كما وصف الكاتب حياة الشباب الفلسطيني داخل أزقة المخيم، وما كان يعانيه من مخاوف وظلم وفقر في تلك الفترة العصيبة. أحداث الرواية تجعلنا نظن للوهلة الأولى أن كل ما يجري هو حقائق مؤكدة، وقد حدثت بالفعل، دون الإفصاح عنها، فيما تدفع القارئ للقول بينه وبين نفسه، (و من يدري؟ لعل ما خفي كان أعظم).
لكن ما نوه به الكاتب في بداية روايته: (أن غزة التى على الورق، ليست كتلك التي على الأرض، وكذلك المدن الأخرى وشخوص هذه الرواية، والأحداث والوقائع أيضا. وأي تشابه يجمع ما على الورق ومن هم على الأرض؛ إنما هو مجرد صدفة ليس إلا)، ذلك التنويه يجعلنا نعود إلى أرض الواقع، لكنه لا يخفى على الجميع واقع قطاع غزة الصعب، فنحن لا نزال في صراع أزلي مع إسرائيل، والحكاية لم تنته بعد، كما ختم الكاتب روايته، (فالأحداث والوقائع مستمرة بها نحو الموت).
لم تنته الحكاية بعد، لكن الذي انتهى هو حقبة سوداوية خسر فيها المواطن الفلسطيني نفسه، ليغرق في حقبة أخرى أشد ظلاماً وعتمة. وغزة ما زالت مستمرة في الغرق، ورغم اشتعال شرارة الانتفاضة، إلا أن غزة ظلت تمارس رغباتها في وضح النهار.
وتعتبر رواية غزة (87) للكاتب يسري الغول، أحد أهم كُتاب القصة القصيرة في فلسطين، حاصل على ماجستير دراسات الشرق الأوسط من جامعة الأزهر بغزة، وصدر له العديد من الأعمال الأدبية أهمها: خمسون ليلة وليلى، و الموتى يبعثون في غزة، وقبل الموت وبعد الجنون، وعلى موتها أغني، وترجمت له عدة قصص إلى اللغة الإنجليزية والإيطالية والتركية، ونشر في العديد من الصحف والمجلات الدولية والعربية، وشارك في العديد من المؤتمرات والبرامج الدولية فيما يختص بمجال حقوق الإنسان والديموقراطية وتعدد الحوارات والثقافات، ومؤسس تجمع قرطبة الثقافي، أحد أهم الصروح الثقافية في قطاع غزة، ومؤسس محور غزة بتجمع المشّكلين الدوليين المنبثق عن منتدى الاقتصاد العالمي دافوس.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.