القرصنة الصومالية

قضية القرصنة البحرية في السواحل الصومالية - الموسوعة
قوة بحرية برتغالية تقبض على قراصنة صوماليين هاجموا سفينة تجارية لسنغافورة (الأوروبية)
أعمال قرصنة وسطو مسلح على السفن المدنية الدولية المارة قرب السواحل الصومالية واختطاف لأطقمها، تنفذها جماعات صومالية مسلحة للحصول على الأموال، مستغلة غياب السلطة المركزية في البلاد ومهددة الملاحة العالمية.

معلومات أساسية
1- جيش القراصنة
حسب تقرير لمراسل الجزيرة نت في الصومال نشر يوم 10 مارس/آذار 2012، فإن عدد المنضمين لنشاطات القرصنة في الصومال يقدر بنحو ثلاثة آلاف شاب سنويا، تتراوح أعمارهم بين 20-35 سنة، وهم موزعون على أربع مجموعات ومعظمهم من خفر السواحل السابقين، ولهم قدرات فائقة على اختطاف السفن حتى مسافة 240-300 ميل داخل البحار، وأحيانا 1000 ميل حسب المكتب الدولي للنقل البحري.

ويشن هؤلاء القراصنة هجماتهم غالبا انطلاقا من قرى صيد في إقليم بونتلاند (منطقة في شمال شرقي الصومال تتمتع بحكم شبه ذاتي منذ عام 1998، وعاصمتها غروي)، من أشهرها إيل وجرعد وهوبيو وجريبن ولاسقوري ومودوغ، وهي قرى محاذية للشريط الساحلي الصومالي مما يتيح للقراصنة رصد واستهداف السفن التجارية والأساطيل البحرية العابرة في خليج عدن ومضيق باب المندب.

وفي يوم 12 أبريل/نيسان 2009 نشرت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية مقالا لكبير مراسليها للشؤون الخارجية كولن فريمان الذي اختطفه قراصنة صوماليون أثناء استقصائه لظاهرة القرصنة، وورد في المقال أن عدد القراصنة الذين يمخرون عباب البحر جيئة وذهابا عند السواحل الصومالية يقدر بنحو ألفي قرصان، ينفذون ست عمليات قرصنة في الأسبوع، وكسبوا ثلاثين مليون دولار أميركي فِدًى عام 2008 وحده.

ومن أبرز قادة القراصنة عبد الله أبشير المعروف باسم "بويا"، ومحمد حسن عبدي المعروف بـ"أفويني" والذي لقب سابقا "ملك القراصنة" ثم تخلى عن ممارسة القرصنة عام 2012، وأسس الهيئة الوطنية لمكافحة القرصنة التي تنشط وسط وجنوبي الصومال، وافتتحت مراكز لتأهيل القراصنة وتشجيعهم على التخلي عن القرصنة، وتمكينهم من الاندماج مجددا في المجتمع باستخدام وسائل متعددة.

ويمثل هؤلاء القراصنة -حسب خبراء اقتصاديين صوماليين- قوة اقتصادية نظرا لدخلهم السنوي الذي يقدر بنحو مائة مليون دولار أميركي، ولهم تأثير في اقتصاد إقليم بونتلاند الذي باتت حكومته لا تستطيع دفع رواتب موظفيها، وينشطون خاصة في تجارة النبتة المخدرة المسماة "القات"، إضافة إلى مجالات تجارية أخرى كالعقارات وقطاع المواصلات.

ويقولون إن ميزانية القراصنة تفوق الموازنة العامة لحكومة بونتلاند التي تقدر بمائة مليار شلن صومالي (أي ما يعادل 33 مليون دولار أميركي)، وهذا دليل على أنهم "معادلة صعبة في اقتصاد منطقة بونتلاند".

ورغم ذلك، فقد أصبح الشباب الصوماليون يخشون مواجهة مصير مظلم بعد أن بات نحو 1140 قرصانا منهم يقبعون في سجون 21 دولة مثل المالديف والهند وتايلند لم يخضع منهم للمحاكمة سوى 140 معتقلا، حسب تصريحات أدلى بها مدير هيئة مكافحة القرصنة في الصومال محيي الدين علي يوسف في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

2- أسلحة وأعوان
يستخدم القراصنة زوارق سريعة جدا تعمل انطلاقا من "سفينة أم"، وهم يملكون أسلحة رشاشة وقاذفات قنابل يدوية، وقد تكون لديهم أنظمة دفاع جوي محمولة على الأكتاف وقاذفات صواريخ "آر بي جيه". كما يملكون أجهزة تحديد الاتجاه وهواتف تعمل بنظام "جي بي أس" وبالأقمار الاصطناعية.

