أفغانستان.. ضعف في رعاية الأمومة ومستشفيات الأطفال مكتظة

أطفال يتلقون العلاج ويخضعون للفحوصات في مركز الصليب الأحمر لعلاج الأطفال المصابين بالشلل الدماغي.
معظم مستشفيات أفغانستان لا تتوفر فيها رعاية أو أقسام خاصة بمرضى الشلل الدماغي (الجزيرة)

كابل- إذا سألت في العاصمة الأفغانية عن أهم مستشفيات رعاية الطفولة والأمومة، فسيقال مستشفى ملالي التخصصي للنساء ومستشفى أنديرا غاندي للأطفال، وأول انطباع لمن يدخل مبنى الأخير هو اكتظاظه بشكل لافت، فطفلان أو ثلاثة ينامون على سرير واحد، والأسرة ممتدة في الممرات.

وتؤكد الأرقام التجاوز الدائم للطاقة الاستيعابية للمستشفى من 150 إلى 400 طفل طوال أيام العام، وهو الحال نفسه بصورة مصغرة في أقسام رعاية الأطفال في معظم مستشفيات أفغانستان الأخرى التي تزدحم بالأطفال الذين يعانون من مختلف الأمراض وفي مقدمتها سوء أو نقص التغذية وما ينتج عن ذلك من معاناة.

لا اهتمام برعاية صحة الأطفال طوال سنوات الحرب

بعد لقاء بمدير المستشفى رافقنا الدكتور أمير محمد جلالي أخصائي الأطفال في جولة على أقسامه، قائلا إن هذا المستشفى تم تأسيسه في عهد الملك ظاهر شاه عام 1964، وكان يعيش آنذاك في مدينة كابل 500 ألف شخص فقط، والآن يعيش فيها 7 ملايين نسمة، ولم ينشئ أحد مستشفى آخر للأطفال ولم يشيد مبنى خلال 40 عاما "ونحن نطالب المجتمع الدولي بالتعاون في هذا المجال حتى تكون لدينا مبانٍ متخصصة، وأن يدرب متخصصين في الداخل والخارج وتتوفر لدينا الأدوات، فقد كثر عدد المراجعين".

وأضاف أخصائي الأطفال "على مستوى الوزارة نقول إن هذا المبنى هو نفسه الذي بني قبل 50 عاماً، والقدرات محدودة. نحن نطالب المجتمع الدولي بأن يساعدنا في جميع جوانب الرعاية الصحية، ولا نريد أن يشعل أحد لنا الآلة الحربية بل نريد المنظومة الصحية لأن أطفالنا عانوا كثيرا والناس يعيشون في أسوأ حالة".

الدكتور جلالي أوضح أن وضع الخدمات الصحية لأطفال أفغانستان نتيجة تراكمات حروب امتدت 4 عقود، مضيفا "الحكومات السابقة لم يكن لديها مشروع خاص بأطفال أفغانستان. قبل هذه الأنظمة كان أطباؤنا يذهبون إلى فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة والهند للتخصص ويعودون بشهادات التخصص".

وتابع: للأسف خلال هذه الـ 40 سنة الأخيرة غادر البلاد أطباؤنا الذين تلقوا التعليم في الخارج، ولم تكن الفرصة مواتية لتطورهم في الداخل، فالأنظمة السابقة لم تكن لديهم مشاريع كهذه، بل اهتمت بإبقاء الآلة الحربية نشطة.

أطفال يتلقون العلاج ويخضعون للفحوصات في مركز الصليب الأحمر لعلاج الأطفال المصابين بالشلل الدماغي.
مركز الصليب الأحمر لعلاج الأطفال المصابين بالشلل الدماغي (الجزيرة)

افتقاد الرعاية الحكومية بمرضى الشلل الدماغي

من اللافت أن معظم مستشفيات أفغانستان -وربما كلها في تقدير البعض- ليس فيها رعاية أو أقسام خاصة بمرضى الشلل الدماغي من الأطفال، رغم تزايد واضح في حالاته، وهو المرض المرتبط بأسباب وعوامل كثيرة منها الآثار البيئية للحروب، وتدني الرعاية الصحية للأم والطفل خصوصاً في الأرياف خلال الحمل وعند ساعة الولادة، إضافة للولاداتِ المبكرة، وغيرها من الأسباب.

