أريحا.. فلسطين الصغيرة

أريحا عُرفت في العصر الكنعاني باسم مدينة القمر (الفرنسية)

أريحا مدينة فلسطينية قديمة تعود نشأتها إلى أكثر من 10 آلاف سنة، تعرف بخصوبتها وثروتها المائية، وهي سلة الخضراوات والفواكه الفلسطينية. أدرجت في قائمة منظمة اليونسكو يوم 17 سبتمبر/أيلول 2023.

خلال فترة الحكم البريطاني والأردني، كان الجزء الجنوبي من أريحا يتبع قضاء القدس، والجزء الشمالي يتبع قضاء نابلس، وفي عام 1997 احتلتها إسرائيل وأنشأت فيها وحولها 16 مستوطنة، وأقامت بها 10 معسكرات وقواعد عسكرية.

في التسعينيات سلمت إلى السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو، وأصبحت مركز محافظة أريحا في الضفة الغربية، ومنحها موقعها التاريخي والجغرافي والسياحي لقب فلسطين الصغيرة أو الكيان المصغر للتاريخ.

في فترات متفاوتة من الزمن، عانت اجتياحات عسكرية إسرائيلية متعددة، وتأثرت ولا تزال متأثرة بالحواجز العسكرية الدائمة والمؤقتة حسب الأوضاع الميدانية.

كانت نقطة عبور هامة منذ القدم، كما شكلت البوابة الشرقية لفلسطين، وتضم اليوم معبر الكرامة الذي يسهل انتقال المسافرين وحركة التبادل التجاري من فلسطين وإليها، لكن لا يمكن الدخول إليها والخروج منها إلا عبر بوابتين، تحت حراسة جيش الاحتلال.

الموقع

تقع أريحا على بعد 7 كيلومترات غرب نهر الأردن، و10 كيلومترات شمال البحر الميت، و30 كيلومترا إلى الشرق من بيت المقدس، وتنخفض إلى مستوى 250 مترا تحت سطح البحر.

تحدها من الشمال بلدة النُوَيْعِمَة ومخيم عين السلطان، ومن الغرب بلدة عين الديوك الفُوقا، ومن الجنوب مخيم عَقَبَة جَبْر وتجمع النبي موسى.

إداريًّا تقع أريحا جنوب محافظة تحمل الاسم نفسه بشرق الضفة الغربية، وتتميز بموقعها الجغرافي الرابط بين الشمال والجنوب، وتعتبر نقطة العبور الحدودية الوحيدة لدخول الضفة الغربية أو الخروج منها.

المساحة والسكان

تبلغ مساحة مدينة أريحا 45 كيلومترا مربعا من إجمالي مساحة كلية لمحافظة أريحا والأغوار بحدودها الإدارية الحالية تصل إلى نحو 593 كيلومترا مربعا، وتمثل 9.9% من إجمالي مساحة الضفة الغربية (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2021).

وفقًا لعدد السكان المقدر للمحافظة حسب التجمع 2017-2023، فعدد سكان مدينة أريحا يقدر بحوالي 23.109 نسمة من إجمالي سكان المحافظة المقدر عددهم بـ55.268 نسمة حتى منتصف عام 2023.

وتشير تقديرات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت إلى أن 6393 من سكان المدينة لاجئون فلسطينيون، ويمثلون 43.5% من إجمالي لاجئي المحافظة، التي تعتبر أصغر المحافظات من حيث عدد السكان على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة.

لم يتجاوز عدد سكان مدينة أريحا 14.674 نسمة من مجموع سكان المحافظة (عددهم 32.713 نسمة) وفق أول إحصاء أجرته السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1997، ثم ارتفع العدد إلى 20.907 نسمة من إجمالي سكان المحافظة البالغ 50.002 نسمة، وفق نتائج تعداد 2017، وفي عام 2021 بلغ عدد سكان المدينة 53.317.

تشكل الفئة العمرية التي تقل عن 15 سنة في مدينة أريحا 35.3%، أما الفئة العمرية التي تزيد على 60 سنة فلا تتعدى 4.9%، في حين تمثل الفئة النشطة (15-64) نسبة 59.8% من مجموع سكان المدينة. (حسب تعداد 2017).

