تتوارثه النساء عبر الأجيال.. كيف تحمين أبناءك من الإصابة بـ"جرح الأم"؟

عبارات يجب ألا تقولها لطفلك أبدًا من أجل احترامه لذاته
تعامل الأم بجفاء مع أطفالها من بين الأسباب التي تؤدي إلى معاناة الأبناء من "جرح الأم" (غيتي)

تظن بعض الأمهات أن الأولوية الكبرى من مسؤولياتهن تجاه أبنائهن تتمثل في تلبية الاحتياجات الجسدية من طعام وكساء ونوم، ويعتقدن بذلك أنهن يقدمن لأبنائهن أفضل رعاية ممكنة، وربما لا تعير بعض الأمهات كثيرا من الاهتمام باحتياجات أطفالهن العاطفية، مثل الارتباط بالأم واستقبال الحب والشعور بالأمان والاهتمام منهن.

ويتسبب هذا الإهمال للاحتياج العاطفي للطفل وبعض العوامل الأخرى في معاناة الأطفال مما يسميه المحللون النفسيون والباحثون "جرح الأم"، الذي غالبا ما يصيب البنات ويؤثر على علاقاتهن المستقبلية وعلاقاتهن بأزواجهن، وكذلك قد يعاني الأولاد من ألم هذا الجرح أيضا.

فقدان الأمومة

أوضحت المعالجة النفسية شيري جابا -لموقع "سيكولوجي توداي" (Psychology Today)- أنه يمكن تعريف "جرح الأم" بأنه "فقدان الأمومة أو نقصها، ويتناقل هذا القصور في علاقة الأم وابنتها أو الأم وابنها عبر الأجيال، وهو أيضا انعكاس لعلاقة الأم بأبويها".

وأضافت أن هذه الحالة "لا تعد تشخيصا محددا، لكنها طريقة للنظر في كيفية ارتباط السلوكيات الاعتمادية للأفراد بما فقدوه في الماضي".

ما هو "جرح الأم" وكيف تشفين منه
"جرح الأم" هو فقدان أو نقص الأمومة، ويتناقل هذا القصور في علاقة الأم وابنتها أو الأم وابنها عبر الأجيال (شترستوك)

إهمال وتجاهل

وتتسبب عدة سلوكيات للأم في إصابة أبنائها بجرح الأم، منها:

انشغال الأم أغلب الأوقات عن طفلها

يعني ذلك الاهتمام بالاحتياجات الجسدية للطفل، وإهمال الاحتياجات العاطفية، أي أن الأم لا تقدم الحب والاهتمام العميق الذي يحتاجه جميع الأطفال، ولا تتعاطف معه للتصديق على مشاعره وقت الحاجة، بجانب كبت مشاعر الطفل السلبية وعدم السماح له بالتعبير عنها، وعدم تعليمه كيفية التعرف على مشاعره وإدارتها.

وأوضحت الدكتورة شهد إبراهيم استشاري العلاج النفسي، للجزيرة نت، أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى معاناة الأبناء من جرح الأم، هو "تعامل الأم بجفاء مع أطفالها، والنقد الشديد، بمعنى إظهار سلبياتهم وعدم ذكر إيجابياتهم، والمقارنة بينهم وبين الآخرين".

وأضافت أن "الاحتياجات النفسية الأساسية، مثل شعور بالحب والقبول والأمان والثقة واحترام الذات، تقع في قاعدة هرم الاحتياجات النفسية للإنسان، وإذا لم يتم إشباعها من الأم، ينتقل الشخص للمرحلة التالية وهو فاقد لهذه المشاعر، ولا يمتلئ هذا الفراغ مهما أشعره الآخرون بما يفتقده، ولن يستطيع استقبال وتصديق مشاعرهم".

سلسلة من الألم

عدم تلبية الأم للاحتياجات العاطفية لأطفالها قد يكون ناتجا عن تعرضها هي شخصيا لإساءة نفسية أو جسدية أو صدمة عاطفية، لم تعالج آثارها؛ فتصبح غير قادرة على تقديم الحب والرعاية التي يحتاجها أطفالها.

فلا يستلزم الأمر أن تكون الأم مسيئة لأطفالها أو مهملة لهم إهمالا تاما، لكنها لا تبني علاقة عاطفية مع أبنائها ولا تربطها بهم صلة عميقة ولا تصغي لاحتياجاتهم في هذا الجانب.

وذكرت المعالجة النفسية أن "بعض الأمهات يتصرفن مع أبنائهن بهذه الطريقة من دون إدراك لعواقب مثل هذه السلوكيات، وربما تكرر بعض الأمهات سلوكيات أمهاتهن من دون وعي، ويصبح الأمر أشبه بالسلسلة فتوّرث من جيل إلى جيل"، وتضيف "حتى عند إدراكها، قد لا تعلم طريقة أخرى للتربية وتقديم الدعم والحب للأبناء".

