شعار قسم مدونات

"فلسطين.. وواجبات المرحلة" (3).. الأيادي الخفيّة التّي دعمت الصّهيونيّة!

blogs إسرائيل

كنّا قد تحدثّنا في الحلقة السّابقة من هذه السّلسلة التّي كانت بعنوان "قوّة الصّهاينة المزعومة" عن دور روسيا القيصريّة وعلاقتها باليهود ودعمهم، عن "مشروع أوغندا"، عن قوّة الصّهاينة المزعومة، ووثيقة "مستقبل فلسطين". وسنتطرّق في هذه الحلقة للحديث عن: "هربرت صموئيل" كأول مندوب سام على فلسطين، مارك سايكس وصندوق استكشاف فلسطين، دخول أمريكا على خط الحرب العالميّة الأولى سنة 1917 ودورها في دعم الصّهيونيّة.

من هو "هربرت صموئيل"؟

هو وزير بريطاني يهودي صهيوني، كان رئيس مجلس الّتّجارة البريطاني، وكان من اليهود المندمجين في الحياة البريطانيّة، ويُعتبر أوّل وزير يهودي عالي المستوى هناك، أخبر "وايزمان" أنّ بريطانيا مستعدّة سياسيّا للمساعدة في تأسيس كيانا صهيونيّا في فلسطين، ولكن عندما سأل وايزمان فيما يفكّر؟ رأى أن طموحاته متواضعة لأنّ ما يخطّط له صموئيل أكبر وأهمّ، وهذا عكس المصادر الصّهيونية والعالميّة التّي بينّت أنّ الصّهاينة اليهوديّين أمثال "وايزمان" و"هرتزل" هم من فكّروا وأسّسوا كلّ ذلك وهذا غير صحيح.

التقى صموئيل اللّورد "ناثان روتشيلد" وهو بريطاني يهودي صهيوني من عائلة روتشيلد التّي تُعتبر من أثرياء اليهود في بريطانيا وفرنسا، وشرح له مشروع مستقبل فلسطين في فبراير 1915 بعد شهر من تقديم صموئيل وثيقة المشروع إلى الحكومة البريطانيّة. وفي عام 1920 أصبح "صموئيل" أوّل مندوب سامي بريطاني، وأخذ على كاهله تطبيق تصريح بلفور على أرض الواقع بالعديد من الاجراءات سيتمّ ذكرها لاحقًا.

هربرت صاموئيل (مواقع التواصل)
هربرت صاموئيل (مواقع التواصل)
مارك سايكس وصندوق استكشاف فلسطين:

قال "أرثر بلفور" لوايزمان في أحد اللّقاءات سنة 1916: "عندما يسكت صوت البنادق سيكون بإمكانكم الحصول على القدس" وبالتّالي أصبح الحديث جدّيّا وليس مجرّد رسائل. كنّا قد ذكرنا أنّ "صموئيل" قدّم للبريطانيّين وثيقة سرّية بعنوان "مستقبل فلسطين"، ولكن لمن قدّم هذه الرّسالة؟ قدّمها إلى رئيس الوزراء البريطاني "أسكويث" سنة 1915، ولكن "أسكويث" لم يهتمّ بأن يخرج تصريح بلفوري؛ فقد كانت بريطانيا لا تغيب عنها الشّمس إمبراطوريّة تحتلّ ربع العالم.

ولاحقا حلّ محلّه وفورا بعد التّغيير الوزاري "لويد جورج" رئيسا للوزراء الذّي أزاح أسكويث بمؤامرة في ديسمبر 1916، فقام بتعيين "مارك سايكس" وهو مهندس اتفاقيّة "سايكس بيكو" والذّي كان سياسيّا ماهرا، فأصدر "جورج" قراراُ بترقيته ليصبح سكريتيرا لحكومة الحرب، وكلّفه بإدارة شؤون الشّرق الأوسط ومسؤوليّة التعرّف على قادة الصّهاينة واللّقاء بهم.

