قلق عالمي بشأن تصاعد أسعار الغاز الطبيعي

منشأة "تشينير إنرجي" Cheniere Energy لتسييل الغاز في تكساس. استفادت الولايات المتحدة ، وهي مُصدِّر كبير للغاز ، من الطلب العالمي القوي. ( نيويورك تايمز)
منشأة "تشينير إنرجي" لتسييل الغاز في تكساس بالولايات المتحدة الأميركية التي تعد مصدرا كبيرا للغاز واستفادت من الطلب العالمي القوي على الغاز (نيويورك تايمز)

فجأة، صار معظم العالم قلقًا بشأن نفاد الغاز الطبيعي، وأصبح تأثير ذلك ظاهرًا من خلال ارتفاع الفواتير وإغلاقات المصانع وزيادة الشعور بالقنوط مع اقتراب الشتاء.

ففي جميع أنحاء آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، يتابع المستهلكون، الذين ما زالوا يترنحون من تأثير وباء كورونا، أسعار الطاقة وهي ترتفع أعلى وأعلى مدفوعة بأسعار الغاز الطبيعي التي صعدت بمعدل 4 أضعاف في بعض المناطق خلال الأشهر الأخيرة، لتصل الأسبوع الماضي إلى مستويات قياسية. في حين يتابع صانعو المواد الكيميائية والصلب والسيراميك والسلع الأخرى التي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، انخفاض صافي أرباحهم، وفي بعض الحالات يعلّقون أعمالهم.

ففي كوريا الجنوبية، ارتفعت أسعار الكهرباء لأول مرة منذ عام 2013، وتخشى الشركات الصغيرة -التي كافحت في ظل أشهر من القواعد الصارمة التي فرضها الوباء- ارتفاع الأسعار في المستقبل. وقال الاتحاد الكوري للشركات الصغيرة إنه "من الصعب بالفعل على الشركات الصغيرة أن تبقى على قيد الحياة".

أما في البرازيل، فقد استنزفت أسوأ موجة جفاف منذ 90 عامًا إنتاج الطاقة الكهرومائية، مما أجبر شركات توليد الطاقة على استيراد غاز طبيعي باهظ الثمن. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء بنحو 7% بعد زيادة سابقة بنسبة 8% في يوليو/تموز الماضي.

كذلك يشعر الأوروبيون بالعجز في السوق. ففي إسبانيا، قالت الحكومة مؤخرًا إنها ستأخذ الأرباح من شركات الطاقة لمساعدة المشتركين. وفي إيطاليا، عانى السكان مؤخرًا من زيادة بنسبة 14% في فواتير الغاز، صاحبتها قفزة تقترب من 30% في أسعار الكهرباء.

 "من الصعب بالفعل على الشركات الصغيرة أن تبقى على قيد الحياة" الاتحاد الكوري للشركات الصغيرة

وقالت كارلا فوني، وهي معلمة وأم لطفلين في بولونيا، "سيتعين علينا غسل الصحون أو الملابس في فترة الليل من أجل توفير المال".

وفي الصين، التي تعد بالفعل أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، ارتفع الطلب بنسبة 13% حيث يسير زعيم البلاد شي جين بينغ قدمًا في خططه لتنظيف البيئة من خلال الابتعاد عن استخدام الفحم.

وبصفتها مصدرا رئيسيا للغاز، كانت الولايات المتحدة تستفيد من الطلب العالمي النشط على الغاز. وفي الآونة الأخيرة، حفزت الأسعار التي ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ سنوات الدعوات لإيقاف الشحنات إلى الخارج. ومع ذلك، فإن زيادة الأسعار في الولايات المتحدة ليست سوى جزء يسير من تلك التي شوهدت مؤخرًا في آسيا وأوروبا.