تتميز مدينة أريحا عن غيرها من المدن بطبيعة وتنوع الساكنة، حيث يوجد بها ما يقرب من 10 آلاف طالب في مدارس الأجهزة الأمنية، إضافة إلى ما يقرب من 15 ألفا ممن يسمون سكان العطل الأسبوعية (يزورون أريحا أسبوعيا أو بوتيرة متقطعة لا سيما في فصل الشتاء، فهم يملكون منازل ولا يسكنون بشكل دائم).

ولخاصية المدينة الحدودية، فإن 2977 شخصا يمرون بها يوميا مغادرين، كما يمر بها نحو هذا العدد قادمين، إضافة إلى ما يقرب من 3 آلاف سائح (داخلي وخارجي) يوميا.

المناخ

مناخ أريحا مداري صحراوي من حيث ارتفاع درجة الحرارة، ويشبه مناخ البحر المتوسط الجاف من حيث هطل المطر في فصل الشتاء، فهو جاف صيفا، ومعتدل شتاء.

يبلغ بها متوسط درجة الحرارة السنوي حوالي 23.5 درجة مئوية، وأقل معدل سنوي 17 درجة وأعلى معدل 30.5 درجة. وبصورة دائمة تكون بها درجات الحرارة أكثر دفئا مقارنة بغيرها من المدن الأخرى في فلسطين، بسبب انخفاضها وارتفاع الجبال المحيطة بها.

أما بالنسبة للأمطار فتكون كمياتها قليلة في فصل الشتاء، ويتراوح معدلها بين 150 و200 ملم سنويا، إذا ما قورنت بكميات الأمطار في المناطق الجبلية، التي تبلغ حوالي 700 ملم. وتتعرض المنطقة لرياح شمالية غربية، بمعدل 10 و15 درجة في الظروف العادية.

وقد أظهرت بيانات الإدارة العامة للأرصاد الجوية الفلسطينية خلال الموسم المطري لعام 2023، أن أدنى كمية سجلت في أريحا هي 92.1 ميليلترا (55.5% من المعدل العام للمحافظة)، في حين بلغ معدل الرطوبة النسبية لعام 2021 بمحطة أريحا 42%، كما سجل بها أعلى ارتفاع عن المعدل العام للحرارة بواقع 3.4 درجات.

الجغرافيا

تتكون أريحا من سهول جافة ترويها ثلاثة ينابيع رئيسية هي عين السلطان وعين الديوك وعين النويعمة، وإلى الجنوب الغربي تجري مياه نبع وادي القلط، حيث نبع الفوار الذي يقع على بعد بضعة أميال في الغرب، وإلى الجنوب تجري المياه عبر وادي النويعمة.

يعد نبع عين السلطان أغزر الينابيع مياها وأجودها نوعية في المنطقة، إذ تتدفق منه 600 إلى 750 مترا مكعبا في قنوات طولها 9298 مترا. في عام 1930، نظم "مستر شبرد"، خبير الري الإنجليزي، مياه هذا النبع الذي يعتبر عطاؤه ثابتا على مدار العام، لتُستعمل 42% منه للاستخدام المنزلي والشرب، وتُحوّل 58% عبر شبكة الري الحديثة للاستخدام الزراعي، استنادا إلى سجلات سلطة المياه الفلسطينية.

أما مياه عين الديوك فتتراوح كميتها بين 500 و550 مترا مكعبا في الساعة، وتجري في قناة طولها أربعة أمتار. وتتراوح كمية مياه وادي النويعمة بين 250 و300 متر مكعب في الساعة.

هناك أيضا عين العوجا، وتبلغ كمية مياهها 1500 متر مكعب في الساعة، تجري في قناة طولها 8 أمتار، وتعد أكبر نبع في فلسطين من حيث تدفق المياه السنوي، إذ يبلغ متوسط مائها ما بين 7 و8 ملايين متر مكعب.

