"فتح".. أول حركة وطنية فلسطينية تتشكل بعد نكبة 1948

حركة فتح أول حركة وطنية فلسطينية تتشكل بعد نكبة 1948 ومن أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. بدأت فكرة تأسيسها عام 1957، وأعلن رسميا عن انطلاقتها في الأول من يناير/كانون الثاني 1965، واتخذت في بدايتها منهج الكفاح المسلح، لكنها غيرت خطها السياسي إلى المفاوضات والتنسيق الأمني مع إسرائيل.
النشأة والتأسيس
بدأت نواة تأسيس حركة فتح في مطلع خمسينيات القرن العشرين، عندما أنشأ عدد من الطلاب الفلسطينيين في جامعة القاهرة تجمعا أطلقوا عليه "رابطة الطلبة الفلسطينيين" الذي جمع طلابا عاشوا حرب النكبة والتهجير القسري بسبب الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
في تلك المرحلة، دخل ياسر عرفات ميدان الأنشطة الطلابية وتمكّن من رئاسة الرابطة في الفترة بين 1952-1956. واتخذت الرابطة طابعا وطنيا وتبنّت منهج جماعة الإخوان المسلمين التي انتمى إليها أغلب مؤسسي حركة فتح.
بعد تخرج الجيل المؤسس للرابطة، وتشتتهم في البلاد العربية، نظّم عرفات لقاء سريا في دولة الكويت في سبتمبر/أيلول 1957، ودعا إليه رفاقه من الرابطة، ومنهم كمال عدوان وخليل الوزير وصلاح خلف. واعتبر هذا اللقاء بمثابة اللبنة الأولى لنشأة الحركة، التي فيها اعتمدت تسميتها وصاغوا بيان الحركة وهيكل البناء الثوري.
وجاء تأسيس حركة فتح نتيجةالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 واحتلال إسرائيل قطاع غزة، ويذكر أحد قادة الحركة أن فكرة التأسيس ترجع إلى تجربة جبهة المقاومة الشعبية، وهي تحالف كان قصير الأجل بين الإخوان المسلمين والبعثيين في أثناء الاحتلال الإسرائيلي لغزة عام 1965.
وأُعلن رسميا عن انطلاقة الحركة في الأول من يناير/كانون الثاني 1965 مع أول عملية عسكرية لها أدت لتفجير نفق عيلبون في الأراضي الفلسطينية المحتلة يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 1964.
لم تلقَ حركة فتح دعما أو قبولا من بعض الأنظمة العربية، التي اعتبرت ظهورها خروجا عن سياستها وتوجهاتها، إذ رأت تلك الأنظمة أن دعوة الفلسطينيين للمقاومة المسلحة قد تؤدي إلى جرّ الدول العربية إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
وواجهت الحركة تحديات وعراقيل عدة بسبب منهجها الداعي إلى الكفاح المسلح، رغم ذلك كانت الجزائر أول دولة عربية أيدت حركة فتح وافتتحت أول مقر لها عندها عام 1963 وكان تحت إدارة خليل الوزير.
التوجه الأيديولوجي
انطلقت الحركة في البداية من خلفية وطنية تحررية تسعى لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرت قيادة حركة "فتح" أن الكفاح المسلح هو السبيل الرئيس لتحقيق التحرير الكامل لفلسطين .
وأكدت الحركة في مبادئها على أن فلسطين جزء من الوطن العربي، وأن الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية، وكفاحه جزء من كفاحها، وأن الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة، وصاحب الحق في تقرير مصيره، وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه.
واعتبرت المشاريع والاتفاقات والقرارات التي تصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو غيرها من الهيئات أو الدول في شأن فلسطين باطلة ومرفوضة، إذ كانت تهدر حق الشعب الفلسطيني في وطنه.
واعتبرت فتح أن الصهيونية" حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب".
لكن في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، بعد وفاة عرفات، تولى محمود عباس قيادة الحركة التي مرت في عهده بتغيرات أسهمت في توسيع الفجوة بين تاريخها النضالي ومبادئها، وبين توجهاته المناهضة للمقاومة.
وتخلت الحركة رسميا عن نهج الكفاح المسلح في أثناء مؤتمرها السادس (2009)، واتخذت نهج المقاومة الشعبية السلمية، وأكدت في مؤتمرها السابع (2016) أن السلام هو الخيار الإستراتيجي الفلسطيني الذي تتبناه.
التسمية
أجمع عرفات والمؤسسون المشاركون في اللقاء التأسيسي على تسمية الحركة "حركة التحرير الوطني الفلسطيني" وقرروا اختصارها باستخدام الأحرف الأولى من كل كلمة فأصبحت "حتوف"، ثم حذفوا حرف الواو لأنها لا تعطي معنى مفهوما، إلا أنهم لاحظوا أن "حتف" تشير إلى الهزيمة والموت، وهو ما رفضوه تماما، لذا اقترحوا تعديل الاسم ليصبح "فتح"، تعبيرا عن النصر وتيمّنا بسورة الفتح.