وعن أسباب ارتفاع حالات الشلل الدماغي يقول الدكتور جلالي "ليست لدينا فرق كافية من أخصائيي التوليد حتى يتم منع كل عوامل الشلل الدماغي، وخاصة اللحظات الأولى، كعدم وصول الأوكسجين إلى الدماغ. في الدقائق الخمس الأولى إن لم يصل الأكسجين فسيؤدي للإصابة بالشلل الدماغي".

ويضيف: إن كان لدى المصابين مرض اليرقان ولم يتم تشخصيه فهذا يؤدي للشلل الدماغي. فالإمكانيات محدودة حاليًا، والمجتمع الدولي لم يساعدنا سابقا بهذا المجال وهو مدعو ليساعدنا ويعمل على تدريب وتطوير رعاية الأمهات والتوليد.

الانتظار لشهور للحصول على أول فحص

توجهنا إلى مركز للصليب الأحمر الدولي في كابل حيث يتوجه آلاف الآباء والأمهات شهريا حاملين أطفالهم المصابين بالشلل الدماغي.

هناك يطلعك المسؤولون على أرقام مخيفة، فأكثر من 12 ألف طفل مصاب بالشلل الدماغي مسجل لتلقي العلاج في مركز كابل وحده، وهناك ما بين 8-10آلاف حالة شهريا يتم التعامل معها في مراكز الصليب الأحمر الستة، وهي في العاصمة وهيرات وهلمند ومزار الشريف وجلال آباد.

ويعمل في تلك المراكز كادر طبي وتأهيلي معظمهم من الأفغان ذكورا وإناثا، ويكاد يكون الصليب الأحمر الدولي الجهة الوحيدة التي أولت هذا المرض اهتماما واضحا وخاصا.

تقول ماريا ريجنا زوليا نيلو المشرفة الإيطالية بمركز اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كابل "الحكومات المتعاقبة ظلت منشغلة ومستغرقة في قضايا أخرى، والشلل الدماغي يحتاج لمتابعة طبية للطفل مدى الحياة، والبرامج التي رأتها في أفغانستان للتأهيل فقط".

وأضافت "أطفال الشلل الدماغي بحاجة إلى علاج ما يتعلق بالنطق واللغات والتعلم والمهارات، فهذا جزء من مهمة تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة لتحسين نشاطهم ولتتحسن حياتهم، وكل هذه الخدمات غير متوفرة وغائبة عن أفغانستان. أطفال الشلل الدماغي يحصلون على التأهيل فقط".

وأوضحت أن معالجي الصليب يحاولون العمل مع العوائل لإيصال الطفل إلى أفضل إمكاناته، لكن الطفل الذي يعاني الشلل الدماغي يحتاج للمزيد من احتياجاته للحصول على التعليم مثلا، بينما ليس هناك تعليم خاص بأطفال الشلل الدماغي.

وتابعت: حتى لو كان بينهم أذكياء فهم لا يقدرون على التواصل بشكل جيد. رغم ذكاء الطفل المريض لكنه لا يستطيع استخدام الورقة والقلم، وليست هناك فرص لهم في الفصول لمقاعد ووسائل تعليمية خاصة، فالمدارس غير مؤهلة لهذه الفئة من الأطفال.

أحيانا ينتظر الأطفال شهورا حتى يصلهم الدور لأول فحص، فقائمة الانتظار كان فيها ما بين 300-400 طفل في مركز كابل وحده، من الذين يأتون لأول مرة. وقائمة انتظار المتابعة بعد ذلك تستمر لنحو 8-9 أشهر، والعدد يتزايد مع الوعي بهذا المرض.

ومع سهولة السفر الآن وحرية الحركة خلال الشهور الماضية بسبب الوضع الأمني، أصبحت مراكز الصليب الأحمر تشهد المزيد من الأطفال الذين يأتون من المناطق الريفية.