وحسب المكتب الدولي للنقل البحري (مقره في العاصمة الماليزية كوالالمبور) فإن القراصنة الصوماليين يستخدمون قوارب صيد مجهزة للإبحار في المحيطات تصل إلى جنوب البحر الأحمر. وقد اكتشف محققون دوليون أن عصابات القراصنة تستغل المعلومات المتاحة عن سفن الشحن لتخطيط عملياتها، كما تبين أنها اشترت معدات تمكنها من متابعة المكالمات التي تـُجرى من هذه السفن عبر الراديو.

بل إن بعض العصابات تمكن من الحصول على طلاء مثل "AR1" الذي اخترعه عالم ألماني، ويجعل اكتشاف القوارب عبر رادارات المدى البعيد المستخدمة من طرف سفن الشحن أمرا صعبا، وهو ما يظهر أنهم يبحثون بجد عن التكنولوجيا المتقدمة ولديهم الوسائل الضرورية للحصول عليها واستغلالها في نشاطهم.

3- سجل الهجمات
وفقا لإحصاءات أصدرها البنك الدولي في بيان وزعه بالعاصمة الصومالية مقديشو يوم 11 أبريل/نيسان 2013، فقد اختُطِفت في سواحل الصومال -منذ ظهور القرصنة فيها بشكل لافت عام 2005- 149 سفينة، واحتُجـِز 3741 شخصا من طواقم هذه السفن من 125 بلدا، وقضى بعضهم فترة احتجاز استمرت ثلاث سنوات، بينما قـُتل ما بين 82 و97 بحارا نتيجة هجمات القراصنة الصوماليين.

وفي أرقام سنوية تفصيلية، تشير مصادر متطابقة إلى أن هجمات القراصنة على السفن خلال 1991-2006 تقدر بنحو ثلاثين عملية فقط. وفي حين لم يتعد عددها عشر هجمات في عام 2004 فإنها  تضاعفت في 2007 لتصل 25 هجوما، ثم قفزت بثلاثة أضعاف عام 2008 فوصلت في نهايته إلى 92 هجوما.

4- أموال الفدية
يرى المراقبون لظاهرة القرصنة أن "النسخة الصومالية" منها مختلفة كليا عما هو معروف في عرض البحر جنوب شرق آسيا، لأن القراصنة الصوماليين لا يهتمون بالسلب والسطو بقدر ما يهتمون بالاختطاف والفدية عبر الخوف الذي يبثونه في نفوس فرائسهم. وتتراوح الفِدَى التي يطلبها القراصنة بين مئات الآلاف وملايين الدولارات حسب أهمية حمولة السفينة التي يستولون عليها وهويات الرهائن.

وقد نسبت صحيفة تايمز البريطانية -في تقرير نشرته يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2008- لوزير الخارجية الكيني موسس واتنغولا قوله إن القراصنة الصوماليين حصلوا على 150 مليون دولار جراء عملياتهم في عام 2007، وذلك ما شجعهم على الاستمرار في القرصنة.

وحسب بيان البنك الدولي المذكور سابقا، فقد قـُدرت الفِدَى المدفوعة مقابل الإفراج عن السفن المختطفة بين 2005 والثلث الأول من عام 2013 بمبالغ تراوحت بين 315 و385 مليون دولار أميركي، بينما تفيد تقديرات نقلتها الإندبندنت البريطانية يوم 21 أبريل/نيسان 2009 عن محققين بأن القراصنة حصّلوا نحو 80 مليون دولار في 2008 وحده، مقابل الإفراج عن السفن المختطفة وما تحمله من أطقم وسلع تجارية.

ولئن كان جزء من تلك الأموال ينفق في الملاذات الآمنة للقراصنة بالصومال، فإن قدرا كبيرا منها يتم تبييضه عبر حسابات في بنوك بالشرق الأوسط لأنه لا يمكن تقديم هذه المبالغ الضخمة بصورة سرية للقراصنة في أعالي البحار، حسب هؤلاء المحققين. ومن بين "عرابي" هذه العمليات المحظورة رجال أعمال صوماليون وشرق أوسطيون، فضلا عن جنسيات أخرى من شبه القارة الهندية.

