كيف تساعدين طفلك على مواجهة قلق الكوارث؟

السكان يهروب إلى الخيام خوفا من المنازل المتصدعة شمال سوريا
القلق الناجم عن الكوارث يصيب الجميع لكنه قد يصبح أكثر حدة في نتائجه عند الأطفال (الجزيرة)

"ماما ..هل سيباغتنا الموت مثل هؤلاء"؟ كان السؤال مباغتا لأميرة ذات الـ35 عاما، التي جلست تتابع الأحداث المأساوية في المغرب عقب الزلزال الذي ضربها، ثم بعدها بأيام كانت في انتظارها مأساة أخرى في ليبيا عقب إعصار دانيال المدمر، الذي ضرب مدينة درنة الساحلية.

لم تتوقع أميرة أن طفلها ذا السنوات التسع يتملكه الخوف من الموت المفاجئ في زلزال أو إعصار. فالسؤال الذي طرحه طفلها الأصغر خلال الكوارث الأخيرة، ذكّرها بقلقها إبان الظهور الأول لفيروس كورونا، حيث ظنت حينها أنها نهاية العالم، لكنه لم ينته رغم وفاة والدها متأثرا بمضاعفات الفيروس، ومنذ ذلك الحين عاش طفلها هواجس القلق الذي لا ينتهي مع كل كارثة.

الأطفال أكثر تضررا بقلق ما بعد الكارثة

على عكس البالغين، فإن الأطفال لديهم القليل من الخبرة لتساعدهم على وضع مشكلاتهم الحالية في منظورها الصحيح. وتختلف استجابة كل طفل عن الآخر في استيعاب الكارثة وحجمها، حسب فهمه ونضجه.

وفي مقال نشره موقع الجمعية الوطنية الأميركية للصحة العقلية، فإن كثيرا من الأطفال قد يفسرون الكارثة على أنها خطر شخصي لهم وللمقربين منهم، ومهما كان عمر الطفل، أو علاقته بالأضرار الناجمة عن الكارثة، فمن المهم أن يُتحدّث معه بشأن أفكاره عن الكارثة، وعدم التهوين منها أو الاستخفاف بها.

القلق الناجم عن الكوارث يصيب الجميع، لكنه قد يصبح أكثر حدة عند الأطفال، وتقول الدكتورة مي عيسى، أستاذ طب نفسي الأطفال بجامعة عين شمس للجزيرة نت، "إن حدة السلوك المرتبطة بالقلق؛ مثل: التبول في الفراش أو مصّ الإبهام، أو الخوف من النوم منفردا، قد تعاود ظهورها المفاجئ، حتى بعد زوال السبب المباشر للقلق، لكن بعض الأمور تبقى كامنة، حتى تأتي كارثة أخرى ربما تكون بعيدة كل البعد، بيد أنها تتسبب في معاودة مظاهر القلق مرة أخرى".

الأطفال لديهم القليل من الخبرة لتساعدهم على وضع مشكلاتهم الحالية في منظورها الصحيح (شترستوك)

علامات قلق الكوارث لدى الأطفال

تختلف علامات القلق من الكوارث في سن ما قبل المدرسة عما بعدها، وتقسم الدكتورة مي تلك المرحلة حسب سلوك الطفل نفسه، وتقول، "مظاهر القلق الأكثر شيوعا لدى طفل ما قبل المدرسة هي تلك التي ذكرناها سابقا، وهذا الطفل يحتاج للمزيد من التلامس الجسدي مع الأم، ليشعر بالأمان، كما يجب أن تبقى على تواصل دائم معه، من خلال الألعاب والحديث معه حول الكارثة ومفهومها لديه، والمشاهد التي أثرت فيه، والحرص على الإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها الصغير؛ لأن ذلك يوفر له الأمان".

الأطفال في سن المدرسة

قد يتأثر أحد الوالدين بكارثة ما، مثل فقدان أشخاص مقربين، وفي هذه الحالة يكون الطفل أكثر قلقا بشأن الأم أو الأب، وهنا يجب إطلاعه على كل التفاصيل، بل وإشراكه في محاولات تخفيف الكارثة على المقربين منه.

وتؤكد مي أن الطمأنينة الكاذبة في هذه السن لا تنجح إطلاقا في تخفيف حدة القلق الناجم عن استشعار الكارثة، وتنصح أستاذ طب نفسي الأطفال بأن جملا مثلا: "أنت آمن سأحميك دوما"، أو "أنا موجود فلا تقلق"، ستكون أكثر طمأنة من مقولة، "لا داعي للقلق"، ثم الصمت بعدها.

وحين القلق من الكوارث، لا تتعامل مع طفلك البالغ على أنه شخص راشد، ولا تدع شاربه الذي بدأ في الظهور يمنعك من احتضانه، أو النوم بجانبه، فأقرب طريق للاطمئنان هو التلامس الجسدي القريب بين الطفل وعائلته.

وتؤكد مي عيسى أن من أهم الأشياء التي تقلل من حدة القلق المرتبط بالكوارث عند الأطفال، هو مراقبة ما يتعرضون له من وسائل الإعلام المختلفة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وحظر أي أخبار سيئة عن الكارثة وتأثيراتها على الأطفال.

وتعدّ أن السماح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم وقلقهم، سواء بالكتابة أو الرسم، أو حتى بالحديث مع المقربين، وإعادة سرد القصة يفتح مجالا لرسم المشاهد بطريقة أخرى، قد تساعد الطفل على التقبل والهدوء.

قد تعاود أعراض القلق ظهورها المفاجئ حتى بعد زوال السبب المباشر له (شترستوك)

من قال "لا أعلم" فقد أفتى

ليس ضروريا أن تكون الشخص المالك لكل المعلومات، والخبير بكل ما تحمله الكارثة من جوانب، ليس هناك مشكلة أن تكون جاهلا ببعض الجوانب، حتى وإن تركت الحديث فيها متعمدا، رغم علمك بالحقيقة.

وتقول مي عيسى، أستاذ الطب النفسي، إنه ليس من الضرورة أن تجيب طفلك -مثلا- عن عدد الأطفال المفقودين في كارثة الإعصار أو الزلزال، كما لا داعي لإخباره عن الآثار الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا على المدى البعيد . فتلك الإجابات لن تفيده في شيء، لكن آثارها السلبية ستكون عميقة، وتزيد من حدة القلق لديه، ولذا فإن الصمت عنها، وقول "لا أعلم" هو الطريق الأسلم للنجاة.

المصدر : الجزيرة