شعار قسم مدونات

عندما نفقد شغفنا بمن نحب!

blogs- couple

تقول إحداهنّ: لم يَعُد يُحبّني مثلما كان من قَبل! أين وعوده التّي كانت؟ لم أَعُد أملأ عينيه! أشكّ بأنّ في حياته غيري! بات يكرهني ويفكّر بأخرى! ويقول أحدهم: لماذا لم تعد تهتمّ بي مثل السّابق؟ هل فقدت ولعها بي؟ هل ملّتني؟ أم أنّ هناك ما يشغلها عنّي؟ كثيرًا ما نقابل أو نصادف هذه الأمثلة في حياتنا اليوميّة، سواءً كنّا نحن طرفًا فيها أو شاهدين عليها. يحدث أن نلتقي بأحدهم، ومن ثَمَّ تنشأ بيننا علاقة حبّ قويّة، لكن بعد فترة قصيرة يصيبنا الفتور ونفقد الاهتمام، نتساءل ما الخطأ الذّي حدث؟ ولا نعلم السّبب! وهذا لم يأتِ من فراغ. فمن يَمَلّكَ، هل يملّ دون سبب؟! أم هي فراغة عين ألمّت به فجأة؟ -وهذا لا يمنع أنّ هناك أُناس لا تملأ أعينهم قذيفة مدفع الفاتح- فالأمور تأتي تِباعًا، والملل دون غيره لا يهبط من السّماء؛ لكنّه يتملّكنا جزءًا فجزء ويملؤنا ركنًا بعد ركن، ولابدّ أن تكون له أسباب وكذلك مُقدّمات.

شريك حياتك الطّموح الذّي طالما ولابدّ أنّه حدّثك يومًا عن أحلامه، عن صفاتٍ تجذبه أرادك أن تتحلّى ببعضها، عن طريق تمشونه سويًّا، حدّثك عن أمور كثيرة أراد أن تشاركه إيّاها؛ وبعد كلّ هذا لم يجد منك إلَّا كلّ اهمال، تملؤك اللّامبالاة، وربّما قد يصل الأمر لتستهزء بكلامه أو تهزّ رأسك غير عابئ. فكلّ هذه الأفعال تسير بنا وتدفعنا دفعًا نحو الهاوية، نحو طريق مجهول نهايته معلومة، طريق يقتل كلّ المعاني والسّبل الجميلة التّي طالما حلمنا بها، يقتل بداخلنا الشّغف!

والشّغف يختلف عن الحُبّ، فالحبّ هو أوّل الطّرف، لهفة البدايات، أوّل نفس تستنشقه من عبير الورود، مقدمة مقال تحتاج لمحتوى قوي يدعمها، فالبدايات الجميلة في العلاقات ليست كل شيء؛ فالجمال يكمن في استمرارها ومحافظتها على رونقها. وهنا يأتي دور الشّغف، هو الجزء الذّي يكمّل النّقص ويجمّل العلاقات ويهبها النّجاح والاستمراريّة، هو من يحافظ على عبير الورود ليدوم أطول، هو المحتوى القويّ الذّي يدعم المقدّمة ليكتمل من ثمَّ الموضوع حتّى يختم بخاتمة تليق به -فاختم لنا بخاتمة السّعادة يا الله-، هو الجزء الذّي إن غاب حلّت محلّه الرّتابة والملل والضّجر وكثرة الأسئلة ويزيد عليها الخناق.
  

لنحافظ على شرارة الشّغف متّقدة علينا أن نسعى، فلا نرضى ونقنع بالبدايات الجميلة ونكتفي، لابدّ أن نُري أنفسنا من أنفسنا أوّلًا ومن ثمَّ الطّرف الآخر أخيرا، ولا نسمح بذبول العلاقة بل نشحذها على الدّوام

والشّغف إذا ما ذهب، تلحق به اللّهفة ممسكةً بطرفه تاركة العلاقات وسط منحنى خطر، قد يُطاح بها بسهولة، يذهب معه عمق العلاقات وما يقوّيها، يذهب بروحها ويُبقي الجسد متمدّدًا يملأ حيّزا من الفراغ الخارجي ويسكنه الخواء الدّاخلي. يذهب بكلّ ما هو نابع من الدّاخل ومن فرط الحبّ، لتحلّ محلّه تلك الأفعال المجبرين عليها، تلك التّي نؤدّيها خيفة الملامة والإحساس بالذّنب، كمن يحوّل العبادة من كونها طاعة إلى عادة لا روح فيها ولا خشوع. حين ينطفئ الشّغف يتبدّل الحال، كأنّه خراب حلّ بمدينة عامرة فتركها على أعقابها، كليْلٍ بهيم أطبق على ضوء الشّمس فأطفأها، كجسدٍ مُكتسيَ الحبّ يدفّئه فَيُنزَع عنه ويُترك عاريا يعاني قسوة البرد، كطفل صغير فقد حنان أمّه وهو لم يبلغ عامه الأوّل بعد، كمنْ ذاق السَّخطَ منْ بعد الرِّضى، أوْ كمنْ ارتشف مُرّ العلقم من بعد حلاوة العسل.

والمرأة هي الأكثر تأثرًا بهذا؛ كونها لا تملك خيارا آخر أو منعدمة الخيار في حالة الزواج تحديدًا؛ لأنّها لا تستطيع البحث عن بديل، لأنّها تخاف الفقد، وتخاف فقدان مكانتها لدى شريكها، وأن لا تكون الأقرب لعقله وقلبه والأجمل في عينيه. وربمّا يكون هو السّبب الرّئيسي بفقدان شغفها به، ورغم ذلك هي من تحمل الهمّ أكثر وتأخذ على عاتقها مسؤوليّة احياءه من جديد، ويدفعها لذلك إخلاصها في العلاقة وحبّها، وإنّ أكثر ما يؤلمها التّغيّر والبرود في العلاقة وجفاف المشاعر وقلّة الاهتمام واللّامبالاة.