وتقول صحيفة غارديان في تقرير نشرته يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 إن الحكومات أو الشركات إن وافقت على تقديم فدية للقراصنة فإن آليات تسليمها محفوفة بالمخاطر، ولكن من الطرق المحتملة لإتمام ذلك أن يقدم القراصنة طلباتهم الأولية إلى ملاك السفينة إما بالراديو من فوق السفينة أو عبر وسطاء على الأرض، ربما يكونون في أي مكان في الشرق الأوسط أو حتى في لندن. وقد تأخذ هذه المباحثات أسابيع.

وتنقل الصحيفة عن خبير الأمن البحري جيسون آلدرويك قوله إن "هناك في كل الحالات منسقا على الأرض يتولى التعامل مع المستجدات، وينقل المال عبر عدد من الوسطاء إلى موقع متفق عليه سلفا ربما يكون بالصومال أو اليمن. وغالبا ما يكون الوسطاء مواطنين صوماليين مقيمين بأوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، وتختفي الأموال عبر نظام تصعب مراقبته يعرف بـ"الحوالة" ويعتمد على العلاقات الشخصية.

ويتحدث إسماعيل أحمد -وهو خبير بريطاني تخصص منذ 20 عاما في الشؤون المالية والتنمية في الصومال- عن مشاركين في القرصنة يقدمون دور المساعدة ويزيد عددهم حاليا على ألف شخص، حيث يتولون المفاوضات مع ملاك السفن وشراء السلاح وتدريب القراصنة وجمع المعلومات والإمداد والتموين.

5- تأثيرات الظاهرة
يتحكم خليج عدن -الذي يمثل جزءٌ من الساحل الصومالي إحدى ضفتيه- في المدخل الجنوبي لقناة السويس، وهو أحد أهم المحاور في الملاحة البحرية في العالم إذ يشكل طريقا رئيسيا للتجارة بين أوروبا وآسيا، ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول المطلة على البحر الأسود إلى دول شرق أفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا. كما أنه يكاد يكون الطريق الوحيد لتجارة الدول التي تطل على البحر الأحمر وحده.

وحسب إحصائيات تعود على الأقل إلى عام 2008، فإنه يمر عبر خليج عدن سنويا ما بين 20-24 ألف ناقلة نفط وسفينة شحن وسفن تجارية، ونحو 30% من الإنتاج النفطي العالمي. وعندما يشدد القراصنة الصوماليون الخناق على القناة الضيقة التي تمثل المدخل الشمالي لهذا الخليج، فإنه من شبه المستحيل لأي سفينة أن تتجنب هجوما يشنه قراصنة مصممون على إنجاح عمليتهم وهم مسلحون ومدربون بشكل جيد.

أما الساحل الصومالي فيمتد 3700 كيلومتر ويعد من أهم المناطق الإستراتيجية عالميا، فهو أطول ساحل أفريقي وأغناه بالأسماك المتنوعة، إذ قد يصل سعر بعض الأنواع فيه إلى ستة آلاف دولار للكيلوغرام الواحد.

وتشير مصادر إلى أن القرصنة تؤدي إلى مخاطر تلحق بـ65798 صيادا يمتلكون 16 ألف قارب صيد توفر 2890 فرصة عمل جديدة سنويا، وقد وصل الأمر إلى اختطاف سفينة صيد كبيرة طالب مختطفوها بفدية مقدارها ثلاثمائة ألف دولار. كما تؤدي أعمال القرصنة إلى ارتفاع أسعار السمك والثروة السمكية نتيجة لتكاليف الفِدَى المدفوعة وإجراءات تأمين سفن الصيد بأنظمة حماية تقنية.

ويرى البنك الدولي -في تقريره عن نشاط القرصنة في سواحل الصومال- أن هذه القرصنة تكلف سنويا 18 مليار دولار كضريبة خفية على التجارة البحرية العالمية، وتكلف التجارة الصومالية ستة مليارات دولار سنويا، كما ازدادت النفقات التجارية في الصومال نفسها بـ6 ملايين دولار سنويا.