تخترق الآبار الإسرائيلية التي حُفرت بعد عام 1967 الخزان الذي يغذي نبع العوجا، وتجذب كميات كبيرة من مياهه؛ مما أدى إلى جفاف النبع الذي تعد المنطقة المجاورة له منطقة عسكرية مغلقة. كما لوّثت إسرائيل مياه عين وادي القلط للتلوث، بتسريب المياه العادمة إليه من المستوطنات.

مدينة القمر العطِرة

عُرفت أريحا في العصر الكنعاني باسم (مدينة القمر) نسبة إلى الإله (ياريخ)، واشتُق من مصدر الكلمة الثلاثي "يريح" بمعنى العطر، فكانت مدينة القمر العطِرة المتدثرة بأريج أزهار الياسمين والورود المختلفة ألوانا وأسماء.

في المصادر التاريخية أن أصل اسم (أريحا) سامي، وورد في معجم البلدان أنها سميت كذلك نسبة إلى الحفيد الرابع لنوح عليه السلام، "أريحا بن ملك أرفخشيد بن سام".

وقيل هي (بيت يريح) وتعني بالسريانية العطر أو الأريج، وعُرفت في العبرانية بـ(يريحو) و(يَرَح) أو (اليَرَح)، التي تعني ‏الشهر أو القمر.

عند ‏العرب تعني (أريحاء) إذ يقول البكري "في أريحا وربما أريحاء، فإذا نسبوا قالوا أريحي لا غير"، كما ورد ذكرها في التوراة باسم (أريحة)، وتلفظ اليوم عند العامة (ريحا) ومنها (رويحة) تصغير (ريحاء).

وذكر مؤرخون أن المدينة ظهرت في سجلات الضرائب عام 1596 باسم (ريحا)، وتوصل عالم الآثار لورينزو نيغرو عام 1997، إلى اكتشاف تعويذة في قبر تعود للألفية الثانية قبل الميلاد، كان من بين ما نقش عليها الكلمة الكنعانية (راحا)، وهو الاسم القديم لـ(أريحا)، الذي يعني رائحة.

أطلق عليها قديما (مشتى فلسطين)، واشتهرت بمدينة النخيل، إذ ظهرت أشجار النخيل على قطع العملة عندما استولى الإمبراطور الروماني فاسباسيان على المدينة عام 70 ق. م.

سميت كذلك مدينة ‏وادي الصيصان، والجبارين (العمالقة)، وعاصمة الغور، وذكر المؤرخ الفلسطيني ليوسيفوس، أن القائد الروماني أنطونيوس قدم بساتين البلسم في أريحا هدية إلى الملكة كليوباترا عام 35 ق. م، وقد استأجر منها الملك الروماني هيرودوس هذه البساتين.

تل السلطان التاريخي الذي أضيف إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي في 27 سبتمبر 2023 (الفرنسية)

تل السلطان: أريحا الأولى

عرفت أريحا القديمة بتل السلطان أو عين اليشع، نسبة إلى تل بيضوي كان هو أصل تسمية المدينة الأولى، يقع على بعد نحو ميل إلى الشمال -بانحراف إلى الغرب- من أريحا الحالية، ويرتفع عن مستوى الأرض المحيطة به 21 مترا، وتصل مساحته إلى نحو 5 هكتارات.

قريبا من هذا التل الذي جعل خبراء الآثار يُصنفون أريحا بأنها "أقدم مدينة في التاريخ"، يوجد نبع قديم كانت وفرة مياهه سبب الاستقرار البشري بأريحا في العصر الحجري الحديث، وتطورت في هذا الموقع بنايات ومنشآت لتؤسس حضارة المدينة في بداية الألف الثالثة ق. م.

يقال إن البابليين أطلقوا على النبع (عين السلطان) بعد أن اقتلعوا هناك عيني ملك نُحي عن عرشه من بيت المقدس، ومن ثمَّ جاء النبي إليشا وقام بتحلية مياه النبع فأُطلق عليه نبع إليشا.

في الفترة الرومانية اليونانية، انتقل مركز أريحا القديمة إلى تلول أبي العلايق، وتحولت إلى مدينة حدائق وتوسعت على امتداد وادي اللقط على بعد نحو 6 كيلومترات جنوب تل السلطان.