ومن الوارد أيضًا أنّ فقدان الشغف لا يكون من ضمن أسبابه تقصير أحد الطّرفين في حقّ الآخر؛ وربّما قلّة الاهتمام لم تكن مقصودة، والانشغال عنّا ليس بالضرورة تغيّر في المشاعر؛ ولكن قد تجبرنا هموم الحياة والسّعي على الرّزق على ذلك ويعزّزا الفجوة بيننا. فشغف العلاقات هو موقدها ونورها الذّي يُبقيها مشتعلة وسط تقلّبات الحياة ومنعطفاتها، هو من يجعل العلاقات صامدة حينما يَجور عليها الزّمن ويمضي، ويجدّد الدم فيها ويبني على أعقابها الأسس ويقوّيها، يهبُ الحُبّ واللّذّة ويجعلنا ننتظر المزيد. 

لو لم يعد لديك المزيد (جديد)، فحتمًا سَيُمَلّ منك القديم لكثرة تكراره، كمنْ يرتدي ثوبًا جميلًا ولا يغيّره أبدًا؛ كونه يعجبه، بكل تأكيد سيذهب بريقه يومًا بعد يوم إلى أن يصبح عاديّا ومألوفا لدى الجميع ومنْ ثَمّ يمَلّونه. لو لم يكن لديك الدّافع لتطوّر من ذاتك، ستتخلّف كثيرًا، ستفوتك أمور جمّة، وستفقد شغف من يدعمك ويقوّيك، وتضع له ألف عذر ليبحث عن بديل، ألف ألف عذر ليخون، لينصرف نظره عنك، يبحث عمّا يشبع شغفه وما يرضيه، ستدفعه وتدفع نفسك لتسلكا طريقًا لن يرضيكما في نهاية المطاف؛ وتكون سببا في قتل الشغف بينكما نهائيًا وتصبح الحياة بعدها رتيبة ومملّة، مجرّد طقوس وعادات تؤدّى.

حافظا قدر المستطاع على بقاء الشّغف متّقدا بينكما من خلال تبادل الهدايا والعناق، واحترام الاختلاف.. امنحا بعضكما الأولويّة وإن كانت حياتكما مليئة بالعمل والالتزامات
حافظا قدر المستطاع على بقاء الشّغف متّقدا بينكما من خلال تبادل الهدايا والعناق، واحترام الاختلاف.. امنحا بعضكما الأولويّة وإن كانت حياتكما مليئة بالعمل والالتزامات
 

ولنحافظ على شرارة الشّغف متّقدة علينا أن نسعى، فلا نرضى ونقنع بالبدايات الجميلة ونكتفي، لابدّ أن نُري أنفسنا من أنفسنا أوّلًا ومن ثمَّ الطّرف الآخر أخيرا، ولا نسمح بذبول العلاقة بل نشحذها على الدّوام بما يقوّيها ويشعل شغفها، نجعل شريكنا دائم التّفكير فيما سيرى منّا في قادم الأيّام، نخلب عقله وكيانه حتّى لا يملّ ويذهب نظره بعيدًا عنّا -إلَّا إذا كان مريض القلب-.

وكلٌّ منّا يعلم جيدًا ما يريد الطّرف الآخر منه حتّى لا يفقد شغفه، منّا من تأسره الهمّة واليقظة، ومنّا من يخلب عقله العلِم ومن يبحث على الدّوام ليضيف إلى رصيده معلومة جديدة، ومنّا صاحب القضيّة التّي يعيش وينذر حياته لأجلها، ويطمَح ويبحث دائما عمّنْ يشاركه همّها، لا منْ يعيش لنفسه وأكثر ما يشغله متابعة أخبار المطربين والمشاهير أكثر من قضايا الأمّة ومِحنِها، ومنّا من يأسره الاهتمام بالمظهر، ومنّا المُحبّ للأفعال الجنونيّة. ومنّا من يقنع بأبسط الأفعال، فليس مطلوب منّا أن نأتي له بقطعة من السّماء لنبهره، من يحبّك لا يريد منّك نجاحات وانجازات مبهرة؛ لأنّ ذلك في الغالب قد يكون مجرّد إعجاب ومع الوقت يزول، من يحبّك تأسره طبيعتك ونجاحاتك الصّغيرة، هِمّتك، إخلاصك وسعيك قدر طاقتك لتحسّن وتطوّر من تلك العلاقة، رأفتك به وشهامتك واحتوائك له، وكلّ هذا لا يحتاج لجهد ولا مال بقدر ما يحتاج أن تضع الطّرف الآخر نُصب عينيك وتسعى أن تحافظ على شغفه قائمًا بك.

حافظا قدر المستطاع على بقاء الشّغف متّقدا بينكما من خلال تبادل الهدايا والعناق، واحترام الاختلاف.. امنحا بعضكما الأولويّة وإن كانت حياتكما مليئة بالعمل والالتزامات، اصغيا وتفهّما بعضكما فإنّكما أولى النّاس ببعض، تشاركا الأسرار، وكونا واقعيين في علاقتكما معا ولا تتوقّعاها مثاليّة كالأفلام والمسلسلات. وليس كما يُشاع أنّ العلاقات الطّويلة تفقد رونقها وبريقها على الدّوام، فلا يعود سحر الرّومنسية مسيطرًا على أجوائها، ربمّا هذا صحيح إلَّا أن أشكالًا مختلفة من الحبّ تظللها بالتأكيد؛ فالحبّ ينتقل من حالة إلى أخرى لذلك علينا ألَّا نتوقّف عن البحث عنه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.