وأكد التقرير أن مساحة المناطق التي تتأثر بالقرصنة في سواحل الصومال وخارجها تقدر بأربعة ملايين كيلومتر مربع تعتبر من أفقر المناطق في الدول ذات الدخل المحدود، وأن الإنفاق في دول شرق أفريقيا قد زاد خلال 2006-2013 بنسبة 25% بسبب القرصنة في سواحل الصومال، كما شمل تأثيرها مجاليْ السياحة والصيد فيها.

ومنذ عام 2006 تدنى مستوى الصادرات من السمك في الدول التي تتأثر بمشكلة القرصنة في الصومال بنسبة 22.8% مقارنة بالدول الأخرى، بينما انخفضت كميات سمك التونة التي يتم اصطيادها في الجزء الشرقي من المحيط الهندي بنسبة 26.8%، وهو ما أجبر سفن الصيد على الانتقال إلى مناطق أخرى آمنة.

وأوضح البنك الدولي أن عمليات مكافحة القرصنة -التي ينفذها تحالف دولي- كلفت نحو 1.27 مليار دولار عام 2011، كما زادت الاستعانة بحرس مسلحين لتأمين السفن التي تعبر سواحل الصومال بنحو 40%.

وقد لخص تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية البريطاني المعروف بـ"شاتام هاوس" والمتخصص في أبحاث السياسة الخارجية (نشرت خلاصته صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2008) الآثار الخطيرة لتزايد أعمال القرصنة في سواحل الصومال، في المخاطر التالية:

– زيادة رسوم التأمين على النقل البحري عبر خليج عدن عشرة أضعاف، مما قد يجبر حركة التجارة الدولية على التوقف عن المرور عبر قناة السويس وتحويل مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح بزيادة تكلفة التشغيل بثلاثين ألف دولار يوميا، وهو ما سيشكل كارثة اقتصادية كبيرة لما يمثله ذلك من تبعات مالية مرهقة للاقتصاد العالمي.

– ارتفاع أسعار النفط وتكاليف شحن السلع المصنوعة في آسيا والشرق الأوسط، مما يؤدي لارتفاع السلع الاستهلاكية نظرا لارتفاع كلفة الوقود والتأمين والزمن الإضافي للرحلات.

– احتمال حدوث كارثة بيئية ضخمة إذا تسبب القراصنة في إتلاف إحدى ناقلات النفط أو الغاز التي تمر عبر خليج عدن.

– إتاحة الفرصة لدخول أفراد من "شبكة إرهابية" إلى هذا الميدان يكون هدفهم إغراق سفينة كبيرة عند مدخل قناة السويس، لأن همهم هو "إحداث أكبر قدر من الأضرار" وليس طلب فدية مالية كما هو شأن القراصنة الحاليين الذين يسعون للربح وليس "الإرهاب".

– حدوث كارثة إنسانية بسبب توقف عمليات البرنامج العالمي للتغذية التي توفر الغذاء لملايين الصوماليين، إذا لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة لتوفير الحماية للسفن التي تنقل هذا الغذاء.

6- جهود المراقبة
يبلغ طول سواحل الصومال 3700 كيلومتر مما يجعلها من أطول السواحل في العالم، وتراقب هذه السواحل ما بين 12 و15 سفينة تابعة للتحالف البحري "كومبايند تاسك فورس 150" الذي يضم عدة دول تعمل في مجال "مكافحة الإرهاب".

وتقول صحيفة الغارديان -في تقريرها السابق ذكره- إن كثيرا من الهجمات عند القرن الأفريقي حدثت تحت سمع وبصر وجود عسكري أميركي كبير. ورغم تحديد الأسطول الخامس الأميركي ممر ملاحة تمكن مراقبته إذا سارت السفن فيه فإنه لا يتدخل لمنع القرصنة.

كما تتولى مراقبةَ المنطقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2008 القوةُ البحرية الأوروبية لمكافحة القرصنة (أتلانتا) التي تتبع للاتحاد الأوروبي، ويتضمن عملُها الهجومَ بمروحيات تنطلق من سفن حربية تابعة لها على مراكز القراصنة ومخازن أسلحتهم ومستودعات أغذيتهم، ووسائل إمدادهم ودعمهم اللوجستي على امتداد الشواطئ الصومالية.

