شعار قسم مدونات

لیطمئن قلبي.. روایة تجمع بین الحب والإیمان

blogs ليطمئن قلبي

من نبض إلی أسماء إلی وعد أبدع الکاتب الأستاذ أدهم شرقاوي في إقحام هذه الشخصیات الخیالیة في روایاته نبض، نطفة، لیطمئن قلبي. لیخبرنا عن تفاصیل وجدانیة وحیاتیة تدخل القلوب وتؤثر فیها لتبقی عالقة في الذاکرة، تنفض عن نفسها غبار الأیام والفصول. ولعل القراء کعادتهم یتسائلون من هي الشخصیات الثلاثة اللواتي کتب عنهن الشرقاوي، لیفصح عن هویتهن في إحدى مقالاته: "نبض هي أخت أسماء خرجتا من رحم قلم واحد". أما وعد فهي نالت ما نالته أخواتها من الكتابة ومثلت دورها علی الورق کما أراد الکاتب، فنحن من نصنع شخصیاتنا ونَسیر بها إلی مبتغانا ونختار مصیرها. نبدأ مع حکایة وعد وکریم اللذان أخبر عنهما الکاتب فی روایتة لیطمئن قلبي فمن هما وعد وکریم؟ وما قصتهما؟

وعد موظفة بنك أما کریم فهو مهندس في سنواته الجامعیة الأخیرة، یتعرف علی وعد أثناء صعوده إحدى الحافلات، وکما في أغلب اللقاءات الفضول هو من یدفع الشخص للتعرف علی الآخر وهذا ما حصل مع کریم الذي مال قلبه للتعرف علی هذه المرأة. یواصل الکاتب البوح عن مکامن الشخصیات خاصة کریم ووعد اللذين یجمعهما لقاء آخر بحکم سلوك ذات الوجهة هو إلی جامعته وهي إلی البنك، والوسیلة واحدة لتتکشف فیما بعد مشاعرهما لیأخذ الحدیث منحی آخر بعد اللقاءات المتکررة بینهما إلی الإندفاع لمناقشة مواضیع عاطفیة کان للحب والصداقة النصیب الأکبر منها. وصولاً إلی السیاسة والدین اللذان احتلا أیضاً مساحة کبیرة من الروایه، وبطلاها هذه المرة هشام وماهر. ومع شخصیات مختلفة لکل منها حکایتها الخاصة بها آثر أن أترك الحدیث عنها في سياق المقال.

قفز الکاتب من موضوع الحب إلی موضوع الإیمان، وتمثل ذلك في الحوار بین ماهر وهشام علی الرغم من هذه القفزة المتوقعة نظراً لأحداث الروایة إلا أن الکاتب برع في الانتقال من هذا الحدث وذاك

تبدو أحداث الروایه للقارئ أنها لا تتسم بالغرابیة بل هي ملتصقة بالواقع التصاقاً کبیراً ولعل هذا ما جعلني أتعاطف مع شخوص الروایة وهنا تکمن براعة الکاتب في تعایشه مع الواقع وأحداثه، فالشخوص الذین تعرضوا للمصائب لم تکن کما يُصور فی الأفلام الدرامیة إنما نمت من أفکار واقعیة لکن الزمان والمکان یتغیران ومنها شخصیة سعد وفریدة اللذين تزوجا رغم العادات والتقالید، وکذلك العیون المجحفة بحق الخالة ریحانة والعم أحمد فکلاهما أسیران لنظرات وألسنة المجتمع تجعلك تشعر أنك قریب من الواقع أو ربما مررت بما مروا به یوماً ما.

