شعار قسم مدونات

مذكّرات يوم عادي

blogs اكتئاب

مرحبًا، إنها الثانية عشرة ظهرًا وثلاث دقائق كما تشير ساعة حاسوبي الماك. أجلسُ بين الأوراق في مكتبٍ مساحته ثلاثة بأربعة أمتار. أصوات آلات الحفر في المشروع الذي تشرفُ عليه شركتنا تنخر عصبي السابع، والغبار يستوطنُ المكان، ورغم أنّ من المفترض لهذا اليومِ أن يكون شتويّا جميلًا إلا أنّه صيفيّ يكتم النفس، وليس ثمّة نسمة من الهواء تتلطّف بحاجة الروحِ إلى ما يُحرّكها. 

مرحبًا مجدّدًا، إنها الثانية عشرة وخمس دقائق كما تشير نفس الساعة. أخذتُ أفكّر صباحًا في كلّ الاحتمالات الممكنة/المستحيلة لهذا اليوم، والتي يمكن أن يُضاف بها إلى الأيّام القليلة المميّزة في حياتي. إنه أحدٌ آخر، ويشير التقويم إلى أنه الخامس من آذار. تحسّبًا لأي حدَث.

هل مررتَ بتلك الأيام؟ حين تستيقظ صباحًا فتشعر بنعاس غريب يغشى عينيك، رغم أنّ ساعات نومك كانت كافية بالفعل؟ هل شعرت وأنت تفتحُ جفنيْك بأن النّوم يشدّهما كثقّالة عُلّقت في طرف عينيْك اللتان ترفضان الاستيقاظ هما أيضًا، يشدّهما بشكلٍ خارج عن إرادتك ويسحبك كي تنغلق معهما على نفسك بوضعيّة الجنين؟ لقد شعرتُ بكلّ ذلك في هذا الصباح!

 

الأفكار، الأفكار الموغلة بالغرابة تشغل حيّزا كبيرًا وحقيقيّا من صباحاتي كلّ يوم، ولا تخطر لي فحسب بينما أقترف الكتابة. لك أن تتخيّل أنني وقبل أن أنهض فكّرتُ فعليّا بكل أنواع الأشياء، وبالتالي، لقد تأخّرتُ -كما قدْ تتوقّع- عن اللحاق بركبِ الحياة.

أبحث عن سببٍ منطقيّ لهذا، فلا أجد. يقولون بأنّ الأشخاص الذين يُكثرون من النّوم هم أشخاص يرغبون عميقًا بالهرب من الواقع، لحظة، "الهرب من الواقع"؟ لمَ تطرقُ تلك العبارة ذهني مجدًدا بهذا الزخم؟ أذكر أنها وجدت طريقها بالأمس إلى حديثنا أنا وصديقتي وعلى لساني أيضًا، وحينها ردّت عليّ بأسلوب تراجيديّ غريب: "غيرُ صحيح، الذي يريد الهربَ من الواقع هو أكثر من يجيد النومُ الهربَ منه!" وافقتُها بشدّة وقتَها، ثم طلبتُ منها برجاءٍ أن تغيّر الموضوع، لأنّه الصباح، وهذه الأحاديث مضرّة جدًا في هذا التوقيت…

يا إلهي! ما الذي أنتظرُه من يومٍ بدأ بهذه الطريقة؟ 

12:17 
الأفكار، الأفكار الموغلة بالغرابة تشغل حيّزا كبيرًا وحقيقيّا من صباحاتي كلّ يوم، ولا تخطر لي فحسب بينما أقترف الكتابة. لك أن تتخيّل أنني وقبل أن أنهض فكّرتُ فعليّا بكل أنواع الأشياء، وبالتالي، لقد تأخّرتُ -كما قدْ تتوقّع- عن اللحاق بركبِ الحياة.

حين أعود في ذاكرتي إلى الوراء أذكر أنّ خاطرًا غريبًا ألحّ علي في الأمس وجعلني أشعر بأنني سأتأخر، لم أُلق له بالًا، ولكنّني جهّزت حقيبتي وثيابي بالفعل تحسّبا لحدوث ذلك، رتّبتُ كل شيء حتى لا يشكّل تأخري مسألة كبيرة. وللمفارقة، كنتُ قد جهّزت ثيابا جديدة لأرتديها اليوم، ولكنّني لسببٍ غير واضح قررتُ حين وقفتُ أمام المرآة أنّ هذا اليوم الغائم -بالنسبة لي لا للعالم- لا يليق به أن أرتدي ثيابا جديدة. توجّهت بتلقائية نحو خزانتي وأخرجت ثيابا معتادة، ارتديتها سريعا، وكيفما اتّفق.