وتتضمن المهمةُ كذلك ردعَ القراصنة بوضع أعداد كبيرة من الجنود فوق سفن الإغاثة الأوروبية المتجهة للصومال، وإرسال ثمانين خبيرا عسكريا أوروبيا لمساعدة الصومال وجمهورية أرض الصومال وكينيا وجيبوتي وتنزانيا في تعزيز قواتها البحرية، وإقامة محاكم خاصة بجرائم القرصنة، ومنع القراصنة من غسل ما يجبونه من أموال فدية في الخارج.

وقد نفذت "قوة أتلانتا" أولى غاراتها الجوية على القراصنة يوم 15 مايو/أيار 2012 فاستهدفت مخزن أسلحة ومستودعات وقود وزوارق سريعة تابعة للقراصنة في منطقة مودوغ الساحلية.

وتعتبر ألمانيا العمود الفقري لـ"قوة أتلانتا" التي تشارك فيها أيضا اليونان وهولندا وبلجيكا والسويد وإسبانيا، وتضم ست سفن حربية وثلاث طائرات استطلاع، وقد حلت محل أربع سفن مراقبة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) كانت تنفذ مهمة مراقبة أطلق عليها "درع المحيط".

وتعمل شركة إدارات ماريتيم المتخصصة في الأمن البحري مع كبريات شركات التأمين التي تعيد تأمينها لدى شركة اللويدز لصياغة إجراءات وقائية تستهدف ضمان سلامة الشحن البحري في منطقة شاسعة تبلغ أكثر من مليون ميل مربع من مياه المحيط.

وتقف عوائق عدة أمام فعالية هذه الجهود الرقابية، وقد أشارت صحيفة غارديان في تقريرها السابق إلى بعض هذه العوائق حين نقلت عن بيتر نيوتن -وهو قبطان سفينة تعرض للقرصنة في أوائل تسعينيات القرن العشرين- قوله إن ملاك السفن غير آبهين بالقرصنة لأنهم "مؤمنون تأمينا شاملا، فحتى لو قتل أحد أفراد الطاقم فإن التأمين سيدفع خمسة آلاف دولار مقابل ذلك، فدفع الفدية غالبا ما يكون أسهل شيء يُفعل".

وتورد الصحيفة بعض التدابير التي يمكن اتخاذها للحد من القرصنة عندما توجد إرادة دولية تجمع على التصدي لها، ومن أهمها:

– تشكيل خدمة خفر سواحل متعددة الجنسيات لشرق أفريقيا والقرن الأفريقي.

– وضع أجهزة لاسلكية على السفن وتجهيزها بحراس مسلحين ورادار يغطي جوانب السفن من حيث تُرْكَب.

– يجب أن تستجيب السفن لنصيحة مكتب البحرية الدولي -الذي يراقب كل الهجمات- القاضية بالبقاء على بعد 250 ميلا من الساحل.

النشأة والمسيرة
كانت منطقة الصومال في أواخر القرن التاسع عشر تعيش على القرصنة بسبب الظروف الاقتصادية القاسية، وكانت السلطات البريطانية في عدن تقدم هبات مالية سخية سنوية لسلاطين إقليم الصومال مقابل وقف أعمال القرصنة وحماية السفن البريطانية التي كانت تمر عبر شواطئهم من أي اعتداء.

كما كان الشاطئ الصومالي آمنا إبان الاحتلال الإيطالي (1869-1960)، واستمر الحال كذلك خلال ثلاثين عاما من عمر الدولة الصومالية حيث لم تحدث حادثة قرصنة واحدة، حسب محللين للظاهرة.

ويتفق باحثون ودبلوماسيون عرب وأفارقة على أن ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن كانت نتيجة فشل الدولة الصومالية وانهيارها عام 1991، مما أدى إلى أن تجعل قوى وجهات صومالية عديدة من عمليات القرصنة وسيلة للتكسب والارتزاق. وهكذا ظهرت جرائم القرصنة في ظل الفوضى السياسية وغياب مظاهر القانون والنظام في البلاد.

ويعود أول ظهور حقيقي لمشكلة القرصنة في الصومال إلى عام 2005 فقبل ذلك لم ترق عملياتها إلى مستوى الظاهرة المقلقة. ومع حلول عام 2008 تزايدت عمليات القرصنة بأضعاف لتصبح مشكلة عالمية وتضع على المحك تأمين الحماية لآلاف الأساطيل وسفن الشحن التجارية.

وبقدر ما لهذه الظاهرة من خطورة على حياة القراصنة، فإنها في نفس الوقت تعتبر قوة اقتصادية تغري شباب الصومال المحطم الآمال بسبب الحرب الأهلية المدمرة. وفي البداية كانت هجمات القراصنة مقتصرة على السواحل الصومالية، ثم توسعت تدريجيا لتشمل مسافات بعيدة خارج المياه الصومالية تصل أحيانا مئات الكيلومترات. وهكذا صارت القرصنة علامة فارقة في تاريخ اقتصاد الصومال.

وتقع دائرة أغلب عمليات القرصنة في المنطقة المحاذية لساحل منطقة بونتلاند، رغم أنها غنية بمواردها الطبيعية غير المستغلة من البترول والثروة السمكية والثروات البحرية الأخرى كالملح والغابات الحافلة بأشجار البخور واللبان التي تشكل المادة الخام لصناعة العطور.

وعندما سيطرت حركة المحاكم الإسلامية على السلطة في الفترة ما بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2006، استطاعت القضاء نهائيا على القرصنة إذ أصبح الشباب خلال حكمها يخشون تبعات الالتحاق بعصابات القرصنة. لكن سقوط المحاكم -جراء الاحتلال الإثيوبي للعاصمة الصومالية مقديشو أواخر ديسمبر/كانون الأول 2006- أدى إلى بروز الظاهرة مجددا خاصة في النصف الأخير من 2008.

وقد أبرزت صحيفة بوسطن غلوب الأميركية -في عددها ليوم 15 أبريل/نيسان 2009- سببين مباشرين ساهما في نشوء القرصنة الصومالية، وذكرت أن أولهما هو الإحباط الاقتصادي والغضب الذي يشعر به الصوماليون تجاه شركات الصيد الأجنبية وخاصة الأوروبية منها.

وأوضحت الصحيفة أن تلك الشركات تنهب خيرات المياه الإقليمية للصومال بما قيمته 300 مليون دولار أميركي سنويا من أسماك التونة والروبيان وغيرها من ثروات البحر، تاركة الصيادين المحليين يتضورون جوعا وبلا عمل.

وأما السبب الثاني فيعود لغضب الصوماليين جراء ما جلبه إعصار تسونامي 2005 إلى السواحل الصومالية من براميل تتسرب منها مواد كيميائية وصناعية مشعة ونفايات خطيرة ومحرمة دوليا، ألقتها في المياه الصومالية شركات وعصابات جريمة دولية مما أدى إلى اختفاء أنواع كثيرة من الأسماك.

وقالت الصحيفة إن الصوماليين لا يهمهم ما إن كانت الشركات الأوروبية دفعت أمولا لأمراء الحرب في الصومال مقابل القيام بدفن تلك النفايات الخطرة في مياههم، وإنما المشكلة تكمن في أن الأوروبيين استغلوا عدم قدرة الصومال على حماية مياهه وشعبه أسوأ استغلال.

وبدورها ترى صحيفة ديلي تلغراف البريطانية -في تحليل نشرته يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2008- أن تفاقم هذه الظاهرة في هذه المنطقة بالذات يعد تطورا دراماتيكيا.

وأشارت إلى أن وجود القراصنة في الصومال كان يعد أثرا جانبيا لقيام صيادين صوماليين باستخدام الأسلحة للدفاع عن شواطئهم الغنية بالتونة، ولجوئهم أحيانا إلى أخذ إتاوات ورسوم على الأساطيل التجارية الكبيرة التي تأتي من جميع أنحاء العالم لاستغلال ثروات المنطقة التي لا يدافع عنها بلد معين.

ثم سرعان ما اكتشف الصيادون الصوماليون أن بإمكانهم تحقيق مكاسب مادية أفضل لو احتفظوا بمخزونهم من الأسماك، كما أن تجربة سنوات عدة في خليج عدن علمتهم أن القرصنة تجارة مربحة، بل ربما تكون التجارة الكبرى والأهم في الصومال حاليا.

ووجدت جماعات مسلحة في التعرض لسفن الصيد والمراكب السياحية صيدا ثمينا، فكانت تتلقى منها مبالغ طائلة تعتبر زهيدة بالنسبة لشركات الصيد التي كانت تكسب الملايين جراء الصيد بحرية باستخدام وسائل الصيد المحرمة دوليا. وهكذا تبادل الطرفان المصالح بتراضٍ تام ودون صخب أو ضجيج.