أطفال يتلقون العلاج ويخضعون للفحوصات في مركز الصليب الأحمر لعلاج الأطفال المصابين بالشلل الدماغي.
أحوال البلد وقلة حصول النساء على الخدمات أثرت بشكل كبير على عدد الأطفال الذين يصابون بالشلل الدماغي (الجزيرة)

الأمهات لا يحصلن على رعاية

تقول المشرفة الإيطالية "كل أحوال البلد ومشاكل حصول النساء على الخدمات أثرت بشكل كبير على عدد الأطفال الذين يصابون بالشلل الدماغي وغير ذلك من الإعاقات".

وأضافت "ما نراه هو أن الأمهات اللاتي لم يحصلن على رعاية الأمومة قبل ولادة أطفالهن، وخلال ساعة الولادة، تواجههن مشاكل، ففي بعض مناطق أفغانستان النساء لا يلدن أطفالهن بالمستشفيات، بل في المنازل على يد قابلات تقليديات، وهذا له أثر على عدد الأطفال الذين يتعرضون لإصابات عصبية ودماغية خطيرة".

وتابعت: لا بد من التأكيد على الوقاية، فلدينا أعداد كبيرة من الأطفال يحتاجون للرعاية حاليا ويتعامل مع بعضهم الصليب الأحمر، لكن علينا العمل على تقليل نسب إصابة أطفال آخرين مستقبلا، من خلال رعاية صحية للأمهات وتغذية جيدة خلال حملهن وساعة الولادة، كما يجب أن يحصل الأطفال على الرعاية الصحية التي يحتاجونها.

وهذا الأمر يستلزم رفع مستوى رعاية الأمومة خلال الحمل، وخلال الولادة، وتوفير خيارات للولادة، في البيت أو العيادة أو المستشفى، ووجود إمكانية إجراء عمليات قيصرية عند تعرض الأم أو الطفل للخطر وتعذر الولادة الطبيعية، بحسب مسؤولة الصليب الأحمر.

كما أن هناك حاجة لرعاية الطفولة بشكل جيد بفحوصات مبكرة للأطفال وإعطائهم المطاعيم الخاصة، ومراقبة مستويات غذائهم، وتوفر فحوص أطباء الأطفال، وفق المتحدثة نفسها.

أطفال يتلقون العلاج ويخضعون للفحوصات في مركز الصليب الأحمر لعلاج الأطفال المصابين بالشلل الدماغي.
هناك حاجة لرعاية صحية وإجراء فحوصات مبكرة للأطفال وإعطائهم التطعيمات الخاصة (الجزيرة)

ضعف رعاية الأمومة

الدكتورة ملالي فيضي رحيمي كانت ممن عينتهن حكومة حركة طالبان بعد وصولها إلى الحكم لترأس مستشفى ملالي التخصصي للنساء في كابل.

وفي حديثها للجزيرة، قالت رحيمي "إن دور المرأة في المجتمع الطبي أو الصحي الأفغاني له أهمية فائقة، فتعداد السكان يتراوح بين 35 و38 مليون نسمة، وعدد كبير منهم نساء، فمن المهم حضور الطبيبة (طبيبة أمراض النساء والتوليد) لتتمكن من تقديم خدمات صحية مهمة للغاية للأمهات، وحاليا لا تتوفر مراكز صحية جيدة في ولايات بعيدة ومناطق نائية بالبلاد، وإن كانت المراكز موجودة فليس فيها الكوادر الطبية النسائية".

وأضافت: بسبب أن الناس ينقلون المريضة من ولاية أو مديرية بعيدة فربما تتوفى قبل أن تصل إلى مركز الولاية. ولو كانت لدينا طبيبة في تلك المناطق البعيدة تقدم خدمات طبية لأولئك النسوة فستنخفض أرقام الوفيات، وتتراجع المشاكل الصحية التي تواجهها الأم أثناء الحمل والولادة".

وتقول الدكتورة ملالي "في مستشفى ملالي يتكون الطاقم الطبي من 446 شخصاً، 90% منهم نساء، ولدينا ما بين 80 و100 ولادة في اليوم والليلة، ومن 40 إلى 50 عملية جراحية للتوليد في اليوم والليلة، كما يراجع المستشفى ألف إلى 1500 شخص خلال اليوم والليلة".

وتشير إلى أن التحديات والمشكلات في المستشفى عديدة، مثل عدم توفر المعدات والوسائل الطبية، ونقص المعدات الطبية، كما أن الطاقم غير كافٍ.

المصدر : الجزيرة