"التربية اللطيفة".. أسلوب حديث للتعامل مع الأطفال والمراهقين

مايجب أن تعرفه الأمهات الحوامل والمرضعات حول فيروس كورونا
التربية السليمة ليست سهلة بل مهمة شاقة لكل الأمهات (غيتي)

بيروت – تمتاز الطرق التربوية المعاصرة بالانفتاح والتجدد وفن الحوار مع الأطفال على نحو يعزز ثقتهم بأنفسهم، ومن أنجح الطرق الحديثة وأكثرها استخداما في المدة الأخيرة أسلوب "التربية اللطيفة" التي تتضمن تجنب العقاب والضرب والصراخ والتهديد.

الجزيرة نت التقت أمهات ليتحدثن عن تجاربهن في التربية الحديثة مع أطفالهن، كما التقت سلام سحويل خريجة علم الاجتماع واختصاصية الدعم النفسي الاجتماعي في "جمعية شهد"، لتقدم نصائحها للأمهات والآباء بوصفها واحدة من المدربات على التربية الحديثة.

6لبنى الرفاعي قررت الاعتماد على احساسها وعقلانيتها ووعيها وتحسين علاقتها بولديها- (جزيرة نت).
لبنى الرفاعي قررت الاعتماد على إحساسها ووعيها وتحسين علاقتها بولديها (الجزيرة)

الاعتماد على الحدس

لبنى الرفاعي والدة لصبيين تجد نفسها حائرة بين ما اكتسبته من تربيتها من والدتها وما قرأته من كتب التربية الحديثة وحاولت تطبيقه مع أبنائها، لكن الواقع أصعب بكثير مما قرأته، فقد وجدت نفسها في طريق مسدود وعلاقتها سيئة مع ولديها، لذلك قررت الاعتماد على إحساسها ووعيها لتحسين علاقتها بهما وإيجاد لغة حوار حتى لا تشعر بالضياع والتشتت.

وسعت لبنى لتكون أما محبّة ومتفهمة تعرف متى تكون حازمة، ومتى تكون متعاطفة، ومتى تكون مرتاحة، ولم تعد تشغل بالها كثيرا بقصص التربية الحديثة ومن يتفق عليها ومن يعارضها، إنما اعتمدت على حدسها وأزالت شعور الخوف من ارتكاب الخطأ في التربية الحديثة والشعور بالذنب تجاه الأبناء.

التوازن وعدم الإفراط

ويعدّ علي سعد من الآباء الذين اعتمدوا طرق التربية الحديثة باتباع أسلوب الإقناع والحوار مع ابنه البكر محمد حتى عندما يكون عنيدا وعصبيا ومتوترا ومتمردا، وتابع معه التعامل بالتوازن وعدم الإفراط في الشدّة ولا في التدليل، كما أنه يسمح له بالتعبير عن رأيه عندما يوبّخه، ليستوعب أنه يجب أن يحافظ على احترام الآخرين وتقديرهم، وبذلك لن يتجاوز على الأم أو الأب بالكلمات، أو بطريقة الكلام أو بأسلوب التعامل.

ويوضح سعد أن ابنه محمد أصبح الآن في عمر7 سنوات وهو متفهم كليا لكل الطرق التي اكتسبها في التربية وصار صاحب شخصية مستقلة، هادئة متفهمة على قدر كبير من الثقة وبعيدة عن "الوقاحة" وفيها كثير من التوازن.

وينصح سعد الأهل بأن يقدموا الحب لأولادهم، وأن يكونوا القدوة الحسنة لهم، وأن يعتمدوا أسلوب اللطف والحزم وليس العقاب والعنف والضرب وغير ذلك من الوسائل التي تؤثر سلبا في شخصية الطفل ونفسيته.

كما أن من الضروري أن يكون الأهل مصدر الأمان لأبنائهم وأن لا يشعروا بالخوف والقلق معهم.

ويجب أن يكون للآباء تأثير إيجابي على الأبناء حتى لو أخطؤوا، فمن المفروض مساعدتهم لمعرفة الخطأ من دون إحداث أثر سلبي على نفسيتهم. وبالنهاية، يجب الحرص دائما على التغيير الأفضل للأبناء بشكل إيجابي، حسب سعد.