12:25 
خلال الطريق كان الازدحام مقيتًا بشكلٍ يصعبُ تخيّلُه، بشكلٍ يقتل كلّ الاحتمالات الممكنة لأيّ حدث يبعث على البهجة، أحملق من نافذتي في الشارع المزدحم وكأنّني أراقب لوحةً زيتيّة عن كثب، فلا أرى تلك الشوارع إلا مقطعا مكبّرا من شراييني، والسياراتُ دمي الذي يغصّ بتلك الممرّات الضيّقة، ليسَ ثّمّةَ ابتسامة واحدة تلطّف الأجواء وتخفّف من وطأةَ هذا الدبيب، الوضع يزداد سوءًا. على نحوٍ مرير كنت أعلم أنّ هذا الازدحامَ ليس جديدًا، لا شيء قد تغيرّ اليوم، ولكنّني كنت قد التفتُّ للمشهد من هذه الزاوية لأول مرة، وكان هذا هو الجديد!

لقد ضجرت، ضجرت لأول مرة، إلى الحدّ الذي ظللتُ صامتةً معه طوال الطريق، أنا التي لا تضع لسانها في حلقِها ولا تكفّ عن قول الملاحظات حول المارّة والباعة المتجوليْن و كيف تبدو الأشجار اليوم.. 

12:37
وصلتُ مكتبي، وأنهيتُ أعمالًا كثيرة.. لا أقصد بالكثيرة المعنى المُرهق، ولكن المعنى الذي يجعلك تشغل وقتَك كاملًا وتشرد عن قهوتك التي تحبّ أن تشربها ساخنة في العادة، حسنًا لم يكن هذا سيئًا، على العكس أفكّر الآن بأنّه لسوء الحظّ أنهيتُ أعمالي مبكّرا. أخشى أن أقع مجدّدا فريسةَ الفراغ وبالتالي فريسة الاحتمالات التي لن تحدث، كنت قد قرأت في مكانٍ: "يكشف الفراغ أيّ نوعٍ من الناس نحن"، وهذا صحيح، صحيح إلى درجةٍ تخيفني كثيرًا. ترى: أيّ نوعٍ من الناس نحن؟ أخشى أن أكتشف "رَغدًا" أخرى غير التي اعتدتُ على تواجدها من خلال هذا الثقب الأسود/الفراغ الذي يهمّ بابتلاعي دونما هوادة.. 

الساعة الآن الواحدة وعشرة دقائق ظهرًا، ليس هذا ما كان ينبغي عليّ أن أفعله في يوم تشرقُ فيه الشمس بهذه الطريقة الرائعة. سأنهض من نوْمي الآن بشكلٍ حقيقيّ، وحالما أصل بيتي سأحاول جاهدةً أن أخرج مجددًا إلى مكانٍ ما لاستنشاق هواءٍ نظيف.

12:43
أتساءَلُ في هذه اللحظة، كم شخصًا في العالم يشاركني هذا اليومَ الرّوتيني الخالي من الأحداث بصورةٍ حزينة وكئيبة؟ كم شخصًا استيقظ صباحا وشعر بذات الثقل وهو يشدّ جفنيه إلى الأسفل، هل كنتُ الوحيدة التي شعرتْ وهي تلمسُ بقدميها الأرض عندما نهضتْ من سريرها بأن شعرها الذي نزل على كتفيْها في تلك اللحظة كان ثقيلًا ويصعبُ حملُه؟ بالطبع لا. قد يبدو هذا النّص ضياعًا نحو البعض، وعبثًا نحو البعض الآخر، وقد لا يُنشرُ أساسًا لخلوّه من المحتوى، لكن قبل أن تطلق أحكامك على نصّي الذي كُتب في ساعة تقريبًا، أذكّرك، كما أرغبُ بشدّةٍ في تذكير نفسي: هذا العبث هو حياتُنا. حياتنا هي ما تمرّ بهذا الشكل المفرط في العدَميّة دون أن نتحرّك لنفعل أيّ شيء، أو نشعرَ بأنّ ما نمرّ به يوميّا يشكّل خسارةً فادحة لنا، ولفكرةِ الحياة. 

الساعة الآن الواحدة وعشرة دقائق ظهرًا، ليس هذا ما كان ينبغي عليّ أن أفعله في يوم تشرقُ فيه الشمس بهذه الطريقة الرائعة. سأنهض من نوْمي الآن بشكلٍ حقيقيّ، وحالما أصل بيتي سأحاول جاهدةً أن أخرج مجددًا إلى مكانٍ ما لاستنشاق هواءٍ نظيف، ولكن بثيابي الجديدة، سأعمل بجدّ على صنع الأحداث التي لم تصنعْ نفسَها… بنفسي. تذكّروا هذا اليوم: إنّه الخامس من آذار، يوم مميّز في حياتي…. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.