لماذا يبحث البعض عن التعاسة؟ 4 أسباب علمية تجيبك

البؤس والشقاء
الشعور العميق بفقدان الأمان أو عدم احترام الذات قد يتسبب في اعتقاد بعض الناس بعدم استحقاقهم للسعادة (شترستوك)

الافتراض الأساسي للسلوك البشري هو أن الناس يسعون وراء المتعة وتجنب الألم. فقد سأل استطلاع رأي الأميركيين عام 2016 عما إذا كانوا يفضلون "تحقيق أشياء عظيمة أو أن يكونوا سعداء"، فأكد 81% أنهم يفضلون أن يكونوا سعداء، في حين اختار 13% فقط تحقيق أشياء عظيمة.

وعلى الرغم من كون السعادة هدفا وغاية يسعى لها الإنسان، فإن البعض يكتفون بالانغماس في البؤس، حتى إنهم قد يتفاخرون به، وحتى عند إعطائهم خطوات لتحسين حياتهم، يبدو أنهم يفضلون الاستمرار في الشكوى.

فهل هناك نوع من الاعتياد المريح للشعور بعدم الرضا؟ لماذا يعود بعض الناس إلى البؤس مباشرة بعد رحلة استمتاع قصيرة مع الفرح؟

أسباب إدمان التعاسة

ببساطة، بعض الناس يحبون المشاعر السلبية، فقد خلصت دراسة أجراها إدواردو أندرادي وجويل كوهن، قيّمت سبب استمتاع الناس بأفلام الرعب، إلى أن بعض المشاهدين يسعدهم الشعور بالتعاسة.

وجد الباحثون أن الناس يعانون من المشاعر السلبية والإيجابية في الوقت نفسه، وذلك يعني أنهم لا يستمتعون فقط بالراحة التي يشعرون بها عند إزالة التهديد، ولكنهم يستمتعون أيضا بالخوف. وجادلوا بأن هذه النظرية نفسها قد تساعد على تفسير سبب انجذاب البشر إلى الرياضات المتطرفة وغيرها من الأنشطة الخطرة التي تثير الرعب أو الاشمئزاز.

في مقاله على موقع "سيكولوجي توداي" (Psychologytoday)، يقدم ديفيد ساك، الحاصل على شهادة البورد في الطب النفسي للإدمان، عددا من التفسيرات المحتملة "لإدمان التعاسة".

ويقول إن الشعور بفقد الأمان العميق الجذور أو عدم احترام الذات قد يتسبب في اعتقاد بعض الناس بعدم استحقاقهم للسعادة، كذلك فإن أسلوب التربية الذي يتّسم بالانضباط المفرط والتوقعات غير الواقعية قد يتسبب في المساواة بين التعاسة والحب والنجاح.

وقد يغذي النضال المستمر في الحياة مع الصدمات أو التجارب السلبية الأخرى الرغبة اللاواعية في العودة باستمرار إلى الوضع الحالي المتمثل في التعاسة، وربما يعاني بعض الأشخاص المرتاحين مع معاناتهم من اضطراب أساسي في الصحة العقلية.

وهناك آخرون يفخرون بكونهم واقعيين، معتقدين أن كونك عمليا أو واقعيا يعني أيضا التركيز على السلبية. كذلك يلجأ بعض الناس إلى شعور الشقاء الدائم بسبب قرارات أو تجارب في الماضي، فيشعرون بالذنب أو الندم الذي لا يمكنهم التغلب عليه، ويختارون معاقبة أنفسهم بصفة دائمة.

فضلا عن ذلك، يخشى بعض الناس الشعور بالبهجة لأن المشاعر الإيجابية قد تكون مقدمة لخيبة أمل قادمة، كما يخاف من السعادة أولئك الذين لم يشعروا قط بأي شيء سوى التعاسة، فهي تثير لديهم الخوف من المجهول، كذلك فإن بعض الناس يجعلون من مشاكل العالم مشاكلهم الشخصية فلا يسمح هؤلاء الأفراد لأنفسهم بالشعور بالسعادة.