علي سعد يعتبر من الآباء الذين اعتمدوا طرق التربية الحديثة واتباع اسلوب الاقناع والحوار مع ابنه البكر (محمد) حتى لو كان عنيداً- (جزيرة نت).
علي سعد اعتمد طرق التربية الحديثة واتباع أسلوب الإقناع والحوار مع ابنه محمد (جزيرة)

تعويد ثقافة الاعتذار

الأم إلينا سبيتي تعاني وتشعر بالذنب تجاه ابنها يوسف نتيجة الإهمال الذي تعرض له من قبل الطرفين، بين انشغال الأب الدائم خارج المنزل وعدم اكتراثه لتربية ابنه واحتياجاته النفسية وعدم تخصيص الوقت الكافي له، وكذلك قلة رعاية الأم التي لم تبال أيضا بتربية ابنها وانشغلت بنفسها وزياراتها واحتياجاتها وتجاهلت وجود ابنها، لدرجة أنه أصبح عدوانيا، انطوائيا، لا يحب التحدث مع الآخرين إلا بلغة الازدراء والسخرية.

وتكمل سبيتي حديثها بـأنها أدركت بعد مدة وجيزة الخطأ الكبير الذي ارتكبته بحق ابنها يوسف فحاولت تصحيحه بأسلوب الحب والحنان مع رفع ثقته بنفسه، وإجراء حوار معه فيه مزيد من التفاهم والتعاطف.

ومن الأشياء المهمة في تربية الطفل، وفقا لسبيتي، تعويده ثقافة الاعتذار عند التعامل مع الآخرين بتصرفات خاطئة، ويكون هذا عن طريق اعتذار الأم والأب للطفل عند التعرض لبعض المواقف التي تتطلب ذلك، وهذا يجعل الطفل يقلدهما ويحثه على الاعتذار للآخرين عند الخطأ، مع تجنب الشدة والعنف والعقاب والضرب.

وتختتم سبيتي بحسرة أن زوجها لم يشعر بالأسف نتيجة إهماله الزائد لابنه ولم يحاول التقرب إليه أو احتضانه.

midan - رئيسية اعتذار1
تعويد الطفل ثقافة الاعتذار من متطلبات التربية الحديثة (مواقع التواصل)

تطبيق نظرية "التربية اللطيفة"

من جانبها، ترى الاختصاصية سلام سحويل أن التربية السليمة ليست سهلة، بل مهمة شاقة لكل الأمهات، لذلك من الضروري وجود توعية لتصحيح طريقة التربية، ومن أهم قواعدها اتباع أسلوب الحوار والمناقشة مع الطفل ولكن ليس بأسلوب العنف والضرب أو العقاب، إذ للنقاش بأسلوب حضاري تأثير كبير في شخصية الطفل وتصرفاته داخل الأسرة وفي المجتمع، ومن ثم يعتاد تبادل الآراء مع الآخرين واحترامها، وعدم التسلط والحزم الشديد.

وقامت سحويل بمجموعة تجارب مع أمهات طبّقن أسلوب "التربية اللطيفة" مع أولادهن ونجحن في تنفيذه أكثر من الأساليب الأخرى، وأثبتن أن أسلوب الحوار هو الأقوى والأكثر توازنا، فهو لا يعتمد الشدة المفرطة ولا التساهل الكبير بل يمسك الأمور من وسطها، ويتيح الفرصة للطفل ليثبت شخصيته من دون تردد ويعبّر عن نفسه وعن أفكاره وعن مشاعره من دون أي خوف.

سلام سحويل: فن الحوار مع المراهقين يعتمد على الحب والحزم والوضوح والتفاهم (الجزيرة)

أما أسلوب العقاب فله مفهوم آخر غير العنف، خصوصًا مع الأطفال بعمر 6 سنوات حتى 11 سنة، فيرتكز أسلوب التربية الحديثة معهم في ما يخص العقاب على الإصلاح وإتاحة فرصة ثانية لهم لإصلاح أخطائهم بأنفسهم ليتفادوا هذا الخطأ مجددا، فمثلا لا تتكلم الأم مع ابنها فترة من النهار لتشعره بالذنب تجاه ما قام به، أو مثلا تجلس كل الأسرة في غرفة والطفل يجلس في زاوية الغرفة دقيقتين لا أكثر ليشعر أنه معاقب.

وتوضح سحويل للجزيرة نت أن الأمر لدى المراهقين مختلف لأن فن الحوار معهم يعتمد على الحب والحزم والوضوح والتفاهم، كما يجب أن يكون هنالك بين الأهل والمراهق اتفاقية معينة مبنية على شروط، وينبغي عدم الإخلال بهذه الاتفاقية، وهذا الأسلوب هو الأكثر ضمانا ونجاحا للجانبين.

المصدر : الجزيرة