شعار قسم مدونات

حصاد الأبرياء.. بين غارات السعودية الجوية وألغام الحوثيين الأرضية

blogs اليمن

ما بين غارات طائرات التحالف بقيادة السعودية، والألغام العشوائية للحوثيين، قُتل وجرح الآلاف من الأبرياء المدنيين في اليمن، ومازالوا يدفعون يومياً فاتورة هذه الحرب، التي بلغ رصيدها مداه الأقصى، وبفعل هذه الحرب تحول البلد الذي لطالما عرف باليمن السعيد إلى اليمن التعيس بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

 

كعادتهم كل يوم في رمضان استيقظوا لتناول وجبة السحور، لم يعلموا أنها ستكون وجبتهم الأخيرة على وجهه هذه الأرض، ذهب الرجال إلى المسجد لصلاة الفجر، وبعد الصلاة عادوا إلى منازلهم للنوم كما هو المعتاد في رمضان، ناموا كعادتهم، لكنهم هذه المرة لم يتمكنوا من الاستيقاظ، ناموا للأبد، وتحولت الأسْرة والفُرش التي ناموا عليها، والبيوت التي سكنوها إلى أنقاض دفنوا تحتها.

 

ففي وقت مبكر وتحديداً في الساعة الثامنة صباحاً، قامت طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية بتنفيذ غارات جوية مكثفة على صنعاء إحدى هذه الغارات استهدفت منزلين سكنيين ملاصقين لإحدى المدارس في حي الرقاص، أحد أحياء العاصمة صنعاء، خلفت هذه الغارة ما يقارب الـ 6 قتلى، أربعة منهم من الأطفال، وعشرات الجرحى والمصابين، أصيب في هذه الحادثة عائلتين بأكملها ما بين قتيل وجريح.

 

دوي هذه الضربة الجوية سمعها معظم سكان الأحياء المجاورة لهذا الحي المستهدف، فؤاد نبيل، يسكن على بعد حوالي خمسة كيلومتر من موقع الحادث، يقول أنه تفاجأ وهو نائم بصوت انفجار قوي جداً، أحس على إثره بمنزله يعلو ويهبط من شدة الضربة، "ذكرتني هذه الغارة الجوية بالغارات التي استهدفت عطان من قبل"، ما يدل على أن القنابل التي استخدمت في هذه الغارة كانت قوية جداً، وكان الهدف منها إحداث أكبر ضرر ممكن في صفوف المدنيين. أعلن بعدها التحالف بقيادة السعودية أن الهدف من هذه الغارة الجوية كان استهدف قيادات حوثية كانت في اجتماع داخل هذه المنازل!

   

  

هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها بل هي حادثة واحده من سلسلة حوادث مشابهة أُستهدف من خلالها الكثير من المدنيين الأبرياء في اليمن على مدى أربع سنوات. فمنذ العام 2015، وثّقت هيومن رايتس ووتش نحو 90 غارة جوية، قالت أنها تبدو غير مشروعة، أصابت المنازل والأسواق والمستشفيات والمدارس والمساجد وغيرها من الأماكن المدنية البحتة. وأشارت المنظمة أن بعض هذه الهجمات قد ترقى إلى جرائم حرب.

 

أما منظمة مواطنة لحقوق الإنسان فذكرت في أحد تقاريرها أنها وثقت ما لا يقل عن 132 هجمة شنها التحالف بقيادة السعودية بين مارس/ أذار 2015 ومارس/أذار 2017 في 13محافظة يمنية. قتلت هذه الغارات ما لا يقل عن 1630 مدنياً بينهم 418 طفلاً و192 امرأة على الأقل، وجرحت ما لا يقل عن 1872 مدنياً بينهم 308 أطفال و168 امرأة على الأقل. كذلك وثقت منظمة مواطنة استهداف التحالف 12 منشأة صناعية مدنية في محافظات صنعاء وحجة والحديدة، و13 موقعاً تاريخياً وأثرياً في سبع محافظات يمنية.

 

في العام 2018، قصفت قوات التحالف الذي تقوده السعودية حفل زفاف بمديرية بني قيس في محافظة حجة، ما أسفر عن مقتل 22 شخصا، بينهم 8 أطفال. وفي هجوم آخر قصف التحالف حافلة مليئة بالأطفال أثناء مرورها في سوق ضحيان بمحافظة صعدة شمالي اليمن، ما أسفر عن مقتل 26 طفلا على الأقل. أيضا في 25 يونيو 2018، قتل 9 مدنيين وأصيب 19 شخصا غالبيتهم من المدنيين في محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء بغارة جوية للتحالف استهدفت منازل مواطنين بشارع القشلة.

 

لا يكاد يخلو موقع استولى علية الحوثيين وأجبروا على تركه من الألغام المزروعة بشكل عشوائي، بهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن، هذا الضرر للأسف غالباً ما يتعرض له المدنيين الأبرياء

وفي السنوات الأولى من الحرب وتحديداً في 15 أغسطس/ آب 2016 قام التحالف الذي تقوده السعودية بضربة جوية استهدفت مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة عبس بمحافظة حجة، والذي أسفر عن مقتل 19 شخصاً وإصابة 24 آخرين وفقاً لتحقيقات داخلية أجرتها منظمة أطباء بلا حدود ونشرتها في 27 سبتمبر/ أيلول 2016.

