شعار قسم مدونات

ومن العلم.. قيوداً لحرية المرأة

blogs - women

كنت أتبادل أطراف الحديث مع طبيبٍ حول بعض القضايا الاجتماعية أخبرني في سياق حديثنا أن زوجته غير حاصلة على شهادة جامعية ولم تأت هذه الحادثة في حياته بمحض الصدفة فكان هذا شرطا أساسيا للارتباط بأي امرآة.. أن تكون زوجته المستقبلية غير جامعية، حتى لا تطالب بحق العمل فيما بعد، فهو يعتنق نظرية (أنه لا يحق للمرآة العمل إطلاقا كونها أصبحت أم وزوجة) علما أن هذا الطبيب أكمل دراسته الجامعية في بلد أوروبي.. وقضى معظم حياته خارج البلاد..
 

لكن هذا لن يغير من ثقافته الشرقية شيئا والتي يتبعها كثير من الرجال الشرقيين.. وهي النظرة السلبية لحرية وحقوق المرأة، حيث أن حديث هذا الطبيب أصابني بالدهشة.. فكنت اعتقد تقييد حرية المرأة يعتنقها فئة الشباب الذي يعيش في مجتمع شرقي مغلق ولم يتعرف على ثقافات المجتمعات الأخرى. أو فئة الشباب غير المتعلمين، لكن هذا الطبيب رغم علمه ومعرفته لثقافات أخرى لم يطرأ أي تغيير على أيدولوجيته، غير أن مبرراته حول ما يعتنقه من نظرية ضد عمل المرأة لا تقتصر فقط على كونها أم، وعليها الاعتناء بأطفالها وبيتها فحسب، فقد أردف حديثه قائلا أنه يخشى من أن تضعه زوجته في مقارنة مع زملاء عملها في حال لو كانت سيدة عاملة، وهذا ربما يتعدى حدود كثيرة قد تصل إلى الخيانة.

لم أكن اتصور أن يصل خيال هذا الطبيب الشاب إلى هذا الحد، حتى لو تأثر بقصص واقعية قد حدثت بالفعل، استعجب لأمره أن يجعل هذه القصص مقياسا لكل شيء، وفى نهاية حديثنا أخبرني ساخرا أنه ينصح جميع أصدقائه وزملائه بعدم الارتباط بفتاة جامعية.. وعليهم أن يختاروا مجرد زوجة لإنجاب الأطفال ورعايتهم فقط دون المطالبة بأي حق من حقوقها.
 

إن الرجل الشرقي هو أكثر الرجال خوفاً من الارتباط بالمرأة الحرة المستقلة، وذلك يعود إلى الثقافة الذكورية في المجتمعات العربية، وكذا العادات والتقاليد، وربما في كثير من الأحيان التشريعات الدينية الخاطئة التي تعزز تميز الذكور من مدخل القوامة.

هذا الموقف جعلني أفكر بفئة أخرى من الرجال في المجتمع الشرقي، وهم من لديهم نظرية تتنافى مع نظرية الطبيب. فكثير منهم حين يفكر بالزواج وتكوين أسرة. يشترط أن تكون زوجته حاصلة على شهادة جامعية حتى تساعده في المصروف والإنفاق، وقد يرتبط بامرأة هي موظفة بالفعل حتى يضمن ذلك.

معظم اختلاف وجهات النظر والآراء عند الرجل الشرقي، تختلف باختلاف ظروفه، وليست نابعة عن تحليل منطقي وسليم، خاصة تلك الأمور المتعلقة بحرية وحقوق المرأة. فالطبيب ضد عمل المرأة نظرا لقصص قد تعايش معها. والأخر مع عمل المرأة نظرا للظروف المعيشية الصعبة فهو يراها سندا وعونا له. 

ولم ينظر تماما إلى حقوق وحرية المرأة من جانب ديني وشرعي أو من منظور وتحليل منطقي. وحول الارتباط بامرأة متعلمة ومثقفة، أكَّدت دراسة أجراها مؤخراً خبراء شؤون الأسرة في فرنسا أن الرجل أصبح لا يميل إلى الزواج من المرأة المثقفة، ويفضل الارتباط بالمرأة محدودة الذكاء، التي تترك له مساحة من الحريَّة، ولا تحسب عليه كل حركة أو تصرف أو سلوك.

وأرجعت الدراسة -التي أجريت على أكثر من 500 رجل من مختلف المستويات الاجتماعية، ومعظمهم في سن الزواج- السبب في انتشار ظاهرة ميل الرجل إلى الارتباط بالمرأة الأقل ذكاء إلى أن الرجل العصري ما زال يعتنق نفس الآراء والمعتقدات التي كانت لدى أجداده، الذين كانوا يفضلون المرأة العادية، ويرفضون تماماً الارتباط بالمرأة الذكيَّة.

اليوم أصبحت المرأة الذكية تمثل خوفاً ومصدر قلق للرجل، فبعد أن تصدرت المشهد ونافست حضوره ووجوده، وأصبح الرجل يفكر ألف مرة قبل الارتباط بامرأة ناجحة وذكية، وفي أغلب الأحيان يفضل الارتباط بامرأة عادية فقط، مما يثير الدهشة أن رجالاً واعين ومثقفين وواجهات اجتماعية وسياسية أصبحوا يحملون هذا الخوف، وتختفي مدنيتهم وعقلياتهم المنفتحة والواعية عند اختيار شريكات حياتهم، فتخيفهم المرأة المستقلة الذكية، وثبتت في أذهان الرجال أن المرأة منتقصة الحقوق يجب أن تنطوي تحت جناح رجل مهما كانت أخطاؤه وسيئاته، فهو الأهم، ومع التحرر الإنساني وظهور حركات مناهضة لما تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا الشرقية بدأت المرأة بانتزاع حقوقها والحرص على التمسك باستقلاليتها؛ لذلك نجد أن معظم الرجال يفضل المرأة غير المستقلة والخاضعة لرغبات مجتمعنا الشرقي، فمهما حدث ستبقى تحت رحمته.

وأعتقد أن الرجل الشرقي هو أكثر الرجال خوفاً من الارتباط بالمرأة الحرة المستقلة، وذلك يعود إلى الثقافة الذكورية في المجتمعات العربية، وكذا العادات والتقاليد، وربما في كثير من الأحيان التشريعات الدينية الخاطئة التي تعزز تميز الذكور من مدخل القوامة، وتضيف أنه ليس بالضرورة أن يكون خوفه لأن المرآة قد تكون أكثر نجاحاً منه، فالمرأة العربية ستجدها مثلاً إذا تقلدت منصباً معيناً تبذل فيه قصارى الجهد لكي تثبت للجميع أنها على قدر المسؤولية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.