ويرتبط النقص العالمي بالرواج المتزايد للغاز الطبيعي كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية، لأنه ينتج انبعاثات غازات تؤثر بشكل أقل على الاحتباس الحراري من الفحم. وفي العديد من البلدان، يعمل الغاز بديلا أنظف لمحطات احتراق الفحم وكذلك للمولدات النووية القديمة، حيث تنتظر شبكات الطاقة التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ويعني الاعتماد المتزايد على الغاز الطبيعي أن هناك مرونة أقل في النظام، خاصة عندما تنخفض القدرة على تخزين الغاز في أوقات زيادة الاستخدام، مثلما في فصل الشتاء، في بعض البلدان مثل بريطانيا.

قال توني ويل إنه أخبر الحكومة البريطانية أن توفر الأسمدة قد تكون الأزمة التالية ، مما قد يعرض محاصيل العام المقبل للخطر. (نيويورك تايمز)
توني ويل قال إنه أخبر الحكومة البريطانية أن توفر الأسمدة قد يكون الأزمة التالية، مما قد يعرض محاصيل العام المقبل للخطر (نيويورك تايمز)

وبعد الانخفاض الطفيف في الطلب أثناء الوباء خلال العام الماضي، أصبح من الصعب على صناعة الغاز أن تتعامل مع الزيادة في الاستهلاك العالمي للغاز المقدرة بنسبة 4%، مع تعافي التصنيع والأنشطة الأخرى.

قال نيل بيفريدج، كبير المحللين في شركة "بيرنستين" (Bernstein) في هونغ كونغ -وهي شركة لأبحاث السوق- إن التعافي بعد الوباء كان مدفوعًا "بالطلب على السلع لا الخدمات". هذا التركيز على صناعة الأشياء كان يعني زيادات كبيرة في استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء لتزويد المصانع وغيرها من القطاعات بالطاقة.

كانت سفن الناقلات التي تحمل الغاز الطبيعي المسال من المصدرين مثل الولايات المتحدة وقطر وأستراليا، تتجه نحو الصين والبرازيل، حيث تجذبها الأسعار المرتفعة. وأدى ذلك إلى قطع تسليم الغاز إلى أوروبا، حيث توجد مخاوف من أن مستويات المخزون المنخفضة بشكل غير عادي، التي سببتها موجة البرد التي حدثت خلال الربيع الماضي، قد تؤدي إلى أزمة في الشتاء عندما يرتفع الطلب على الوقود في بعض البلدان. كما أن المستويات المخيبة للآمال للواريدات من روسيا، والتي تزيد من شحناتها إلى الصين، مع انخفاض الإنتاج المحلي في بريطانيا وهولندا، تؤدي أيضًا إلى التضييق على السوق الأوروبية.

تعني أسعار الغاز المرتفعة، والسرعات المنخفضة للرياح التي تقلل من الطاقة المولدة من خلال توربينات الرياح، أن أوروبا قد استخدمت الفحم لتوليد الطاقة أكثر من الغاز للمرة الأولى منذ عام 2019، وفقًا لشركة الاستشارات "ريستاد إينيرجي" (Rystad Energy).

ولم تتضرر إلا صناعات قليلة بالشدة نفسها التي تضررت بها شركات صناعة الأسمدة، التي تستخدم الغاز الطبيعي لإنتاج الأمونيا، وهو عنصر رئيسي يستخدم في تعديلات التربة.

"سيتعين علينا غسل الصحون أو الملابس خلال الليل من أجل توفير المال"
كارلا فوني، وهي معلمة وأم لطفلين في بولونيا.

ووصف طوني ويل الرئيس التنفيذي لشركة "سي إف إندستريز" (CF Industries)، وهي إحدى كبرى الشركات المنتجة للأسمدة في العالم، كيف تضاعف سعر الغاز المستخدم في مصنعين من مصانع الشركة في بريطانيا أكثر من 3 أضعاف، إلى الحد الذي جعل الشركة تخسر 300 دولار أميركي على كل طن تنتجه من الأمونيا.