التقى مباشرة في يناير 1917 "وايزمان" و"ناحوم سوكولو" وآخرين من القياديّين الصّهاينة المتواجدين في بريطانيا آنذاك، وبعد ذلك أصبحت هناك لقاءات ماراثونية بين"سايكس" والحركة الصّهيونيّة التّي تضّم كلّ من رئيس الوزراء "لويد جورج"، وزير الخارجيّة "آرثر بلفور" والوزير "هربرت صموئيل".

وقد سبق لمارك سايكس أن زار فلسطين عدّة مرّات، لأنّه كان جزءا من صندوق استكشاف فلسطين"The Palestine Exploration Fund" وهذا الصندوق أُسّس سنة 1860، وقام بعدّة أبحاث استكشافيّة جغرافيّة وأثريّة، لكن كان هدفها الحقيقيّ هو جمع المعلومات عن فلسطين، لذلك لم يكن "مارك سايكس" من الأشخاص البعيدين عن معرفة فلسطين، وكان يهتمّ كثيرا بأن يلتقي "ناحول سوكولو" وهو قيادي صهيوني مخضرم، فلم يكن أقلّ أهمّيّة من "وايزمان" في تلك الفترة، ولذلك كان يلتقي كلّ من "سوكولو" مع "مارك سايكس" و"وايزمان" مع "روتشيلد" الذّي توفّي بعد شهر من لقاء ّهربرت صموئيلّ معه، وصار ابنه هو البارون ليونارد روتشيلد الذي سيكون له دورا مهمّا في قضيّتنا لاحقا، وكانت هذه اللّقاءات تتمّ عند "موسيس كاسترد" في منزله حينذاك.

تصريح بلفور وليس وعد بلفور وكلمة" PROMISE" أي وعد لم ترِد في التّصريح. لأنّ الوعد فيه التزام ولكنّ البريطانيّون كانوا أحذق وأذكى سياسيّا ولغويّا من استخدام كلمة وعد

وقد كان "ناحوم سوكولو" السكرتير العام للمجلس الصّهيوني العالمي، سافر مع "مارك سايكس" إلى فرنسا وإيطاليا في شهري أبريل ومايو 1917 وكان الهدف من ورائها إقناع الدّولتين أنّه من مصلحة فلسطين والصّهيونية والحلفاء أن تكون بريطانيا منتدبة على فلسطين ولا أحد غيرها ولا اتّفاقية "سايكس بيكو"، حتّى تستطيع الصّهيونيّة إنشاء وطن قومي لها هناك. أثناء تلك السّفريات، لم تكن الصّهيونية هي التّي ذهبت تقنع أوروبا بل بريطانيا من أخذت الصّهيونية من يدها إلى الحلفاء.

ماذا استفادت الصّهيونيّة من تلك اللقاءات؟ وما علاقة فرنسا والدّول الاستعماريّة بتصريح بلفور؟

قد استفادت الصّهيونيّة من دعم الفاتيكان لها شفهيّا؛ ذلك أنّ الفاتيكان كان على علاقة وثيقة بفلسطين ومسيطر على العديد من الأماكن المسيحيّة المقدّسة فيها. ونتيجة لعلاقات مارك سايكس الممتازة مع الفرنسيّين، فقد رتّب لسوكولو لقاءً مع رئيس الوزراء الفرنسي "ألكساندر ريبوت"، وآخر مع مستشاره "جولس كامبون" وهو رئيس القسم السّياسي. وكان اليهود والبريطانيّون يحاولون شراء مستوطنات وأراضي بمساعدة فرنسيّة، ورسميّا كانت فلسطين تحت الحكم العثماني، ففرنسا لم تنس أنّه كان هناك مبادرة في عهد نابليون لدعم الصّهيونيّة سياسيّا سنة 1799 في إطار التّنافس والتّحالف مع بريطانيا فأخرج تصريحا بلفوريّا ف يشهر يونيو 1917 متمثّلا في رسالة كامبون.