وبمرور الزمن تطورت القرصنة باكتساب مهارات فنية عالية واستعمال زوارق مطاردة سريعة تحمل محركات حديثة وأسلحة خطيرة، مثل "آر بي جي" وأجهزة تقصٍّ واستكشاف ووسائل اتصال متطورة، وأصبح مجال تحركها يتجاوز الشاطئ الصومالي ليمتد إلى مئات الكيلومترات في عمق المحيط.

وتخصصت أعداد كبيرة من الأفراد في هذه التجارة المربحة، وبمباركة ضمنية من السلطة المحلية في إقليم بونتلاند التي تنصلت بداية من أي مسؤولية تجاه هذه المشكلة الأمنية بحجة أنها لا تملك القدرة على التصدي لها، إلى أن وصلت أعداد السفن التي تعرضت للسطو والقرصنة إلى أرقام قياسية.

وبدا القراصنة يشعرون بالثقة في النفس وتمرسوا بفنون الابتزاز والتفاوض وأصبحوا يطالبون بمبالغ خيالية ويعرضون حياة البحارة للخطر. وقد شجعت الشركات المالكة للسفن رواج أعمال القرصنة بتقديمها للفدية طواعية، لأنها كانت تعتبرها مبالغ زهيدة مقارنة بضخامة الأرباح التي كانت تجنيها من السطو والنهب المنظم للموارد الصومالية البحرية.

وعندما انتعشت هذه التجارة الرابحة وبدأت تخرج عن نطاق السيطرة بطلب القراصنة مبالغ خيالية تحت تهديدهم لأحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي، ارتفعت أصوات الاحتجاج عبر العالم أجمع، فتدخل مجلس الأمن الدولي وأصدر -برعاية أميركية وفرنسية- قراره رقم 1816 بتاريخ 2 يونيو/حزيران 2008.

وأجاز القرار للسفن الحربية الأجنبية حق الدخول في المياه الإقليمية الصومالية لأغراض قمع أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحر "بكل الوسائل الممكنة"، وهو ما اعتـُبر تشريعا للتدخل الأجنبي في هذه المنطقة العربية، فنشطت السفن الحربية التابعة لتحالف دولي واسع بقيادة أميركية أوروبية في مراقبة السواحل الصومالية وقمع جماعات القرصنة.

كما أُعلِن في 14 يناير/كانون الثاني 2009 إنشاء مجموعة اتصال خاصة بمحاربة القرصنة قبالة ساحل الصومال تضم أكثر من ثمانين بلدا ومنظمة ومجموعة صناعية، وتتخذ هذه المجموعة -التي تأسست استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1851- من جيبوتي مقرا لها حيث تجتمع بشكل منتظم.

ورغم أن الانحسار الملحوظ في عمليات القرصنة البحرية ضد السفن والناقلات البحرية منذ عام 2011 عائد في جزئه الأكبر لفعالية الوجود العسكري الدولي الكثيف في المياه الصومالية والمحاكمات الدولية لمن يُقبض عليه من القراصنة، فإن هناك عوامل أخرى ساهمت في تقليل مخاطر القراصنة وتراجع نشاطهم في المنطقة.

ويذكر المراقبون من هذه الأسباب الرجوع النسبي للسلطة المركزية في البلاد وتشكيلها خفر سواحل لمواجهة القرصنة، وتنظيمها حملات توعية بالمخاطر الأمنية والقانونية المترتبة على ممارستها، إضافة إلى العقوبات القاسية التي ضمنتها حكومة بونتلاند قانونَ مكافحة القرصنة الصادر في سبتمبر/أيلول 2010.

ومع ذلك، فقد أكد مشاركون في الاجتماع الـ15 لمجموعة الاتصال الدولية لمكافحة القرصنة البحرية والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية المنظم بجيبوتي يوم 13 نوفمبر/تشرين الأول 2013، أن القراصنة الصوماليين "لا يزالون يشكلون تهديدا حقيقيا للملاحة البحرية الدولية"، رغم انخفاض معدلات اختطاف السفن التي تعبر مضيق باب المندب بفعل جهود قوات التحالف الدولي.

المصدر : الجزيرة