البنية التنظيمية
المؤتمر العام، وهو السلطة العليا داخل الحركة، ولا يُعقد بانتظام لأسباب داخلية وخارجية.
المجلس الثوري، ويتكون من 120 عضوا من المسؤولين وقادة الأجهزة والأقاليم والقوات و25 عضوا من المؤتمر العام، و10 من اللجنة المركزية.
اللجنة المركزية، وهي القيادة المركزية للحركة تتكون من 18 عضوا، وينتخب المؤتمر العام أكثر من ثلثي أعضائها.
المسار السياسي العسكري
بنت الحركة جناحها العسكري وأطلقت عليه اسم "العاصفة" في كل من الجزائر عام 1962 وسوريا عام 1964، وتوسعت إلى مئات الخلايا على أطراف إسرائيل في الضفة الغربية وغزة وبمخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان وغيرها من البلدان.
وبدأ كفاحها المسلح عام 1965 بنجاح أول عملية عسكرية لها واستمرت في نشاطها رغم الطوق الذي كانت تفرضه عليها الدول المجاورة.
وفي نهاية عام 1966 ومطلع عام 1967، ازدادت العمليات العسكرية التي كانت تنفذها العاصفة، وقد اضطلع الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات وقتها بتدعيم جهاز فتح السري وتوسيعه، وبناء الخلايا العسكرية الجديدة في الضفة الغربية.
ونتيجة لظهور حركة فتح وتوسعها، اندمج فيها عدد من التنظيمات الفلسطينية الصغيرة منها منظمة طلائع الفداء لتحرير فلسطين (فرقة خالد بن الوليد) في السابع من سبتمبر/أيلول 1968، وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني يوم 13 سبتمبر/أيلول 1968، وجبهة ثوار فلسطين يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1968، وقوات الجهاد المقدس يوم 12 يونيو/حزيران 1969، وأصبحت قوات "العاصفة" تمثل جميع هذه المنظمات.
من الكفاح المسلح إلى المفاوضات
في ثمانينيات القرن العشرين بدأت الحركة تغير خطها السياسي من المقاومة المسلحة إلى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو التغير الذي أدى إلى التوقيع على اتفاق أوسلو 1993.
أدخلت الحركة بعد أوسلو تعديلات على ميثاقها الوطني، فحذفت البنود المتعلقة بإزالة إسرائيل من الوجود وكل ما يتعارض مع الاتفاق المذكور والاعتراف بها وبحقها في العيش بأمن وسلام.
وفي 20 يناير/كانون الثاني 1996 حصلت الحركة في الانتخابات التشريعية على الأغلبية البرلمانية بـ55 مقعدا من أصل 88، لكن في الانتخابات التشريعية يوم 25 يناير/كانون الثاني 2006 حصلت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على الأغلبية البرلمانية، غير أن حركة فتح احتفظت بالرئاسة الفلسطينية.
بعد أحداث الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس (2006-2007) أدرج عباس المقاومة المسلحة ضمن أهداف الملاحقة بقرارات رسمية. واستنادا إلى شرعية السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، عمد عباس إلى دمج فتح ضمن بنية السلطة عبر إعادة تشكيل المجلس الثوري واللجنة المركزية.
وفي ظل التأجيل المستمر للانتخابات الرئاسية تحولت شرعية حركة فتح نحو الشرعية الفردية (الرجل الواحد)، كما حلّت شرعية القوة والنفوذ محل الانتخابات المغيبة.
وأظهرت نتائج انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري في المؤتمر العام السادس في أغسطس/آب 2009 حاجة ملحة ورغبة مكبوتة إلى بروز جيل قيادي جديد بالحركة.
وفي يونيو/حزيران 2011 فصلت الحركة من عضويتها محمد دحلان وأحالته إلى القضاء بتهم جنائية ومالية، وذلك بسبب اتهام أجهزة الحركة له "بالمس بالأمن القومي الفلسطيني والثراء الفاحش والتآمر"، وجاء ذلك على خلفية خلاف حاد بينه وبين الرئيس الفلسطيني عباس.
وعقدت حركة فتح مؤتمرها السابع يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، واستمر 5 أيام بحضور فصائل فلسطينية، من بينها حركة حماس والجهاد الإسلامي.
وانتخب في أثناء المؤتمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائدا عاما لحركة فتح بالتزكية، وأعلن عن تعيين 3 من قادة الحركة التاريخيين، وهم فاروق القدومي وأبو ماهر غنيم وسليم الزعنون، أعضاء شرف دائمين في اللجنة المركزية.