يتفق معظم علماء الآثار على أن سكان أريحا القدماء كانوا أول من زرع الحبوب، ودليل ذلك آثارهم من الطواحين والمدقات الحجرية، كما بدأت صناعة الفخار هناك حوالي 5000 ق. م، ثم انتشرت إلى باقي أرجاء فلسطين.

التاريخ

عرف سكان أريحا منذ فجر التاريخ باسم الكنعانيين، وهم السكان الأصليون لفلسطين، ويطلق عليهم اسم السلالة الشرقية وتعرف لغويا باسم المجموعة السامية.

في عهد القضاة (1170 – 1030 ق. م) كانت أريحا عاصمة ملكهم، وجددها هيرودوس الكبير وبنى بها قصرا اتخذه منتجعا شتويا له، وأقام بها القلاع الحصينة، وتلال أبي العلايق وهي بقايا مدينته.

أعاد الرومان بناء مركز أريحا في موقعه الحالي على نهر الكلت، وفي عهد قسطنطين الكبير (306 – 337 م) انتشرت المسيحية، وأقيمت في ضواحي أريحا الأديرة والكنائس، وأصبحت مركزا لأسقفية عام 325م. وفي عهد البيزنطيين نمت أريحا وتقدمت، وبنى فيها يوستنايوس (527– 565 م) كنيسة وديرا كبيرين.

عقب الفتح العربي الإسلامي لفلسطين في القرن السابع الميلادي، أصبحت أريحا جزءا من مقاطعة الرملة في جند فلسطين، وقد حافظت على ازدهارها خلال هذه الفترة، كما أظهرت آثار الفترتين الأموية (661م – 750م) والعباسية (750م – 1099م) في خربة المفجر.

في عهد الصليبيين (1099م – 1516م)، وصفها الرحالة الذين مروا بها بأنها قرية صغيرة فقيرة ومتواضعة، واستغل الصليبيون أراضيها آنذاك في زراعة القصب لصناعة السكر.

في العهد العثماني (1516م- 1918م) كانت أريحا مزدهرة نسبيا وتتبع إداريا وماليا لناحية القدس، وعام 1908م ارتقت من قرية إلى مركز يتولى إدارتها حاكم يدعى المدير، وكانت الناحية الخامسة التي يتألف منها قضاء القدس، وفي عام 1910 كان بها 26 قرية.

كانت أريحا وقسم من أراضي الغور تخص السلطان عبد الحميد الثاني، وتسمى بأراضي "الجفتلك" (كلمة تركية معناها مزرعة)، قبل أن تصبح تحت تصرف الحكومة الاتحادية.

في عام 1918م احتل أريحا الجنرال البريطاني إدموند ألنبي، وأصبحت خاضعة لحكم الاستعمار البريطاني حتى عام 1948م. وكانت آنذاك مركزا لقضاء يحمل اسمها يحيط به نهر الأردن والبحر الميت وبلاد نابلس وأقضية رام الله والقدس وبيت لحم، وبقي كذلك حتى عام 1944 حين ألغي وألحق بقضاء القدس، وكان ذلك آخر تعديل إداري خلال هذه الفترة.

خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م استولت المملكة الأردنية الهاشمية على أريحا وأعادتها مركزا للقضاء في محافظة القدس، وكانت مساحتها آنذاك نحو 342 كيلومترا.

منتصف عام 1950 ضمتها رسميًّا مع الضفة الغربية وأقيم حولها مخيمات اللاجئين، وعين بها أول مجلس محلي، وفي عام 1951 عين أول مجلس بلدي لإدارة شؤونها. في عام 1961 كان بأريحا 64.276 نسمة، وارتفع هذا العدد إلى 75.133 نسمة عام 1965.

بعد احتلال الضفة الغربية من قبل الجيش الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1967م، قلل الاحتلال من مكانة أريحا الإدارية وجعلها تابعة لبيت لحم، وبذلك أصبحت مدينة حدودية.