هل بإمكاننا البكاء أمام أطفالنا؟ (فري بيك)
البائس يميل إلى البحث عن أسباب تشعره بالبؤس حتى عندما تصبح الحياة جيدة جدا (فري بيك)

ويقول الطبيب النفسي الأميركي وليام غلاسر، في نظرية التحكم، عام 1985، إن من المنطقي أن يختار بعض الناس البؤس، وذكر 4 أسباب تجعل الناس يتخذون مثل هذا الاختيار:

الاحتفاظ بالغضب تحت السيطرة

بدلا من التعبير عن غضبنا خارج ذواتنا، ربما بتهديد الآخرين وإيذائهم، فإننا نحوله إلى الداخل. أحيانا لا نعرف كيف نتعامل مع غضبنا في الساحات العامة، فنوجهه إلى مكان خاص.

يجعل الآخرين يساعدوننا

عندما نظهر بائسين أو مكتئبين، يمكن أن يكون ذلك مثل صرخة طلبا للمساعدة، ويمكن أن تكون جذابة بشكل خاص للرجال الذين لا يحبون في كثير من الأحيان طلب المساعدة.

يبرر عدم رغبتنا في القيام بشيء مفيد وفعال

كلما أصبحنا بائسين أو مكتئبين، أصبحنا أكثر عجزا أيضا، فعندما يغلب علينا البؤس نكون غير قادرين على فعل الكثير.

يساعدنا على استعادة السيطرة

عندما نشعر بالتجاهل بسبب الطريقة التي يعاملنا بها شخص آخر أو بسبب صعوبة الظروف، فإن اختيار أن نكون بائسين أو مكتئبين يمكن أن يزيد بشكل كبير من إحساسنا بالسيطرة، فلا أحد يستطيع أن يتحدانا عندما نكون عاجزين.

من مدمن التعاسة؟

وفقا لموقع سيكولوجي توداي، يمكن التعرف على الشخص المدمن للتعاسة، فهو يميل إلى البحث عن أسباب تشعره بالبؤس حتى عندما تصبح الحياة جيدة جدا، كما أن هذا الشخص يفضل لعب دور الضحية وإلقاء اللوم على الآخرين بدلا من تحمل المسؤولية الشخصية عن اختياراته، ويجد صعوبة في تحديد الأهداف وتحقيقها، ولا يستمتع بنجاحاته عندما تحدث، يشعر أيضا بأنه مستبعد وعاجز عن التغيير، ويشعر بعدم الرضا حتى عندما تسير الحياة على ما يرام.

عندما نظهر بائسين أو مكتئبين يمكن أن يكون ذلك مثل صرخة طلبا للمساعدة (شترستوك)

هل السعادة اختيار؟

كثيرا ما يقال إن السعادة اختيار، ولكن لماذا ليس كل الناس سعداء؟

وفقا لديفيد ساك، فإن السعادة معقدة، فبعض الناس يجدون السعادة حتى في أصعب المواقف، وآخرون لا يشعرون بالسعادة على الرغم من امتلاكهم كل شيء.

من الناس من يعتقد أن السعادة عابرة وتعتمد على ظروفه الحالية، في حين يبدو آخرون سعداء بشكل عام أو غير سعداء بشكل عام بغض النظر عما يحدث في حياتهم.

ثم هناك مسألة: كيف يجب أن نحدد السعادة؟ من خلال النجاح الخارجي، أو الرضا الداخلي، أو غير ذلك؟

يقول ساك إنه في كثير من الحالات قد يكون صحيحا أن السعادة اختيار، فنحن نختار أفكارنا وردود أفعالنا التي تؤثر على الطريقة التي نشعر بها، كما أنه يمكننا تحسين حاصل سعادتنا باتخاذ خطوات لتغيير طريقة تفكيرنا مثل قبول ما هو موجود، أو تطوير آليات تأقلمنا مع ما حولنا.

الصحة العقلية

أما من يعانون اضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب أو القلق، فإن السعادة دائما بعيدة المنال لديهم، فهم لا يختارون أن يكونوا مكتئبين أو قلقين.

اختيار أن تكون سعيدا، في هذه الحالات، يكون أكثر تعقيدا من اتخاذ خيار التفكير الإيجابي، هناك خيار واحد مهم يمكن اتخاذه في هذه الحالة وهو الحصول على العلاج السلوكي المعرفي.

المصدر : مواقع إلكترونية