 

ويُعد هجوما التحالف بقيادة السعودية في 15 مارس/ أذار 2016 على سوق خميس مستبأ بمحافظة حجة، وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 على القاعة الكبرى بصنعاء من أكثر الهجمات دموية خلال عام 2016. قُتل في الهجوم على سوق خميس مستبأ ما لا يقل عن 131 مدنياً بينهم 23 طفلاً، وجُرح ما لا يقل عن 84 مدنياً بينهم امرأة وأربعة أطفال. كما قُتل في الهجوم على القاعة الكبرى بصنعاء ما لا يقل عن 84 وجُرح ما لا يقل عن 550 بحسب المعلومات التي نشرتها المنضمات الحقوقية العاملة في اليمن، في المقابل، تسببت جماعة الحوثيين بإزهاق أرواح الكثير من المدنيين الأبرياء، سواء كان ذلك بالقصف العشوائي أو بالانفجارات التي تحصل في مخازن أسلحة تابعة لهم تتواجد غالباً في مواقع مدنية وأماكن سكنية مكتظة بالمدنيين.

 

ذهبن كعادتهن كل يوم إلى المدرسة، لم يكن يعلمن أنه ذهاب بلا عودة وأن المدرسة هي أخر مكان سيتواجدن فيها على قيد الحياة، وأن السبورة والمعلمة تكتب عليها هي أخر مشهد رأته أعينهن، فبينما كانت الطالبات في فصولهن الدراسية في منتصف الحصة الدراسية، تفاجئن بصوت انفجار قوي جداً تكسرت على إثره زجاج نوافذ الفصل، تلاه عدة انفجارات وتطاير لقذائف أصابت بعضها بعض الفصول الدراسية، زجاج مكسور على أرضية الفصل أجساد ملقاة على الأرض مليئة بالدماء، فرت العديد من الفتيات هلعاً عبر الشرفات الموجودة خارج الصفوف الدراسية إلى السلالم، حيث سقط بعضهن وتعرض بعضهن الأخر للدوس. وجراء انسداد السلالم، أقدمت بعض الفتيات على القفز من الطابق العلوي للمبنى المكون من ثلاثة طوابق.

 

لازال مشهد الفتيات بزيهن المدرسي وهن يهرعن إلى خارج المدرسة من دون حقائبهن المدرسية حافيات الأقدام يبكين من شدة الخوف والهلع الذي أصابهن بعد سماع انفجارات قوية قريبة جداً منهن ورؤية صديقاتهن تعلو أجسادهن الدماء والجروح. حتى المدارس لم تسلم من قذارة هذه الحرب، ما أقذر هذه الحرب، وما أقذر المشاركين فيها!، كيف حولوا مكان لطالما كان يفيض بالحياة، وكانت تنمو فيه البراعم وتزدهر، إلى مكان يعج بالموت، ويحصد وروداً لم تتفتح بعد!

   

  

دمر انفجار المستودع منزلاً قريباً تسكنه ثلاث عائلات وألحق أضراراً بالغةً بمنزل آخر. وقد أدى الانفجار أيضاً إلى انخلاع الأبواب، وتحطيم النوافذ في أربع مدارس قريبة. بحسب ما ذكرت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسف)، وذكرت "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "مواطنة لحقوق الإنسان" في تقرير مشترك لهما، إن مستودعا يسيطر عليه الحوثيون، يخزنون فيه "مواد متطايرة" بالقرب من المنازل والمدارس، اشتعلت فيه النيران وانفجر في العاصمة اليمنية صنعاء، في 7 أبريل/نيسان 2019، مما تسبب بمقتل 15 طفلا على الأقل. أدى الانفجار الهائل إلى إصابة أكثر من 100 طفل وبالغ في حي سعوان السكني

 

أما الألغام فحدث ولا حرج، فلا يكاد يخلو موقع استولى علية الحوثيين وأجبروا على تركه من الألغام المزروعة بشكل عشوائي، بهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن، هذا الضرر للأسف غالباً ما يتعرض له المدنيين الأبرياء، تسببت هذه الألغام في فقدان الكثير من الأطفال لأطرافهم، وقُضى على أحلامهم من قبل أن تبدأ، وتحولوا بفعل ذلك إلى معاقين يعانون من الإهمال والحرمان، فوفقاً لـ منظمة "هيومن رايتس ووتش" فإن استخدام قوات الحوثيين الواسع للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي لليمن منذ منتصف 2017 قتل وجرح مئات المدنيين الأبرياء، ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة.

 

استخدمت جماعة الحوثيين الألغام المضادة للمركبات عشوائيا في انتهاك صارخ لقوانين الحرب، ما شكل خطرا على المدنيين حالياً وأيضاً في المستقبل فالخطر سيظل قائماً بعد فترة طويلة من توقف القتال. وفقاً لـ موقع "مشروع رصد الأثر المدني"، وهو مصدر بيانات إنسانية، قَتلت الألغام الأرضية المزروعة في الأراضي الزراعية والقرى والآبار والطرق 140 مدنيا على الأقل، من بينهم 19 طفلا، في محافظتي الحديدة وتعز منذ 2018. كما منعت الألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع المنظمات الإنسانية من الوصول إلى السكان المحتاجين، وأدت إلى منع الوصول إلى المزارع وآبار المياه، وألحقت الأذى بالمدنيين الذين يحاولون العودة إلى ديارهم.

 

تجدر الإشارة إلى أن اليمن موقعة على اتفاقية حظر الألغام لعام 1997، إضافة إلى القانون اليمني ذاته يحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد. كلا طرفي الحرب الدائرة اليوم في اليمن، قتلت وجرحت الآلاف من اليمنيين الأبرياء، وتسببت في فقدانهم أطرافهم وعائلاتهم ومنازلهم، كلُ بطريقته الخاصة وأدواته المتعددة، ويبقى السؤال المطروح دائماً، ما الثمن الذي يجب أن يدفعه اليمنيين ليوقفوا الحرب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.