاع الملكي استخدامها لصالحه بكفاءة خارقة فيما أتيح له من فرص، وكأن وظيفة راموس الأساسية هي استكمال كل ما ينقص زيدان من عيوب في الخطة أو طريقة اللعب، وهو مشهد تكرر كثيرًا خلال حقبة الفرنسي، وبالطبع لا يقلل من قيمة فريقه ولكنه يدع المجال لمخاوف مشروعة عن اللحظة التي قد يغيب فيها راموس نفسه، فلا يتبقى منه سوى أخطاؤه الدفاعية المزمنة في التمركز والمحاصرة الفردية.
إذا كان السؤال السابق عن قدرة زيدان على استكمال هذا الطريق، فإن تكرار الأداء الهزيل للتشكيلة الأساسية يطرح سؤالًا آخر عن الكيفية في استكماله، ويؤكد الاعتقاد بأن ريال زيزو غالبًا ما يعاني مع مشاركة الثلاثي بيل وبنزيما ورونالدو سويًا، وأنه استفاد من ندرتها فيما سبق.
ففي تحليل للماركا نُشر منذ أيام، استعرضت الصحيفة المدريدية الأشهر حالة الـبي بي سي (BBC) بطريقة العيوب ضد المميزات، متسائلة إذا كان البدء بهم أمام نابولي ضروري بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير بين أصحاب الأرض وإيبار الذي انسحق تحت مد الثلاثي الهجومي، خاصة أن زيزو يؤكد دائمًا أنهم الأفضل، ولم يسبق له أن أراح أيًا منهم وهو جاهز للمشاركة.
المثير أن التحليل وصف ما حدث في مباراة نابولي بالضبط تحت خانة العيوب، مؤكدًا أن مشاركة الثلاثي تجبر زيدان على 4-3-3 التي لا يفضلها عادة، وتترك الحمل الدفاعي كاملًا لوسط الملعب المرهق بدوره، والدفاع الذي ظهرت معاناته في الفترة الأخيرة، وهو آخر شيء يحتاجه الميرينجي في مباراة نابولي، حيث الطريقة المثلى لإيقافهم هي حرمانهم من الاستحواذ، ما يعني ضرورة التضحية بواحد من الثلاثي لصالح لاعب وسط إضافي.
ورغم أن ذلك قد لا يبدو منطقيًا للوهلة الأولى، إلا أن تكتيك زيزو وطريقة لعبه جعله كذلك، ففي المعتاد لن يكون من الطبيعي طرح سؤال مشابه، لأن أي فريق يتمنى تواجد ثلاثي مشابه في صفوفه، ولكن المشكلة هنا أن طريقة لعب الريال الحالية لا تخدمهم، ولا تمنحهم المساندة الهجومية الكافية من الوسط والأظهرة في مباريات شبيهة، فبدلًا من أن يدفعهم الفريق للأمام يُطلب منهم مساندته في الخلف، فينحصر دورهم في قيادة المرتدات، والتي تعتمد بدورها على قدرة الوسط على افتكاك الكرة مبكرًا، الأمر الذي لا يسمح به تقدم سن مودريتش والاجهاد المستمر الذي يعانيه، خاصة مع هبوط مستوى كازيميرو مؤخرًا.
ما سبق تؤكده العلاقة العكسية بين عدد أعضاء البي بي سي (BBC) الموجودين في الملعب وقوة أداء الفريق بشكل عام، والتي تجلت في أوضح صورها أمام الأتليتي في الكالديرون، حيث تفرغ رونالدو لما يجيده وفي نفس الوقت دعمته مجموعة متنوعة من صناع اللعب المهرة القادرين على توفير التمويل الكافي، فبينما يبدو ريال زيزو كأحد أقوى المرشحين للبطولة، إن لم يكن أقواهم حتى اللحظة، فالغريب أن أبرز نجومه قد يكونوا العائق الوحيد لتحقيقها، وحتى يبتكر زيدان طريقة تنسجم بها تشكيلته الأساسية مع أسلوب لعبه، سيظل السؤال الأهم عن لحظة خروج واحد من الثلاثي، أو لحظة دخول راموس.