شعار قسم مدونات

فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

blogs صداقة

تمر بالإنسان بعض الأحيان الآلام والمتاعب، وتغتاله الهموم والحسرات، لأن الحياة من طبيعتها النكد والتعب والهم والحسرة، فلا راحة فيها دائمة كما أنه لا تعب فيها دائم، فمن تجده مرتاحًا تارة، يغلبه الضيق تارة أخرى، والإنسان معرض لكل ذلك، وربما تظهر عليه آثار ذلك التعب والهم أحيانا، لأسباب متعددة، إما لديون أرهقته، أو مرض أتعبه، أو فراق أرقه، أو موت حبيب أو قريب، أو بسبب ما يشاهده ويعيشه من تدهور للأوضاع، وانتشار للقتل والتدمير والتشريد هنا وهناك، فترى الهم يسيطر عليه، وتعلوه الحسرة، وتلاحقه الكآبة، وتضيق عليه نفسه، وتضيق عليه الدنيا بما رحبت، وتبلغ القلوب الحناجر، ويحس كأنما أطبقت السماء عليه ولا مفر ولا منجى ولا طريق أمامه، فالأبواب موصدة والطرق منعدمة.

ولا علاج لمثل هذا إلا أن يطرق باب الكريم المتعال، وأن يعتكف على عتبات الفتاح الوهاب، وأن يكرر الطرق، ويلح في الدعاء، ويتفنن في العرض، ويحسن الظن بالله، ويحضر القلب بين يديه، ويرفع الأكف إليه، فلا ملجأ من الله إلا إليه، فالله الرحيم يستحي إن رفعت إليه الأيدي أن يردهما صفرا خائبتين، كما أن الاستغفار سبب عظيم من الأسباب الجالبة للسعادة والطاردة للهم والكآبة.

وفي مثل هذه الحالة فإن الإنسان بحاجة لمن يخفف عنه همه، أو يقضي دينه، أو ينفس كربه، وليس بعد الدعاء من حل إلا أخ صالح يقف إلى جوارك، تعتمد عليه إن ألمت بك مصيبة، أو حلت بك رزية، يتفقد حالك، ويخفف من آلامك وأحزانك، يشاركك الهم، ويدفع عنك الأسى، وهذه الأعمال من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، لأنها عبادات متعدية يعم خيرها وينتفع الناس بها على خلاف العبادات الخاصة (والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) بل إن تنفيس الكرب من أجل القرب، وثمرته تنفيس كربة أشد من كربة الدنيا إنها كربة الآخرة (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).

إن لم تجد شيئا تقدمه، أو لم تستطع دفع بلاء أو ضرر عن صاحبك، فلا أفضل من كلمة طيبة، أو ابتسامة مشرقة، تمتص بهما أحزانه، وتدخل بهما السرور عليه، والكلمة الطيبة صدقة

ومن فوائده أنك تملك قلب من تحسن إليه، فكل نفس سليمة، وطبع قويم لا يمكن إلا أن يكن كل الحب والاحترام والتقدير، لمن أسدى إليه معروفا، أو خفف عنه كربا، أو قضى عنه دينا، أو حل له مشكلة، ولا يمكن أن ينسى ذلك، خاصة إن شعر أن همه همك ومصابه مصابك.

ولقد أحسن من قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم
فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ
يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له
على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً
إليه والمالُ للإنسان فتّانُ.

بل تأكد أنك بعملك هذا تقي نفسك من المهالك، وتحرس نفسك به من المصائب، فهو كنز وفير وحصن منيع وسد عظيم لأن (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) وتدخل السرور على قلب صاحبها، وتورثه الرضى والاطمئنان بما يقدمه من عمل صالح، ويجد بذلك رضى الله تعالى أولا، لأن ذلك من أحب الأعمال إلى الله، وأفضلها في ميزان الحسنات.

وإن لم تجد شيئا تقدمه، أو لم تستطع دفع بلاء أو ضرر عن صاحبك، فلا أفضل من كلمة طيبة، أو ابتسامة مشرقة، تمتص بهما أحزانه، وتدخل بهما السرور عليه، والكلمة الطيبة صدقة" ولقد كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم دائم الابتسامة كما يقول عنه جرير بن عبدالله البجلي: (ولا لقيته إلا ابتسم في وجهي).

فكونوا إلى جوار إخوانكم، خففوا عنهم من آلامهم وأحزانهم، وأشعروهم بقربكم، ولقد أحسن المتنبي يوم أن قال:

لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مال.. فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.