كما انتخب أعضاء اللجنة المركزية للحركة ومجلسها الثوري، وأقر المؤتمر عند اختتامه مقترحا قدمه الرئيس عباس يرتكز على "التمسك بالسلام"، لمناقشته باعتباره برنامجا سياسيا للحركة.
بعد تلك الفترة، سيطر الجمود السياسي على الحركة وبقيت جزءا من السلطة الفلسطينية التي واصلت التمسك بخيار المفاوضات، رغم تعثرها مع إسرائيل التي واصلت الاستيطان، واستمرار الانقسام الفلسطيني مع حركة حماس، بسبب تعثر جهود المصالحة رغم الوساطات المختلفة.
وفي عام 2021، أُلغيت الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان من المفترض أن تُجرى بعد سنوات من التأجيل، بحجة منع إسرائيل إجراءها في القدس.
أبرز الشخصيات
- ياسر عرفات
محمد ياسر عرفات وكنيته "أبو عمار"، ولد عام 1929، هو أحد مؤسسي حركة فتح، ترأس عام 1969 منظمة التحرير الفلسطينية التي تعد الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
وفي 24 سبتمبر/أيلول 1995، وقع على اتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم انتخب في يناير/كانون الثاني 1996 رئيسا لسلطة الحكم الذاتي في أول انتخابات عامة في فلسطين وحصل على نسبة 83%.
فرضت عليه إسرائيل حصارا مدته عامين ونصف عام بمقره في رام الله بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
توفي ياسر عرفات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 في مستشفى بيرسي الفرنسي، بعد دخوله في غيبوبة عميقة وتعرضه لنزيف داخلي عطّل جزءا من الدماغ.
وفي عام 2012، كشف تحقيق للجزيرة استمر 9 أشهر عن وجود مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية له استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته، وذلك بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري.
- خليل الوزير
كنيته "أبو جهاد"، ولد في مدينة الرملة المحتلة عام 1936، وغادرها لاجئا إلى غزة بعد نكبة عام 1948، وهو أحد مؤسسي حركة فتح، تولى تحرير مجلة "فلسطيننا"، وفي عام 1962 انتقل إلى الجزائر حيث ترأس أول مكتب سياسي للحركة.
تولى خليل الوزير في الحركة مناصب عدة، منها عضو اللجنة المركزية، وكان عضوا في المجلس الثوري، ومفوضا للتعبئة والتنظيم، وعضوا في القيادة العامة لقوات العاصفة، ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.
اغتالت وحدة خاصة من الموساد الإسرائيلي أبو جهاد في منزله بالعاصمة التونسية يوم 16 أبريل/نيسان 1988، وشارك في عملية الاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، وقادة عسكريون.
- صلاح خلف
وكنيته أبو إياد، ولد عام 1933 في مدينة يافا، وهو أحد مؤسسي حركة فتح، وهو قائد الأجهزة الأمنية الخاصة فيها، وكان عضو اللجنة المركزية عام 1966.
في نكبة 1948 هاجرت عائلته إلى قطاع غزة، ثم إلى مصر عام 1951، حيث استكمل تعليمه والتقى عرفات رئيس رابطة الطلاب الفلسطينيين حينئذ، ولاحقا انخرط أبو إياد في الرابطة وأصبح رئيسها بعد تخرج عرفات عام 1957.
في عام 1957، عاد صلاح خلف إلى غزة وانضم إلى صفوف الإخوان المسلمين قبل مشاركته في الاجتماع التأسيسي لحركة فتح في الكويت.
وفي 21 مارس/آذار 1968، شارك مع قوات الثورة الفلسطينية في التصدي لقوات الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة بالأردن.
فشل جهاز "الموساد" الإسرائيلي في اغتياله لسنوات طويلة، لكنه تمكن من قتله يوم 14 يناير/كانون الثاني 1991 بواسطة أحد العملاء في بلدة قرطاج بتونس مع رفاقه هايل عبد الحميد "أبو الهول" وفخري العمري.
- كمال عدوان
ولد كمال عدوان عام 1935 وكنيته أبو رامي، التحق بجماعة الاخوان المسلمين في مصر عام 1952 بعد طرحهم مشروع تحرير فلسطين، أرسل إلى غزة لتشكيل مقاومة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتمكّن من القيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل.
وفي عام 1957 دعاه عرفات للمشاركة بالمؤتمر التأسيسي لحركة فتح، وفي عام 1968 أصبح رئيس مكتب الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1971 انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحركة.
اغتاله جهاز الموساد في العاشر من فبراير/شباط 1973 في بيروت.