رسالة كامبون:

خرجت كرسالة تعاطف مع الصّهاينة وقليل جدّا من المصادر التّاريخيّة التّي تذكرها، هذه الرّسالة موجّهة من الدبلوماسي الفرنسي "جولس كامبون" إلى القيادي الصّهيوني "ناحوم سوكولو" بالفرنسيّة بتاريخ 4/6/1917 ونصّها:

من يتخيّل أنّ تصريح بلفور كان بريطانيّا خالصا فهذا من الأخطاء الشّائعة التّي أقنعونا بها عمدا، بل كان الفرنسيّون والطّليان والأمريكان شركاء في ذلك
من يتخيّل أنّ تصريح بلفور كان بريطانيّا خالصا فهذا من الأخطاء الشّائعة التّي أقنعونا بها عمدا، بل كان الفرنسيّون والطّليان والأمريكان شركاء في ذلك

"لقد قدّمت بشكل جيّد مشروعك الذّي كرّست جهودك له، وهو بهدف تطوير استعمار يهودي في فلسطين مع تحقيق الظّروف والسّماح باستقلاليّة وحماية الأماكن المقدّسة، سيكون من العدل المساعدة مع حماية من قوى الحلفاء باسترجاع وطن لليهود في الأرض التّي أخرج منها شعب إسرائيل منذ قرون عدّة ماضية، إنّ الحكومة الفرنسيّة التّي دخلت الحرب الحاليّة للدّفاع عن شعب هوجم ظلما والتي ما زالت تصارع لضمان النّصر للحقّ فوق القوّة لا تستطيع إلّا التّعاطف مع قضيّتكم لذا يسعدني أن أقدّم لك هذا التأكيد".

ومن يتخيّل أنّ تصريح بلفور كان بريطانيّا خالصا فهذا من الأخطاء الشّائعة التّي أقنعونا بها عمدا، بل كان الفرنسيّون والطّليان والأمريكان شركاء في ذلك بنصّ هذه الرّسالة، وبالتّالي فإنّ المؤرّخين كثيرا ما كانوا يحاولون تهميش هذه الرّسالة، والصّهاينة أنفسهم لا يذكرونها ويريدون أن ينسى العالم والتّاريخ وثيقة "كامبون". فقد كانت الحركة الصّهيونيّة تحاول رسم القضيّة على أنّها نتيجة الضغط الصّهيونيّ على بريطانيا وهذا غير صحيح لأنّ التّصريح كان بمثابة عمل مشترك بين كل القوى الاستعماريّة باستخدام الصّهيونيّة كرأس حربة لاستعمار فلسطين.

ملاحظة:

هو تصريح بلفور وليس وعد بلفور وكلمة" PROMISE" أي وعد لم ترِد في التّصريح. لأنّ الوعد فيه التزام ولكنّ البريطانيّون كانوا أحذق وأذكى سياسيّا ولغويّا من استخدام كلمة وعد لذلك استعملوا كلمة تصريح.

دخول أمريكا على خط الحرب العالميّة الأولى 1917 ودورها في دعم الصّهيونيّة:

في فترة 1917 خلال الحرب العالميّة الأولى كان هناك حدث مهمّ وهو دخول أمريكا على خطّ الحرب. "آرثر بلفور" الذّي كان في سنة 1903 رئيسا للوزراء بعدها وزيرا للخارجيّة البريطانيّة في 1917، كان قد التحق بالحركة الصّهيونيّة فعليّا، فذهب في أبريل 1917 في زيارة رسميّة مدّتها شهرا كاملا إلى أمريكا بعدما قرّرت هذه الأخيرة الدّخول كشريك وطرف في الحرب العالميّة الأولى إلى جانب الحلفاء (إيطاليا، فرنسا وبريطانيا) وهناك التقى "لويس برانديز" وهو محام يهودي صهيوني وكان رئيس الحركة الصّهيونيّة في أمريكا، والذّي أكّد لبلفور أنّ يهود أمريكا تدعم الصّهيونيّة، وكان هذا كذبا لأنّ الغالبيّة العظمى من يهود أمريكا لم تكن مع الصّهيونيّة لكن "برانديز" كان على علاقة وثيقة مع الرّئيس الأمريكي وقتها "ويدرا ولسون" وكان مقرّبا منه، وقد كان داعما للصّهيونيّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.