أوكرانيا.. سلة غذاء عالمية مهددة بخطر الحرب الروسية

السلطات الأوكرانية تؤكد أن القوات الروسية تعمدت قصف مستودعات مواد غذائية ووقود وغيرها (رويترز)

لفيف- بثرواتها الحيوانية الزراعية وحجم صادراتها الغذائية تعتبر أوكرانيا سلة غذاء عالمية ومصدرا عالميا رئيسيا للحبوب والزيوت والخضروات والأسماك ولحوم الدواجن وغيرها.

لكن الحرب الدائرة فيها تطرح تساؤلات حول إمكانية أن تتعرض لخطر انتشار الجوع، ولا سيما في المناطق التي تشهد أعنف عمليات القصف والاشتباك.

وجاء أول التحذيرات التي صدرت في هذا الصدد من العاصمة كييف في أول أيام الحرب (24 فبراير/شباط الماضي) عندما أعلنت بلديتها أن مخزون الطعام يكفي المدينة لفترة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين فقط.

لكن الحاجة ظهرت سريعا في ثاني أيام الحرب مباشرة عندما فرغت المحلات من المواد الأساسية، وعلى رأسها الخبز والطحين، علما أن أوكرانيا تحتل المركز السادس عالميا في صادرات الحبوب.

تراجع الإمدادات

بالنسبة للعاصمة كييف فإن المشكلة تكمن في تراجع عمليات إمداد المدينة من المخازن في الضواحي، بسبب عمليات القصف وغيرها من المخاطر الأمنية، وهذا يشمل -إلى جانب الغذاء- الدواء والمحروقات.

وفي كييف أيضا تؤكد السلطات أن القوات الروسية تعمدت قصف مستودعات مواد غذائية ووقود وغيرها، وكان آخر ذلك صباح أمس السبت، باستهداف مستودع للسلع المجمدة في محيط مدينة بروفاري (شمال شرق العاصمة) ومخازن للوقود قرب مدينة فاسيلكوف في الجنوب الغربي منها.

ولحل هذه المشكلة جزئيا يلاحظ الخارج من كييف قوافل شاحنات ترافقها سيارات شرطة وجيش لحراستها، لكن هذا لا يمنع إقرار عمدة المدينة فيتالي كليتشكو بأن المدينة تحاصر شيئا فشيئا، وأن أياما صعبة تنتظرها.

حصار لإخضاع المدن

وتوجه السلطات الأوكرانية اتهامات علنية لنظيرتها الروسية بفرض حصار على مناطق ومدن أخرى، لتجويع سكانها وإخضاعها، والمثال الرئيسي الذي يطرحه الأوكرانيون اليوم في هذا الصدد يتعلق بمدينة ماريوبول (جنوب شرقي البلاد) قبل غيرها.

وتؤكد كييف أن وضع المدينة "كارثي"، وأن الحصار وعمليات القصف منعا مئات الآلاف من النزوح، وقطعا الغذاء والدواء عنها منذ أسبوع، كما أنهما يحرمانها من الكهرباء والماء والتدفئة.

وشبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ما يحدث في ماريوبول بما فعلته روسيا في سوريا، مؤكدا أن سكان المدينة يعاقبون لمقاومتها ورفضهم النزوح عنها إلى روسيا أو إلى مناطق مجاورة يسيطر عليها الموالون لروسيا في إقليم دونباس.

والحال مشابه إلى حد بعيد في كل من مدينة خاركيف (شرقي البلاد) ثاني أكبر مدن أوكرانيا ومدينة تشيرنيهيف (شمال شرق العاصمة كييف).

ولطالما فخر الأوكرانيون بحساء "البورش" على اختلاف أنواعه، والذي يعتبرونه علامة تجارية لمطبخهم، ولا سيما أن كل مكوناته محلية رخيصة ومتوفرة على مدار السنة، بحكم أن معظمها جذرية تنمو تحت الأرض وفي كل مكان.

لكن البطاطا والشمندر والملفوف غائبة اليوم عن رفوف المتاجر، ناهيك عن غياب اللحوم بأنواعها، وهو ما يذكرهم بمأساة المجاعة "هولودومور" التي فرضها الزعيم السوفياتي ستالين على أوكرانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، واعترفت بها دول كثيرة باعتبارها "جريمة إبادة جماعية".

وتقول أوليكساندرا للجزيرة نت -وهي إحدى سكان قرية هافريلوفكا التي تضم نحو 5 آلاف نسمة (شمال غرب كييف)- "قرانا لم تعد كما كانت، ليس لدينا أبقار ومواش كما يعتقد الكثيرون، نعتمد بالدرجة الأولى على شراء سلع الشركات وعلى ما نزرعه في قطع الأراضي الصغيرة".

وتتابع "لم نتخيل أن هذا سيحدث مجددا، وأننا قد نفكر بأكل قشور البطاطا كما فعل أجدادنا من قبل، كنا نبيع ما ننتج، ولم يبق لدينا ما يكفي".

وأضافت "نحن محاصرون تماما ولا نستطيع الخروج، الجنود الروس يتعاملون معنا كما تعامل السوفيات من قبل، فيطلبون منا الطعام بين الحين والآخر، ونقدمه -على قلته- خشية العقاب"، على حد قولها.

وختمت بالقول "شبكات الاتصالات ضعيفة، ونعيش منذ أسبوع بلا كهرباء ولا تدفئة ولا غاز ولا إنترنت، بقي لدينا 15 لترا من البنزين في خزان وقود السيارة التي نشحن فيها الهواتف، وبعدها سنكون معزولين تماما عن العالم".

النقص وصل مناطق الغرب

وبسبب نزوح الملايين إلى مناطق الغرب الأوكراني "الأكثر أمنا" يشعر رواد المتاجر أيضا بنقص في كميات السلع الغذائية الرئيسية والوقود، ولا سيما أن إمداداتها كانت ولا تزال تعتمد على مناطق وسط وشرق البلاد.

وفي محاولة لسد هذا النقص عمدت السلطات المحلية في المدن الغربية الكبرى (لفيف وإيفانو فرانكيفسك وتشيرنيفتسي وفينيتسا وأوجهورود) إلى تخصيص طرق سريعة خاصة بشاحنات البضائع تتجاوز الأزمات المرورية الخانقة الناجمة عن قوافل النزوح.

وعمدت بعض السلطات أيضا إلى تحديد كميات معينة لعمليات شراء بعض السلع، مع تشديد الرقابة على الأسعار وضبطها قدر الإمكان حتى تكون في متناول الجميع، وحذرت في هذا الصدد "المتلاعبين" بأنها ستتعامل معهم كما تتعامل مع "الأعداء".

المصدر : الجزيرة