خلال هذه الفترة فرضت قوات الاحتلال إجراءات معيقة لنمو المدينة مثل مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وإلى حدود عام 1994م لم تزد المساحة المبنية بأريحا عن 10%.

قصر هشام (المعروف بخربة المفجر) وهو موقع أثري يضم بقايا قصر ومجمع حمام مزخرفا وعقارا زراعيا (الفرنسية)

الاستيطان الإسرائيلي

كانت أريحا المدينة الأولى من بين خمس مدن في الضفة الغربية، تم نقلها إلى السلطة الفلسطينية في مايو/أيار 1994 بموجب اتفاق سمي باسمها (غزة- أريحا أولا).

تم تحويل منطقة أريحا إلى محافظة مستقلة عن المدن المجاورة، تضم 12 تجمعا فلسطينيا رئيسيا يشمل مدينة أريحا والمخيمات والقرى المحيطة بها والممتدة شمالا، ويطلق عليها رسميا كما هو متداول اسم (محافظة أريحا والأغوار)، وفقا لتقسيم محافظات الضفة الغربية من قبل السلطة الفلسطينية.

وحسب تقسيم اتفاق أوسلو 1995، تم تصنيف مساحة 68 كيلومترا مربعا من أراضيها يعيش بها حوالي 85% من الفلسطينيين في منطقة (أ)، وهي تمثل 11.4% من إجمالي مساحة المحافظة. أما منطقة (ب) فلا تتعدى مساحتها كيلومترا مربعا واحدا، ويعيش بها 5% فقط من الفلسطينيين، وتمثل 0.16% من مجموع مساحة المحافظة.

وقد أخضعت الاتفاقية مساحة 524 كيلومترا مربعا تقدر بحوالي 88% من أراضي المحافظة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي من الناحية الأمنية والإدارية والموارد الطبيعية، وكلها تقع في مناطق مصنفة (ج)، ولا يعيش بها سوى 10% من الفلسطينيين.

وتظهر الكثافة السكانية ضمن هذا المخطط، أن 826 فلسطينيا يعيشون في كل كيلومتر مربع في مناطق (أ) و(ب)، مقابل 16 مستوطنا إسرائيليا فقط في كل كيلومتر مربع في مناطق (ج).

في فترة ما بين 1970 و1980، أنشأت قوات الاحتلال حوالي 14 مستوطنة، واليوم تصل إلى 16 مستوطنة رئيسية، إضافة إلى 5 بؤر استيطانية على الأقل تم إنشاؤها بين 1995 و2005.

يعيش في هذه المستوطنات حتى عام 2021، نحو 8 آلاف و460 مستوطنا إسرائيليا أكثر من نصفهم في مستوطنتي (ميزبي يريحو) و(معالي أفرايم).

وقد شكلت الأهمية التاريخية والسياحية والاقتصادية للمنطقة، الهدف الإستراتيجي للاستيطان الإسرائيلي، الذي تميز بطبيعته الزراعية والسياحية والعسكرية، إذ صادر على مر السنوات الماضية، مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وحتى الوقفية.  ورُصدت فيما بين 2001 و2018 مصادرة 37764 دونما (الدونم ألف متر مربع) من الأراضي لأغراض إسرائيلية مختلفة.

وأفادت تقارير أن إسرائيل تخطط لتحويل المنطقة التي تقع فيها مدينة أريحا إلى منطقة جغرافية معزولة محاطة بأراض تحت السيادة الإسرائيلية، ومساحة العزل المقترح تبلغ 70 كيلومترا مربعا، تشمل أكثر من 40 ألف فلسطيني يعيشون في ستة تجمعات مختلفة. إذ سيتم فصل أريحا عن بقية الضفة الغربية، مما سيؤدي إلى تدهور اقتصاد المدينة.

الحكم المحلي

تعتبر سلطة الحكم الذاتي هي المسؤولة عن إدارة الشؤون الفلسطينية في مدينة أريحا وضواحيها والمخيمات المحيطة بها، إضافة إلى ممر صغير يمتد إلى شمال قرية العوجا.

يدير المدينة مجلس بلدي تُعيّنه وزارة الحكم المحلي، له مقر تبلغ مساحته 1527 مترا مربعا، يعمل به نحو 297 موظفا.

