هل يحتاج حزن طفلك إلى علاج نفسي؟

قد يتعافى معظم الأطفال من الحزن دون أي مشاكل عاطفية طويلة الأمد (بيكسلز)

يظن كثيرون أن الأطفال لديهم قدرة كبيرة على النسيان، ومن ثم يستطيعون تجاوز أحزانهم بدرجة أسرع وأيسر من البالغين.

لكن في الحقيقة، إن أحزان الأطفال تترسخ في الذاكرة، وتؤثر نفسيا وسلوكيا عليهم لفترات طويلة قد تمتد لسنوات، خاصة لو كان ذلك الحزن بسبب فقد أحد المقربين من الطفل، مثل أحد الأشقاء أو الوالدين أو أحد الأجداد أو صديق أو حيوان أليف. لكن متى يقرر الوالدان اللجوء إلى المختصين لإيجاد الطرق الصحيحة لإدارة هذه المحنة؟

قد لا يستطيع أفراد الأسرة تقديم الدعم النفسي المناسب للطفل، لا سيما إذا كانوا يعانون من سبب الحزن نفسه (بيكسلز)

لماذا قد تكون هناك حاجة إلى المشورة؟

يمكن أن تساعد استشارات الحزن في إيجاد طرق صحية للتعامل مع الأطفال في محنتهم، وفهم مشاعرهم وكيفية التعبير عنها. وقد يتعافى معظم الأطفال من الحزن بدون أي مشاكل عاطفية طويلة الأمد، لكن يعاني بعضهم من مشكلات عاطفية كبيرة تستمر مع مرور الوقت.

يُبلِّغ الأطفال الذين يعانون من مشكلات طويلة الأمد بعد فقدان أحد الأحباء عن مستويات عالية من التوتر. وقد يكافحون من أجل التركيز في المدرسة، أو ربما تظهر عليهم مشكلات سلوكية متزايدة. قد يكون الأطفال الذين يكافحون من أجل إدارة حزنهم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب التكيف.

وبحسب مقال المعالجة النفسية لآمي مورين -على موقع "فيري ول فاميلي" (very well family)- في بعض الأحيان، تنشأ أزمة نفسية مستمرة لدى الطفل عندما تنجم الخسارة عن ظروف صعبة بشكل خاص.

على سبيل المثال، الطفل الذي ينجو من حادث يموت فيه أحد أفراد أسرته قد يشعر بمزيد من الذنب والخوف والارتباك.

قد يعاني الأطفال أيضًا من الشعور بالذنب المفرط بشأن وفاة أحد أفراد أسرته؛ فقد يعتقد الطفل أن غضبه من شخص ما قد يؤدي بطريقة ما إلى موت ذلك الشخص، أو قد يعتقد الطفل أن سلوكه تسبب -بطريقة ما- في حدوث شيء سيئ. ويمكن أن تساعد استشارات الحزن الطفل على تطوير معتقداته بصورة صحية.

وتابعت مورين قد لا يستطيع أفراد الأسرة تقديم الدعم النفسي المناسب للطفل، لا سيما إذا كان جميع أفراد الأسرة يعانون من سبب الحزن نفسه، كفقد الأب؛ إذ لا تستطيع الأم التي تحزن على فقدان زوجها أن تكون حاضرة عاطفيا لطفلها، أو الأب الذي يشعر بالحزن على فقدان أحد الوالدين قد يواجه صعوبة في التحدث إلى الأطفال حول الفقدان، في حين أنه يعاني أيضًا من مشاعر الحزن ذاتها.

قد يعاني الأطفال أيضًا من الشعور بالذنب المفرط بشأن وفاة أحد أفراد أسرته (بيكسلز)

ماذا يحدث خلال جلسات استشارات الحزن؟

ما يحدث في أثناء استشارات الحزن يعتمد على عمر طفلك واحتياجاته، ولكن في ما يلي بعض الأشياء التي قد تحدث في أثناء جلسة الاستشارة:

  • يطلب المعالج من الطفل رسم أو تلوين صور أحد أفراد أسرته المتوفى وأن يحدد أكثر ما سيفتقده في هذا الفرد.
  • إعداد بعض المناسبات مع العائلة، لمساعدة الطفل على تكريم ذكرى أحد أفراد أسرته بعد وفاته، مثل ذكرى عيد ميلاد هذا الشخص.
  • الحديث عن كل المشاعر التي تنبع من الحزن، وتطوير التعامل مع الحزن عبر طرق، مثل الرسم أو التحدث إلى صديق أو النظر إلى الصور القديمة معه واستحضار ذكرياتها، فالهدف ليس نسيان الشخص المتوفى، وإنما كيفية التعامل مع الحياة اليومية رغم غيابه.
  • استخدام العلاج باللعب، لمساعدة الأطفال على معالجة فقدانهم بطريقة صحية. وإنشاء سجل قصاصات من ذكرياتهم المفضلة مع أحبائهم، سواء كان ذلك في صورة كتاب صغير أو ألبوم صور أو مقطع فيديو، إذ يتم تحديد ذلك، اعتمادا على عمر الطفل واهتماماته وحالته النفسية وتفاعله.

الحديث عن الموت

معظم الأشخاص الأصحاء لديهم درجة ما من القلق بشأن الموت. وتشير الدراسات الاستقصائية الوبائية الأميركية إلى أن ما يصل إلى 10% إلى 15% من الأميركيين لديهم ما يسمى أحيانًا بقلق الموت، خاصةً إذا كانوا يتعاملون بالفعل مع فقدان أحد الأحباء أو القلق أو مرض أحد الوالدين.

لهذا السبب، من المهم جدًا أن تتضمن محادثاتك مع أطفالك حول الموت لغة صريحة وصادقة بدلاً من العبارات اللطيفة أو المصطلحات الغامضة. ففي حين يصعب مناقشة نهائية الموت، من المهم أن نكون صادقين بشأن حقيقة الموت ذاته.

قد تبدو الكلمات اللطيفة أسهل وأكثر ملاءمة للأطفال، إلا أنها في الواقع يمكن أن تؤدي إلى نتيجة عكسية؛ فعلى سبيل المثال، قول بعض الناس للأطفال عن الميت إنه "نائم" أمر محير، ويعني أن الشخص سوف يستيقظ في النهاية. علاوة على ذلك، قد يتسبب ذلك في خوف بعض الأطفال من النوم أيضًا. كما أن كلمات مثل "الجدة لم تعد معنا" أو "فقدنا جدي" غير مفيدة وغير واضحة.

بالنسبة للطفل، يمكن أن يساء تفسير هذه العبارات على أنها تعني أن الموت مؤقت، أو أن الشخص مفقود بطريقة أو بأخرى وليس ميتًا.
فإذا كان طفلك بحاجة إلى مزيد من التفسير حول معنى الموت، فيمكنك تقديم تفسير عام، مثل "جسده لم يعد يعمل".

كما أنه يساعد في تذكير الأطفال بأنه ليس كل من يمرض سيموت، وأن كثيرا من الناس في الواقع يمرضون ويتعافون. إن تذكيرهم بهذه الحقيقة يمكن أن يريح بعض مخاوفهم.

يؤكد معظم الأطباء النفسيين أهمية التحدث إلى الأطفال عن الموت منذ سن مبكرة بطريقة صادقة (بيكسلز)

متى يجب أن تطلب المساعدة المهنية؟

إذا رأيت أيًا من العلامات التحذيرية التالية بعد الفقد، فمن المهم اتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة طفلك باللجوء إلى المعالج النفسي، خاصة إذا استمرت هذه الأعراض لأكثر من أسبوعين:

  • كثرة الأحلام السيئة عن الموت أو الكوابيس.
  • عدم الاهتمام بالأنشطة السابقة.
  • الشكاوى المزمنة من الصداع وآلام المعدة أو أعراض جسدية أخرى من دون سبب طبي معروف.
  • زيادة مشاكل السلوك.
  • تغيرات في المزاج.
  • تراجع ملحوظ في الأداء المدرسي.
  • زيادة العزلة الاجتماعية.
  • نوبات غضب متكررة عنيفة من دون أسباب واضحة.
  • الخوف الشديد من الموت أو فقدان أحد أفراد أسرته.

ضع مخاوفك جانبًا

يؤكد معظم الأطباء النفسيين أهمية التحدث إلى الأطفال عن الموت منذ سن مبكرة بطريقة صادقة وغنية بالمعلومات، ويقترحون أن يصور الآباء الموت كجزء طبيعي من دورة الحياة، حتى قبل حدوث الوفاة؛ وذلك لأن العديد من الآباء يقاومون مناقشة الموت، حتى يموت أحد أفراد الأسرة أو حيوان أليف. وهو ما يتسبب في أزمات عاطفية شديدة لدى الطفل.

المصدر : مواقع إلكترونية