تعاظمت الخسائر "بصورة كبيرة جدًا وسلبية جدًا" لدرجة أن الشركة لم تستطع الاستمرار في ظل هذه الظروف، وأغلق ويل المصنعين، وهو الأمر الذي نقلته عناوين الأخبار في جميع أنحاء بريطانيا.

ومنذ ذلك الحين، وافق ويل على حل قصير الأمد: فقد أعاد فتح أحد المصنعين، مع تغطية الحكومة للخسائر. وتساعد الحكومة في دفع فواتير الشركة، لأن تصنيع الأمونيا ينتج عنه منتج ثانوي قيم وهو ثاني أكسيد الكربون، المنتج الحيوي لقطاع اللحوم المصنعة في بريطانيا وكذلك المشروبات الغازية.

أغلقت شركة "سي إف إندستريز” (CF Industries) ، إحدى أكبر منتجي الأسمدة في العالم ، عملياتها في مصنعين في بريطانيا بعد أن تضاعفت أسعار الغاز أكثر من ثلاثة أضعاف. (نيويورك تايمز)
أغلقت شركة "سي إف إندستريز” عملياتها بمصنعين في بريطانيا بعد أن تضاعفت أسعار الغاز أكثر من 3 أضعاف (نيويورك تايمز)

هذا ويقول المحللون إن هذا الضغط في أسواق الغاز الطبيعي يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع أيضًا. حيث يتوقع المتداولون أنه مع وصول أسعار الغاز في بعض الحالات إلى مستوى يمكن مقارنته ببيع النفط بنحو 170 دولارًا للبرميل، سيكون هناك حافز كبير في بعض الصناعات لحرق النفط (وسعره مؤخرًا بين 75 و80 دولارا للبرميل) بدلًا من الغاز من أجل توليد الطاقة الكهربائية، وهو ما سيزيد من الطلب.

كذلك يقول محللون إن اتجاه أسعار الغاز سيعتمد على شدة الشتاء. فقد يؤدي شتاء قارس إلى زيادة الأسعار، وهو ما قد يقود إلى مزيد من الشح والإغلاقات في الصناعات، وكذلك على الأرجح تسارع للرد من قبل واضعي القوانين والتشريعات.

من ناحية أخرى، قد يتسبب الطقس الدافئ في انخفاض الأسعار بشكل حاد، إذ تظهر أسواق العقود الآجلة انخفاضًا إلى مستويات أقل بكثير في الربيع المقبل.

يقول ماركو ألفيرا الرئيس التنفيذي لشركة "سنام" (Snam)، وهي شركة غاز إيطالية كبيرة، "نحن نضع مصانعنا ومنازلنا في أيدي الطقس".

لكن بعيدًا عن حالة الطقس، يقول محللون إن العالم ربما يكون متجهًا نحو سوق غاز وطاقة أضيق مما كان عليه في السنوات الأخيرة. فقد دفع الوباء وعوامل أخرى الشركات إلى تأجيل الاستثمار في مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة، بما في ذلك محطات الغاز الطبيعي المسال. وستستقبل الأسواق خلال السنوات الثلاث المقبلة حوالي ثلث الغاز الطبيعي المسال الإضافي، بحسب تقديرات "برنستين"، كما حدث في السنوات الثلاث الماضية. وفي بعض البلدان، مثل بريطانيا، يتم توقيف محطات الطاقة النووية غير أنها لا تُستبدل بسرعة.

وهذه المخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ التي عبّر عنها المهتمون بالأمر أو عن طريق قضايا في المحاكم، مثل قرار محكمة هولندية في مايو/أيار الماضي بأمر شركة "رويال دتش شيل" (Royal Dutch Shell) بخفض انبعاثات الغاز المتسببة في الاحتباس الحراري، قد تجعل بعض الشركات تتردد في الاستثمار في مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة بمليارات الدولارات.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة "ريادة الجزيرة"

المصدر : نيويورك تايمز