تأسست بلدية أريحا عام 1930، إذ تشكل أول مجلس محلي واستمر بعمله حتى عام 1934، وأدار المجلس المحلي الثاني والثالث المدينة حتى عام 1951. ثم أصبح لبلدية أريحا مجلس بلدي أداره حتى الآن 15 فريقا، ويتكون المجلس البلدي الحالي من 14 عضوا.

تصنف بلدية أريحا ضمن الفئة "أ" وفقا لتصنيف وزارة الحكم المحلي، وهي المخولة إدارة تنفيذ أنظمة التخطيط والتطوير والبناء، وإدارة الأماكن العامة المفتوحة.

قصر هشام الأثري يحتوي على أحد أكبر ألواح الفسيفساء في العالم (رويترز)

وتعتبر وزارة الحكم المحلي الجهة الرئيسية المخولة الرقابة على السياسات وتنسيق التدخلات المنفذة في التخطيط الحضري بمدينة أريحا مثل باقي المدن الفلسطينية.

وتدعم وزارة الحكم المحلي وزارات الاختصاص وصندوق تطوير وإقراض البلدية، التي تعتبر جسما محليا تنفيذيا مسؤولا عن تنفيذ مشاريع التخطيط الحضري، وتدخلات البنية التحتية، وهناك أيضا الجمعية الفلسطينية للهيئات المحلية التي تمثل وحدات الحكم المحلي.

وإضافة إلى دورها الأساسي في السياحة الخارجية والداخلية، توجد بأريحا مقرات مؤسسات حكومية وغير حكومية وعدة مشاريع خدماتية.

الاقتصاد

يعتمد اقتصاد مدينة أريحا على عدة قطاعات، أهمها قطاع الوظائف الحكومية والخاصة، إذ يستوعب 38% من القوى العاملة، في حين يستوعب قطاع الزراعة 34%، وسوق العمل الإسرائيلي 9%، وقطاع الخدمات 9%، وقطاع التجارة 8%، وأخيرا قطاع الصناعة 2%.

قطاع الزراعة: تعد مدينة أريحا من أهم المدن الزراعية الفلسطينية، إذ تضم ثانية المساحات الكبرى المزروعة بـ32.65% من إجمالي المساحة المزروعة في محافظة أريحا والأغوار، وفق التعداد الزراعي خلال موسم 2021/2020.

تضم مدينة أريحا أكبر مساحة مزروعة بالمحاصيل الحقلية بـ43.4%، والمساحة الثانية المزروعة بالخضراوات بـ24.3%، وأكبر مساحة مزروعة بالأشجار المثمرة بـ38.2%.

وتعتبر أشهر منطقة محليا وإقليميا بإنتاج التمور، في حين تراجع إنتاج الموز في السنوات الأخيرة، إذ لم تعد آلاف الأراضي صالحة لزراعته، لارتفاع نسبة ملوحتها بسبب قلة كميات المياه.

يواجه قطاع الزراعة في أريحا، تحديات تتعلق أساسا برفض الاحتلال استخدام أراضي منطقة "ج" في الزراعة والاستثمار الزراعي، واستمراره في مصادرة الأراضي والمياه.

تضم مدينة أريحا ثانية المساحات الكبرى المزروعة في المحافظة (أسوشيتد برس)

قطاع التجارة والصناعة: تشكل المشاريع الصغيرة أساس مجالي التجارة والصناعة في مدينة أريحا، ولا يشكل القطاع الصناعي سوى 2.5% من إجمالي عدد المنشآت الصناعية في المحافظة.

ويشكل قطاع الصناعات الخفيفة أو الحرفية 10% من عدد المنشآت الاقتصادية العاملة في المحافظة، وهو صناعات صغيرة خفيفة، مثل مشاغل النجارة، والحدادة، كما تشتهر بصناعة الفخار والحصر والنسيج والمياه الغازية.