ما هو "جرح الأم" وكيف تشفين منه
"جرح الأم" لا يعني دائما أن تكون الأم مسيئة لأطفالها أو مهملة لهم إهمالا تاما، لكنها لا تبني علاقة عاطفية عميقة معهم (شترستوك)

تشوه عاطفي

لدى من يعانون من "جرح الأم" مخاوف واضطراب عام بشأن مشاعر أمهم ناحيتهم: هل تحبهم أم لا؟ أو هل تحب أشقاءهم الآخرين أكثر منهم؟

وبالتالي، يشعر هؤلاء بعدم ثقة وتذبذب حيال علاقتهم بأمهم، كما يشعرون بالتهديد بفقد هذه العلاقة إذا اقترفوا خطأ ما أو حدث أي شيء غير مقبول.

كما يواجهون صعوبات في الارتباط بالأم بشكل عاطفي، ويحاولون دائما القيام بأفضل ما لديهم والتصرف بشكل مثالي، لمحاولة جذب انتباهها والحصول على قبولها.

لديهم أيضا مشاعر متجذرة بعمق حول حاجتهم إلى السيطرة على الأمور المحيطة والوصول إلى الكمال.

ويعانون مثل هؤلاء من نقص تقدير الذات والثقة بالنفس، وعدم القدرة على التهدئة الذاتية، بسبب افتقادهم الوعي العاطفي وكيفية إدارة المشاعر والتعامل معها بشكل صحي، ويشعرون دائما بالنقص والافتقار إلى القدرات اللازمة للتواصل مع الآخرين.

ويسهم جرح الأم -إذا لم يتم شفاؤه- في أن يصبح الشخص اعتماديا في علاقاته، ويواجه صعوبة في تكوين العلاقات الإيجابية والحفاظ عليها.

وأوضحت المعالجة النفسية أن "هذه العلامات قد تظهر على الطفل بداية من سن 5 سنوات، ومنها ثبوت بعض المشاعر السلبية عن نفسه، مثل الشعور أنه مرفوض وغير مرغوب فيه من الآخرين، والغضب الشديد، والانعزال وعدم القدرة على تكوين صداقات".

كيف تستدرجين طفلك الكتوم ليحكي عن يومه الدراسي؟
لدى من يعانون من "جرح الأم" مخاوف واضطراب عام بشأن مشاعر أمهم ناحيتهم (شترستوك)

هل يمكن للجرح أن يُشفَى؟

في حين أن "جرح الأم" ليس تشخيصا سريريا أو طبيا، إلا أنها حالة يمكن ملاحظتها، ويؤثر التئامه بشكل إيجابي على الشخص وعلاقاته الاجتماعية.

وهذه نصائح الاختصاصيين النفسيين لك:

عبِّر عن الألم

الخطوة الأولى لعلاج "جرح الأم" هي السماح لنفسك للشعور بالألم، واستكشاف مشاعر طفلك الداخلي، واسمح له بالتعبير عن مشاعر التجاهل والرفض وعدم الحب والتقدير في بيئة علاجية آمنة.

أعد بناء صورتك الذاتية

يبني الأطفال مفهومهم عن أنفسهم من خلال طريقة تعامل أمهاتهم معهم، ومع إدراكك أن والدتك لم تكن قادرة على بناء صورتك الذاتية بطريقة إيجابية، يمكنك إعادة بناء تصورك عن نفسك، ورسم صورة عقلية وعاطفية جديدة لنفسك تعبّر عنك في الوقت الحاضر.

وفي الوقت ذاته، تخلى عن المفهوم السابق الذي كونته عن نفسك من خلال علاقتك بوالدتك، ومشاعر الماضي والسلبيات التي عانيت منها خلال طفولتك.

توقف لحظة

من دون اهتمام الأم بالاحتياجات العاطفية، لا يتمكن الطفل من تعلم التعامل مع مشاعره ووصفها والتعبير عن احتياجاته، لذلك تحتاج إلى التعلم عن مشاعرك واستكشافها وكيفية التواصل معها.

توقف وخذ الوقت الكافي لملاحظة ما تمر به، وتسمية شعورك وإدارته والتصديق عليه.

كن لطيفا مع نفسك

نتيجة التعرض للانتقاد الشديد من الأم، قد تجد أنك تتعامل مع نفسك بقسوة وتلوم نفسك طوال الوقت.

وعندما تجد أنك تنتقد نفسك بشدة، انتبه لمن تسمع صوته داخل رأسك، وإذا وجدته صوت والدتك الناقد لك، لاحظ ذلك واعلم أنه لا يعبر عنك، وحاول أن تكون لطيفا مع نفسك وتتعامل معها كما كنت تود أن تتعامل معك والدتك.

امنح نفسك ما افتقدته

يمكننا أن نتعلم كيف نمنح أنفسنا الأشياء التي لم نتلقها في طفولتنا، ونهتم باحتياجاتنا النفسية والعاطفية.

وتنصح المعالجة النفسية بالاستعانة بالعلاج النفسي في رحلة الشفاء من جرح الأم، وأوضحت أنه "باستخدام العلاج السلوكي الجدلي (DBT) والعلاج السلوكي المعرفي (CBT) والمدارس العلاجية المختلفة، يتعلم الشخص كيفية الحصول على احتياجاته النفسية والعاطفية الناقصة، وكيفية التعبير عنها بشكل صحي، وتخفيف الألم الناتج عن جرح الأم، وإيقاف سلسلة الأذى وعدم توريثها للأبناء".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية