شعار قسم ميدان

للأم العزباء.. أنت كافية لطفلك وهكذا يمكنكِ التعامل معه

أصبحت العائلات أحادية الوالد أكثر شيوعا من أي وقت مضى، وإذا كانت تربية الطفل بوتيرة حياتنا الحالية أمرا صعبا، فإنها دون شريك تكون أصعب بالتأكيد، أنتِ وحدكِ المسؤولة عن كل جوانب الرعاية اليومية لطفلك، وهذا يعني أن تتحملي المزيد من المسؤولية والضغط والإجهاد اليومي، وأن تعاني في التوفيق بين العمل والعناية بالطفل، خاصة أن العائلات التي لديها والد واحد تمتلك دخلا أقل بشكل عام، إلى جانب ما قد تواجهينه من وصمة المجتمع بسبب الانفصال. (1)

رغم ارتفاع نسب الأسر التي يعيلها والد واحد (الأم غالبا) في المجتمعات العربية بسبب زيادة نسب الطلاق، فإن تلك الظاهرة تغزو مجتمعات العالم بأسره بنسب متفاوتة ولأسباب مختلفة. تشير التقديرات إلى أن واحدا من كل خمسة أطفال في المملكة المتحدة على سبيل المثال نشأ في أسرة وحيدة الوالد خلال العشرين عاما الماضية، وكان هناك فرق ملموس في متوسط أداء الأطفال ​​في العائلات ذات الوالد الوحيد مقارنة بأقرانه، وهو موضوع أصر الأكاديميون على طرقه، لا لإصدار الأحكام أو إلقاء اللوم، ولكن لمواجهة التحديات التي تواجهها عائلات كثيرة يُفرض عليها هذا الوضع. (2)

كانت "سارة ماكلاناهان" أستاذة علم الاجتماع بجامعة برينستون في الولايات المتحدة أُمّا عزباء، وقد أشرفت على دراسة حول ما يُطلق عليها "العائلات الهشة"، وعلاقة ذلك برفاهية الطفل، وشملت الدراسة خمسة آلاف طفل وأولياء أمورهم يعيشون في مدن أمريكية مختلفة، واستنتجت في بحثها أنه حتى مع مراعاة العوائق الاقتصادية فهناك تأثير لعدم الاستقرار الأسري على حياة الطفل.

كان هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للفشل في الدراسة، وحتى الأطفال الذين عاشوا في منزل مستقر مع أحد الوالدين فقط كان أداؤهم أسوأ في بعض الجوانب من الأطفال الذين يعيشون مع كلا الوالدين، وهو أمر يبدو منطقيا، فوجود شخصين بالغين يتعاونان في تربية الطفل وفي منحه الوقت والرعاية يعني وجود موارد أكثر من تلك التي يحصل عليها طفل يعيش مع والد واحد. (3)

لكن دراسة أخرى أجرتها "سوزان هاركنيس" من جامعة باث، قبل حوالي عشر سنوات، بحثت بشكل أعمق في الأمر، فاكتشفت أسبابا مختلفة. رصدت الدراسة العلاقة بين الأمومة العزباء والقدرة المعرفية اللفظية للأطفال في سن الحادية عشرة، باستخدام بيانات ثلاث مجموعات من الأطفال البريطانيين المولودين في عقود مختلفة في الخمسينيات ثم السبعينيات وأخيرا في مطلع القرن الواحد والعشرين، وكشفت النتائج أن قدرات الأطفال في الأسر ذات الأم العزباء كانت أسوأ من أقرانهم الذين يعيشون مع كلا الوالدين، لكن الأمر لا يتوقّف هنا هذه المرة، فقد أشارت هاركنيس إلى أنه باستبعاد العوامل الخارجية مثل الفقر فإن الأدلة التي تثبت وجود تأثير ضار على الطفل الذي يعيش مع أم عزباء تبدو قليلة.

وبالفعل فقد خلصت العديد من الدراسات الشبيهة إلى أنه بمجرد استبعاد عوامل، مثل الدخل المنخفض وضعف الصحة العقلية للأم، يكون تأثير بنية الأسرة على النتائج المعرفية ضئيلا، إذ ترتبط الأمومة العزباء بانخفاض الدخل ومخاطر الفقر، وتدهور الصحة العقلية للأمهات، وممارسات أبوية سيئة، ومشكلات أخرى متعلقة بالسياق نفسه مثل الاضطرار للانتقال من المنزل أو المدرسة وتدهور العلاقات العائلية، وغالبا ما تكون هذه الأسباب هي ما يقف وراء تدهور الحالة العقلية والنفسية للطفل. (4)

يبدو إذن أن أكثر عوامل الاستقرار تأثيرا كانت تتعلق بالقدرة على توفير دخل جيد، وكما أشارت دراسة هاركنيس، كان الحصول على دخل ثابت هو ما يفسر الانخفاض في معدلات الاكتئاب لدى الأمهات العزباوات العاملات في العقد الماضي مقارنة بالأمهات اللاتي لا يعملن واللاتي تدهورت صحتهن العقلية، وكانت مرونة ساعات العمل عاملا إيجابيا إضافيا. تتناقض هذه النتائج مع دراسات التسعينيات التي أظهرت ارتباطا ضئيلا بين العمل والصحة العقلية الإيجابية، إذ كانت الأم العزباء أكثر عرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب، سواء كانت تعمل أو لا، ما يشير إلى أن شيئا قد تغير مع الزمن.(5)، (6)

في سياق مشابه، أشارت دراسة للجمعية الأوروبية لعلم التكاثر البشري والأجنة إلى عدم وجود فرق يُذكر فيما يتعلق برفاهية الأطفال أو نموهم بين من نشؤوا مع أم عزباء ومن نشؤوا مع كلا الوالدين، وأن التأثير السلبي على نمو الطفل يحدث بشكل أكبر بسبب العلاقة المضطربة بين الوالدين وليس بسبب غياب أحد الوالدين كما يُعتقد، وأكدت أهمية وجود شبكة دعم اجتماعي محيطة بالأم العزباء، وكيف أنها تُحدث فرقا في نجاح تجربتها. (7)

لكن في كل الأحوال، فإن إدارة المنزل في غياب أحد الأبوين ليست أمرا سهلا، ولأن الأم عادة ما تتحمل عبء تربية الأطفال بعد الطلاق في مقابل حالات نادرة يفعل فيها الأب ذلك، ويظهر ذلك واضحا في مجتمعاتنا العربية، فإن التوجيهات الطبية والتربوية بشكل عام في هذا النطاق تخاطب المرأة، وينصح الخبراء ببعض الأمور الخاصة بتعاملكِ مع الطفل لكي تتجنبي -أو تقللي- الضغوط الناجمة عن قيامكِ بالمهمة وحدكِ:

  • ضعي له قواعد وحدودا:

اشرحي لطفلك القواعد الأساسية للمنزل. تأسيس روتين مع طفلك لا يُقدّر بثمن، سيساعدك تحديد مواعيد منتظمة لتناول الطعام والاستحمام والرياضة والنوم في تحقيق الرفاهية لكما معا.

  • دعيه يشاركك:

حين يُظهر طفلك استعدادا لتحمل مسؤولية أكبر دعيه يشاركك، الصغار يحبون المشاركة في الأعمال المنزلية، دعيه يتعلم ويطور مهاراته ويقدر قيمة التعاون العائلي والعمل الجماعي. قد تساعدك قواعد "منتسوري" في اقتراح أنشطة يساعدك فيها الطفل حسب عمره. (8)

  • لا تنفسي عن غضبك به:

ليس من السهل أن تكوني أما وحيدة، لكن حين يتملّكك الغضب احذري من أن يكون الطفل هو من يدفع الثمن، لا تنفسي عن غضبك بطفلك أبدا، ولا تدعي هذا الشعور يحكم الموقف، إذ سيكون له عواقب وخيمة.

يوما ما ستواجهين السؤال:

حاولي الإجابة عن أسئلة طفلك التي تتعلق بوالده في حدود ما يسمح به عمره، ودون كثير من المعلومات التي قد لا تكون ضرورية، لكن لا تخفي الأمر أو تتجاهليه. (9) – (10)

  • تجاهلي التعليقات واطلبي الدعم:

لا تختلف الأم العزباء عن أي أم أخرى، إذ إنها أيضا تستيقظ كل يوم لتطعم أطفالها وتُعلمِّهم وتلعب معهم. وإزاء التحديات التي تواجهها، ينصح الخبراء بأن نتذكر دائما عدة أمور، منها مثلا التوقف عن مقارنة نفسك بأحد، هذه قاعدة ذهبية للأمومة، لا تقارني نفسك بالأمهات الأخريات ولا تقارني طفلك بالأطفال الآخرين، كل أم تختبر الأمومة بطريقتها الخاصة وتعيشها في ظروف مختلفة ولديها أطفال مختلفون، لذا تمتعي بأمومتك وركزي على المميزات التي تتمتعين بها وافعلي ما بوسعك.

من جانب آخر فإن تجاهل التعليقات السيئة هو أشبه ما يكون بميزان الذهب في هذه الحالة، لا تدعي أحدهم يحكم على أمومتك من خلال موقف واحد، لا أحد يعرف قصتك، ولا أحد يُقدّر معاناتك أفضل منكِ، سيكون هناك دائما أشخاص يشعرون أن لديهم الحق في إبداء الرأي، وتجاهلهم هو الحل الأمثل، أنت تفعلين أفضل ما يمكنك، وبدافع من حب عميق لطفلك.

كذلك يُفضَّل دائما أن تمنحي نفسك بعض الوقت للراحة. تخصيص بعض الوقت لكِ وحدك أمر مهم وسيجعلك أما أفضل، وإذا كنتِ بخير فسيكون طفلكِ بخير، لذا حاولي الاستعانة بمجموعة من الأصدقاء أو أفراد العائلة ممن تثقين بهم لتتركي الطفل معهم بعض الوقت وتفعلي شيئا تحبينه، مثل ممارسة الرياضة أو تناول القهوة مع الأصدقاء.

مهما كنتِ مثالا للمثابرة والتفاني والشجاعة، لا تنجرفي كثيرا في تخيل أن بإمكانكِ فعل كل شيء وأنكِ لستِ في حاجة إلى أي أحد. اطلبي المساعدة حين تحتاجين إليها، وتقبلي أنكِ لست بطلا خارقا يمكنه القيام بكل شيء، كل الأمهات في حاجة إلى المساعدة، إن لم تتمكني من طلب أمر يتعلق بالعناية بالطفل مثلا، فقد يكون من الأنسب أحيانا طلب المساعدة في أمور أخرى، مثل التنظيف أو الطهي، بحيث تجدين وقتا للعناية بالطفل، وتكونين أكثر اتزانا وتكوّنين علاقة أفضل مع نفسك ومع طفلكِ.

من الضروري في هذا السياق أن تبحثي عن شبكة دعم بالإضافة إلى عائلتك وأصدقائك. هناك العديد من النساء يعشن في ظروف مشابهة، يمكنك التعرف إليهن وتبادل الخبرات والمخاوف والألم وكل ما تحتاجين لمشاركته. تصبح الأمومة أسهل بكثير عندما نشاركها مع أمهات أخريات.

وفي النهاية، تأكدي أنكِ كافية لطفلك، فما يحتاجه الطفل حقا هو شخص بالغ مسؤول يتمتع بصحة نفسية جيدة ليرعاه، ويبقى التحدي الأكبر هو تطبيع نمط حياتكِ وتفهّم أن كل عائلة يمكن أن تكون فريدة ومميزة، وأنه على الرغم من أن غياب الأب قد يكون له تأثير سلبي، فإن منح الطفل الكثير من الحب والمودة وإشعاره بالاستقرار والهدوء في المنزل يساعده على النمو عاطفيا بشكل طبيعي. (12)

___________________________________________________________–

المصادر:

  1. Madre soltera y primiriza! Trucos y consejos para criar sola y no morir en el intento
  2. Do children in two-parent families do better?
  3. المصدر السابق
  4. Single mothers ‘do just as good a job as couples’
  5. Lone mothers, work and depression
  6. Mothering Experiences: How Single Parenthood and Employment Structure the Emotional Valence of Parenting
  7. The Rise in Single-Mother Families and Children’s Cognitive Development: Evidence From Three British Birth Cohorts
  8. Madre soltera y primiriza! Trucos y consejos para criar sola y no morir en el intento
  9. Dificultades de ser madre soltera
  10. 10 Consejos para una madre soltera.
  11. المصدر السابق
  12. 13 consejos para ser una madre soltera sin complejos
  13. Madre soltera y primiriza! Trucos y consejos para criar sola y no morir en el intento
المصدر : الجزيرة