قطاع السياحة: يشكل القطاع السياحي 22% من حجم القطاعات الاقتصادية العاملة في مدينة أريحا، بوجود 138 منشأة خدماتية وسياحية. لكنه يتأثر بالأوضاع السياسية السائدة في المنطقة بشكل عام، وهو ما يترتب عنه زيادة أو نقصان في أعداد السياح.

تمتلك مدينة أريحا ميزة الحركة السياحية الداخلية النشطة فيما بين منتصف نوفمبر/تشرين الثاني ونهاية أبريل/نيسان، إضافة إلى كونها تشكل المعبر الوحيد إلى الضفة الغربية.

بوابة التاريخ الأثري

يعود تاريخ مدينة أريحا إلى أكثر من عشرة آلاف سنة في موقع "تل السلطان"، إذ يرتفع حطام بقايا 23 حضارة قديمة متعاقبة على تاريخها، تنتصب آثارها اليوم بحوالي 114 موقعا أثريا.

عرفت المدينة نحو 120 حملة تنقيب، كانت آخرها الحملة الإيطالية عام 2005، وللمدينة متحف لـ110 معالم تاريخية وحضارية ودينية.

بعد القدس، تعتبر أريحا الموقع الأكثر حفريات في المنطقة، ويعود تاريخ بداية الأبحاث الأثرية بها إلى القرن الـ19م بتنقيبات تشارلز وارن عام 1864 لفائدة صندوق استكشاف فلسطين، وكان قد خلص حينها إلى أنه لم يتم العثور على شيء، وقيل إنه أخطأ برج العصر الحجري الحديث بمقدار متر.

يشكل القطاع السياحي في مدينة أريحا حوالي 22% من حجم القطاعات الاقتصادية (أسوشيتد برس)

فيما بين عامي 1907 و1909، أجرت بعثة نمساوية ألمانية أول تنقيبات واسعة النطاق كشفت عن جزء من نظام تحصينات تعود إلى العصر البرونزي المبكر والوسيط.

في عام 1928 أنجزت عالمة الآثار، دوروثي غرود حفريات في وادي النطوف، وعثرت على آثار تؤكد أن المرحلة النطوفية سادت بأريحا منذ حوالي سبعة آلاف سنة ق. م.

فيما بين 1930 و1936، جرت تنقيبات بإشراف عالم الآثار البريطاني جون غار ستانغ، واعتبرت الأكثر ضبطا، لكنه أرخ خطأ التحصينات التي تعود إلى العصر البرونزي، وفق المؤرخين.

بين عامي 1952 و1958، قادت عالمة الآثار البريطانية كاثلين كنيون، حفريات اعتبرت أساس إعادة بناء تاريخ أريحا، حيث أسفرت بشكل دقيق عن تاريخ طبقة سكنية تُغطّي فترة ألف عام أطلقت عليها "أريحا الأولى"، ونشرت نتائج أبحاثها في خمسة مجلدات.

عام 1997، بدأت دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينية بالتعاون مع جامعة "لاسابينزا" في روما، مشروعا أثريا خلصت أبحاثه إلى أن الموقع الأثري يعد واحدا من أقدم مراكز الاستيطان في الشرق العربي القديم بعد موقع الكريب، وأقدم عمران مدني في فلسطين.

نفذت البعثة الإيطالية الفلسطينية 13 موسما خلال 20 عاما، مع بعض الاكتشافات الكبرى، مثل البرج (أيه 1) في العصر البرونزي الأوسط جنوب المدينة السفلى، والقصر (جي) على الجانب الشرقي من التل المطل على عين السلطان الذي يعود تاريخه إلى العصر البرونزي المبكر الثالث.

ترميمات نفذتها وزارة السياحة الفلسطينية على لوحة فسيفساء في قصر هشام هي الكبرى في العالم (الأناضول)

المعالم الدينية والأثرية

يوجد في تجمع أريحا تسعة مساجد وهي: جامع أريحا الجديد، جامع أريحا القديم (بني عام 1331هـ)، جامع فلسطين، جامع قصر هشام (لا يوجد منه سوى بعض الآثار لمحرابه، ويقع في ساحة قصر هشام الأثري القديم)، مسجد الاستراحة، مسجد المقاطعة، مسجد الديوك، مسجد عبدو، مسجد الرحمة.