یبین لنا الکاتب مرة أخرى من خلال هذه الأمثلة أن الشخصیات جمعها الحب وفرقها الحب من العم أحمد العاشق لأرضه، حیث أصیب بالعمی نتیجه إستخدام المبیدات الکیمیائیة، والشاب سعد الذي دافع عن حبه حتی الرمق الأخیر ووقف فی وجه المجتمع، لیجتمعا هو وحبيبته تحت سقف واحد. أما الخالة ریحانة التي لم تسلم من حزنها المتکرر فنالت من أنوثتها الکمد فخانها رحمها حتی أصبحت عقیماً تتنقل من طبیب إلی طبیب دون جدوى وعلی أمل لا شفاء منه ليمنحها القدر أطفال آخرون في دار للأیتام. فالحیاة حرمتها الإنجاب لکنها لم تحرمها من إغداق الحنان علی أطفالها اللذین لم تلدهم من رحمها. جمیع تلك الشخصیات تعاهدت علی الحب، من غریزة الأمومة، إلی عشق الفلاح لأرضه، انتهاءً بحب الحبیب لحبیبته.

قفز الکاتب من موضوع الحب إلی موضوع الإیمان، وتمثل ذلك في الحوار بین ماهر وهشام علی الرغم من هذه القفزة المتوقعة نظراً لأحداث الروایة إلا أن الکاتب برع في الانتقال من هذا الحدث وذاك، دون الإخلال بلب الروایة وکأنه یکشف لنا أن طریق الایمان والحب یجمعان شتات الإنسان المکبل بقیود أفکاره ومجتمعه. أیضاً تطرقت الروایة إلی مواضیع جدلیة متعلقة بالدین کما أسلفت، خاصة بعد أحداث سبتمبر والحمله الشعواء التي قادها دعاة الإلحاد وأشهرهم دوکینز. تمثلت فی الحوار بین ماهر الدارس للشریعة الإسلامیة وبین الشاب الصحفي الملحد هشام، شملت آراء فکریة ودینیة مختلفة منها: حدود العقوبات في النظام الإسلامي، والرّق، والحساب والعقاب، إضافة إلی الرأسمالیة والشیوعیة. ورأي أشهر الملحدین بالمواضیع المجتمعیة الحساسة، کزنا المحارم، والغریزة الجنسية ودوافعها وعلاقتها بمفهوم الأخلاق وتعامل المجتمع الإسلامي معها ودفاع الملحدین عنها لیتوصل ماهر في نهایة النقاش أن هناك مفاهیم مغلوطة عن الإسلام یجب العمل علی تصحیحها من خلال مقارعة الحجة بالدلیل. فالإستماتة التي أبداها ماهر في الدفاع عن الدين ناتجة عن حب وإیمان واسترساله في دحض الشك بالیقین هو ما جعل هشام یراجع حساباته ویوقف سیل الأسئلة المتدفق من عقله لیطمئن قلبه.

أما من ناحية أدبیه فالنصوص اللغویة المقتبسة وسیل المعلومات أخذتا مساحة کافیة من الروایة، فهي لم تکن بالقدر الذي یشتت القارئ لأنها وُلدت من تتابع وتسلسل الأحداث، إلا أن اقحامها فی الروایه جعلني أشعر بالحاجة للتوقف عن القراءة حتی لا أُصاب بالملل. أیضاً خلو الروایه من الأحداث الدرامیه واکتفاء الکاتب بالسرد الدرامی لم یٶثر علی الروایة فهي کأي نص أدبي لا تخلو من عنصر التشویق الذي هو رکیزة أساسیة لکل عمل أدبي. حیث بدأ من منتصف الروایه إلی نهایتها کما في حکایة وعد وکریم وهشام وماهر. كما أن الشخصيات الثانوية كشخصية أحمد وريحانة وسعد لجأ الكاتب إليها ليوصل فكرته الأساسية إلا أنها لم تساهم أيضا في غياب الفكرة بل تدعيمها.

لیطمئن قلبي هي روایه تجمع بین الحب والإیمان من خلال الأحداث التي تتسلسل بطریقة درامیة مشوقة، تبدأ في الکشف عن مدخلاتها ومخرجاتها للقارئ بعد أن یلتقط أنفاسه، ففي کل قصة حکاية تدعوك لمواصلة القراءة لدرجة تجعلك مهیئاً للأحداث القادمة. وکما قالوا "إستفتِ قلبك قبل عقلك". فربما یقع الاختیار علی هذه الروایة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.