كما توجد بها خمس كنائس، وهي: كنيسة الروم، كنيسة دير اللاتين، كنيسة الروس، دير الأقباط (البلدة القديمة)، دير الأقباط (بيت زكا).

كما تضم العديد من المواقع الأثرية، ومنها:

  • تل السلطان: هو تل أثري ويعد موقع أريحا القديمة، يعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث، يبلغ ارتفاعه 21 مترا ومساحته حوالي فدان، ويقع قرب نبع عين السلطان.
  • خربة المفجر- قصر هشام: تقع في الشرق من عين "ديوك" وإلى الشمال من أريحا على بعد 3 كلم، بها بقايا قصر هشام بن عبد الملك، الذي أعده ليقضي فيه فصل الشتاء، وكنوز هذا القصر الأموي موجودة في المتحف الفلسطيني بالقدس، الذي استولت عليه إسرائيل وغيرت اسمه إلى "متحف روكفلر"، وهو في الوقت الحالي يشكل مركز جذب للسياح.جبل التجربة (دير قرنطل): يقع إلى الشمال الغربي من بلدة أريحا، بني في القرن الرابع على سفح جبل شاهق بارتفاع 350 مترا، وهو من أغرب الأديرة، وذلك لوجود جزء منه معلق بالهواء وجزء منحوت في الصخر. اكتسب تسميته من الكلمة اللاتينية (قوارنتانا) وتعني (الأربعين)، في إشارة إلى المدة التي قضاها المسيح صائما ومتعبدا في هذا الموقع وفقا للمعتقدات المسيحية، وعلى السفح الشرقي من الجبل هناك 30 أو40 مغارة، لذلك يدعى أيضا (جبل الأربعين).
  • قصر حجلة أو دير حجلة: يقع في الجنوب الشرقي من مدينة أريحا، ويعرف باسم (دير مار يوحنا حجلة)، ويسميه رهبان الأرثوذكس "دير القديس جراسيموس"، وفي ظاهر الدير الشمالي تقع (عين حجلة)، ويعتقد أن قرية بيت حجلة الكنعانية كانت تقوم في موقعها.
  • مقام النبي موسى: تعود تسميته إلى قبر ينسب إلى النبي موسى عليه السلام، يقع في الجنوب من أريحا على مسافة 20 كيلومترا شرق القدس، وهو نموذج للعمارة الإسلامية التي تعود إلى القرون الوسطى. كان منذ زمن صلاح الدين الأيوبي مركزا لمهرجان حج سنوي. ويعود بناء المقام الحالي والمسجد والمئذنة وبعض الغرف إلى عام 1269، ثم أضيفت إليه ملحقات أخرى عام 1475.
  • طواحين السطر: تقع على المنحدر الشرقي لجبل قرنطل في وادي الأردن، ولا يزال الموقع يحتفظ بملامح منشأة صناعية لإنتاج السكر يعود تاريخ نظامها إلى الفترات الصليبية والأيوبية والمملوكية.
  • خربة قمران: كان الموقع مسكونا خلال الفترة اليونانية الرومانية، واكتشفه راع فلسطيني صدفة عام 1947، عندما عثر على مخطوطات البحر الميت في الكهف رقم واحد، ثم كشفت الحفريات عام 1949 عن وجود أكثر من 900 مخطوطة بأكثر من 30 كهفا.
  • طلعة الدم: تل قريب من خان الخروزة، كان قرية رومانية وحصنا يدعى ماليدام، وفي عهد الفرنجة جعلوه حصنا، ويقع على بعد 9 كيلومترات من أريحا.
  • المتحف الروسي: افتتح في مدينة أريحا عام 2011، ويضم قاعتين بهما آثار بيزنطية وإغريقية، كما يشمل مجموعة من النقود النحاسية تعود لمجموعة من الملوك الإغريق. وفي زواياه بقايا أعمدة حجرية من العصور البيزنطية، وأوان فخارية وحجرية، موزعة حسب الترتيب الزمني لوجودها.
المصدر : مواقع إلكترونية